
كان رفضه قوياً ولا يقبل المناقشة. كان يرفض بكل إصرار بعد حصوله على جائزة نوبل 1988 جمع مقالاته الفلسفية المبكرة في كتاب موحّد. وتعود وجهة نظره في هذا الرفض. إلى أنه قد كتب هذه المقالات في مطلع شبابه وقبل دخوله عالم الإبداع الروائي. وقد برز إلى الوجود كتّاب متخصصون في الفلسفة، لابدَّ أنهم تجاوزوا هذه الاجتهادات المبكّرة التي لا تعدو تكون اجتهادات الهواة. خاصة بعد نشر اجتهادات زكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، وعثمان أمين. هذا بالإضافة إلى أنه كثيراً ما كان يبدي دهشته عندما تُذكر له عناوين هذه المقالات...
مقالات نجيب محفوظ هذه ذات الطابع الفلسفي. والتي صدرت بين دفتي كتاب "حول الأدب والفلسفة". يعود الفضل في إصدار هذا الكتاب إلى الناقد والأديب عبد المحسن طه بدر الذي جمع هذه المقالات وأعدّها خلال تأليف كتابه "نجيب محفوظ الرؤية والأداء" ودفعها للناشر محمد رشاد متعاوناً في ذلك مع كل من فتح العشري ومحمد سلماوي.. إلاَّ أن نجيب محفوظ ظل غير راضٍ عن صدور هذا الكتاب، وظلّت لديه تحفظّات غير معلنة عليه، خاصة أثناء حياة معدِّه عبد المحسن طه بدر، والذي دفع به إلى السوق الأدبية كجزء أول من مشروع أدبي كبير. إلا أن القدر لم يمهله لكي يكمله.
من المعروف أن نجيب محفوظ درس الفلسفة في كلية آداب جامعة القاهرة. وكان دائماً يردّد: "إن دراسة الفلسفة أثّرت كثيراً في تكويني الفكري والأدبي وفي تربيتي عموماً. وقد اهتممت برؤى الفلاسفة المتعددة للعالم من دون أن أنتمي إلى واحدة من هذه الرؤى. ولكن على الرغم من ذلك فإنني لا أستطيع أن أنفي تأثري الشديد بديكارت وشوبنهور وسارتر وكامو.."...
هذا القول يدفعنا للتساؤل وملاحظة أن الفيلسوفين اللذين كان معنيّاً بدراستهما في ردهات الجامعة وفي مقالاته المبكّرة وهما أرسطو وأفلاطون. يغفل ذكرهما ضمن الأسماء السابقة التي أشار إليها.
الكتاب موضوع البحث "حول الأدب والفلسفة" والذي أعدّه الناقد عبد المحسن طه بدر والأديب فتحي العشري، يضم إحدى وعشرين مقالة. بدءاً من مقالة "احتضار معتقدات وتولّد معتقدات" وقد كتبها محفوظ عام 1930 وهو في التاسعة عشرة من عمره، وانتهاءً بمقالة "رسالة مفتوحة إلى سيد قطب" وهي مقالة تدور حول كتاب سيد قطب "التصوير الفني في القرآن الكريم". وكان نجيب محفوظ آنذاك في الرابعة والثلاثين من العمر...