)  مُقَدِّمَةٌ :

   إِنَّ اُلنَّاظِرَ فِي عَلاَقَةِ اُلْحَاكِمِ وَ اُلْمَحْكُومِ قَدْ يَتَبَيَّنُ بِأَنَّ اُلْخِلاَفَ بَيْنَهُمَا مُقِيمٌ، والوِفَاقَ نَادِرٌ عَزِيزٌ. وَاُلتَّفْسِيرُ اُلظَّاهِرُ لِذَلِكَ أَنَّ اُلرَّاعِيَ إِذَا مَا اسْتَبَدَّ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِاُلْعَدْلِ، أَوْ اتَّخَذَ بِطَانَةَ سُوءٍ تَسْتَأْثِرُ بِخَيْرَاتِ اُلْبِلاَدِ وَاُلْعِبَادِ، أَوْ وَعَدَ فَلَمْ يَفِ، أَوْ كَانَ كَاذِبًا، فَهَلُمَّ جَرًّا، سَخَطَتْ عَلَيْهِ اُلرَّعِيَّةُ، وقد تُقَابِلُهُ بِاُلْعِصْيَانِ وَاُلْخَلْعِ. إِذًا، فَعِنْدَ هَذَا اُلتَّفْسِيرِ إِنَّمَا اُلْخِلاَفُ بَيْنَ اُلْحَاكِمِ وَاُلْمَحْكُومِ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ، لَوْ زَالَتْ، عَادَتِ اُلْصِّلَةُ بَيْنَهُمَا إِلَى الأَصْلِ، أَعْنِي الوِفَاقَ وَاُلرِّضَا. وَإِنْ لَمْ نَرُمْ ظَاهِرَ الأَمْرِ، وابْتَغَيْنَا اُلتَّدْقِيقَ، وَالتَّمْحِيصَ، فَسَنَجِدُ اُلْوَصْفَ عَلَى ضِدٍّ مِنْ ذَلِكَ إِطْلاَقًا: عَلَى مَعْنَى أَنَّ اُلرِّضَا مِنَ اُلرَّعِيَّةِ عَلَى رَاعِيهَا حَالٌ غَرِيبَةٌ، بَلْ إِنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِهَا مَعَهُ إِنَّمَا هُوَ السُّخْطُ وَالشِّقَاقُ يَدَ اُلدَّهْرِ. لِأَجْلِ هَذَا فَمَا أَنَا بِذِي غُلُوِّ لَوْ جَزَمْتُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَكُونُ خَصْمٌ لِحَاكِمٍ، أَعْنِي مَحْكُومًا، قَدْ حَلَّ مَحَلَّهُ، أُرِيدُ اُلْحَاكِمَ، إِلاَّ وَخَامَرَ بَاطِنَهُ نَوْعُ نَدَامَةٍ لِمَا كَانَ يَعِيبُهُ عَلَى سَلَفِهِ مِنْ مَعْنًى لَمَّا قَابَلَهُ بِمَعْنَاهُ إِذْ هُوَ مَحْكُومٌ، فَقَضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جُورٌ وَبَغْيٌ، وَالآنَ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ : بَلْ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ حَقِيقَةِ الحُكْمِ وَطَبِيعَتِهِ، وَفِي نَفْسِهِ تَوَجُّسٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا طَعَنَ بِهِ عَلَى اُلْحَاكِمِ الأَوَّلِ، جَهْلٌ مِنْهُ وَعِنَادٌ وَتَجَنٍّ. كَذَلِكَ يُرَى دَائِمًا اُلْمَحْكُومَ الخَصْمَ، إِذَا مَا ارْتَفَعَ في اُلْحُكْمِ، عَجِلَتِ اُلعَامَّةُ إِلَى جَفَائِهِ وَسُخْطِهَا عَلَيْهِ، بَعْدَ مَا كَانَتْ تَوَدُّهُ كَثِيرًا، وَتُطِيلُ الاِسْتِبْشَارَ بِهِ.

 2) عَلاَقَةُ الحَاكِمِ بِاُلْمَحْكُومِ هِيَ عَلاَقَةُ اُلْكُلِّ بِاُلْجُزْءِ

   أَمَّا بَيَانُنَا لِمَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ الصِّلَةِ بَيْنَ اُلْحَاكِمِ وَاُلْمَحْكُومِ أَنَّهَا شِقَاقٌ، وَجَفَاءٌ، وَغَيْرُهُمَا عَارِضٌ فَقَطْ، فَبِقَوْلِنَا إِنَّ حَقِيقَةَ اُلْعَلاَقَةِ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هِيَ عَلَى صُورَةِ اُلْعَلاَقَةِ بَيْنَ اُلْكُلِّ وَاُلْجُزْءِ. ونَأْخُذُ مِثَالاً لِذَلِكَ : الأَصْبَاغُ، وَهَذِهِ أَجْزَاءٌ، وَرَسْمٌ مَا، كَشَجَرَةٍ، وَهْيَ كُلٌّ حَاصِلٌ بِتَأْلِيفٍ لِلْأَجْزَاءِ اُلصِّبْغِيَّةِ. فَاُلشَّجَرَةُ اُلْمَرْسُومَةُ إِذْ هِيَ كُلٌّ مِنَ الأَصْبَاغِ عَلَى تَرْتِيبٍ مَا، وَلَيْسَ عَلَى أَيِّ تَرْتِيبٍ، فَلأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ طَبِيعِيٍّ، اِحْتَاجَتْ إِلَى فَاعِلٍ مِنْ خَارِجٍ يُسَمَّى رَسَّامًا، شَأْنُهُ أن يُعَالِجَ الأجزَاءَ الصِّبْغِيَّةَ، ويَنْظُرَ إِلَيْهَا لاَ لِذَاتِهَا، بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ دَاخِلَةٌ في تَأْلِيفِ الكُلِّ الَّذِي هُوَ اُلشَّجَرَةُ. إِذًا فَاُلْمَوْضُوعُ الأَوَّلُ لِفِعْلِ الرَّسَّامِ إِنَّمَا هُوَ اُلكُلُّ، وَوُجُودُ الأَجْزَاءِ عِنْدَهُ، وَ مُعَامَلَتُهُ إِيَّاهَا إِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِصُورَةِ اُلْمَوْضُوعِ، وَلَيْسَتْ هِيَ، أَعْنِي الأَجْزَاءَ، بِمُقْصُودَةٍ قَصْدًا أَوَّلاً.  فَلَوْ تَوَهَّمْنَا أَنَّ اُلأَصْبَاغَ ذَاتُ عَقْلٍ شَاعِرَةٌ بِذَاتِهَا، فَرُبَّمَا قَابَلَتْ إِرَادَةَ الرَسَّامِ بِإِرَادَتِهَا. فَالرَسَّامُ إِنَّمَا عَيْنُهُ عَلَى اُلْكُلِّ، وَالأزْرَقُ الجُزْئِيُّ مَثَلاً، إِنَّمَا تَكُونُ عَيْنُهُ حِينَئِذٍ عَلَى ذَاتِهِ. فَمَا يُدْرِكُهُ الصِّبْغُ اُلْجُزْئِيُّ الأزْرَقُ، غَيْرُ مَا يُدْرِكُهُ أَلْبَتَّةَ، مُدْرِكُ الكُلِّ، الرَّسَّامَ*. وتَحْصِيلُ اُلْكُلِّ، كَصُورَةِ اُلشَّجَرَةِ تَعْلُو زُرْقَةَ السَّمَاءِ، تَقْتَضِي أَنْ يُسَلِّطَ اُلرَّسَّامُ جُزْءً مِنَ اُلأَخْضَرِ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الأَزْرَقِ. وَهَاهُنَا فَقَـدْ

يتعرض الناس في جميع أنحاء العالم للتمييز والمضايقة والاضطهاد لأنهم يعتنقون ديناً معيناً، أو لأنهم لا دينيون. في أجزاء كبيرة من هذا العالم يعيش بعض السكان في بلدان تتعرض فيها الحرية الدينية لضغوط شديدة ومتواترة. ولم يحدث ذلك أبداً في الماضي حيث الناس أكثر هروباً بسبب إيمانهم مما هم عليه اليوم. هذه التطورات جعلت قضية الحرية الدينية على رأس جدول أعمال السياسيين والتنمويين في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى.
الحكومة الدنماركية كانت قد أعلنت عبر مؤسساتها الحكومية أنها ستركز بشكل خاص على تقوية التعاون الدولي لحماية الأقليات المسيحية.
يتعلق الحق في حرية الدين بالحق في اعتناق أو تغيير الدين (أو ألا يكون لديك دين كلياً)، وكذلك للتعبير عن/ أو ممارسة هذا (أو عدمه) بمفردك أو مع الآخرين.
تتعلق الحرية الدينية بكل من حرية الفرد في اختيار الدين وفي حرية الممارسة والعبادة. لا يمكن استخدام الحق في حرية الدين لتقييد حقوق الآخرين، ولا يعطي تفويضاً مطلقاً للتحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف للسيطرة على الآخرين، ومنعهم من التعبير عن معتقداتهم، أو إلى قمع النقد الديني.
تُرتكب انتهاكات للحرية الدينية من قبل الدولة، وكذلك من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل المنظمات الدينية والحركات المتشددة أو من قبل المجتمع المحلي. تتراوح الانتهاكات بين التمييز والتحرش، إلى الاضطهاد الذي قد يصل مرحلة الخطورة عبر الاعتداء الجسدي الذي يهدد حياة وحرية الفرد. والذي قد يحدث في سياق حيث الدولة لا تستطيع ـ أو لا تريد ـ حماية المضطهدين، أو حيث الدولة نفسها تكون نشطة ومشاركة في الاضطهاد.
تتعرض الأقليات الدينية بشكل خاص لانتهاكات حريتهم الدينية. الذي – التي نادرا ما تكون أقلية دينية واحدة فقط. إذا سمح المجتمع بذلك إن اضطهاد أقلية يفتح الطريق أمام اضطهاد الأقليات الأخرى. لكن الجماعات الأخرى تتعرض أيضاً للتمييز الديني والمضايقات والاضطهاد، بما في ذلك الملحدون، والمتحولون، والنساء، والمثليات، والمثليون، ومزدوجو الميل الجنسي، ومغايرو الهوية الجنسانية.
يجب أن تكون الجهود المبذولة لتأمين الحرية الدينية وتعزيزها متاحة للجميع، بغض النظر عن الدين الذي يعتنقونه، وبغض النظر عما إذا كانوا ينتمون إلى أقلية دينية أم لا.
ترتبط حرية الدين بالتعددية والتسامح واحترام التنوع، وهو شرط أساسي للديمقراطية واليقين القانوني والسياسي والاستقرار المجتمعي. إذا تم إضعاف الحرية الدينية تضعف إمكانيات الديمقراطية، وتفشل سياسات التنمية، وبالتالي قد تضعف النمو الاقتصادي. لذلك من المنطقي تعزيز الحق في الحرية الدينية كعنصر مركزي في السياسة الخارجية والتنموية.

كتاب من تأليف الباحث الاقتصادي المصري محمود عبد الفضيل، صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت في العام 2000، إذ انصرف موضوعه إلى تناول جملة من التجارب الآسيوية الناجحة في النهوض الاقتصادي، وتحديدا في دول سنغافورة، ماليزيا، كوريا الجنوبية، تايلاند، الصين، وذلك بغرض الوقوف على محددات النجاح التي يمكن الاسترشاد بها عربيا، فضلا عن بعض مواطن القصور في تلك التجارب، والتي يجدر بنا تلافيها عند الحديث عن أي أفق نهضوي عربي.  

أولا: مقومات نجاح تجربة التنمية الآسيوية

يذهب المؤلف إلى أن تلك التجارب الآسيوية في الإقلاع الاقتصادي استندت إلى مجموعة من المقومات والدعامات في وسعنا تحديدها كما يلي:

* الدور المحوري الذي اضطلعت به الدولة في رسم التوجهات التنموية وتحديد الأولويات الاقتصادية، من خلال سياسات التخطيط المركزي الحكومي، بالموازاة مع إعطاء حوافز للقطاع الخاص من أجل الإسهام في العملية التنموية، الأمر الذي يتنافى مع الطرح النيوليبرالي المتوحش الذاهب إلى إلغاء أي دور تدخلي للحكومة والقطاع العام باعتباره عائقا أمام التنمية، بحيث لعب التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد دورا أساسيا في إنجاح تلك التجارب الناهضة، وآية ذلك استمرار السياسات التنموية رغم تبدل القيادات والنظم السياسية.

* البعد الثقافي والقيمي من حيث هو محرك للتجارب التنموية في دول شرق آسيا، إذ ليس يخفى إسهام قيم معينة مثل الإخلاص والمثابرة في العمل (قوة عمل منضبطة ومؤهلة)، وشيوع ثقافة الادخار لدى الحكومات والأسر، في النهوض التنموي لتلك التجارب، وهنا تلعب الأخلاق الكونفوشيوسية وظيفة حيوية في هذا المضمار.

كتاب من تأليف دانيال غيران (1904 – 1988)، الكاتب والمنظر الأناركي الفرنسي، صدرت طبعته العربية في العام 2015 عن تنوير للنشر والإعلام (ترجمة: عومرية سلطاني). يقع الكتاب في ثلاثة أقسام (القسم الأول: الأفكار الأناركية الرئيسية، القسم الثاني: بحثا عن مجتمع جديد، القسم الثالث: الأناركية في الممارسة الثورية). يقر مؤلف الكتاب بالصعوبة التي تكتنف حصر الأفكار الرئيسية للأناركية، ولعل ذلك يُعزى إلى تنوع اتجاهاتها الفكرية (أناركية فردانية، أناركية اجتماعية...إلخ)، فضلا عن المرونة التي تتصف بها، ذلك أن مشايعيها يرفضون التعاطي معها بحسبانها مذهبا عقائديا جامدا، ومع ذلك في الوسع العثور على مشتركات وتقاطعات تُستَنبط منها الملامح الفكرية العامة للحركة. ومن ناحية أخرى، يشير المؤلف إلى أن ما يميز عمله البحثي هو التركيز على الأفكار والمفاهيم الأساسية للأناركية عوض الإغراق في سرد تفاصيل السير الذاتية لروادها.

الأسس الفكرية للأناركية

تتعدد التسميات التي تُسْبَغ على هذا الاتجاه الفكري (أناركية، ليبرتارية، ليبرتارية شيوعية، جماعاتية...إلخ)، لكنها تتقاطع في دلالتها لترمز إلى المناداة بالتخلي عن السلطة والحكومة، واستبدالها بأشكال أخرى من التنظيم الاجتماعي تكفل الحرية والمساواة، كما تدعو إلى التصدي لشتى ضروب الوصاية الاجتماعية والأفكار والتقاليد التي تصنف في خانة "المقدس" و"المسلمات"، إذ لا تعترف بأي قيود من شأنها أن تحد من حرية الفرد، دون إغفال معاداة النخبوية بجميع أنواعها (سياسية، اقتصادية، فكرية، ثقافية... إلخ)، فالنخب – في اعتقادهم – تجنح لاستعباد الشعب واحتقاره.

على أن المبدأ الأساسي للأناركيين يتمثل في معاداة الدولة من حيث هي مرادف للاستبداد والطغيان ونفي للحرية الفردية في حسبانهم، إذ يعتقدون بقدرة المجتمع على تنظيم نفسه طوعيا. وعطفا على ما سبق، يكن الليبرتاريون العداء للديمقراطية البرجوازية المستندة إلى مبدأ التمثيل، الذي يزيف إرادة الشعب مكرسا بذلك سطوة الأقلية المسيطرة على وسائل الإنتاج. وبرغم أن الأناركية تندرج ضمن تيارات الفكر الاشتراكي، إلا أنها ترفض "الشيوعية السلطوية" حيث تتركز وسائل الإنتاج في يد الدولة، الشيء الذي يفضي إلى عبودية وخضوع العامل للآلة الإنتاجية والسلطوية للدولة بعدما كان يعيش تحت وطأة استغلال الملاك الخواص.

كتاب من تأليف جون بركنز الذي سبق أن عمل كمستشار اقتصادي لدى شركات أمريكية ليجد موطئ قدم له في عالم المال والأعمال، قبل أن يوطن عزمه على البوح بخبايا عمله، ومن ثم نشر الغسيل القذر لحقيقة النظام الاقتصادي السائد المفرغ من أي التزام أخلاقي. وهكذا، فقد سلط المؤلف الضوء على خطورة الدور الذي يؤديه "قراصنة الاقتصاد" وتداعياته الوخيمة على اقتصادات الدول "النامية"، فضلا عن أساليب عملهم الخبيثة، مستحضرا تجارب شخصية له أثناء تجواله بين مجموعة من الدول التي عمل بها.
يُعرف الكاتب قراصنة الاقتصاد بأنهم "خبراء محترفون ذوو أجور مرتفعة، مهمتهم هي أن يسلبوا ملايين الدولارات بالغش والخداع من دول عديدة". وتكمن مهمة قراصنة الاقتصاد في خدمة ما يسميه بركنز ب "الكوربوقراطية" التي تحيل إلى تحالف من الشركات والبنوك والحكومات يوحد بينها هدف مشترك ألا وهو الحفاظ على النظام الرأسمالي القائم، وذلك من خلال إضفاء المصداقية على تمثلات زائفة من قبيل أن النمو الاقتصادي يخدم البشرية جمعاء، وسرعان ما تقطف ثماره الفئات الدنيا من الناس الأقل حظا، وهو ما يدعوه بعض الاقتصاديين بنظرية "التقاطر إلى الأسفل"، بحيث عرى الكاتب زيف هذه النظرية.

كتاب بمثابة دراسة بحثية للباحث الفلسطيني ذي المنزع القومي الليبرالي عزمي بشارة، تتوزع مضامينه على أربعة فصول (توترات الديمقراطية بين المساواتية والحرية، الشعبوية: الخطاب والمزاج والأيديولوجيا، مسألة عدم الثقة بالمؤسسات الديمقراطية، هل فقد النظام الديمقراطي جاذبيته؟)، إذ تناول من خلالها الظاهرة الشعبوية من حيث هي خطاب سياسي وممارسة في آن واحد، فمن شأن عدم تحديد معنى المصطلح بدقة أن يُطلق العنان لهذه التسمية من دون قيد، كما انبرى المؤلف لبيان مصادر الشعبوية ومضارها على النظام الديمقراطي:

جوهر الشعبوية

بحسب الكاتب، الشعبوية هي استراتيجية سياسية تستثمر في مزاج شعبي غاضب، وقد تتحول من محض خطاب إلى أيديولوجيا في الحالات القصوى، وذلك حين تفضي إلى استقطابات حادة تنعكس في المقابلة بين الشعب "الطاهر – النقي" والنخب "الفاسدة". فالسياسي الشعبوي يزعُم بأنه وحده الممثل الحقيقي للشعب على الضد من النخب التقليدية، مع التنبيه إلى أن خطاب الأخيرة لا يخلو أيضا من مسحة شعبوية وإن بدرجة أقل حدة. كما ينهض الخطاب الشعبوي على الاعتقاد بأن الشعب هو مستودع كل الفضائل، وهو دوما على حق، فيما يجنح إلى شيطنة النخب ("أعداء الشعب") وتسويد صحيفتها في نظر الجمهور.

وقد عبر المفكر الألماني كارل شميت (1888-1985) بوضوح عن تلك النزعة حين طعن في الديمقراطية التمثيلية، القائمة على فكرة تمثيل الأحزاب، التي لا تجسد – في اعتقاده – إرادة وتطلعات الشعب، بحيث نادى شميت بحكم فرد دكتاتور في مكنته اتخاذ قرارات حاسمة لا تذعن لسطوة المواضعات النخبوية، على نحو يضمن تحقيق مبدأ السيادة الشعبية. وبينما لا ينكر عزمي بشارة أن أطروحة محدودية الديمقراطية التمثيلية تنطوي على قدر من الوجاهة، فإنه يلح – بالمقابل – على أن فرادة الديمقراطية الليبرالية تكمن في إتاحتها وسائل للرقابة الشعبية والقضائية على النخب الحاكمة، في إطار مبدأ علوية القانون، وهي الضمانات التي تهدد الشعبوية بالنيل منها.

رغم أني لست من المهووسين بكرة القدم باعتبارها رياضة جميلة أنتجتها الثقافة البشرية، ومع أن لدي انطباعا غير جيد حول توظيفها، كإيديولوجيا، لأداء أدوار إشغالية تتفيهية صارفة للمدمنين عليها عن الاهتمام بقضاياهم الأساسية والمصيرية، بوعي أو دون وعي، كما تُوَظَّفُ الأديان والفنون لأداء ذات الدور، وتسخر لذلك مختلف القنوات. رغم ذلك فقد تابعتُ المباراة الأخيرة بين فريق الوداد البيضاوي المغربي وفريق الترجي التونسي في إطار نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية، والتي جرت بملعب رادس بتونس، ليلةَ الجمعة، الواحد والثلاثين من شهر ماي 2019، وتوقفت بسبب احتجاج فريق الوداد البيضاوي على حرمانه من هدف مشروع، ومطالبته بالرجوع إلى الفيديو «VAR» لاستعادة حقه بعد التأكد من مشروعية الهدف، وهو ما لم يحصل بسبب عدم تشغيل التقنية لسبب من الأسباب، الأمر الذي اعتبره الفريق المتضرر، وعدد كبير من المتتبعين والمحللين التقنيين غاية في الاستهتار والعبث، خاصة وأن ثمة شبه إجماع سابق للمحللين التقنيين حول الظلم الذي تعرض له فريق الوداد في مباراة الذهاب أيضا، بسبب حرمانه من هدف مشروع، والذي ساوقه رفض الحكم العودة إلى الفار رغم كونه يشتغل، وتم تشغيله لصالح الفريق الخصم. الخلاصة أن مباراة الإياب المهزلة توجت بإعلان فريق الترجي بطلا للدورة في أجواء يعمهما استياء الجميع تقريبا، بما في ذلك جل الجمهور الذي انسحب من الملعب، لتتعقد الأمور بعد ذلك، وتسير نحو قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) إعادة المباراة في بلد محايد، كما تم الإعلان على ذلك يوم 05 يونيو 2019، وتشتعل داحس والغبراء بين القبائل على موارد الوهم والزعم.

"أن تقتل إنسانا من أجل خير العالم أمر يتناقض مع خير العالم،
ولكن أن تتألم وتضحي بنفسك من أجل العالم ذلكم هو الخير كله"
ماوتسي تونغ .
إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا،
ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل.
المهاتما غاندي

1-مقدمة:

قد يبدو مفهوم الثورة السلمية للوهلة الأولى مفهوما كلاسيكيا لا يختلف كثيرا عن غيره من المفاهيم التي تجاوره في المكان وتجانسه في الدلالة. ولكن ما أن يـتأمل المرء فيه ويتمعن في تجلياته حتى يجد نفسه في فضاء فكري مترامي الأبعاد والأطراف، وفي خضم التمعن والنظر، يدرك المتأمل أن مفهوم اللاعنف مفهوم في فلسفة وفلسفة في مفهوم.

وليس من المصادفة أن يرتبط هذا المفهوم ارتباطا عميقا بالحكمة الإنسانية الشرقية، بما تشتمل عليه هذه الحكمة من إشراقات إنسانية، وشطحات صوفية كانت وما زالت قادرة على التوغل في أعمق مناطق الوعي الأخلاقي والوجداني في الإنسان؛ وليس غريبا أن يتعانق جمال هذا التسامح الصوفي المتضوّع بالحكمة الشرقية، مع سمو الحكمة المسيحية القديمة، وليس من العجب أيضا أن يخفق بين هاتين الحكمتين قلب المهاتما غاندي الكبير، الذي مَتحَ رحيق المحبة والتسامح من معين الحكمة الهندية القديمة، ونهل من معين الحضارة الغربية المتدفقة، فجاء عطاؤه غمرا إنسانيا مصقولا في منهج فكري فلسفي أصيل، فأخذ المفكرون من ذلك العطاء يرتحقون ومن هذا الفكر ينهلون في سبيل بناء فلسفة إنسانية للسلام قادرة على أن تنير دروب الشعوب المظلومة والمغلوبة على أمرها في نضالها من أجل الحق والحرية والسلام.

لقد استلهم المهاتما غاندي([1])حكمتي الشرق والغرب، فأخصب ما بينهما ليشيّد فلسفة جديدة كان لها أثر كبير في توجيه النضال الإنساني من أجل الحرية والسلام. ولكن حبه للسلام ونضاله من الحرية لم يحصناه ضد الشهادة التي كان يطلبها ([2]). فكان على موعد من الشهادة وكان له ما أراد، حيث منحه أحد الهندوس المتعصبين شرف الشهادة فنهض بها رمزا للحرية وعنوانا لفلسفة النضال السلمي من أجل الحرية والسلام ([3]). رحل غاندي ولكن أنساقه الفكرية مازالت تشكل طاقة إنسانية حيوية تعتمدها الشعوب في النضال ويعتمدها المفكرون في تأجيج هذا النضال وعقلنته فكريا ونظريا مستلهمين روح غاندي وفلسفته([4]).