أنفاساقترن اسم ناظم حكمت بالنضال ومقاومة السجن والأمل، ولعل هذا الاقتران غطى على شعره، وجعله في درجة تالية.‏
بداية لابد من الاعتراف بأن ترجمة الشعر تلاقي ردود فعل متنوعة، ويخضع الشعر نتيجة الترجمة لتغيير وتبديل ورؤى لا نجدها في ترجمة النثر. لذلك فإن أي رأي حول ترجمة ناظم حكمت إلى العربية لابد وأن يؤخذ على أنه مجرد وجهة نظر في ترجمة الشعر. ولكن الحقيقة تتجاوز هذا الأمر، وتتعلق بعوامل موضوعية لعملية الترجمة من التركية إلى العربية (أو العكس). فقد حمل قضية الترجمة عن هذه اللغة أناس لاشك في إخلاصهم وصدقهم ممن يجيد العثمانية أو التركمانية. وعلى الرغم من قرب هاتين اللغتين (أو اللهجتين) من التركية إلا أن هنالك فروقاً كبيرة جداً في بعض الأحيان، وانعكست هذه الفروق في الترجمة، وبرزت في ترجمة الشعر أكثر من غيره. الأمثلة كثيرة، أهمها أن المفردة العربية في التركمانية أو العثمانية تحمل دلالتها العربية فقط، وليس بالضرورة أن تحمل هذه الدلالة وحدها في التركية مثلاً "إلهي Ilahi" تحمل دلالة أخرى وهي "قصيدة صوفية"،وكذلك كلمة "سير Seyir" تحمل دلالة أخرى هي "الفرجة" وهنالك عشرات المفردات من هذا النوع أثرت بشكل مباشر في ترجمة ناظم حكمت إضافة إلى أمور من نوع آخر جعلت الأمثلة الشعرية المقدمة تدخل قوالب وتراكيب جديدة، مثلاً: "قضية طاهر وزهرة" صارت في الترجمة إلى العربية "قضية الطاهر وداء الزهري"‏
لذلك فإن ناظم حكمت وعلى الرغم من ترجمته أكثر من مرة فهو يحتمل ترجمات أخرى تخضع للتدقيق والبحث على يد دارسين للغة التركية، ولأدب ناظم حكمت، ويمكن أن يكون إعلان منظمة اليونسكو عام 2002 عام ناظم حكمت مناسبة للقيام بهذا العمل يحتاج إلى جهود مؤسسات.‏
***‏
انقلب ناظم حكمت أدبياً على نفسه مرتين. في المرة الأولى في أثناء مشاركته في حرب التحرير بصفة معلم. فقد أدرك الفرق الكبير بين لغة الخاصة (وهي لغة الشعر آنذاك) وبين لغة الناس، وتطور هذا الانقلاب إثر سفره إلى موسكو إذ اقترن موقفه اللغوي هذا بموقف جديد من شكل الشعر متأثر بماياكوفسكي، فكتب ما سمي (القصيدة الحرة) والمسماة عربياً (قصيدة النثر).‏
في هذه المرحلة لم يتبلور الشكل الشعري الجديد لديه تماماً، فكان تكرار بعض المفردات يوحي بأن هنالك وزناً. أولى قصائده بالشكل الجديد هي "أحداق الجياع"‏
لسنا بضعة أنفار‏
ولا خمسة أو عشرة‏
30000000
... 30000000‏ ‏ ‏

أنفاسقراءة عاشقة لنصوص "أنطولوجيا الحب"
تمهيد: 
"الحاءات الثلاث" مشروع إبداعي وتنظيري يهدف إلى التعريف بالقصة المغربية القصيرة عبر ترجمتها للغة الإنجليزية ثم نشرها ورقيا باللغتين العربية والإنجليزية، كما  يتقصد التأسيس لمدرسة مغربية قادمة للقصة القصيرة من خلال المشترك المضاميني والجمالي المُجَمَّعِ  بين النصوص الخميسين للكاتبات والكتاب الخمسين المشاركين في المشروع الأنطولوجي والموزعين على ثلاثة أجزاء:"أنطولوجيا الحلم المغربي" و"أنطولوجيا الحب"  و"أنطولوجيا الحرية ".
ومواكبةً لنصوص الكتاب المحتفل بهم، أسَّسْنَا وواظبنا على تقليد أدبي انطلق مع الجزء الأول "أنطولوجيا الحلم المغربي" وذلك بإعداد قراءة " عاشقة"  للنصوص المشاركة توضح المنظور الذي على ضوئه ستترجم النصوص كما تعمل على تقريب النص للقارئ من خلال تسليط الضوء على المشترك الجمالي والمضامين الذي يبحث بين شتات النصوص الخمسين عن الخيط الرفيع القادر على المساهمة في تصميم النموذج القصصي للكتابة الغدوية ولكتاب الغد.
ولأن هدف المشروع الأنطولوجي الحالي هو التأسيس لقصة قصيرة مغايرة، فقد كان من باب الانسجام مع الخطاب أن تكون القراءة الموازية له قراءة "عاشقة"  وليس قراءة "نقدية"  نظرا لارتباط الأولى، القراءة "العاشقة"،    بالانتماء للنص بينما تلتزم الثانية، القراءة " النقدية"،  المسافة اتجاه النص. ولذلك تبقى  القراءة "العاشقة" رفيقة مراحل التأسيس عبر كل عصور التاريخ التنظيري والإبداعي بينما تأتي  القراءة "النقدية"  بعد توفر التراكم وتنامي الإرث وذلك لتشذيب الخطاب وتقوية خط الإنتاج الإبداعي وعقلنته.
 II  – الحب في أنطولوجيا العاشقين المغاربة:  
 تتوزع نصوص "أنطولوجيا الحب" بين ستة محاور يتدرج فيها  مفهوم الحب "تنازليا" من:
أ * الحُبُّ أسطورة جميلة.
ب* الحُبُّ رؤية للوجود.
ج* الحُبُّ ذاكرةً سعيدة.
د* الحُبُّ مُخَلّصاً من ورطة الحاضر.
ه* الحُبُّ مُتَخَلّى عنه.
و* الحُبُّ مَيّتاً.

أنفاسأ- الدلالات اللغوية والاصطلاحية:
لم تظهر لفظة بيكاريسكاPICARESCA  باعتبارها لفظة إسبانية إلا في نهاية الربع الأول من القرن السادس عشر، قبيل ظهور الرواية الشطارية الأولى في الأدب الإسباني للروائي المجهول ألا وهي:La vida de Lazarillo de Tormes y sus fortunas y adversidad[1]( حياة لاثاريو دي طورميس وحظوظه ومحنه).
وتدل هذه اللفظة على جنس أدبي جديد تشكل في إسبانيا لأول مرة. ثم، انتقل بعد ذلك إلى فرنسا وألمانيا وانجلترا وأمريكا. و تعني هذه الرواية ذلك المتن السردي الذي يرصد حياة البيكارو أو الشطاري المهمش؛ لذلك تنسب هذه الرواية إلى بطلها بيكاروPicaro ) الشاطر) أو(المغامر) الذي يقول عنه قاموس الأكاديمية الإسبانية:" نموذج شخصية خالعة و حذرة وشيطانية وهزلية، تحيا حياة غير هنيئة كما تبدو في عيون المؤلفات الأدبية الإسبانية"، أو أنه:" بطل مغامر شطاري مهمش صعلوك محتال ومتسول"[2]. وتعتقد الأكاديمية الإسبانية أن لفظةPicaro مشتقة من فعلPicar في معناه الشعبي المجازي، وهو الارتحال والصيد واللسع.
وتعني picaresque في اللغة الفرنسية الأعمال التي تصف الفقراء والمعوزين والمعدمين والصعالكة والمتسولين والأنذال أو قيم المتشردين والمحتالين واللصوص في القرون الوسطى.
والبيكارو باعتباره بطل الرواية البيكارسكية ليس بمقترف جرائم في معنى الجرائم الحقيقي، ولكنه ينتمي إلى طائفة المتسولين، لايبالي كثيرا بالقيم ومسائل الأخلاق مادام الواقع الذي يعيش فيه منحطا وزائفا في قيمه، يسوده النفاق والظلم والاستبداد والاحتيال حتى من قبل الشرفاء والقساوسة والنبلاء ومدعي الإيمان والكرم والثراء. وما همّ البيكارو سوى البحث عن لقمة الخبز ورزق العيش، لذلك فهو في حياته مزدوج الشخصية، جاد في أقواله ونصائحه ومعتقداته، وذكي يتكلم بالنصائح، ويتفوه بإيمان العقيدة، ولكنه في نفس الوقت، يسخر من قيم المجتمع وعاداته وأعرافه المبنية على النفاق والهراء. ويأنف البيكارو من اتخاذ عمل منتظم لرزقه، بل يتسكع في الشوارع ويتصعلك بطريقة بوهيمية وجوديية وعبثية، يقتنص فرص الاحتيال والحب والغرام، منتقلا من شغل إلى آخر كصعلوك مدقع يرفضه القانون وسنة الحياة والعمل، يفضل الارتحال و الكسل والبطالة. وعلى الرغم من كل هذا، يحصل على المال لاباغتصابه ، بل بالحيل والذكاء واستعمال المقدرة اللغوية والحيل والمراوغة وفصاحة اللسان وبلاغة البيان والأدب. ويجعل الناس يقبلون عليه بسلوكياته ومواقفه ويرغبون في مصاحبته ومعاشرته إشفاقا عليه وعطفا واستطرافا.[3]

أنفاسمحمود أمين العالم رائد فذ من رواد الحداثة والنقد الأدبي النظري والتطبيقي, ينفلش عطاؤه على مساحة زمنية واسعة, حيث بدأت منذ أواخر الحرب الكونية الثانية وظلت تتدفق حتى وفاته عام (2009) العالم يعتبر أستاذا للعديد من الدارسين والأكاديميين والمهتمين في مجال الفكر والأدب, وعلما تذيع صيته واخترق العالم العربي من المحيط إلى المحيط, وذلك لما له من إضافات نظرية ومن جديد دائم في عالم الأدب والنقد والفكر, ونحن نجلّ هذا العطاء ونكبره لدوره الريادي والكبير في صقل معرفتنا وتوجيهها وترشيدها.
"العالم" ركيزة أساسية وعمود شامخ طالما شحذنا عليه المناقير في بداية حياتنا الأدبية وخلال مسيرتها الشاقة, قد أنار أحداقنا بما لديه من قدرة تنظيرية وتحليلية سليمة وبما قدمه من رؤى ثورية صحيحة خاصة في مجال الأدب التخييلي- القصة الرواية\ المسرحية- وكل ذلك بلغة بسيطة تخلو من البهرجة والتقعر والتعقيد- آفة المنظرين عادة- حيث يقدم منظوره بلا مكيجة ولا أصباغ- وبلا لف أو دوران, يشدك إليه بكلمات دافقة دافئة مأنوسة يجعلها رافعة لتتبناها أو على الأقل لتتفق معه في الكثير الكثير من الطروحات.
كانت طلقة العالم النقدية الأولى عام (1955), حين أصدر مع صديقه عبد العظيم أنيس كتاب في الثقافة المصرية, الكتاب الذي جاء لينقد النظريات الغائمة والغيبية والضبابية وليجذر ويؤصل لمذهب جديد في النقد ينسف ما سبق أو ما درجنا عليه بعد الحرب الثانية. ففي تلك السنوات دخل العالم العربي في صراع ثقافي أدبي وفكري, واحتدمت الساحة بالعديد من المعارك, ومرت بالكثير من الاجتهادات, واختلطت الطروحات والتيارات, وتنوعت وجهات النظر, وتأرجح النقد والتقويم الأدبي بين مذاهب ومدارس عديدة مستنسخة عن أوروبا, وتمحور العراك الأدبي بين بنيوية ووجودية وجمالية, ومتيا فيزيقية, وإنسانية, ورومانسية, فظهرت أصوات كثيرة تنادي بإتباع هذا المذهب أو ذاك, وتشيّع الأدباء وانقسموا, الأمر الذي جعل الأديب والقارئ يحاران معا ويلتبس عليهم, بسبب هذا الخلط بحيث ما عاد بالمقدور مواكبة هذا الكم الوافد والمزيج الغريب الهجين, إلى أن جاء كتاب في الثقافة المصرية, فرجّ ساحة الأدب والثقافة بطروحاته الجريئة المبنية على الأسس الواقعية الداعية إلى تبني المذهب والمنهج الواقعي مسفهة كل ما هو خارج عن الدلالة الاجتماعية, وكل ما يعزل النص الأدبي عن سياقه الاجتماعي والتاريخي والثقافي والإنساني, هذا الكتاب الذي حدد الأمور وفرزها ووضعها في نصابها الصحيح, جوبه في حينه بعاصفة من النقد والاتهامات, بدعوى أن صاحبيه يدعوان إلى تغليب الأدب والى تغليب المضمون والسياق السياسي الاجتماعي على النقد الأدبي الذي كان هو نفسه آنذاك فصيلا من فصائل الصراع الأيديولوجي.