Anfasse.orgحل الخبر عند الغروب. نزل كقطعة ثلج على الأسماع والأبدان والأفئدة، وخيم على أجواء البلدة في رمشة عين، فعربد الفزع في القلوب واهتزت النفوس. شرد المصلون والمتعلمون والمرضعات. وانتشر الناس يهرولون في كل اتجاه.. وجوههم صفراء، وجفونهم وردية اللون ترمش في وداعة كعيون عصافير أصابتها لفحة برد.
      صارت البلدة كمدينة أشباح شاردة، متحركة ومتعثرة. وتناثرت فردات النعال في كل مكان؛ أهملتها الأقدام في ربقة من شرود الخوف والتيه. تعالت موجات الأنين والصراخ في تتابع وازدادت شموخا وحدة. كان خبر الزلزال ينزل كالصاعقة؛ يجمد العقول لحظة ثم تنفجر الحناجر بالويل والعويل.
    اتسع هول النفوس حين غدا الخبر حقيقة جاثمة تلسع القلوب والوجدان. وأيقن جل الناس أن في العاشرة ليلا سيحل زلزال لا يبقي ولايذر.. هكذا جاء الخبر. جاء به شخص ذو منصب ووجاهة، يفهم في كل شيء، وأخباره لا تكذب أبدا. ثم إنه متعلم ولديه علاقات، وخبر الزلزال يُعد لا شيء أمام ما سبق أن أخبر به قبل حدوثه. وتناسلت الأفكار مندفعة حيرى، كانت أفكارا فردية اعتباطية، لكنها تلتقي جميعها عند ضرورة مغادرة البيوت قبل أن تدفن أصحابها. وتأكد عزم الناس على المغادرة لما أن علموا أن صاحب الخبر قد أخرج كل ما يمكن إخراجه من البيت، وغادره إلى ساحة خالية من البنايات والجدران. وبدأت عمليات الإفراغ بخفة وهمة.. كل يفرغ بيته. لا مجال للمساعدة أو التعاون، فالوقت لم يعد يسمح بذلك، كانت هواجسهم تفترض أن يسرع الزلزال في مشيه ويفاجئهم قبل العاشرة.

Anfasse.orgكتامة الأسطورة.. مرفأ الهذيان !
نشاز حاد ..بين خضرة كالحة..وحصى عالق في الريح !
استلقى على سريره منهكا..كانت الرحلة من فاس الى كتامة قطعة من العذاب ..ثرثرة سائق التاكسي أتلفت أعصابه ..لم يكف طوال ساعتين عن سرد ملاحم المافيات.. و نوادر المهربين .. لم تكن كتامة يوما مجرد حقول للأخضر الموبوء ..انها ممر سحري إلى عوالم تضاهي ليالي شهرزاد الفاتنة !!
تلفع بصمته بعد أن احتد النقاش بين السائق و راكب من أبناء البلدة .. نزال ساخن حول جدوى الطوق الأمني , وخيار الاستثمار الأمثل لعشبة" الكيف" ..انتبه فجأة حين استعرض ابن البلدة تجارب من الضفة الأخرى ..أبدى إلماما جيدا بمقاربات ذكية لفض النزاع ! نبرات مديحه للسويد و مستحضرات الصيدلة تكشف لوعة حارقة ..ما الحائل دون احتواء كتامة في نسيج الوطن؟!
لاح حاجز أمني من بعيد ..فعم التاكسي سكون مريب ..حدق الدركي بارتياب في الركاب ثم رمق ابن البلدة بنظرة متوجسة تعدل ألف تهمة !
استكمل السائق مشروعه السردي بالحديث عن معاناته اليومية و المخاطر المحدقة بكل من امتهن الجلوس خلف مقود السيارة..لقمة عيش ممزوجة برائحة الموت!..وعجلات تحصد الأرواح ..وتجود للإسفلت بقرابين من لحم ودم !

Anfasse.orgمن مكانه ذاك طرح علي نفسه السؤال للمرة الألف:
 -إلى أين سأمضي؟
قطع المسافات وما أعياه المسير،توزعته المشاعروالأحلام، ومع ذلك أصر على مواصلة اللعبة، وهل كان بإمكانه استبدال الفناء والتلاشي؟ تتحول اللحظة في الذهن إلى مكان، وتتسلسل الأمكنة كما السراب.ياه، هل يكفي المكان لا حتواء كل هذا الغم بعد أن ضاقت به الذات؟
منذ ذلك الآن إلى الآن، تجده في كل مكان.تبتلعه الجموع، يدحرجه الزمن ،وكل ما حواليه مجرد ذكريات تختلط و تتمازج فتغدو الأشياء والناس بلا شكل ولا معنى..
لقد أبت الأيام إلا أن تزيد من هذا الضيق والإختناق ، وغابت فاطمة وقبلها غاب الأب الذي قاوم "النصارى"...
مثل هذه الذكريات تهيج الأعصاب وتدمر الذات... وبينما الذهن شارد، والبطن فارغ ، والمقصد حيثما سارت الجموع، تتعقب عيناه الأركان بحثا عن أعقاب السجائر ، وهذه اكتسحت الحنايا والأوصال منها يستهلك ما طاب له مثنى وثلاث ورباع.

Anfasse.orgحين التحقت أمي كعادتها متأخرة بالجارات المجتمعات أمام البيت كنت منهمكا في التسلي بمطاردة نملة كبيرة أحاول أن أسدي لها خدمة جليلة لكنها تأبى وتتأفف ثم ترفض مهرولة في كل اتجاه .كنت أحول جروح رجلي ألى مصائد أصطاد بها الذباب الملعون الذي يحاول جاهدا امتصاص دمي .أقدمه أطباق طرية ولذيذة بين يدي النملة الكبيرة ,لكنها تغير طريقها متضجرة.
كنت مثل أقراني لا نملك لعبا فنكتفي بما تجود به الآرض. جزء كبير من صبار القرية حطمناه أجل صنع شاحنات أو جرارات تجر شقاوتنا وشيطنتنا . تكومت النساء في عباءاتهن كسرب حجل يستمتع بحمام شمس ربيعية.يطرزن ما شئن من كلام.
كانت فطومة لا تكل من الحديث أبدا ,وإذا سكتت فلكي تستجمع لعابها وتواصل حكيها عن الغزل الذي لا ينتهي أبدا .وعنما تمل من الشكوى والبوح تتنهد بعمق وهي تقول "الجرية كثيرة والرزق قليل بحال النملة " عندما تتنهد تدرك فاطنة أن دورها قد حان  وأنها لابد أن تحكي وتحكي حتى تروي الآذان المشدودة إليها ,ولو أنها تدرك أن بعضهن يستمع لها في تشف, ولكن لا يهم ما دامت تجد لذة لا تعدلها لذة وهي تحكي عن اليوم الذي زارت فيه المدينة مع زوجها لتبيع ما نسجته أناملها من قبعات خلا ل سنة كاملة. لكنها حين تكاد تنهي كلامها كان صوتها يخفت شيئا فشيئا حتى إذا كاد لا  يسمعه أحد ,لطمت وجه الأرض بما تحمله في يدها مهما كانت قيمته وإن لم تحمل يوما شيئا ذا قيمة وقبل أن ينفض الغبار من حولها تقول بصوت كأنه ما تعب "سر يا ابراهيم كلت لي رزقي وكلت عليك الله....ّ

anfasse.orgانتصفَ عمر الليل وانقضى شطره, مازالتْ عبيرٌفى سريرها بجوار طفلتها النائمة, ألقى الشتاءُ فى نفسها أثقاله, وحلَّ نطاقه, وألبستها وحدتها ملاءةً من الثلج, تفكرُ فى أمرالذى يسمونه زوجها, مازال قابعاً ممدداً فى أريكته, ملتحفاً بدثاره آناءَ الليل وأطرافَ النهار, تُخفى نظارته عينيه, يشاهد التلفاز حتى وهونائم, لقد حول تشرينَها تموزَ, كأن سماءه مأتمٌ, هجرُهُ لها يذيبُ قلبَ الصخر, صهر بدنها من لامبالاته, كأن رجولته ولتْ مدبرة, حَرُّهُ لا يطيبُ معه عيشٌ, ظلُّهُ يحموم, وماؤه محموم, شاهدُ اليأس ِمنه ينطقُّ, وحبلُ الرجاءِ معه منقطعٌ.
تسألُ نفسها: لماذا تزوجها وليس له فى النساء مأربٌ؟ العامُ السابعُ يوشكُّ أن ينقضى معه, لا تشعرُأنها تزوجتْ, ربما لحظات فى أيامها الأولى ذرّاً للرمادِ فى عيونها, عانقتها الهمومُ, عيناها كأنهما خُلقتا للسهر والحزن, ضربَ النومُ بينه وبين مآقيها ستاراً, أهٍ من لوعةِ الأنثى واحتياجها لرجلٍ بجانبها ولا يشعربها, يحعلها تكتحلُ الأرقَّ وتتوسدُالقتادَ, خوفها من لقبِ مطلقةٍ يجعلها سجينته, أو ربما هى إحدى سبايا ماله, فقد خرجتْ من غرفةِ أبيها المكتظة باللحم, لتوسعَ لإخوانها موضعها, تخشى العودةَ بطفلةٍ ولقبٍ جديدٍ, ولربما لا تجد لطفلتها موضعاً يأويها بين جدران متهدلةٍ.

anfasse.orgلأول مرة اشرب فيها فنجان قهوة من دون سكر.. ولا حتى قطعة سكر، فنجان قهوة صغير يكفي لأن يقلب كل الأشياء.
  "ما أجمل التغير " عبارة بسيطة جميلة وأيضا مستفزة، الكل يريد التغيير، تغيير سيارة لمن لديه أو تغيير أثاث المنزل وربما ألوان الجدار وواجهة المنزل..
الكل يريد التغيير، تغيير لون الشعر وعدسات العيون، تغيير كل شيء وأي شيء..
لكن الذكريات وحدها لاتتغير بحلوها ومرها تبقى جميلة لذيذة
شريط الذكريات و الأحداث الماضية لا لون له،نتذكر الأحداث والأشخاص دون أن نهتم بألوانهم ولا حتى أسمائهم..أغمض عيني وأحاول أتذكر بعض الأشخاص، لكن أتذكرهم بلا ألوان ، فربما للذاكرة عين غير التي نرى بها.
التغيير شيء جميل .

anfasse.orgاستسلم لأناملها تداعب شعر رأسه برفق وحنان، وتفعل في دمه فعل السحر، واسترخى استرخاء وليد بين يديها، سرت في دمائه نشوة الخدر اللذيذ. تتنهد هي بعمق وتزفر بحرارة في وجهه.
-        ما لك حبيبتي؟
-        أحبك ولا أدري لما أحس أن قلبك مع أخرى غيري.
-         ما هذا الهراء، إني أحبك أكثر مما تحبينني.
-   لا أعتقد ذلك، لا يمكنك أن تبادلني الحب بالمقدار نفسه، لا يمكنك أن تتصور أبداً شعوري، أنت عمري كله.
-         لا تعودي لمثل هذا الكلام عزيزتي. تعلمين جيداً أنك حبي الوحيد.
يتجنب النظر إلى عينيها بأن يغمض عينيه، ويتظاهر بالسهاد تحت تأثير أناملها التي تهدئ أعصابه، غير أنه بمجرد أن يطبق الجفن، حتى يشرد عقله، ويتحرك قلبه، يعود إلى حيث كان.

Anfasse.orgكان الطابور يبدأ من حيث انتهى طابور البائع المجاور للحاج مناف كان مناف هذا أشهر الحجارة المعروفين في سوق الرصيف للأحجار الكريمة والمسابح  حيث كان الجدل لا يُكسر إلا بعد أن يحطمه مناف برد قاطع يثلج صدور أصحاب الجدل . أخذت أتسحب من بين ما تدلى من مسابح في معرضه الخشبي حتى صرت أمامه. المسبحة كانت لا تفارق أنامله الهرمة . ولصوت اصطدام خرزات المسبحة بين رقعة وأخرى دوي يسحب عيون المارة  . كان ينظر إلي بدون أن يبدي لي أي اهتمام بينما كنت  قد بدأت مشواري في سؤاله عن ما اصطف على سجادته من أحجار وأخذت أشير بأصبعي على أول حجر
-    قلت مسم هذا ؟؟
-    فقال لازورد
-    قلت وهذا يا حاج  ؟؟
-     قال زفير
-     قلت طيب وهذا الحجر البراق ؟
-      فقال انه حجر القمر

مفضلات الشهر من القصص القصيرة