anfasse.orgوصلت مدام نديم برفقة  صديقتها الى محطة الشرطة ، قلقة ومضطربة وتكاد الدموع تتدفق من عينيها .. ولولا صديقتها المخلصة التي تتأبط ذراعها وتمسح عرقها وتهمس لها مطمئنة : " سنجده .. ستجده الشرطة .. لا تقلقي " ، لسقطت على الأرض مغشيا عليها.
كانت متوترة للغاية .. وفورا توجهت للشرطي المناوب :
زوجي ضاع .. خرج ولم يعد.. اريد أن تجدوه لي .. اذا لم يتناول دواءه اليومي قد يموت !!
وفورا  أدخلت الى غرفة ضابط مسؤول.
ارتاحي يا سيدتي ، واهدئي .. انا سأعالج الموضوع .
الموضوع لا يحتاج الى علاج .. اريد ان تجدوا زوجي .. خرج صباحا ولم يعد .. ليس من عادته .. انه مريض .. ويجب ان يتناول دواءه والا.. آه ..يا ويلي ..
حسنا سيدتي اطمئني .. لا داعي للقلق .. هذه وظيفتنا أن نجد المفقودين ..عليك ان تعطينا بعض التفاصيل ..
زوجي ضائع وانتم تريدون تفاصيل .. تفاصيل مفاصيل .. من يهتم للتفاصيل .. اريد ان تجدوا زوجي وكفى .

anfasse.orgنصحني صديق مجنون ذات مرّة لكي لا أخاف بأن أواجه ما أو من يُخيفني.
 عجزتُ عن مواجهتي نفسي لأنها أقصى ما يُخيفني.
 ضَحكَ منّي و قال: أنا إن خفتُ أحدا نظرتُ في عينيه فرأيتُه يَخشاني و ما إن أرى ذلك حتى يتبـدّدَ خوفي.
سألتُه و هل لنفسي عيون؟
قال:  نـعم ما عليك إلا أن تَقفي أمام المرآة و سترينها.
حدّقـتُ في المرآة طويلا حتى وجدتُني.
 استغربتُ وجهي الجديد بعد المواجهة. فقد وَجدتُه أليفا على غير العادة و كنتُ قد أضعتُه مند زمن في سوق الوجوه حيث تُباع الغلال و الخضر و الأقنعة.
لم أُقلع بعد عن الخوف. و لم يُقلع صديقي عن الجنون.
أصبحتُ أَكتب قصصا و أصبحَ هو يصنعُ الأفلام.

anfasse.org1
القبر:
أينما ولّيتَ وجهك!
الأمنُ مُشهرُ بانتظام
من بوابةِ الصبحِِ
إلى انسدال صفحةِ الظلام!
من قبضة المِفتاحِ إلى لحافِكَ يعبرون
ويخلعون
 لزوجتكَ الثياب
ويتناوبون على شرفةِ الانتظار
أينما ولَّيتَ وجهك!

anfasse.orgليس عندي ما أخفيهِ
ما أنا إلاّ فضيحةٌ مُتوارثةٌ
ولن تنفع حوّاءَ أو آدم ورقةُ توتٍ
حتى ولا غابةُ توت !
---------
كان مستغرقاً في الإصغاء لموسيقىً شرقية تراثية يتصادح فيها العود والطبلة عندما دخل شقته المُطلِّةَ على نهر دجلة الذابل الآمل ! صديقُهُ القديم الذي يسكن معه منذ إسبوع بعد أن قام بزيارة لبغداد مدينتهِ لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقودٍ قادماً من منفاه البارد , واليوم يدخل شقة صديقه راجعاً من زحام بغداد وحزن شوارعها وهو يتأفف ثم جلس قبالته وفيما كان صديقُهُ الموظف العاطل منذ شهور يسكب من زجاجة العَرَق القوي على مهلٍ في كأسه وكان الوقت مساءً , سمع صاحبَهُ النحَّاتَ يقول : حقيقة أعجبُ من لامبالاتك وقدرتك على الإحتمال فها أنت سادرٌ في نعناعياتك وتتفاوحُ كحديقة !

anfasse.orgكان جالسا على أحد المقاعد الأماميّة للحافلة. لقد لاحظ وجودها على متنها.جلس قُبالتَها حتى لا يُفوّتَ على نفسه متعة النّظر لوجهها الصّبوح.كان يتأمّلها و يُفكّر. كانت تَنظرُ عبر النّافدة لكنّها لا ترى شيئا.كان يُفكّر في طريقة ما ليُكلّمها.
كانت مُنشغلة بما يَنتظرها في المكتب من عمل متراكم و ملفّات تستوجب التّرتيب.
لم يرفع عينيه من على وجهها. أطلق العنان للذّكريات و الأمنيات.فجأة وَقفتْ و َمشتْ بضع خطوات في اتّجاهه. إنّها تترنّح في الخطوات. جَلستْ على المقعد المحاذي لمقعده. خفقَ قلبُه و تتالتْ الخفقات. انّه لا يكاد يُصدّق. هذه إشارة منها على أنّها تُبادله الشّعور ذاته. غمره إحساس جارف من السّعادة و الغرور.
أغمضتْ عينيها و كأنها غرقت في حلم جميل. وضعتْ رأسها على كتفه في حركة انسيابيّة تنمّ عن قدر كبير من العفويّة. لم ينطق ببنت شفة. قّرّر الاستمتاع باللّحظة. اشرأبّتْ الأعناق نحوهما.  قال في نفسه "اللّهم لا حسد". كان متأكّدا أن الرّكاب كانوا يَحسدونه على ما هو فيه.

anfasse.orgالصورة على حالها لم تتغير. الشارع مليء بالحركة و الحياة . يلف صياح الصبية المكان فرحا بالبرودة والندى بينما الشمس كانت حينها قد غرقت وراء العمارات المتراصة . كنت أرى خيوط الليل المتسلل تتدافع في كل الاتجاهات تبحث عن ركن تتربص منتظرة الهجمة الكبرى للسواد . كانت كل المساحة في حركة لذيذة .كان الناس يركضون إسفلت الطريق، كانوا يسرعون بعد تعب النهار إلى البيوت المعلقة . ضلت العمارات تبتلع سكانها كأنها لا تشبع أو عطشى لا يرويها البشر.
كان يمشي الهوينى حين رايته أول مرة. كان يتجه نحو العمارة الصفراء . مد نظره إلى كل شيء . رايته يكنس الدكاكين و الكراسي المبثوثة أمام المقاهي و السيارات و الناس جميعا. مرت عيناه على شرفتي فالتهمها بسرعة ثم بصق بي خارج عينيه انقلبت الصورة فجأة . صار كل ما فيها ينبض بالغفلة والجمود. أصبح كل من فيها لا يلقي بالا لأحد كان وحده يتحرك دون غفلة. يكشف المكان و يرسم خطته. شعرت بالضيق فجأة .وانقلبت أنا أيضا للسؤال. لم تعد الصورة على حالها وما عدت أنا وحدي المتربص في شرفتي أراقب تغير الألوان و الضلال .

anfasse.orgزعقوا والشمسُ تُفتتُ بقايا غيومٍ سابحة:يا أهالي بلوك (r) أسعد الله صباحَكم!
يحظر التجول منذ الآن و إلى إشعارٍ آخر!
في صمتِ عبروا
في صمتٍ وصلوا
ثمَّ أخرجوه!
وعلى حائط بيتِه في صمتٍ أوقفوه
ثمَّ أردوه!
ومكبرُ الصوتِ زعق من فوق العربةِ المغادرة:
شكرا يا أهالي بلوك (r )
يُسمحُ الآن التجول!
على جسدِه الساخنِ زحفت خيوطُ الضوء

anfasse.orgارتمى على وجهه كأن عفريتا رفعه الى الأعلى ، ولوح به فوق الفراش .
وسمع صوت أمه تقول باستغراب :
-  لم أره على هذا التعب قط .
فيجيب الأب في أناة :
- ربما بذل مجهودا في اللعب .
كان جواب الأب مدعاة للراحة عند الطفل المسجى فوق الفراش ، فقد ظن أن جواب أبيه سيقنع أمه الملحة في الاستغراب .غير أنها لم تلبث  أن نادته :
- يابني... يابني .
فتمنى أن يخونه كل شئ لحظتئذ عدا أن يخونه اللسان ، فهذا قد تمكن منه المخدر وعقد لغالغه ، كانت خيبته مميتة  وفكر ماذا قد يحدث لو دخلت عليه أمه ووجدته على هذه الحالة ، بعينين غائرتين وجسد خار مترهل .. ولسان قادر على كل شيء سوى النطق السليم .
ومرت خاطرة خاطفة مريرة بلبه :

مفضلات الشهر من القصص القصيرة