إن الموجات القوية المتزامنة من التكامل الأوروبي والتفضيلات المناهضة للهجرة التي تجتاح أوروبا، والتي تستفيد من الخطابات الشعبوية، تعكس مخاوف المواطنين الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية، والمخاوف الثقافية الكامنة، والشكوك واسعة النطاق تجاه المؤسسات الدولية، والإحباط من الأزمات المالية والسياسية العالمية. توفر الأبحاث الانتخابية وأبحاث الرأي العام المتوفرة روايات مجزأة ومتضاربة حول الأصول النفسية لهذه التفضيلات المناهضة. نحاول تحديد إطار نظري شامل جديد يركز على رد الفعل كتوجه سياسي، وتقديم اختبار تجريبي للنظرية المقترحة باستخدام بيانات من المسح الاجتماعي الأوروبي. إن تفسير رد الفعل السياسي كمحرك للتفضيلات السياسية يمكن أن يدفع البحث إلى الأمام حول التحديات التي تواجه التمثيل الديمقراطي، وخاصة فك الارتباط السياسي، والاحتجاجات العنيفة، والتصويت الشعبوي، والأحزاب المناهضة للمؤسسة في سياق الأزمات المالية والسياسية.

يمكن مقارنة حجم المواقف التي يتخذها الرجال والنساء المختلفون تجاه التغيير الاجتماعي بالطيف الشمسي. وعلى الطرف المقابل يقف التطرف ورد الفعل الذي لا هوادة فيه.

تهدف هذه المقالة إلى التعبير نظرياً عن الخصائص النفسية للرجعية باعتبارها توجهاً سياسياً جماعياً في سياق الأزمة المالية وصعود السياسات الحزبية الشعبوية، وتقديم اختبار تجريبي للرجعية كمحرك رئيسي للمقاومة المتزامنة. تفضيلات التكامل في الاتحاد الأوروبي والهجرة. يُشار إلى الرجعية على أنها النظير الأيديولوجي للتطرف والتقدمية. في شكله المعاصر، يستخدم الباحثون هذا المصطلح بشكل متزايد لوصف خطاب الأحزاب الشعبوية اليمينية والنظرة السياسية لمؤيديها في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

إن الإشارات إلى "العقل الرجعي"، و"المزاج الرجعي"، و"القلب الرجعي"، و"المد الرجعي"، و"الناخب الرجعي"، و"الأحزاب الشعبوية الرجعية والمعادية للأجانب" تعترف بالروابط المفاهيمية بين الرجعية وكراهية الأجانب، والمطالب المناهضة للهجرة، العنصرية، والتشكك المناهض للخبراء، والمشاعر المناهضة للمؤسسة، والمواقف المناهضة للاتحاد الأوروبي، لكنها تترك خصائصها النفسية غير مستكشفة إلى حد كبير.

عرّف الأكاديمي والسياسي اليوناني "كونستانتينوس ديمرتزيس" Konstantinos Demertzis الرجعية بأنها "مفهوم جماعي يصف توجهاً سياسياً معقداً، يجمع بين العاطفة الاستيائية والرغبة القوية في العودة إلى الماضي". يعتمد التوجه الرجعي على قيم المحافظة والنفور مما هو جديد. إن طابعها العاطفي هو المشاعر المعقدة للاستياء، ومزج الغضب والخوف والأمل والحنين والخيانة والشعور بالظلم المتصور. إن الأدلة على الرجعية يمكن تتبعها تجريبياً في المشاركة والدعم الخامل للأعمال السياسية غير القانونية والعنيفة، والتي يحركها شعور متزايد بالركود الاقتصادي، والقلق الناجم عن الأزمة المالية، والمخاوف الاقتصادية والثقافية لدى العديد من المواطنين.

"هل يمكن للجامعة ( وبالتالي كيف لها) أن تؤكّد استقلالية لا مشروطة ، وتطالب بضرب من السيادة ، ونوع جدّ أصيل ، ونوع استثنائيّ من السيادة ، دون المجازفة بالوقوع في خطر كبير، بل من الواجب ، بحكم التجريد الممكن لهذه السيادة المستقلّة ، أن تسلّم نفسها وأن تستسلم دون شرط ، وأن تكون لقمة سائغة و أن تشترى بأيّ ثمن؟" (  دريدا).

" نحن نعرف ذلك جيدا، لا توجد فعلا هذه" الجامعة دون شروط" . لكن يجب على الجامعة، مبدئيا و توافقا مع الغرض من وجودها صراحة، وبفضل جوهرها المعلن، أن تظلّ الحيّز الأقصى للمقاومة النقدية - والأكثر من نقدية - مقاومة لكلّ سلطات التملّك الدغمائي وغير العادل."(  دريدا).

"يمكن للمقاومة ، بوصفها لامشروطة، أن تجعل الجامعة في مواجهةٍ لعدد كبير من السلطات : سلطات الدولة ( وبالتالي السلطات السياسيّة للدولة - الأمّة وبتوهّمها السيادة غير القابلة للقسمة : وهو ما تكون به الجامعة متقدّمة لا تقدّما كوسموبوليتيكيا ، بل أيضا كونيّا، ممتدّة إذن إلى ما وراء المواطنة العالمية والدولة- الأمة بوجه عام)، و لسلطات اقتصادية ( تمركز الرأسمال الوطني والدولي)، وللسلطات الاتصالية والايديولوجية والدينية والثقافية ، الخ . وباختصار لكل السلطات التي تحدّ من الديمقراطية القادمة" .(  دريدا)

************

  " يعني هذا العنوان المقترح أولا أنّه يجب على الجامعة الحديثة أن تكون دون شروط. ونعني " بجامعة حديثة"، تلك التي أصبح نموذجها الأوروبي، بعد تاريخ وسيط غنيّ ومعقّد، مهيمنا، أي " كلاسيكيا"، منذ قرنين، في دول من نوع ديمقراطي. تتطلب هذه الجامعة، ويجب عليها أن تشهد بذاتها الاعتراف من حيث المبدأ، فضلا عما نسمّيه الحرية الأكاديمية، حرية لامشروطة في التساؤل والاقتراح لا بل أكثر من ذلك ، الحقّ في القول عموميّا كلّ ما يقضيه بحث أو معرفة أو فكر عن الحقيقة. وتبدو الإحالة إلى الحقيقة، وإن ظلت جدّ مبهمة أساسية جدا كي نجد أنفسنا، مع النور، على شارات رمزية لأكثر من جامعة. تضطلع الجامعة بالحقيقة . فهي تصرّح ، وتعدُ بالتزام دون قيد ولا حدّ تجاه الحقيقة.

 تمنح منزلة الحقيقة وصيرورتها دون شكّ، مثل قيمتها، الفرصة لنقاشات لا تنتهي (حقيقة التطابق أو حقيقة الإلهام، والحقيقة بوصفها موضوع خطاب نظري- تقريري أو أحداث شعرية- إنجازية، الخ). غير أنّ هذا يناقش، بطريقة مميّزة، في الجامعة وفي الأقسام التي تنتمي إلى الإنسانيات. ولنترك جانبا هذه المسائل الخطيرة معلقة الآن. ولنؤكّد فحسب استباقا على أن هذه المسألة الشاسعة للحقيقة وللأنوار، مسألة الأنوار Ilustracion, Iluminismo, Enlightenment, Illuminismo,كانت دوما متصلة بالإنسان. وهيتلزم بمفهوم الإنسان في حدّ ذاته، ذاك الذي أسّس في الآن نفسه النزعة الإنسية والفكرة التاريخية للإنسانيات. ويشكلّ اليوم الإعلان المتجدّد والمعاد صياغته " لحقوق الإنسان" ( 1948) وتأسيس المفهوم الحقوقي" للجريمة ضدّ الإنسانية" ( 1945) ، أفقا للعولمة وللحقّ الدولي الذي يفترض منه السهر عليها.( أحتفظ بالكلمة الفرنسية " للعولمة mondialisation من أجل " الكوكبة" globalization - Globalisierung حتى احتفظ بالإحالة إلى "عالم"« monde » (world, Welt, mundus) الذي ليس الكوكب globe ولا الكوسموس cosmos ،ولا الكون l'univers).نحن نعرف أنّ الشبكة المفاهيمية للإنسان ، للإنسان في حدّ ذاته ، و لحقّ الإنسان وللجريمة ضدّ إنسانية الإنسان تنظّم مثل هذه العولمة . تريد هذه العولمة إذن أن تكون أنسنة humanisation . لكن، إذا ما بدا مفهوم الإنسان في ذات الوقت ضروريا وإشكاليا دوما، فسيكون هذا إذن ، أحد مبررات أطروحتي ، وإذا ما شئتم، إحدى أطروحاتي في شكل إفصاح عن اعتقاد ، لا يمكن مناقشته أو إعادة صياغته، كما هو ودون شرط ، ودون مسلّمات ، إلاّ في فضاء " الإنسانيات "الجديدة ". لكن لتكن هذه النقاشات نقدية أو تفكيكيّةdéconstructives ، وهو ما يعني المسألة وتاريخ الحقيقة في علاقتها بمسألة الإنسان، بما يخصّ الإنسان، بحق الإنسان ، وبالجريمة ضد ّ الإنسانية الخ..، يجب أن يجد كلّ ذلك مبدئيا في الجامعة وبامتياز، وفي " الإنسانيات" Humanités، حيّزه للنقاش اللامشروط ودون مسلمات ، وفضاءه المشروع للعمل وإعادة البناء. لا من أجل التقوقع عليها، بل على العكس، للعثور على أفضل منفذ إلى فضاء عموميّ جديد غيّرته تقنيات جديدة للاتصال والإعلام والتوثيق وإنتاج المعرفة. ( ومن بين المسائل الخطيرة التي تطرح هنا، لكنها المسألة التي يجب عليّ أن أتركها مفتوحة، بين الجامعة والخارج السياسي- الاقتصاديّ، هي مسألة سوق النشر والدور الذي يلعبه في عملية الأرشفة والتقييم والشرعنة للأعمال الجامعية). ليس أفق الحقيقة أو الأفق الخاص بالإنسان بالتأكيد حدّا قابلا للتحديد كثيرا. لكن أفق الجامعة والإنسانية هو كذلك أيضا. نحن نعرف ذلك جيدا، لا توجد فعلا هذه الجامعة دون شروط . لكن يجب عليها ، مبدئيا وفي التوافق مع هدفها الصريح ، وبفضل جوهرها المعلن، أن تظلّ الحيّز الأقصى للمقاومة النقدية - وأكثر من نقدية - مقاومة لكلّ سلطات التملّك الدغمائي وغير العادل. وحينما أقول " أكثر من نقدية" ، فإني أقصد " تفكيكيّة" ( لم لا نقول ذلك مباشرة ودون مضْعَيَة للوقت؟). أطلب الحقّ في التفكيك بوصفه حقّا لامشروطا في طرح الأسئلة النقدية لا على تاريخ مفهوم الإنسان فحسب، بل على تاريخ مقولة النقد بالذات ، على تاريخ شكل ونفوذ المسألة1، على الشكل. (1).

فيما يلي الجزء الثاني من الدراسة التي قام الباحثان "إميل برونو" Emile Bruneau من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، و"نور كتيلي" Nour Kteily من جامعة نورث وسترن Northwestern University بإنجاز دراسة مهمة شملت عينات كبيرة في أربع دول أوروبية: جمهورية التشيك (1,307)، والمجر (502)، وإسبانيا (1,049)، واليونان (1,049)، واليونان (1,307). = 934).
في الدراسة سعى الباحثان إلى فحص مدى التجريد الصارخ من الإنسانية وارتباطه بالعداء ضد اللاجئين في إسبانيا أيضاً، وهي دولة في أوروبا الغربية سبق أن أظهر الإسبان مواقف متسامحة نسبياً بين المجموعات في دراسات سابقة. تم بتوظيف عينة عشوائية عبر الإنترنت مكونة من 1188 مشاركًا إسبانيًا يمثلون كل إسبانيا تقريباً من حيث الجنس والعمر والمنطقة الجغرافية، وإن كانت ممثلة بشكل زائد قليلاً فيما يتعلق بالأفراد والنساء في منتصف العمر، باستخدام شركة استطلاع إسبانية "Netquest".
بالنسبة لمقاييس الحرارة التي يراجعها النظراء هنا مع المجموعات المستهدفة التالية: الإسبان، واللاجئون المسلمون والمسلمين، والغجر، والأفارقة، والأتراك، والمسيحيين، والأمريكيين، والفرنسيين، والألمان، والسويديين. كما هو الحال في الدراسة تم تقييم المقياس السلوكي المعادي للاجئين مع تضمين الالتماس. ركزت التحليلات أولاً على المستويات المتوسطة للتجريد من الإنسانية ووجهة النظر من المواقف السياسية تجاه اللاجئين المسلمين. وكما هو الحال مع العينة التشيكية، تم تصنيف اللاجئين على أنهم أقل إنسانية بشكل ملحوظ من المجموعة: فقد صنف الإسبان اللاجئين المسلمين على أنهم أقل بـ 15 نقطة على مقياس الصعود من الإسبان.
تم تجريد اللاجئين من إنسانيتهم بشكل ملحوظ أكثر من جميع المجموعات التي تم فحصها باستثناء الأفارقة والمسلمين والغجر الذين نالوا الدرجات الأدنى. وعلى عكس النتائج التي تم الحصول عليها من جمهورية التشيك والمجر، كان الشعب الإسباني يعارض عموماً مناهضة اللاجئين. وظهر أكثر استعداداً بشكل ملحوظ لتقديم التماس لصالح مساعدة اللاجئين مقارنة برفضها. وكان الإسبان على استعداد لاستقبال ما يقرب من 20.000 لاجئ في المتوسط.
عند فحص العلاقة المتبادلة بين تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم والتعاطف، لاحظنا أن تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم كان مرتبطاً بشكل سلبي ضعيف مع سمة القلق التعاطفي. وبما يتوافق مع الدراستين في التشيك والمجر، ارتبط التجريد الصارخ من الإنسانية بقوة عند الإسبان مع كل من التحيز ومع المحافظة السياسية، والأهم من ذلك وجد الباحثان في سلسلة من الانحدارات المتزامنة أن التجريد من الإنسانية كان مرتبطاً بشكل فريد بكل من مقاييس النتائج، بما في ذلك المواقف (دعم السياسات المناهضة للاجئين، ورفض طالبي اللجوء اللاجئين) والسلوك (التوقيع على عريضة لدعم اللاجئين). بشكل منفصل.

صدرت مؤخراً دراسة جديدة ترصد مواقف أربع دول أوروبية تجاه اللاجئين والمسلمين، اشتملت عينات من جمهورية التشيك، والمجر، وإسبانيا، واليونان. سأستعرض في الجزء الأول نتائج الدراسة في التشيك والمجر، على أن أستكمل نتائج الدراسة في الجزء التالي.

في عام 2015، سعى أكثر من مليون شخص إلى الهروب من الصراعات في سوريا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط عن طريق اللجوء إلى أوروبا. وكانت القوارب، التي غالباً ما تكون محملة بما يتجاوز طاقتها، تنقل معظم هؤلاء اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط من تركيا وشمال إفريقيا، إلى اليونان. ومع تسارع الهجرة، سرعان ما أُطلق عليها اسم "أزمة اللاجئين". واستجابت الحكومات الأوروبية بطرق متنوعة. وفتحت بعض البلدان، مثل ألمانيا، أبوابها أمام اللاجئين، في حين اتخذت بلدان أخرى مواقف متشددة مناهضة للاجئين، حيث أقرت الدنمارك قوانين مفرطة في مكافحة اللاجئين تسمح بمصادرة الأشياء الثمينة لطالبي اللجوء، وأقامت المجر سياجا بطول 175 كيلومترا على طول حدودها الجنوبية، وإطلاق حملة خدمة عامة واسعة النطاق لتثبيط توطين اللاجئين المسلمين. وسخر بعض المعلقين من ردود الفعل القاسية تجاه اللاجئين خلال الأزمة، مشيرين إلى أن العداء تجاه اللاجئين يعكس وجهة نظر غير إنسانية للمسلمين لدى الكثيرين في أوروبا. وأضفت تصريحات العديد من الساسة الأوروبيين مصداقية على هذا المنظور. وفي استجابة للأزمة، أشار "ديفيد كاميرون" David Cameron إلى اللاجئين على أنهم "سرب"، وأشار "يانوش كوران ميكا" Janusz Koran Mika العضو البولندي في البرلمان الأوروبي، إلى "غزو القمامة البشرية"، و"زولت باير" Zsolt Baer مؤسس الحزب الحاكم في المجر. نشر حزب فيدس افتتاحية تشير إلى "جحافل" المهاجرين على أنهم "وحوش برية" و"قمل". وتشير هذه التصريحات إلى أن اللاجئين المسلمين يُنظر إليهم - على الأقل من قبل بعض الأوروبيين - على أنهم أقل من إنسان كامل. ولكن ما مدى شيوع وجهة النظر هذه وتبعاتها وقابليتها للمقارنة في مختلف أنحاء أوروبا؟

تجريد المسلمين من إنسانيتهم

لقد ثبت مؤخراً أن التجريد الصارخ من الإنسانية يتنبأ بالمواقف والسلوكيات السلبية للجماعات الخارجية. تمت دراسة التجريد الصارخ من الإنسانية للاجئين المسلمين خلال "أزمة اللاجئين". للإجابة على هذا السؤال الهام قام الباحثان "إميل برونو" Emile Bruneau من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، و"نور كتيلي" Nour  Kteily من جامعة نورث وسترن Northwestern University بإنجاز دراسة مهمة شملت عينات كبيرة في أربع دول أوروبية: جمهورية التشيك (1,307)، والمجر (502)، وإسبانيا (1,049)، واليونان (1,049)، واليونان (1,307). = 934).

كتاب من تأليف الباحث التربوي المغربي عبد الجليل أميم، صدر عن مركز نماء للبحوث والدراسات ببيروت في العام 2014. يتكون المؤلف من أربعة فصول رئيسية، بسط الدارس من خلالها أهم مرتكزات التجربة النهضوية الألمانية في أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والقيمية، معتمدا في ذلك على كم كبير من المراجع باللغة الألمانية. ويشدد الباحث على أن القصد من تناول هذه التجربة هو الاستئناس والإفادة من أوجه نجاحها للبناء عليها وتطويرها ذاتيا، وليس بغرض المحاكاة نظرا إلى الخصوصية التي تسم كل تجربة على حدة.

مقومات الاقتصاد الألماني

في الوقت الذي كانت فيه بعض البلدان الأوروبية – وفي مقدمتها بريطانيا – تخطو خطوات حثيثة في طريق التحول إلى قوى صناعية متقدمة مستفيدة من الآفاق التي فتحتها أمامها الثورة الصناعية، واجهت ألمانيا جملة من العقبات والمثبطات في سبيل تحولها من اقتصاد زراعي – إقطاعي تقليدي إلى اقتصاد صناعي حديث، ولعل أبرزها:

- طبقة سياسية محافظة يتكون جزء كبير منها من النبلاء وأصحاب الأراضي الذين أعاقوا التحول نحو نمط الإنتاج الصناعي الحديث، فضلا عن الدور السلبي للكنيسة في هذا المضمار.

- لم تنجز ألمانيا وحدتها القومية إلا في وقت متأخر (1870)، إذ تجاذبتها قبل توحيدها مجموعة من الدويلات التي لم توجد بينها روابط اقتصادية وتجارية واضحة، وبالتالي افتقر الاقتصاد الألماني إلى سوق وطنية منسجمة تخول له تصريف إنتاجه الصناعي.

- نظام تعليمي ركز على العلوم الإنسانية وأهمل العلوم الطبيعية.

- ضعف البنية التحتية.

 كيف تقوم شبكة من المفكرين بتحويل الرأسمالية بعد عقود من هيمنة اليمين، حيث تعمل حركة عبر الأطلسي من الاقتصاديين اليساريين على بناء بديل عملي لليبرالية الجديدة؟
تمكن التيار اليساري منذ سبعينيات القرن الماضي من تغيير طريقة تفكير الكثير من الناس حول التحيز والهوية الشخصية والحرية. وكشف قسوة الرأسمالية وتوحشها. لقد فازت بعض الأحزاب اليسارية في بعض الأحيان بالانتخابات، وفي أحيان أخرى تولى اليسار الحكم بفعالية بعد ذلك. ولكن الأحزاب اليسارية لم تكن قادرة على إحداث تغيير جذري في الكيفية التي تعمل بها الثروة والعمل في المجتمع ــ أو حتى تقديم رؤية مقنعة لكيفية القيام بذلك. باختصار، لم يكن لدى اليسار في الدول الغربية سياسة اقتصادية منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.

وبدلاً من ذلك، كان لليمين رؤية واحدة تتمثل في الخصخصة، وإلغاء القيود التنظيمية، وخفض الضرائب على الشركات والأغنياء، ومنح المزيد من السلطات لأصحاب العمل والمساهمين، وتقليص السلطات للعمال ــ كانت هذه السياسات المتشابكة سبباً في تكثيف الرأسمالية، وجعلها أكثر انتشاراً في كل مكان أكثر من أي وقت مضى. لقد بُذلت جهود هائلة لجعل الرأسمالية تبدو حتمية؛ لتصوير أي بديل على أنه مستحيل.

في هذه البيئة المعادية على نحو متزايد، كان النهج الاقتصادي الذي يتبناه اليسار قائماً على رد الفعل ــ فيقاوم هذه التغيرات الضخمة، دون جدوى في كثير من الأحيان ــ وغالباً ما يكون متخلفاً، بل وحتى حنيناً إلى الماضي. ولعقود عديدة، استمر نفس المحللين النقديين للرأسمالية، كارل ماركس وجون ماينارد كينز، في الهيمنة على خيال اليسار الاقتصادي. توفي ماركس في عام 1883، وكينز في عام 1946. وكانت المرة الأخيرة التي كان فيها لأفكارهما تأثير كبير على الحكومات الغربية أو الناخبين الغربيين قبل أربعين عاماً، خلال الأيام الأخيرة المضطربة للديمقراطية الاجتماعية في فترة ما بعد الحرب الباردة وانهيار المنظومة الاشتراكية. منذ ذلك الحين، قام اليمينيون والوسطيون بتصوير أي شخص يجادل بأنه يجب كبح جماح الرأسمالية -ناهيك عن إعادة تشكيلها أو استبدالها- بشكل كاريكاتوري على أنه يريد إعادة العالم "إلى السبعينيات". لقد تم تقديم تغيير نظامنا الاقتصادي باعتباره ضرباً من الخيال، وليس أكثر عملية من السفر عبر الزمن.

ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأ هذا النظام في الفشل. وبدلاً من الرخاء المستدام والمشترك على نطاق واسع، فقد أنتج ركود الأجور، وتزايد أعداد العمال الذين يعانون من الفقر، والمزيد من عدم المساواة، والأزمات المصرفية، وتشنجات الشعبوية، والكارثة المناخية الوشيكة. وحتى كبار السياسيين اليمينيين يعترفون أحياناً بخطورة الأزمة. يعتبر جزء من المحافظين في الغرب بأن هناك فجوة انفتحت بين النظرية حول كيفية تحقيق اقتصاد السوق والواقع، حيث يشعر الكثير من الناس أن النظام لا يعمل لصالحهم.

في العصور القديمة، لم تكن كلمة طاغية بالضرورة تحقيراً وتدل على صاحب السلطة السياسية المطلقة. فالطغيان في العالم اليوناني الروماني، هو شكل من أشكال الحكم الاستبدادي يمارس فيه فرد واحد السلطة دون أي قيود قانونية. في استخدامها الحديث، عادة ما تكون كلمة الطغيان تحقيراً وتشير ضمناً إلى الحيازة أو الاستخدام غير الشرعي للسلطة. يتشارك جميع الطغاة بنفس الطريقة القبيحة، لأن الجميع يسعون إلى نفس التأثير: الترهيب وليس السحر. عادة ما تجتمع عناصر السيرة الذاتية للطغاة، من الصعود إلى السقوط، في كل حالة تقريباً لتكوين رواية موحدة.

الديكتاتور هو زعيم سياسي يحكم دولة بسلطة مطلقة وغير محدودة. تسمى الدول التي يحكمها ديكتاتوريون بالديكتاتوريات. تم تطبيقه لأول مرة على قضاة الجمهورية الرومانية القديمة الذين تم منحهم صلاحيات استثنائية مؤقتاً للتعامل مع حالات الطوارئ، ويعتبر الحكام المستبدون المعاصرون، من أكثر الحكام قسوة وخطورة في التاريخ.

اليوم، يرتبط مصطلح "الدكتاتور" بالحكام القساة والقمعيين الذين ينتهكون حقوق الإنسان ويحافظون على سلطتهم من خلال سجن وإعدام معارضيهم. عادة ما يصل الديكتاتوريون إلى السلطة من خلال استخدام القوة العسكرية أو الخداع السياسي ويحدون أو يحرمون الحريات المدنية الأساسية بشكل منهجي.

وعلى غرار "الطاغية" و"المستبد"، أصبح مصطلح "الدكتاتور" يشير إلى الحكام الذين يمارسون سلطة قمعية وقاسية وحتى مسيئة على الناس. وبهذا المعنى، لا ينبغي الخلط بين الدكتاتوريين والملوك الدستوريين مثل الملوك والملكات الذين يصلون إلى السلطة من خلال خط وراثي للخلافة.

كتاب من تأليف الباحث السعودي متروك الفالح، صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت في العام 2002، يقع في 212 صفحة موزعة على خمسة فصول أساسية. بالنسبة للإطار العام للدراسة، تناقش الأخيرة ظاهرة "تريف المدن" في المنطقة العربية من حيث واقعها وأسبابها وآفاقها متوسلة بالمنهج المقارن، بحيث أضاء المؤلف في مستهل بحثه على الإرهاصات الأولية لظهور المجتمع المدني الحديث في أوروبا بالتزامن مع نشوء الطبقة البرجوازية، مرورا بتأثير الثورة الصناعية التي أفضت إلى "تمدين الريف" بفعل انتقال الحياة الصناعية إلى الأرياف، وما أحدثه ذلك من تحول ثقافي (ثقافة الفردانية بدل الروابط التقليدية كالأسرة... إلخ) وسياسي (الديمقراطية الليبرالية، توسيع قاعدة المشاركة السياسية... إلخ). فكيف يمكن مقاربة إشكالية المجتمع المدني في السياق العربي – الإسلامي؟
أولا: ظاهرة تريف المدن في المنطقة العربية
إن ارتفاع وتيرة التمدن في المنطقة العربية خلال العقود الأخيرة من جراء هجرة سكان الأرياف إلى المدن لا يعني حكما استيعاب مفهوم المجتمع المدني الحديث (بأبعاده الثقافية والقيمية لا المادية - العمرانية فحسب) بالمنطقة العربية، وبدلا من ذلك فإننا نرزح تحت وطأة ظاهرة "تريف المدينة" (خلافا لتمدين الريف بأوروبا) وما يعنيه ذلك من استمرار ثقافة البداوة وعصبياتها بدل روابط المواطنة والتعددية والليبرالية التي تسم المجتمع المدني الحديث. وعليه فإن تأثير العولمة والحداثة يطال فقط الجانب المادي الاستهلاكي لا النسق القيمي للمجتمع.