anfasseمعارضـة:
لأنه نوّارة الجاه والعلم وصاحب اللسان الجريء ، تبرع بحمل سيل التواقيع وسار
على بساط شجب أحمر ، خلفه تعلو جوقة الأصوات ، تصعد بــــــــ (لا.لا.لا)
على السلم الموسيقي متناغمة ..
وأمام قضبان حديدية ، اصطدمت الأقدام ..تراجعت .. ُالقيت الأسماء
خلف جدران سجن سقفه حدود السماء .. وأختفى  البطل ...!

مقاطعـــــــة:
ارتفع ثوب الأسعار في ليالي الصيف الحار ، افترشت أكوام اللحم
الشوارع والأرصفة ، زينت  الموائد ، انتشرت وجبات سريعة ،  بيضاء ، حمراء ،
صاح مناد  ..من يستر هذا  العري ..من يوقف جحيم  الطوفان .. ؟

anfasse.orgانتهيت من كتابة قصتي. ضمنتها عصارة ما أملك من الجمل والتعابير الفاتنة .عشت مع أبطالها مآسيهم. تحولت إلى بطلة في النص .قرأت القصة مرارا وتكرارا وقلت: ما ينقصها؟ فضاء  وشخصيات وحبكة .إنها عبقرية فذة .والأهم هو أنني قدمت الواقع وتناقضاته بشكل خيالي .فرحت وباركت المولود الأول. قبلتها مرارا وتكرارا.قلت سيصبح لدي اسم بينهم.أعرف أنني امرأة وحظي ضيق. علمتني أمي أن أحترم الرجال وأخبرتني أنهم أفضل منا بكثير .انصعت إلى أوامرها ردحا من الزمن، لكن تبين لي أن أمي على غير حق  .أتذكر يوم طلب مني ابن عمي وبعض أفراد عائلتي من الرجال أن أصلي وراءهم . قبلت الفكرة .وسألتهم  عن كيفية الصلاة مع الجماعة. أمروني  أن أتبع خطواتهم .أعجبتني الفكرة من جديد. ستصبح الصلاة أكثر سهولة . وقفت وراءهم ووجدتهم يرتلون بأعلى صوت وأنا صامتة أترقب وقت سجودهم وركوعهم وقيامهم . لم أتمكن من متابعة الصلاة .بدا لي الأمر غريبا . سلمت وقمت .أخبروني أنني قد أبطلت صلاتهم ، وضيعت الأجر على نفسي .حمدت الله أنهم لم يصدروا فتوى تكفيري.لم أتعمد قطع الصلاة ، لكن عقلي الباطن ربما تصرف دون استشارتي . أو ربما لم استسغ أن أقف حاضرة غائبة وراءهم. المهم أنني سلمت ، وقمت من الصلاة .لم يكن عصيانا لأوامر الله. لكن كان انسجاما مع عقلي المتيقظ .كنت أعرف أن بمجرد ما يصلى العشاء،  تتفرق الوفود النسائية والرجالية .النساء يتممن ما قد بدأنه من أشغال منزلية، والرجال يتوزعون على الحانات والمقاهي . بعضهم يشبع رغباته الجنسية ويعود محملا بغضب طارئ استعدادا لردع أي احتجاج نسائي،  والآخرون يضعون أمامهم كؤوس القهوة يتلذذون بسماع مغامراتهم أو شهواتهم المكبوتة .

anfasse.orgملأت كفي بتفاحة وحذّرتني من ترك الباب. تفاحة كبيرة اضطررتُ لـمَسْـكـها بكلتي يدي. جلستُ على العتبة وأخذتُ أتفرجُ على المارّة في الزنقة وأتشمم مرة مرة تلك الفاكهة التي أحب.
لا أذكر أي فصل كان، قد يكون الصيف، وقد أكون في عطلة، وعمري في حدود العاشرة، ولا أصدقاء لي في الحي وقتذاك. لكن، أين هو أخي الأصغر ليؤنس وحدتي ؟ لعله نائم، أو كان قد مات... ثم فجأة وقف عليّ. لم أحس سوى بظله يحجب عنّي ضوء النهار. يبتسم ببلاهة، وجانبا شفتيه متحلبان بتُـفاله. ينظر في وجهي وإلى ما أمسك بيدي.
طلب مني أن "أذوّقه" من التفاحة، وقال أنه جارنا وأنه يراني ألعب مع أخي فــي السطح وأنه من "بْلادنا" وأننا لا نخرج إلى الزنقـة وو.. مددْتُـها له فقضم منها حتى رأيتُ عينيه تلتصقان بقشرتها، و...

anfasseوقت طويل مضى على جلوسي في هذا المكان الموحش، كنت أرى خلاله أطياف لأشباح لم أعرفها يوماً، أو حدث أن رأيتها، رغم أن شيئاً بداخلي كان يخبرني بغير ذلك، كأن الوجوه مرت في تاريخ الذاكرة البعيدة جداً، أحدهم يبتسم في وجهي وهو يلقي عليّ تحية المساء، بينما يهتف آخر باسمي وهو يشير بإحدى يديه مودِّعاً، وأنا لا أزال متخشباً في مكاني، تظللني عتمة الزاوية التي أركنها، وضوء هارب من فراغ يحيطني.
كثيراً ما كنت أسألني، "أين أنا الآن؟ وما الذي جاء بي إلى هنا؟" لحظات كأنني قررت خلالها الانسحاب كرجل الظل البائس، لكنني لا أفعل، أتسمر على أريكتي، تراودني شكوك بأنني سألتقيه هنا، وفي هذا الشارع تحديداً، وتحت هذه الشجرة أيضاً.
... وكأنه يفكر مثلي تماماً، يحضر إلى الحديقة، يجلس على الأريكة المقابلة لي، يبتسم في وجهي، يحدق كأنه يريد افتراسي، أو كأنه يراني للوهلة الأولى، يسألني:
- من أنت؟
أجيبه بكل تؤده:
- أنا يسري

anfasseعيناك مِثقابان في رأسٍ أشعث، والضابط - الذي كان فدائيا - يساومُ في السوقِ عيون الباعة الحيرى!
أنت الشرش مدوخُ اليهود! صدرك يميلُ الآن، والضابطُ لعينيك يتثنى، ثمّ يزود بالأكياسِ سلة ظهرِك!
عيناك مِثقابان، وساقاك برقة منجل! كنت سهما  في الريحِ، تُرقصُ عسكرهم من حولك! وأنت ابنُ أمّ الشرش! ساكنة الكوخ الغرفة، ثَملت بعودة الفدائيين، فهرولت بالجموعِ إلى الثكنةِ، هزّت ظهرها المكسور، ثمّ هاجت مثل قطة، يوم تلونت الشمسُ، والنسوةُ عن الزغاريد أفرجن!
كنت تُحملُ إليها؛ فتصرخ:
- هل مات؟
فتطلّ بعينيك المِثقابين لتغمز:
- لا

انفاس نتكان وحيدا ، سعيدا وهو ينتظر اطلالتها هذا المساء .بيد أن شعورا غامضا انتابه فجأة فغفى ...
ما كاد يستفيق من غفوته ويتبين ما حوله ، حتى غمس سبابته في جرح ضلعه الأيسر النازف ثم شرع في كتابة أول قصائده على ظهر العارية المستلقاة بجانبه !
تنبهت على دغدغة السبابة فوق ظهرها ..رفعت عينيها فصادف نظرها تفاحة ناضجة .. حدقت فيها برهة ثم ابتسمت في خبث وأغمضت عينيها تتحسس حركة سبابته وتتلذذ بايقاع بوحه الشجي !
توقف عن الكتابة مسحورا بحسن حرف ( الحاء ) المرح .. الفرِح ..حدق فيه ..حملق .. حرارة بدأت تحرقه .. حركة حرنت في حناياه .. حمى .. حواها في حضنه بقوة وحنان وفي حلقه تحمحم حشرجة ثم حلق بها مبحرا في سماء أول حب !
اندست داخل الضلع الدافئ من جديد .. موسقت أو ل ألحانها على وقع دقات قلبه .. ورقصت على ايقاع حشرجاته القادمة من أرهف وتر حساس في أعماقه ..لكنها كلما فتحت عينيها ، بين شهقة وأخرى ، يصطدم نظرها بالتفاحة الطازجة فتبتسم في خبث !

anfasse.orgأنا تمثال سومري افقده التاريخ رأسه ولم يبق سوى كتلة حجر جيري . ولمنامي دستور نصته علي آلهة العشق أن لا اغمض عيني فالمساحات بين جفني حافلة بحقائب العشق الأزلي .
فلكل القلوب شبابيك تطل منها حور للعشق امتلأت بها حروف تلمع من ذهب وفضة تداولتها المناديل لتزيد بريقها . إلا أنا ساد الصدأ فضتي وتآكلت من قحط . وفي كل ربيع ابحث عن حروفي التي لم يبق منها سوى الألف  .
 أدور في باحات قلبي كالطواحين العتيقة افقد في كل حين ذراع . ويَِِِِِهرمُ قلبي على قارعة الطريق متكأ على أعوام طفولتي. حتى باتت السماء تمطر نجوما ماسية ترمي بها في كل الاتجاهات لتضمر حينا أعمدة الرخام وتنهار علي قباب قلبي وأتناثر متشظيا وافقد ما كرست طوال أعوامي من شموع وأصوات وزغاريد وأفواه قابلة للتهنئة ولون ابيض كنت لطالما أخشى النظر إليه .

anfasse.orgخرجَ إلى تراس المنزل يستنشق عبير الصباح . تلفت حوله ، فرأى الذئب والحملَ ، يسيران متشابكي الأيدي ، بودًّ ووئام . رأى القط والفأر يتسامران ، ويتبادلان النكات بألفة ، وحميمية. رأى الدجاجة تبيض في وكر الثعلب . رأى نمراً يحمل بين ذراعية غزالة جريحة ، ويسرع بها إلى الطبيب ، والدموع تنهمر من عينيه ، لمنظر جرحها النازف . رأى الأفاعي تخرج من جحورها ، وتدعو الناس إلى النوم في العراء مطمئنين . رأى كلابا تزأر ، وغربانا تشدو .
وقف مسطولاً يرقب ما يجرى حوله . عادَ إلى غرفة نومه يتصبب عرقاً ، ويتأرجح على حافة الهذيان . صُدمت الزوجة ، وسألته مفزوعة عمّا حل به . توسل إليها بنبرة حزينة ، أن تتركه وشأنه . اختلى بنفسه ، وقلّبَ الأمور في كل الاتجاهات . اتخذ قراراً لا رجعة عنه ، بالاعتكاف في المنزل ، وعدم الخروجإلا متنكراً ، وللضرورات القصوى ، مثل شراء احتياجات المنزل ، وتوصيل الأولاد إلى المدرسة ، والعودة بهم منها . طَلّق الندوات،واللقاءَات، والمحاضرات ، وورش العمل ، التي كان مهووساً بها بالثلاث . أما المناسبات ، فقد اختصر حضورها على اقرب المقربين إليه ، ولساعات محدودة . أخطرَ الزوجة ، والأولاد بقراراته الفجائية ، وألا يأتوا لأي كان على ذكر ما عقد العزم عليه ، تحت طائلة الحرمان من المصروف ، وربما الطرد من المنزل .