المدخل :
هذا السؤال يطرح أمرا واقعا اليوم ،يدعونا إلى التفكير فيه بضرب من العقلانية ،لذا فهو يفترض السؤال مسبقا لماذا نختلف ؟وفيما نختلف؟ لنعرف بعد ذلك كيف نختلف ؟ ثم إن هذه الأسئلة جميعا تقودنا إلى السؤال الفلسفي الأول :ما الاختلاف؟
عن هذا السؤال يجيبنا أرسطو في الكتاب الرابع من الميتافيزيقا معرفا الاختلاف بكونه
"علاقة تغاير بين أشياء تبدو متماهية من وجهة نظر أخرى "(1)
ويفسر السيد لالاند ذلك على أنه يعني عند الوسيطيين مجرد اختلاف عددي بين أشياء كثيرة تتميز بالنوع لا بالجنس,وهو ما سيعود إليه أرسطو في المرجع السابق حين يبين أن الاختلاف هو امتلاك خاصية تميز نوعا من نوع آخر لنفس الجنس .
أما السيد لالاند(2) ,فمثله مثل باقي الفلاسفة الجدد ,يماهي بين الاختلاف والتضاد أو التناقض .فهو يفسر كلمة.« altérité على أنها خاصية ما هو آخر،ويجعلها نقيضا للتماهي و كل ما هو غير ذاتي. وسواء أكان الاختلاف تميزا بالجنس أو بالنوع فلا بد من الاعتقاد مع هيقل(3) بأن الاختلاف جزء مكون للوحدة ولا يمكن تصور الوحدة دون الاختلاف ,فلا يمكن أن أكون أنا ذاتي إلا متى وعيت بان هناك آخر مقابل لي هو الذي من خلاله أعي ذاتي,"فلا يحصل الوعي بالذات إلا عبر الشعور بالتضاد فلا أستعمل ضمير أنا ألا عندما أخاطب أحدا يكون أنت في كلامي"على حد عبارة اميل بنفنيست (4).فالاختلاف بهذا المعنى ,هو القدرة على أن أكون الأخر في الوقت الذي أكون فيه أنا نفسي ،أو القدرة على أن أكون أنا نفسي في الوقت الذي أكون فيه الآخر.
فالاختلاف إذن تميز وتماهي ,تضاد وتشابه . لماذا نختلف ؟
وما الذي يدفع بالإنسان إلى أن يكون الآخر إن كان هو ذاته , أو إن كان هوالاخر ما الذي يدفع به لأن يكون ذاتا ؟ هل الاختلاف طبيعة بشرية متأصلة فينا وقدر لا مهرب منه أم هو شيء نكتسبه ونتربى عليه في حياتنا ؟هل هو طبيعي أم هو تاريخي ؟ غريزي أم مؤسسي ؟
لقد أكدت اغلب الدراسات الانتربولوجية على أن" للإنسان تاريخ أو هو بالأحرى تاريخ "كما يقول سارتر , ولكن لا يعني ذلك أن ليس له طبيعة كما يدعي البعض .