أنفاس 1- تعريف الجنون:
يتميز الجنون كمفهوم عام ، بكونه يعبر عن وظيفة دلالية مركبة، بشكل يجعلها تحيل على مرجعيات مختلفة و متعددة ،ترتبط بطبيعة البيئة الاجتماعية و الثقافية التي ظهرت  فيها . و يتم العامل مع ظاهرة الجنون ، حسب مستوى الوعي الذي وصل إليه كل مجتمع .
1-1الدلالة الدينية
تكتسي هذه الدلالة طابعا دينيا واضحا ، نظرا لتركيزها القوي على التصور الغيبي لمعنى الجنون . فمفرده جني ، و يدل في القرآن الكريم ، على كائن لامرئي ذي طبيعة نارية ، يقول تعالى : (و خلق الجان من مارج من نار )1،لهذا فالجن هو (نوع من العالم ، سموا بذلك لاجتنابهم عن الإبصار )2، أي لاختفائهم عنها .
و يشير لسان العرب في موضع آخر ، إلى دلالة الاختفاء هذه المرتبطة بلفظة الجنون، فيقول : (جن الشيء يجنه جنا : ستره ، و جن عليه الليل : ستره ، و جن الليل و جنونه وجنانه : شدة ظلامه )3.
إن مفهوم الجنون ، من الناحية اللغوية، لا يخرج إذن عن إطار دلالة الغيب و الاختفاء و التستر المطلق بصفة عامة .هذه الدلالة الدينية التي تفرض علينا أن نقول ، في نفس السياق و بتعبير مختلف ، أن المجنون ، و هو الشخص المصاب بالجنون ، في عرف الفهم العربي و الإسلامي ، الذي هو في عمقه و شكله ، فهم تراثي و تقليدي يعكس مستوى الوعي العام الذي يسود في مجتمعه، بحيث يعتبره ذلك الشخص الغائب و المختفي و الدائم التستر ، في واقع مادي محسوس و طبيعي .لكن بأي معنى نفهم دلالة الغياب و الاختفاء المرتبطتين بظاهرة الجنون؟

-2-1الدلالة النفسية

تركز المعاجم اللغوية ، و بعض الكتابات العلمية و التحليلات النفسية الحديثة، في تفسيرها لظاهرة الجنون ،على التصور الذاتي و المرضي ، بحيث تنطلق في كل ذلك من معطيات تجريبية و آليات علمية صرفة، تعتبر الظاهرة حالة نفسية يمكن تفسيرها ، و بالتالي معرفة العلاج العلمي المناسب لها .

فجاء في المعجم العربي (جن جنا و جنونا ، زال عقله ، أو فسد ، فهو مجنون ، ج مجانين )4.أما المعجم الفرنسي فيشير إلى أن المجنون le fou هو ذلك الشخص المصاب بالاضطرابات النفسية و الاختلاط الذهني 5 ، أما الكاتب الفرنسي فولتير فيعرف ظاهرة الجنون بكونها من الأمراض التي تصيب أعضاء الذهن البشري 6.

أنفاسمن دون شك بأن بطل رواية (العطر) البديعة لـ(باتريك زوسكيند) هي شخصية متخيلة، مخترعة، ولا يمكن أن تكون حقيقية، بالرغم من أنها عاشت بيننا، وما كساها مؤلفها إلا لحماً ودماً وموقفا، فصرنا لن ننسها أبداً، لأنها شخصية فاعلة، وخارقة قد أسبغ عليها المؤلف أوصافا لا يمكن أن تنطبق على إنسان، (وإذا كان اسمه اليوم قد طواه النسيان، على نقيض أسماء نوابغ أوغاد آخرين، مثل دوساد، سانت جوست، فوشيه، أو بونابرت[1])، لأجل أن تبقى تعيش بيننا تتحدى النسيان، وتتحول إلى كائن قد عاش على هذه الأرض وترك أرثا عظيماً، بأفعاله، كما أي شخص حقيقي قد ولد ومن بعد حياة حافلة قد مات. (أنا الوحيد الذي أدرك مدى جماله الحقيقي، لأنني أنا من أبدعه- الرواية[2]) شخصية بقيت تثير الإعجاب، وت مضي بقارئها كأنها تأخذه مسحورا، وبقيت كشخصية روائية بقيت مكتسية بثقافة المؤلّف الذي ولد عام 1949م، حيث بدأ موسيقيا فاشلا، وأصبح فيما بعد صحافيا ناجحا، درس التاريخ في جامعة ميونخ 1968-1974م، كتب مسرحية (عازف الكونترباس) مونودراما في فصل واحد في عام 1981م اصدر رواية العطر عام 1985م، وفاز عام 1987م بجائزة غوتنبرغ، (يعيش حاليا في باريس متفرغا لكتابة السيناريوهات السينمية)، و (العطر) رواية مشوقة لا يمكن لقارئ ما تركها، أو نسيانها، واغلب أحداثها تحلل الطبيعة البشرية بكل تفصيل، كونها حوت خصائص سردية مثيرة، والمؤلف عاد بها إلى تاريخ 17-7 -1738م، يوم مولد بطلها صاحب الأنف الأسطوري بتحسسه للروائح (جان بالتيست غرنوي) في مزبلة نتنه، من أزقة باريس الخلفية، (في أكثر أماكن المملكة بأسرها زخماً بالروائح- الرواية- ص 7)، وُلد من أم عاملة (صبية في منتصف العشرينيات من عمرها، والتي مازال جمالها باديا- الرواية[3])، وقد تركت أخوته (كما فعلت في الحالات الأربع السابقات[4]) دون رجعة تحت طاولة تنظيف السمك، امرأة في فقر مدقع، بائسة، تعمل في شارع قذر، حيث تعمل على تنظيف فضلات السمك، وكان في نيتها أن تتركه هناك مع الفضلات كي يموت، ويُلقى في النهر مع النفايات. أدى ذلك إلى افتضاح أمرها، ساقها إلى المحكمة، فالإعدام تحت المقصلة. أما الطفل المسخ (كان قبيحا، ولكن ليس إلى درجة أن يرتعد الإنسان من بشاعته- الرواية[5])، تنقل بين المرضعات اللواتي كنّ يتركن دون أسف عليه لما يبثه فيهن من شعور بالتقزز لجشعه المفرط في ر ضع الحليب، فلم تقبل به إلا مرضعة بائسة، كانت لا تشم، ولا تشعر بما حولها، قبلت به انتحارا، وكل ذلك لا يضفي على الشخصية بأنها حقيقية، شخصية اجترحت بذكاء بالغ، شحّ نظيرها في الروايات العالمية، حيثُ أمضت الرواية في انف قارئها فعلا قرائيا، وليس عبر عينيه، فإطار الرواية التاريخية هو القرن الثامن عشر، ومساحتها الرئيسية هي الروائح بشكل عام والعطور بشكل خاص، معتمداً المؤلف على مرجعية علمية متخصصة بصناعة العطور في ذلك الزمن، وتراكيبها، والمواد الأولية لها ومقادير الخلطات، وسارت الحكاية تجول في الطبيعة مقارنة بما يشمه الأنف من مزارع الزهور، وسردت درساً لجغرافية باريس البراقة، ومختلف المناطق الفرنسية التي سارت عليها أحداث روايته.

  1- عرف الفكر الأدبي العربي منذ بدايات الثمانينات تحولا كبيرا سواء على مستوى مرجعياته أو طرائق تعامله مع النص الأدبي، أو تفكيره في مجمل القضايا المتعلقة بالابداع. وبرز ذلك بصورة جلية على صعيد لغته وما صارت تزخر به من حمولات تختلف عن اللغات السابقة. نجد أهم ملامح هذه التحولات الطارئة على صعيد اللغة من خلال:
أ - توظيف مصطلحات ومفاهيم عديدة وجديدة سواء من حيث بنيتها أو تركيبها أو دلالتها.
ب - إدراج الأشكال والتخطيطات والجداول ضمن التحليل.
ولا يمكن للقاريء، أيا كان نوعه، إلا أن يجد في أغلب الدراسات التي ظهرت منذ هذا الوقت ميلا واضحا نحو توظيف أكبر عدد من المسطحات، وقدرا لا بأس به من الأشكال والتخطيطات. ونجم عن هذا التحول الذي يتجلى للوهلة الأول على صعيد اللغة ببعديها الاصطلاحي ( اللفظي) والتخطيطي ( الصوري) أن وقع التسليم بصعوبة هذا المنحى النقدي الجديد لدى البعض، أو التأكيد على لا جدواه عند البعض الآخر. وتوالت ردود الفعل المتهمة لهذا التوجه، أو لقدرته على تحويل رؤية فكرنا الأدبي أو تجديد مساره.
2- بدأت تتواتر الدراسات والترجمات، رغم الصعوبات والعراقيل التي يصطدم بها أي جديد عادة، وكثر المشتغلون في نطاق هذا التوجه النقدي الجديد. وهنا بدأت تتراكم المشاكل وتتفاقم الاشكالات، إذ لم تبق الخلافات مقتصرة على الطرفين التقليديين: أنصار الحركة الجديدة وخصوصها، ولكنه امتد الى الانصار أنفسهم، وبدأنا نعاين التناقضات تتعدى الاختلاف الى الخلاف، وظهرت الكتابات المختلفة لتجسيد ذلك والتعبير عنه. وغدت امكانية ملامسة هذا الخلاف في العدد الواحد من المجلة: فالمفاهيم والمصطلحات الموظفة ذات مرجعية واحدة، لكن الأختلاف بين في استعمالها، والخلاف صار متعددا بتعدد هؤلاء المشتغلين بها، وصار الجميع يستشعر فداحة الأمر، وضرورة تجاوزه، وإن ظلت السجالات حول هذه المصطلحات ترمي الى تغليب بعضها أو الانتصار لها على البعض الآخر، بناء على دواع ذاتية، أكثر مما هي مؤسسة على مقتضيات منهجية أو علمية حتى وان كانت المبررات المقدمة تصدر الدعوى العلمية والمنهجية.
3- إننا فعلا أمام ضرورة ملحة وعاجلة للبحث في المصطلح الأدبي العربي الجديد، لقد ذهب "لافوازييه" وهو يتحدث عن المصطلحية الكيميائية الى حد اعتبار أنه "لا يمكن تطوير اللغة بدون تطوير العلم، وكذلك لا يمكن تطوير العلم  بدون تطوير اللغة "(1). وهو لا يقصد باللغة هنا غير المصطلحات الموظفة في العلوم. وتأتي هذه الضرورة من كوننا "نصطلح " على الاختلاف، أكثر مما نتفق على "الاصطلاح".

أنفاس مقدمة:
اشتهر عبد الله العروي بكتاباته عن أزمة المثقف العربي . رآها انعكاسا لأزمة المجتمع , ولكنه اعترف بوجود « أزمة ذاتية تهمه هو ويلهي بها ذهنه وأذهان قارئيه » ، وهي أزمة تجعل أزمة المجتمع أعمق وأخطر , خصص لها مقالة في المؤلف المشار إليه أسفله، تناول فيها بالدراسة والتحليل أسبابها التي حصرها في عاملين أساسيين وهما . ازدواجية التكوين وضعف استيعاب العلوم الاجتماعية, واستخلص منها سمات المثقف العربي ، وجعل في مقدمتها البؤس الذي « يقود كثيرا من المثقفين إلى اليأس من إصلاح شؤون المجتمع » ( ) ، . نجد في « أوراق » معلومات دقيقة حول سمات شخصية المثقف المغربي والعوامل المؤثرة فيها , المعطيات التي تزخر بها « أوراق " يمكن استغلالها في دراسة الحالة"  .
صرح المؤلف في مقدمة الطبعة الثانية ( ) بأن الأمر يتعلق بوصف شخصية إدريس حيث قال : « من وراء التساؤلات حول الموضوع والأسلوب … توجد شخصية إدريس » ودعا القارئ إلى الكشف عنها , قالها بنوع من التحدي كمن يدعوك إلى حل لغز من الألغاز المستعصية , قدم لنا شخصية ملفوفة محجوبة ، تتوارا خلف تقنيات السرد الروائي وأشكاله التعبيرية التي يمتزج فيها الصدق بالتمويه , واعتبر محك الفهم هو القدرة على خرق الحجاب للوقوف على عناصر الشخصية وإعادة بنائها , ولا يستقيم البناء إلا بالاعتماد على الخيال لاستنباط الحلقات المفقودة التي تعمد المؤلف انتزاعها من السلسلة , ذلك ما عبر عنه بقوله: « أوراق إدريس هي حياته ، لكن حياته ليست كلها في أوراقه , يبقى مجال واسع يرتع فيه خيال القارئ ، خاصة الشاب، يتصور ما كان وما لم يكن ، وما كان يمكن أن يكون » ( ص8), وصرح المؤلف أيضا بأن الهدف من كتابة سيرة إدريس الذهنية هو وصف الجو الثقافي الذي عاش فيه رعيل المثقفين من ذوي الثقافة المزدوجة الذين اشتهروا في مرحلة ما بعد الاستقلال, لذلك يمكن أن نعتبر سيرة إدريس الذهنية حالة نموذجية تمكننا من إدراك القواسم المشتركة الموجودة بينهم بخصوص اختياراتهم وتوجهاتهم الفكرية والمعتقدية والعوامل المأثرة فيها , هذا هو الهدف المعلن , ونحن نفترض وجود أهداف ضمنية يسعى الكاتب إلى تحقيقها عن وعي أو عن غير وعي , ما هي هذه الأهداف ؟ ما هو الدور الذي أراد الكاتب لرواية السيرة الذاتية أن تلعبه ؟ ما وظيفة تعليق الراوي عليها وتعليق شعيب ؟
هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها , سنركز التحليل على نقطتين أساسيتين وهما: أولا ، مسيرة تكوين إدريس الفكري , وسيكون الهدف هنا هو بيان تأثير الفكر الغربي في شخصيته وما ترتب عن ذلك التأثير من تمزق في الذات , ثانيا ، محاولة بناء الشخصية من خلال جمع شظاياها المبعثرة في مختلف الفقرات , وهو ما سيمكننا من تشكيل فكرة عامة حول صاحب السيرة والكشف عن الأهداف المضمرة التي تساءلنا عنها.

أنفاساقترن اسم ناظم حكمت بالنضال ومقاومة السجن والأمل، ولعل هذا الاقتران غطى على شعره، وجعله في درجة تالية.‏
بداية لابد من الاعتراف بأن ترجمة الشعر تلاقي ردود فعل متنوعة، ويخضع الشعر نتيجة الترجمة لتغيير وتبديل ورؤى لا نجدها في ترجمة النثر. لذلك فإن أي رأي حول ترجمة ناظم حكمت إلى العربية لابد وأن يؤخذ على أنه مجرد وجهة نظر في ترجمة الشعر. ولكن الحقيقة تتجاوز هذا الأمر، وتتعلق بعوامل موضوعية لعملية الترجمة من التركية إلى العربية (أو العكس). فقد حمل قضية الترجمة عن هذه اللغة أناس لاشك في إخلاصهم وصدقهم ممن يجيد العثمانية أو التركمانية. وعلى الرغم من قرب هاتين اللغتين (أو اللهجتين) من التركية إلا أن هنالك فروقاً كبيرة جداً في بعض الأحيان، وانعكست هذه الفروق في الترجمة، وبرزت في ترجمة الشعر أكثر من غيره. الأمثلة كثيرة، أهمها أن المفردة العربية في التركمانية أو العثمانية تحمل دلالتها العربية فقط، وليس بالضرورة أن تحمل هذه الدلالة وحدها في التركية مثلاً "إلهي Ilahi" تحمل دلالة أخرى وهي "قصيدة صوفية"،وكذلك كلمة "سير Seyir" تحمل دلالة أخرى هي "الفرجة" وهنالك عشرات المفردات من هذا النوع أثرت بشكل مباشر في ترجمة ناظم حكمت إضافة إلى أمور من نوع آخر جعلت الأمثلة الشعرية المقدمة تدخل قوالب وتراكيب جديدة، مثلاً: "قضية طاهر وزهرة" صارت في الترجمة إلى العربية "قضية الطاهر وداء الزهري"‏
لذلك فإن ناظم حكمت وعلى الرغم من ترجمته أكثر من مرة فهو يحتمل ترجمات أخرى تخضع للتدقيق والبحث على يد دارسين للغة التركية، ولأدب ناظم حكمت، ويمكن أن يكون إعلان منظمة اليونسكو عام 2002 عام ناظم حكمت مناسبة للقيام بهذا العمل يحتاج إلى جهود مؤسسات.‏
***‏
انقلب ناظم حكمت أدبياً على نفسه مرتين. في المرة الأولى في أثناء مشاركته في حرب التحرير بصفة معلم. فقد أدرك الفرق الكبير بين لغة الخاصة (وهي لغة الشعر آنذاك) وبين لغة الناس، وتطور هذا الانقلاب إثر سفره إلى موسكو إذ اقترن موقفه اللغوي هذا بموقف جديد من شكل الشعر متأثر بماياكوفسكي، فكتب ما سمي (القصيدة الحرة) والمسماة عربياً (قصيدة النثر).‏
في هذه المرحلة لم يتبلور الشكل الشعري الجديد لديه تماماً، فكان تكرار بعض المفردات يوحي بأن هنالك وزناً. أولى قصائده بالشكل الجديد هي "أحداق الجياع"‏
لسنا بضعة أنفار‏
ولا خمسة أو عشرة‏
30000000
... 30000000‏ ‏ ‏

أنفاسقراءة عاشقة لنصوص "أنطولوجيا الحب"
تمهيد: 
"الحاءات الثلاث" مشروع إبداعي وتنظيري يهدف إلى التعريف بالقصة المغربية القصيرة عبر ترجمتها للغة الإنجليزية ثم نشرها ورقيا باللغتين العربية والإنجليزية، كما  يتقصد التأسيس لمدرسة مغربية قادمة للقصة القصيرة من خلال المشترك المضاميني والجمالي المُجَمَّعِ  بين النصوص الخميسين للكاتبات والكتاب الخمسين المشاركين في المشروع الأنطولوجي والموزعين على ثلاثة أجزاء:"أنطولوجيا الحلم المغربي" و"أنطولوجيا الحب"  و"أنطولوجيا الحرية ".
ومواكبةً لنصوص الكتاب المحتفل بهم، أسَّسْنَا وواظبنا على تقليد أدبي انطلق مع الجزء الأول "أنطولوجيا الحلم المغربي" وذلك بإعداد قراءة " عاشقة"  للنصوص المشاركة توضح المنظور الذي على ضوئه ستترجم النصوص كما تعمل على تقريب النص للقارئ من خلال تسليط الضوء على المشترك الجمالي والمضامين الذي يبحث بين شتات النصوص الخمسين عن الخيط الرفيع القادر على المساهمة في تصميم النموذج القصصي للكتابة الغدوية ولكتاب الغد.
ولأن هدف المشروع الأنطولوجي الحالي هو التأسيس لقصة قصيرة مغايرة، فقد كان من باب الانسجام مع الخطاب أن تكون القراءة الموازية له قراءة "عاشقة"  وليس قراءة "نقدية"  نظرا لارتباط الأولى، القراءة "العاشقة"،    بالانتماء للنص بينما تلتزم الثانية، القراءة " النقدية"،  المسافة اتجاه النص. ولذلك تبقى  القراءة "العاشقة" رفيقة مراحل التأسيس عبر كل عصور التاريخ التنظيري والإبداعي بينما تأتي  القراءة "النقدية"  بعد توفر التراكم وتنامي الإرث وذلك لتشذيب الخطاب وتقوية خط الإنتاج الإبداعي وعقلنته.
 II  – الحب في أنطولوجيا العاشقين المغاربة:  
 تتوزع نصوص "أنطولوجيا الحب" بين ستة محاور يتدرج فيها  مفهوم الحب "تنازليا" من:
أ * الحُبُّ أسطورة جميلة.
ب* الحُبُّ رؤية للوجود.
ج* الحُبُّ ذاكرةً سعيدة.
د* الحُبُّ مُخَلّصاً من ورطة الحاضر.
ه* الحُبُّ مُتَخَلّى عنه.
و* الحُبُّ مَيّتاً.

أنفاسأ- الدلالات اللغوية والاصطلاحية:
لم تظهر لفظة بيكاريسكاPICARESCA  باعتبارها لفظة إسبانية إلا في نهاية الربع الأول من القرن السادس عشر، قبيل ظهور الرواية الشطارية الأولى في الأدب الإسباني للروائي المجهول ألا وهي:La vida de Lazarillo de Tormes y sus fortunas y adversidad[1]( حياة لاثاريو دي طورميس وحظوظه ومحنه).
وتدل هذه اللفظة على جنس أدبي جديد تشكل في إسبانيا لأول مرة. ثم، انتقل بعد ذلك إلى فرنسا وألمانيا وانجلترا وأمريكا. و تعني هذه الرواية ذلك المتن السردي الذي يرصد حياة البيكارو أو الشطاري المهمش؛ لذلك تنسب هذه الرواية إلى بطلها بيكاروPicaro ) الشاطر) أو(المغامر) الذي يقول عنه قاموس الأكاديمية الإسبانية:" نموذج شخصية خالعة و حذرة وشيطانية وهزلية، تحيا حياة غير هنيئة كما تبدو في عيون المؤلفات الأدبية الإسبانية"، أو أنه:" بطل مغامر شطاري مهمش صعلوك محتال ومتسول"[2]. وتعتقد الأكاديمية الإسبانية أن لفظةPicaro مشتقة من فعلPicar في معناه الشعبي المجازي، وهو الارتحال والصيد واللسع.
وتعني picaresque في اللغة الفرنسية الأعمال التي تصف الفقراء والمعوزين والمعدمين والصعالكة والمتسولين والأنذال أو قيم المتشردين والمحتالين واللصوص في القرون الوسطى.
والبيكارو باعتباره بطل الرواية البيكارسكية ليس بمقترف جرائم في معنى الجرائم الحقيقي، ولكنه ينتمي إلى طائفة المتسولين، لايبالي كثيرا بالقيم ومسائل الأخلاق مادام الواقع الذي يعيش فيه منحطا وزائفا في قيمه، يسوده النفاق والظلم والاستبداد والاحتيال حتى من قبل الشرفاء والقساوسة والنبلاء ومدعي الإيمان والكرم والثراء. وما همّ البيكارو سوى البحث عن لقمة الخبز ورزق العيش، لذلك فهو في حياته مزدوج الشخصية، جاد في أقواله ونصائحه ومعتقداته، وذكي يتكلم بالنصائح، ويتفوه بإيمان العقيدة، ولكنه في نفس الوقت، يسخر من قيم المجتمع وعاداته وأعرافه المبنية على النفاق والهراء. ويأنف البيكارو من اتخاذ عمل منتظم لرزقه، بل يتسكع في الشوارع ويتصعلك بطريقة بوهيمية وجوديية وعبثية، يقتنص فرص الاحتيال والحب والغرام، منتقلا من شغل إلى آخر كصعلوك مدقع يرفضه القانون وسنة الحياة والعمل، يفضل الارتحال و الكسل والبطالة. وعلى الرغم من كل هذا، يحصل على المال لاباغتصابه ، بل بالحيل والذكاء واستعمال المقدرة اللغوية والحيل والمراوغة وفصاحة اللسان وبلاغة البيان والأدب. ويجعل الناس يقبلون عليه بسلوكياته ومواقفه ويرغبون في مصاحبته ومعاشرته إشفاقا عليه وعطفا واستطرافا.[3]

أنفاسمحمود أمين العالم رائد فذ من رواد الحداثة والنقد الأدبي النظري والتطبيقي, ينفلش عطاؤه على مساحة زمنية واسعة, حيث بدأت منذ أواخر الحرب الكونية الثانية وظلت تتدفق حتى وفاته عام (2009) العالم يعتبر أستاذا للعديد من الدارسين والأكاديميين والمهتمين في مجال الفكر والأدب, وعلما تذيع صيته واخترق العالم العربي من المحيط إلى المحيط, وذلك لما له من إضافات نظرية ومن جديد دائم في عالم الأدب والنقد والفكر, ونحن نجلّ هذا العطاء ونكبره لدوره الريادي والكبير في صقل معرفتنا وتوجيهها وترشيدها.
"العالم" ركيزة أساسية وعمود شامخ طالما شحذنا عليه المناقير في بداية حياتنا الأدبية وخلال مسيرتها الشاقة, قد أنار أحداقنا بما لديه من قدرة تنظيرية وتحليلية سليمة وبما قدمه من رؤى ثورية صحيحة خاصة في مجال الأدب التخييلي- القصة الرواية\ المسرحية- وكل ذلك بلغة بسيطة تخلو من البهرجة والتقعر والتعقيد- آفة المنظرين عادة- حيث يقدم منظوره بلا مكيجة ولا أصباغ- وبلا لف أو دوران, يشدك إليه بكلمات دافقة دافئة مأنوسة يجعلها رافعة لتتبناها أو على الأقل لتتفق معه في الكثير الكثير من الطروحات.
كانت طلقة العالم النقدية الأولى عام (1955), حين أصدر مع صديقه عبد العظيم أنيس كتاب في الثقافة المصرية, الكتاب الذي جاء لينقد النظريات الغائمة والغيبية والضبابية وليجذر ويؤصل لمذهب جديد في النقد ينسف ما سبق أو ما درجنا عليه بعد الحرب الثانية. ففي تلك السنوات دخل العالم العربي في صراع ثقافي أدبي وفكري, واحتدمت الساحة بالعديد من المعارك, ومرت بالكثير من الاجتهادات, واختلطت الطروحات والتيارات, وتنوعت وجهات النظر, وتأرجح النقد والتقويم الأدبي بين مذاهب ومدارس عديدة مستنسخة عن أوروبا, وتمحور العراك الأدبي بين بنيوية ووجودية وجمالية, ومتيا فيزيقية, وإنسانية, ورومانسية, فظهرت أصوات كثيرة تنادي بإتباع هذا المذهب أو ذاك, وتشيّع الأدباء وانقسموا, الأمر الذي جعل الأديب والقارئ يحاران معا ويلتبس عليهم, بسبب هذا الخلط بحيث ما عاد بالمقدور مواكبة هذا الكم الوافد والمزيج الغريب الهجين, إلى أن جاء كتاب في الثقافة المصرية, فرجّ ساحة الأدب والثقافة بطروحاته الجريئة المبنية على الأسس الواقعية الداعية إلى تبني المذهب والمنهج الواقعي مسفهة كل ما هو خارج عن الدلالة الاجتماعية, وكل ما يعزل النص الأدبي عن سياقه الاجتماعي والتاريخي والثقافي والإنساني, هذا الكتاب الذي حدد الأمور وفرزها ووضعها في نصابها الصحيح, جوبه في حينه بعاصفة من النقد والاتهامات, بدعوى أن صاحبيه يدعوان إلى تغليب الأدب والى تغليب المضمون والسياق السياسي الاجتماعي على النقد الأدبي الذي كان هو نفسه آنذاك فصيلا من فصائل الصراع الأيديولوجي.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة