كتاب من تأليف المفكر المغربي عبد الله العروي، صدرت طبعته الثامنة عن المركز الثقافي العربي في العام 2012. يتناول الكاتب بالدرس والتحليل مفهوم الأيديولوجيا، وقد توسل العروي بالمنهج التاريخي في هذه الدراسة، إذ ذهب إلى أن مفهوم الأيديولوجيا نشأ في عصر الحداثة (القرن 19)، وبالتالي لا يسعنا فصله عن الفكر النقدي المتصف بالنسبية. كما تحيل الأيديولوجيا في معناها اللغوي الأصلي (الفرنسي) إلى علم الأفكار، الذي يدرس آلية تكوين الأفكار في الذهن الإنساني، إلا أن الألمان ما لبثوا أن استعاروا المفهوم وضمنوه معنى آخر، لذا يعتبر الكاتب أن الأيديولوجيا هي كلمة دخيلة على مختلف اللغات الحية، الشيء الذي يفسر صعوبة ترجمتها إلى اللسان العربي، ولهذا اقترح تعريبها مستخدما لفظ "أدلوجة".
أولا: تعريف الأيديولوجيا كقناع
يضيء صاحب الكتاب على التحول الذي طرأ على استعمال المفهوم في مراحل نشأته الأولى، عبر الانتقال من التحديد الأصلي (علم الأفكار) إلى نظرة قدحية للأيديولوجيا بحسبانها جملة الأوهام التي تمنع العقل من إدراك الحقيقة. ولعل الفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818- 1883) هو النموذج الصارخ لهذا التمثل الفكري، إذ نظر إلى الأيديولوجيا من حيث هي وعي زائف ومضلل، مركزا نقده على الأيديولوجيا الليبرالية باعتبارها محض ستار يُخفي بين طياته مصالح الطبقة المهيمنة (الطبقة البرجوازية).
كما يذهب فريدريك نيتشه (1844 – 1900) إلى أن الأفكار تعبر في جوهرها عن مصالح لا عن حقائق، فالغريزة هي التي تسوس الفكر لا العقل المجرد، وأن الأيديولوجيا بمثابة قناع يخفي وراءه حقد وغل المستضعفين على السادة المتفوقين. وصولا إلى الاجتماعيين الألمان الذين استعاروا طرح ماركس مع توسيع نطاقه ليشمل نقد الماركسية ذاتها، إذ اعتبروا أن جميع الأيديولوجيات تعبر عن مصالح طبقة أو فئة اجتماعية معينة.