
يود هذا المقال أن يعرض بالتحليل لأحد مفاهيم فلسفة التفكير البيولوجي، وهو مفهوم الحيوية. فلسفة التفكير البيولوجي، أي المبدأ العام أو نظام المبادئ النظرية التي تؤطر وتوجه الممارسة العلمية للبيولوجيا في إنتاجها للمعرفة بظواهر الحياة. إلا أن الحيوية قد عرفت، في تاريخ الفكر البيولوجي، وضعا هامشيا اعتبرت فيه عموما على أنها لا تعدو أن تكون مجرد ميتافيزيقا (أي أوهاما فارغة) بالية عديمة الجدوى بإطلاق في فهم وتفسير الحياة. وإذا كان هذا الموقف الفلسفي، لأنه فلسفي بمعنى ما، قد شكل طويلا قناعة راسخة عند مؤرخي البيولوجيا، بل حتى عند البيولوجيين أنفسهم، فإنه قد تعرض اليوم لإعادة نظر جذرية، نقدية تقويمية، أزالت عنه المسبقات التي لحقت به، وكشفت عن مضامين الأوصاف التحقيرية التي ألصقت به؛ ومن ثم بيان فعاليته والأهمية القصوى لدوره في تاريخ علم الحياة وممارسته.
ولكن، لم يكن لهذا العمل النقدي التقويمي أن يكون ولا أن يتم إلا ضمن رؤية لتاريخ التفكير البيولوجي تقوم على النقيض المطلق من الرؤية التي جعلت من الحيوية بالذات مجرد خيالات لا غير. إنها رؤية التاريخ الإبستمولوجي للعلوم كما بلور مفهومه جورج كانغلهم. فالحيوية، من هذا المنظور، هي حقا وفعلا فلسفة المعرفة البيولوجية، ضد الغائية والإحيائية والآلية وكل اختزال للحياة إلى ما ليس من الحياة في شيء. لذلك سيعتمد هذا التحليل على ما نعتقد أن أعمال كانغلهم صيرته، بخصوص هذا الموضوع، متجاوزا وغير قابل للتفكير.