يعد تدبير الشأن العام غاية تطمح إليه كل المجالس المنتخبة عبر العالم ؛ وفيها يتم طرح المشاريع و مقترحاتها ، التي تعود بالنفع على الوطن والمواطن . ومن هذا المنظور، يستوجب على هذا الأخير أن يكون في الحدث ، ويشارك بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية بجميع أطوارها ومراحلها بغية تغيير واقع لطالما ناضل من أجل مكتسبات جديدة تعود عليه بالنفع مستقبلا . إن الديمقراطية ، في هذا الأساس ، لا يمكن فهمها إلا في ظل هذا الرهان الذي يبدو صعبا ، مادام السواد الأعظم من المواطنين جاهلين بالدور، الذي تلعبه صناديق الاقتراع في التغيير المنشود . فإذا كانت الديمقراطية تجعل الشعب في قلب العاصفة ، نظرا لإيمانها القوي بالسلطة ، التي تخولها للمواطن في تدبير شأنه الوطني والمحلي ، فإن التعبير عن الرأي أيضا ، بكل حرية ، قسيم قوي يضمن لها الشرعية . وعلى غرار ذلك يتم تقويض هذا الطموح ، الذي يحلم به المواطن ، باللعب على أوتار الفقر والحاجة الملحة إلى العيش الكريم .

أمام اجتياح وباء الكورونا 19 للعالم، و فشل الأنظمة الرأسمالية في مواجهته، أو على الأقل الحد من اثاره و تداعياته الإجتماعية و الإقتصادية خصوصا، و تصاعد العديد من الإحتجاجات ضد السياسات المتبعة في ظل الجائحة، بالتزامن مع الإحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية التي فجرها اغتيال المواطن الأمريكي ذو البشرة السمراء جورج فلويد، عاد إلى الواجهة سؤال النظام الرأسمالي و مدى نجاعته إنسانيا و أخلاقيا و اجتماعيا، و معه عاد سؤال الإيديولوجيا التي طالما بشرنا منظروا و مثقفوا هذا النظام بنهايتها، التي اتضح فيما بعد على أن هذه النهاية ما هي إلا إعلان عن إنتصار و هيمنة إيديولوجية النظام الرأسمالي و هزيمته لباقي الإيديولوجيات. إذن لنعاود طرح سؤالهم: هل نحن فعلا لم نعد في حاجة للإيديولوجيا؟ أم أن الحاجة للإيديولوجيا أصبحت أقوى مما كانت عليه سابقا، خاصة في ظل الإنهيار الإنساني و الأخلاقي و تنامي الجوع و المرض و الأمية عبر العالم الذي تسيطر عليه الرأسمالية؟ أليس الصراع ضد إيديولوجية الرأسمالية في حاجة للتسلح بإيديولوجيا مضادة و مناهضة؟ لكن ماذا نعني بالإيديولوجيا أولا؟

يقول الباحث والمؤرخ الأمريكي ميكائيل بهرنتMichael C. Behrent  " لم يأت باراك أوباما إلى السلطة لأجل الدخول بأمريكا إلى عصر الما بعد- عرقية ذلك أنّ غياب المساواة بين السود والبيض محفور بعمق في النفوس ولايزال مغذيا رئيسا للشعور العنصري."[1]

إنّه تاريخ خيبة ذاك الذي حدث عشية العشرية الثانية من الألفية الثالثة، بدأ بأزمة الرهن العقاري أواخر العام 2007 وانتهى بسقوط الحلم عند قطاع كبير من الأمريكيين المعتقدين بأنّ انتخاب باراك أوباما سيكون لحظة تاريخية فارقة في تاريخ أمريكا وستجعل من الحرب العرقية داخل المجتمع شيئا من الماضي[2]. لا شيء من ذلك الحلم تحقق بل يبدو أنّ الأمر سار إلى سوء أكبر. وتنضاف هذه الخيبة إلى خيبات أخر لا تكفّ عن الحدثين، كخيبة الاعتقاد بنهاية التاريخ وسيادة الانسان الأمريكي على العالم سيادة مطلقة. إنّ المتفائلين في تلك الفترة من الزمان لم يدركوا أنّ التراتبية الفجة الواقعة داخل المجتمع الأمريكي والتفاوت المسيطر منذ قرون لم يكن من الممكن تجاوزه بحدث يعد عارضا وهو انتخاب رئيس أسود للولايات المتحدة، إن الحلم بالعبور إلى عصر ما بعد-عرقية post-racial بدا بعيد المنال فالرئيس أوباما نفسه تعرّض إلى مضايقات عنصرية عديدة إبّان حكمه في الفترة الأولى والثانية على حدّ سواء، ولقد تضاعفت النزعات العنصرية في المجتمع وتمظهرت في اشتباكات بين السود ورجال الشرطة، وكانت تنتهي في الغالب بإطلاق النار على أشخاص عزّل من السود وقتلهم بدم بارد، وقد تعقّد الأمر أكثر مع وصول الرئيس الجديد دونالد ترمب إلى سدة الحكم.

عطفا على مقال سابق بصدد التفكير في التفاهة، أود أن ألقي الضوء على احد مظاهر التفاهة الفكرية، و التي يكشف عنها انفصال فكر الكثيرين عن واقعهم، فيما يعرف بالاستيلاب، و التي أفرد له الفيلسوف اللبناني حسن حمدان (مهدي عامل) شهيد القوى الظلامية مقالات مطولة في مجموعة كتبه، و أهمها "نقد الفكر اليومي" الذي نشر بعد اغتياله بأشهر، فإذا كان الفكر السائد في جزء كبير منه هو فكر الطبقة السائدة، و كان فكر الطبقة السائدة الان تافها، فبالتأكيد سيكون الفكر السائد هو الفكر التافه، لكن هذا لا يعني يقول مهدي عامل أن الفكر المسيطر و في ارتباطه بالسياسة قادر على التحكم دوما في مجريات الأمور، لذلك حين يصعب على الفكر المسيطر إخضاع الفكر اليومي لسيطرته فإنه يستعين بأشكال من الفكر المتنوعة سواء كانت بالية أو مستحدثة. و أمام عجز الفكر السائد عن التعبير عن واقعه الشيء الذي يجعله ينقله بشكله التافه، يطرح السؤال المحوري عن موقع المثقف في ظل هذا الإنفصام بين الفكر و الواقع؟

يحاول كتاب "وَرَثة ماو" الإجابةَ عن سؤال محوري وهو كيف نفهم نهضة الصين الاقتصادية اليوم؟ حيث يسلّط الكتاب الضوء بالأساس على العقود الثلاثة الأخيرة من تاريخ الصين المعاصر. وبوضوح ودقة يتتبّع الإيطالي إيغناسيو موزو الثلاثين سنة الأخيرة من تاريخ الصين وما تضمّنته من إصلاحات اقتصادية جوهرية، وهي فترة ما بعد الزعيم ماو تسي تونغ التي جعلت من الصين في عهد شي جين بينغ قوة اقتصادية، وإن تخلّلتها جملة من التناقصات على المستويين الاجتماعي والسياسي. صحيح ما تعيشه الصين في الوقت الحالي من نهضة، وما تشهده من تمدّد لنفوذها الاقتصادي، يعودان إلى ما هو أبعد من تلك الفترة، ولكن المؤلف الإيطالي إيغناسيو موزو يحاول أن يسلّط الضوء على فترة محورية وراء النهضة الاقتصادية. وللذكر مؤلّف الكتاب إيغناسيو موزو هو أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة كافوسكاري في البندقية، وهو عضو الهيئة العليا للبنك المركزي الإيطالي وأحد المنتسبين لأكاديمية لنشييه المرموقة في إيطاليا. ألّف جملة من الأعمال المتعلّقة بالاقتصاد، ومن إصداراته في السنوات الأخيرة "الصين المعاصرة" (2011) و"الدَّيْن العمومي" (2012).

-إلى كل من فقد أمه أثناء هذه ’’الجائحة’’.
-إلى الأستاذ الحسن اللحية.      
-مع أحر التعازي.
تقديم
    أثار موقف جورجيو أغامبين Giergio Agamben من انتشار فيروس كورونا Coronavirus  وانعكاساته السياسية والحياتية، تساؤلات حول دور الدولة الحديثة في تدبير الحياة باعتبارها مجموع الوظائف التي تقاوم الموت كما يؤكد ميشيل فوكو Michel Foucault. يشير أغامبين إلى استخدام الحكومات الذرائع لإثبات جميع حالات الطوارئ وفرض "حالة الإستثناء état d’exception"، وهذا ما حدث مع "وباء كورونا" التى انطلق من الصين ويتواصل اجتياحه لكوكب الأرض. لم يمر تصريح أغامبين دون أن يلاقي اعتراضات حول خطورة "الجائحة"، بل تعالت الإعتراضات حتى من أقرب أصدقائه، ونخُصّ بالذكر جون لوك نانسي Jean Luc Nancy. فقد حذّر هذا الفيلسوف الفرنسي من العواقب الاخلاقية والسياسية لاسترجاع موضوعة "حالة الإستثناء"؛ حيث تداخل القانون مع الواقع والقاعدة مع الإستثناء، في ظل ظروف متميّزة وخطيرة تتطلب الكثير من اليقظة والحكمة، وتغليب قيم التعاطف والتضامن بين الأفراد والجماعات، وبين الدول والمؤسسات الدولية .

يحوز الإسلام السياسي في البلاد العربية وما جاورها بالغ الاهتمام في مراكز الأبحاث والجامعات الغربية، بفعل ما تشكّله طروحاته من هواجس قد تغيّر من معادلات المصالح الغربية في المنطقة، وما قد ينجرّ عنها من تهديد أمني للغرب. ونظرا لتنوّع ملامح الإسلام السياسي، يحظى بمتابعة حثيثة تتناول أنشطته من عدّة أوجه، اجتماعية ودينية وسياسية. وتمثّل علاقة الإسلام بالشأن السياسي وبمسألة الديمقراطية الموضوع الأثير الذي تتكثّف المعالجات حوله في العقد الأخير. يأتي كتاب ريكاردو ريدايللي "الإسلام السياسي وقضايا الديمقراطية"، الصادر في أواخر العام المنقضي ضمن سلسلة متتالية من الأبحاث صدرت في الشأن باللغة الإيطالية تقارب الظاهرة وتدفع بمعالجة المناحي السياسية إلى الصدارة، مثل كتاب "هل يتلاءم الإسلام مع الديمقراطية؟" لِرينزو غولو، و"تاريخ الإسلام السياسي العربي وتطوّراته" لِلاورا غوازوني، و"الإسلام والسياسة" لماسيمو كامبانيني.

يكتسي القطاع الفلاحي في الخطاب الرسمي المغربي  أهمية اقتصادية واجتماعية وبيئية حيث يمثل حوالي 13.9 ٪ من مجموع القيمة المضافة على الأسعار الجارية خلال الفترة 2008-2017، أي 12.9 ٪ للزراعة و 1 ٪ للصيد االبحري.
بناء على ما جاء في الوثائق الرسمية المحينة شغل هذا القطاع أكثر من 4 ملايين نشخص في عام 2017، أي ما يمثل 38.7 ٪ من القوى العاملة ما يراد له أن يدل على أن برنامج المغرب الأخضر بدأ منذ إطلاقه، في التحويل الهيكلي للقطاع الفلاحي المغربي. وتحدث نفس الخطاب عن كون هذه الاستراتيجية سترفع التحدي المتمثل في تعزيز مرونة القيمة المضافة الزراعية وتعزيز وزن سلاسل القيمة المضافة وتحسين إنتاجية قطاع الحبوب. ذكرت الوثائق الرسمية الصادرة عن حكومة العثماني في نسختها الأولى في بداية السنة الماضية أن تحقيق الإنجازات جرى بفضل إعادة توجيه الدعم العام نحو المنتجات الزراعية ذات القيمة المضافة العالية والمقاومة للمخاطر المناخية.