الفنان الذي قتله" كاريكاتيره"...الفنان الذي" قتلناه"...الفنان الذي " أكله الذئب"...الفنان الذي قال:" اللي بدو يكتب عن فلسطين، وإللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله ميت، أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي".
اصـعد ؛" فــمـوطنـك السماء..!
ناجي العلي لقد نجوت بقدرة../ مـــن عـارنـا ، وعـلـوت لـلعـلياء../ إصـعد ؛ فــمـوطنـك السماء ؛ وخلنا../ فــي الأرض إن الأرض لـلــجـبناء...!
ألشاعر "أحمد مطر".
تمر الأيام والسنين كأنها دقائق معدودات، حافلة بأحداث كثيرة، تمر علينا كنسيم البحر هادئا لا نشعر أحيانا بمروره، وتحمل في طياتها الحزن إلى قلوبنا. تعج بأحداث كثيرة أثرت وما زالت تؤثر في نفوسنا.
نقف لحظة لنسترجع ونستعرض شريط أحداثنا... أحداث الماضي... نلف هذا الشريط الطويل، ونعود بعجلة الزمن حتى نصل إلى عام 1987 وفي التحديد إلى 22 تموز عام 1987 . انه التاريخ الذي طبع في قلب كل إنسان عربي، وأصبح ذكرى سنوية لفنان فلسطيني عربي يدعى: "ناجي العلي". الفنان الذي تمسك بإبداعاته وإنجازاته... وأصبح علماً يرفرف في السماء من وراء هذه الإنجازات التي أكسبته شهرةً وصيتاً لامعاًُ... الشخص الذي تحدث وما يزال يتحدث عنه الصغير قبل الكبير... كيف لا وذكراه ما زالت عالقة في القلوب والعقول. ولد الشهيد عام 1937 في قرية الشجرة الفلسطينية قرب طبريا التي احتلت بعد معارك عنيفة ودامية سقط فيها اكثر من ألف شهيد معظمهم من جيش الإنقاذ وكان معهم أيضا الشاعر الفلسطيني "عبد الرحيم محمود" صاحب الأبيات الشهيرة:
سأحمل روحي على راحتي*** وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق*** وأما ممات يغيظ العدى..!
على نهج هذه الأبيات ووهجها الحار والمضيء عاش ناجي حياته واختار رسالته وعنوانها الواضح، بعدما نزح مع عائلته إلى لبنان حيث عاش طفولته في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان، وعمل في مهن عدة قبل ان يصبح بعد فترة وجيزة أحد أهم الأعمدة الأساسية للصحافة الحرة والمستقلة في الوطن العربي الكبير
فالرسم هو المهنة التي خلقت إبداع ناجي والتقط هو بدوره سر النجاح فيها، فأصبح رسام الكاريكاتور الأول في العالم العربي، والمبدع بلا منازعة في مجال تحديد الهدف وتشخيص الحدث بدقة. ولم يكن الوطن العربي يومها أحسن حالا من يومنا هذا. إذ كان لا يزال يعج بالتخبطات السياسية والسياحة الثورية وانعدام الديموقراطية والمساواة وحكم الشخص والعائلة والأقلية والجنرالات وأولياء العهود وأصدقاء الصهاينة اليهود.
ومن حسن الصدف أن يكون الأديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني هو الذي نشر العمل الأول للفنان الكبير والمبدع. لكن من تعاسة الصدف أيضا أن يستشهدا في نفس الشهر ولو اختلفت السنة والأيدي التي ارتكبت الجريمة مع ان الهدف النهائي للقتلة كان واحدا وهو قتل رموز الإبداع الفلسطيني وتغييبهم.
عمل في الكويت بداية الستينات في حقل الرسم، وفي بيروت كان يرسم للسفير منذ بداياتها، كما أن معظم الصحافة الفلسطينية والتنظيمية التي انتشرت في حقبة السبعينات والثمانينات تسابقت على نشر رسومه الكاريكاتورية التي تحكي واقع حال الوطن والقضية والشعب، كما أنها كانت تعتبر أقوى موقف سياسي وتحليلي لواقع الوطن العربي.
كان هدف ناجي العلي قول كلمة الحق وإيصال الحقيقة كل الحقيقة للجماهير الفلسطينية والعربية المغيبة وشبه المستعبدة والمستبعدة من دوائر صنع القرار. لذا لم يبحث عن المجد ولا عن الشهرة والسمعة والألقاب والجوائز والأموال، مع انه لو اراد مالا لانفتحت عليه كنوز الحكام والأثرياء ممن كانوا ضيوفا في رسوماته اليومية. ناجي كان من النوع المغاير تماما، كان ابنا بارا للمخيم ووفيا للفقير الجائع والبائس المتشرد ولعراة الأزقة الضيقة والطرقات المحفرة وخيام الحرمان في المخيمات التي قادت الثورة وأنجبتها وقوتها وعززتها بدماء أبناء المخيمات المقموعة، تلك التي ثارت على المخابرات والظلم والقمع، كما حدث في هبة 29 نيسان 1969 في مخيمات لبنان، حيث استشهد أصدقاء ومعارف للفنان ناجي العلي.
لم يقبل أن يكون شاهد زور ولا مجرد شاهد لم ير حاجة، بل على العكس تماما كان الشاهد الذي يدلي بشهادته على الفور والناقد الذي يبدي رأيه بلا خوف وبلا تردد أو حساب وعقاب. كان أبا للفقراء وناطقا باسم ملايين العرب الغلابة والجياع والمقموعين والمخدوعين بأنظمة لم تجلب لهم سوى التخلف والتشرذم والتسلط والتبعية والقمع بكل معانيه.
كان للفقر واللجوء والحرمان والاضطهاد والبؤس الذي تعاني منه المخيمات الفلسطينية اكبر الأثر في تكوين شخصيته الإنسانية، عدا عن تكوينه الوطني الفلسطيني والقومي العربي والامتداد الفكري الثوري و الأممي الذي ساعد في اختيار ناجي العلي لدرب التمرد والمواجهة والتحدي وتعرية الزيف والخداع والظلم ورفع راية العدالة والمساواة والحرية والديموقراطية والدفاع عن البؤساء والفقراء والكادحين والمعدومين وقبل كل شيء راية الكفاح والمقاومة وتحرير فلسطين. هذه الأصالة العريقة في إنسانية هذا الرجل الأصيل والفنان العريق جعلته هدفا لسهام الأعداء والمتربصين، أولئك الذين ضاقوا ذرعا برسوماته ونقده اللاذع لهم ولحاشيتهم وزبانيتهم ومخابراتهم. كان ناجي في كل صباح يقلع شوكة من جسد الوطن العربي الكبير المهشم بالأشواك والجروح، وذلك من خلال رسمه الصباحي الجميل والمعبر الذي كان يشفي غليل الملايين.
منذ البداية اختار ناجي العلي طريقا معدوم السلامة وغير آمن وممتلئاً بحقول الألغام وبالحواجز والعوائق. اختاره بإرادته وعن اقتناع تام بأن الدرب المعبد بالأشواك هو الدرب الصحيح لأنه الأقرب للجماهير الكادحة والمقهورة، الأقرب للاجئين والمشردين والمتعبين، للفقراء وللبؤساء، لجيش الثورة الآتية لا محالة والبنادق التي سوف تعيد للشجرة الفلسطينية ثمارها المنهوبة وللجليل الفلسطيني سكانه المشردين ولفلسطين الحرية والاستقلال.
كان شعار ناجي العلي وما زال قائما مهما حاول النسيان وغبار المرحلة طيه او تغطيته: التراب كاملا والتراب الوطني كاملا، لم يكن يرضى بأي بديل من الشجرة وطبريا والجليل وبأقل من فلسطين التاريخية.
يقول ناجي العلي: يسألونني عن الخطوط الحمر وأنا اجيب: أنا اعرف خطاً أحمر واحداً ,انه ليس من حق "أكبر رأس" أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام "لإسرائيل".
في رسوماته كان التراب الوطني فوق الجميع وأقدس من الرؤساء والحكام والوزراء والمتنفذين وأصحاب القرارات. إذا خرج أحدهم عن خط الكمال والتربة الكاملة، أو مال عن البوصلة التي حددها الشعب، سرعان ما ذكره ناجي بأن وراءه جمهورا وخلفه أمة تنتظر الوضوح في المواقف والشفافية في العمل والمحاسبة والعودة إلى الاتجاه الصحيح والطريق الصواب والخط السليم. لم يستثن من انتقاداته أحدا لا من اليسار ولا من اليمين ولا من المنظمة أو المعارضة أو من التابعين أو المنشقين. كان الرقابة المركزية والمفتش العام لشعب الشهداء ولمنظمة التحرير التي ابتلت بالأوباش وبداء الفساد ووباء الاستزلام والمحسوبيات وأجهزة الأمن التي توزعت على قادة المصادفة.
ناجي لم يهادن أحدا بل كان العين الساهرة على كل صغيرة وكبيرة تخص الوطن الكبير والقضية الكبرى. ويعتبر ناجي العلي من الفنانين الذين حطموا أرقاما قياسية في عدد التهديدات التي وصلته على خلفية أعماله الفنية وانتقاداته ومواقفه السياسية. مع هذا تابع مشواره ولم يرتعد أو تهن له عزيمة بل كان يزداد قوة وعنادا مع كل تهديد يصله من هذه الجهة أو تلك ومن هذا الطرف أو ذاك. كان ناجي يقول عن نفسه: أنا إنسان عربي فقط، اسمي "حنظلة"، اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة ونمرة رجلي لا اعرف لأنني دائما حافي.. ولدت في 5 حزيران عام 1967
هذا الفنان الأبيّ، صاحب العقل المتفتح والقلب الكبير، الإنسان الوفي والمبدئي والذي يحتكم للقلب وللعقل في كل عمل يفقد المعنيين به رباطة الجأش والعقل والصبر، لم ترهبه رزمة التهديدات التي تلقاها من الأقارب والأشقاء ومن العقارب والأعداء ولم يمنعه المنفى البريطاني من التواصل مع العالم العربي عبر الفاكس.
فبعدما تم ترحيله من الكويت بناء على رغبة البعض الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل رؤية رسومات ناجي اليومية وهو عاجز عن قمعه أو حرق أصابعه عبر وضعها في الأسيد، كان من الواضح أن حياة ناجي في خطر وأن أعداءه كثيرون ومن كافة الأصناف والأنواع والأشكال وأنهم بالمرصاد ويتربصون به وينتظرون تعليمات أسيادهم، فالفرصة أصبحت الآن سانحة اكثر من ذي قبل لتصفية الحساب معه. وفي هذا السياق قال ناجي : "يا عمي لو قطعوا أصابع يدي سأرسم بأصابع رجلي".
قالوا في ناجي العلي:
قال محمود درويش: "احذروا ناجي، فإن الكرة الأرضية عنده صليب دائري الشكل، والكون عنده أصغر من فلسطين، وفلسطين عنده المخيم، إنه لا يأخذ المخيم إلى العالم، ولكنه يأسر العالم في مخيم فلسطيني ليضيق الاثنان معا، فهل يتحرر الأسير بأسره؟ ناجي لا يقول ذلك. ناجي يقطر، يدمر، ويفجر، لا ينتقم بقدر ما يشك، ودائما يتصبب أعداء".
قال سميح القاسم: "انه الظاهرة الأكثر سخونة وإرباكا في فن الكاريكاتير العربي على امتداد العقود الخمسة الأخيرة، وانه خرج من دائرة الانتماء الوطني إلى دائرة الانتماء القومي، فالإنساني الكوني".
قال الفنان مصطفى حسين: "لقد مثل ناجي العلي القضية الفلسطينية ذاتها، لهذا كانت رسوماته ساخنة سخونة القضية، وقد تشبع بقضية بلاده بحيث كان له تأثير كبير، كما كانت ريشته بمثابة سلاح فتاك مما اضطر أعداءه لاستخدام السلاح الناري لإسقاط تلك الريشة".
قال مصطفى أميـن: "إن الرصاص الذي أطلق على ناجي العلي هو أشبه بطلقات المدافع التي تنبئ بوصول شخصية عظيمة! أهلا بناجي العلي في شارع المجد".
يوم الأربعاء الواقع في 22 تموز 1987 وأمام المنزل رقم واحد بشارع ايفز أطلق مجهول النار على ناجي العلي فأصابه إصابة مباشرة في وجهه، نقل على أثرها إلى المستشفى وبقي في حالة غيبوبة إلى أن وافته المنية يوم 29 آب 1987. دفن ناجي العلي في لندن ولم يتمكن من الرقود في مقبرة الشجرة أو مقبرة مخيم عين الحلوة لنفس الأسباب التي جعلته يموت في المنفى. هذا ليس غريبا علينا لأن معظم عظماء فلسطين ما زالت قبورهم منتشرة في العالمين العربي والأجنبي.
قال شاعرنا الراحل والعظيم "نزار قباني": "يا وطني, كل العصافير لها منازل الا العصافير التي احترفت الحرية, فانها تموت خارج اوطانها".!
وقد ألف الكاتب الفلسطيني شاكر النابلسي كتابا بعنوان" اكله الذئب"..وفيه يتناول سيرة وحياة ونهاية ناجي العلي..وعنوان الكتاب يعبر عن نفسه..!
إن الوفاء لناجي وتخليد ذكراه يكون بالحفاظ على حنظلة طفله المستيقظ دائما والساهر على حراسة الأمة والقضية وعبر البحث عن قتلته وإحضارهم الى المحكمة ومحاسبتهم على جريمتهم البشعة. وهذا العمل يتطلب جهدا فلسطينيا كان في الماضي مفقودا بسبب دور البعض المشبوه في اغتيال ناجي العلي.
فعلا لقد صدقت يا ناجي بقولك:"اللي بدو يكتب عن فلسطين، وإللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله ميت، أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي..!
فأين هم أصحاب المبادىء اليوم..؟
عمل في الكويت بداية الستينات في حقل الرسم، وفي بيروت كان يرسم للسفير منذ بداياتها، كما أن معظم الصحافة الفلسطينية والتنظيمية التي انتشرت في حقبة السبعينات والثمانينات تسابقت على نشر رسومه الكاريكاتورية التي تحكي واقع حال الوطن والقضية والشعب، كما أنها كانت تعتبر أقوى موقف سياسي وتحليلي لواقع الوطن العربي.
كان هدف ناجي العلي قول كلمة الحق وإيصال الحقيقة كل الحقيقة للجماهير الفلسطينية والعربية المغيبة وشبه المستعبدة والمستبعدة من دوائر صنع القرار. لذا لم يبحث عن المجد ولا عن الشهرة والسمعة والألقاب والجوائز والأموال، مع انه لو اراد مالا لانفتحت عليه كنوز الحكام والأثرياء ممن كانوا ضيوفا في رسوماته اليومية. ناجي كان من النوع المغاير تماما، كان ابنا بارا للمخيم ووفيا للفقير الجائع والبائس المتشرد ولعراة الأزقة الضيقة والطرقات المحفرة وخيام الحرمان في المخيمات التي قادت الثورة وأنجبتها وقوتها وعززتها بدماء أبناء المخيمات المقموعة، تلك التي ثارت على المخابرات والظلم والقمع، كما حدث في هبة 29 نيسان 1969 في مخيمات لبنان، حيث استشهد أصدقاء ومعارف للفنان ناجي العلي.
لم يقبل أن يكون شاهد زور ولا مجرد شاهد لم ير حاجة، بل على العكس تماما كان الشاهد الذي يدلي بشهادته على الفور والناقد الذي يبدي رأيه بلا خوف وبلا تردد أو حساب وعقاب. كان أبا للفقراء وناطقا باسم ملايين العرب الغلابة والجياع والمقموعين والمخدوعين بأنظمة لم تجلب لهم سوى التخلف والتشرذم والتسلط والتبعية والقمع بكل معانيه.
كان للفقر واللجوء والحرمان والاضطهاد والبؤس الذي تعاني منه المخيمات الفلسطينية اكبر الأثر في تكوين شخصيته الإنسانية، عدا عن تكوينه الوطني الفلسطيني والقومي العربي والامتداد الفكري الثوري و الأممي الذي ساعد في اختيار ناجي العلي لدرب التمرد والمواجهة والتحدي وتعرية الزيف والخداع والظلم ورفع راية العدالة والمساواة والحرية والديموقراطية والدفاع عن البؤساء والفقراء والكادحين والمعدومين وقبل كل شيء راية الكفاح والمقاومة وتحرير فلسطين. هذه الأصالة العريقة في إنسانية هذا الرجل الأصيل والفنان العريق جعلته هدفا لسهام الأعداء والمتربصين، أولئك الذين ضاقوا ذرعا برسوماته ونقده اللاذع لهم ولحاشيتهم وزبانيتهم ومخابراتهم. كان ناجي في كل صباح يقلع شوكة من جسد الوطن العربي الكبير المهشم بالأشواك والجروح، وذلك من خلال رسمه الصباحي الجميل والمعبر الذي كان يشفي غليل الملايين.
منذ البداية اختار ناجي العلي طريقا معدوم السلامة وغير آمن وممتلئاً بحقول الألغام وبالحواجز والعوائق. اختاره بإرادته وعن اقتناع تام بأن الدرب المعبد بالأشواك هو الدرب الصحيح لأنه الأقرب للجماهير الكادحة والمقهورة، الأقرب للاجئين والمشردين والمتعبين، للفقراء وللبؤساء، لجيش الثورة الآتية لا محالة والبنادق التي سوف تعيد للشجرة الفلسطينية ثمارها المنهوبة وللجليل الفلسطيني سكانه المشردين ولفلسطين الحرية والاستقلال.
كان شعار ناجي العلي وما زال قائما مهما حاول النسيان وغبار المرحلة طيه او تغطيته: التراب كاملا والتراب الوطني كاملا، لم يكن يرضى بأي بديل من الشجرة وطبريا والجليل وبأقل من فلسطين التاريخية.
يقول ناجي العلي: يسألونني عن الخطوط الحمر وأنا اجيب: أنا اعرف خطاً أحمر واحداً ,انه ليس من حق "أكبر رأس" أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام "لإسرائيل".
في رسوماته كان التراب الوطني فوق الجميع وأقدس من الرؤساء والحكام والوزراء والمتنفذين وأصحاب القرارات. إذا خرج أحدهم عن خط الكمال والتربة الكاملة، أو مال عن البوصلة التي حددها الشعب، سرعان ما ذكره ناجي بأن وراءه جمهورا وخلفه أمة تنتظر الوضوح في المواقف والشفافية في العمل والمحاسبة والعودة إلى الاتجاه الصحيح والطريق الصواب والخط السليم. لم يستثن من انتقاداته أحدا لا من اليسار ولا من اليمين ولا من المنظمة أو المعارضة أو من التابعين أو المنشقين. كان الرقابة المركزية والمفتش العام لشعب الشهداء ولمنظمة التحرير التي ابتلت بالأوباش وبداء الفساد ووباء الاستزلام والمحسوبيات وأجهزة الأمن التي توزعت على قادة المصادفة.
ناجي لم يهادن أحدا بل كان العين الساهرة على كل صغيرة وكبيرة تخص الوطن الكبير والقضية الكبرى. ويعتبر ناجي العلي من الفنانين الذين حطموا أرقاما قياسية في عدد التهديدات التي وصلته على خلفية أعماله الفنية وانتقاداته ومواقفه السياسية. مع هذا تابع مشواره ولم يرتعد أو تهن له عزيمة بل كان يزداد قوة وعنادا مع كل تهديد يصله من هذه الجهة أو تلك ومن هذا الطرف أو ذاك. كان ناجي يقول عن نفسه: أنا إنسان عربي فقط، اسمي "حنظلة"، اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة ونمرة رجلي لا اعرف لأنني دائما حافي.. ولدت في 5 حزيران عام 1967
هذا الفنان الأبيّ، صاحب العقل المتفتح والقلب الكبير، الإنسان الوفي والمبدئي والذي يحتكم للقلب وللعقل في كل عمل يفقد المعنيين به رباطة الجأش والعقل والصبر، لم ترهبه رزمة التهديدات التي تلقاها من الأقارب والأشقاء ومن العقارب والأعداء ولم يمنعه المنفى البريطاني من التواصل مع العالم العربي عبر الفاكس.
فبعدما تم ترحيله من الكويت بناء على رغبة البعض الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل رؤية رسومات ناجي اليومية وهو عاجز عن قمعه أو حرق أصابعه عبر وضعها في الأسيد، كان من الواضح أن حياة ناجي في خطر وأن أعداءه كثيرون ومن كافة الأصناف والأنواع والأشكال وأنهم بالمرصاد ويتربصون به وينتظرون تعليمات أسيادهم، فالفرصة أصبحت الآن سانحة اكثر من ذي قبل لتصفية الحساب معه. وفي هذا السياق قال ناجي : "يا عمي لو قطعوا أصابع يدي سأرسم بأصابع رجلي".
قالوا في ناجي العلي:
قال محمود درويش: "احذروا ناجي، فإن الكرة الأرضية عنده صليب دائري الشكل، والكون عنده أصغر من فلسطين، وفلسطين عنده المخيم، إنه لا يأخذ المخيم إلى العالم، ولكنه يأسر العالم في مخيم فلسطيني ليضيق الاثنان معا، فهل يتحرر الأسير بأسره؟ ناجي لا يقول ذلك. ناجي يقطر، يدمر، ويفجر، لا ينتقم بقدر ما يشك، ودائما يتصبب أعداء".
قال سميح القاسم: "انه الظاهرة الأكثر سخونة وإرباكا في فن الكاريكاتير العربي على امتداد العقود الخمسة الأخيرة، وانه خرج من دائرة الانتماء الوطني إلى دائرة الانتماء القومي، فالإنساني الكوني".
قال الفنان مصطفى حسين: "لقد مثل ناجي العلي القضية الفلسطينية ذاتها، لهذا كانت رسوماته ساخنة سخونة القضية، وقد تشبع بقضية بلاده بحيث كان له تأثير كبير، كما كانت ريشته بمثابة سلاح فتاك مما اضطر أعداءه لاستخدام السلاح الناري لإسقاط تلك الريشة".
قال مصطفى أميـن: "إن الرصاص الذي أطلق على ناجي العلي هو أشبه بطلقات المدافع التي تنبئ بوصول شخصية عظيمة! أهلا بناجي العلي في شارع المجد".
يوم الأربعاء الواقع في 22 تموز 1987 وأمام المنزل رقم واحد بشارع ايفز أطلق مجهول النار على ناجي العلي فأصابه إصابة مباشرة في وجهه، نقل على أثرها إلى المستشفى وبقي في حالة غيبوبة إلى أن وافته المنية يوم 29 آب 1987. دفن ناجي العلي في لندن ولم يتمكن من الرقود في مقبرة الشجرة أو مقبرة مخيم عين الحلوة لنفس الأسباب التي جعلته يموت في المنفى. هذا ليس غريبا علينا لأن معظم عظماء فلسطين ما زالت قبورهم منتشرة في العالمين العربي والأجنبي.
قال شاعرنا الراحل والعظيم "نزار قباني": "يا وطني, كل العصافير لها منازل الا العصافير التي احترفت الحرية, فانها تموت خارج اوطانها".!
وقد ألف الكاتب الفلسطيني شاكر النابلسي كتابا بعنوان" اكله الذئب"..وفيه يتناول سيرة وحياة ونهاية ناجي العلي..وعنوان الكتاب يعبر عن نفسه..!
إن الوفاء لناجي وتخليد ذكراه يكون بالحفاظ على حنظلة طفله المستيقظ دائما والساهر على حراسة الأمة والقضية وعبر البحث عن قتلته وإحضارهم الى المحكمة ومحاسبتهم على جريمتهم البشعة. وهذا العمل يتطلب جهدا فلسطينيا كان في الماضي مفقودا بسبب دور البعض المشبوه في اغتيال ناجي العلي.
فعلا لقد صدقت يا ناجي بقولك:"اللي بدو يكتب عن فلسطين، وإللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله ميت، أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي..!
فأين هم أصحاب المبادىء اليوم..؟
د. صلاح عودة الله
ألقدس-فلسطين المحتلة
ألقدس-فلسطين المحتلة