قصيدة 'أوراق من سيرة تأبَّطَ منْفى' تنبض بعمق المشاعر الإنسانية، معبرةً عن رحلة الشاعر الداخلية وكفاحه مع الاغتراب والبحث عن الذات. في طياتها، تكشف القصيدة عن تجارب شخصية مليئة بالأحاسيس المعقدة التي تلامس جوهر الوجود الإنساني، معكسةً تساؤلات الشاعر حول الهوية والانتماء. الشاعر، في هذه القصيدة، لا يعيش الغربة في معناها المادي فحسب، بل يخوض غمار الاغتراب الوجودي، متأملاً ومتجولاً بين الأمكنة والأفكار بحثاً عن معنى أعمق للحياة ومكانته فيها. حتى وسط الزحام، يشعر بوحدة مؤثرة تدفعه للتفكير بعمق حول ماهية الذات والهوية الشخصية. يستخدم الشعر كأداة لاستكشاف أغوار نفسه، محاولاً فهم وتفسير أسئلته الوجودية من خلال قوة الكلمات والإيقاعات. وبهذه الرحلة، يتقاسم الشاعر معنا شعوره بالاغتراب، ليس فقط كمنفى جغرافي، بل كحالة ذاتية تتجسد في تجربته الشخصية. القصيدة تطرح تساؤلات فلسفية عميقة حول الوجود، الحب، الموت والفقد، داعية القارئ للتأمل في هذه المواضيع الجوهرية. استخدام الرموز والصور البيانية يضفي على النص غنى وتعقيداً، مانحاً القارئ فرصة لاستكشاف وتأويل العديد من الطبقات المعنوية. النهود في القصيدة تعدو أكثر من مجرد رمز للحياة والخصوبة؛ إنها تمثل الشوق للعيش والأمان. وبالمثل، ترمز الكتب إلى البحث عن المعرفة والحقيقة، معبرةً عن رغبة الشاعر في تعميق فهمه للعالم من حوله. في جوهرها، تعد هذه القصيدة دعوة للقراء للانخراط في رحلة تأملية حول معنى الحياة والوجود الإنساني، مشاركةً إياهم في استكشاف الأسئلة التي تراود النفس البشرية وتمس جوهرها.

في قلب قصيدة 'أوراق من سيرة تأبَّطَ منْفى'، تنبض شوارع الحياة بكل تقلباتها وتعرجاتها، راسمة خارطة لرحلة الشاعر الشخصية في محاولة لفهم ذاته والعالم من حوله. هذه الشوارع ليست مجرد ممرات مادية، بل هي مسارات روحية تقود الشاعر في استكشافه الدائم لمعنى الوجود وهدفه في هذه الحياة. عبر الأبيات، ينسج الشاعر حكاية استكشافه للذات والعالم، مستخدمًا الرموز البليغة من نهود تمثل الحياة والكتب التي تعبر عن البحث عن المعرفة، إلى الشوارع التي تجسد رحلته المعقدة والمليئة بالتحديات. هذه الرموز تعكس صراع الشاعر الداخلي بين رغبته في الاستقرار وشغفه بالتجوال والاكتشاف، مقدمةً للقارئ تجربة غنية تثري الروح وتحرك العقل. في قلب القصيدة، يبرز الاحتجاج والتمرد كموضوعات رئيسية، حيث يعكسان التزام الشاعر بالتعبير عن رفضه للوضع الاجتماعي والسياسي الحالي. يتضح هذا الالتزام في دفاعه عن الطبقات المهمشة وتضامنه مع قضاياهم، مستنكرًا الفوارق الطبقية الصارخة التي تشق المجتمع. الشاعر لا يكتفي بمجرد عرض اعتراضاته، بل يدعو إلى الوعي والتفكير النقدي حول العدالة والمساواة، موجهًا انتقاداته للأنظمة التي تعزز الفجوات وتدعم الاستغلال. من خلال قصيدته، يرسم الشاعر مسارًا للتغيير، مؤكدًا على دور الشعر كوسيلة للتعبير عن الرفض والمقاومة، ومشددًا على أهمية النضال من أجل مستقبل أفضل. في النهاية، تتجاوز القصيدة مجرد كونها عملاً أدبيًا لتصبح منبرًا للشاعر يعبر فيه عن رؤيته وأحلامه لعالم يسوده العدل والإنصاف، مقدمةً لنا جميعًا تأملات عميقة حول الإنسانية وتحدياتها.

رواية "صياد الغروب" هي رواية للكاتبة أم الزين بن شيخة المسكيني، وهي صادرة عن دار الأمينة للنشر والتوزيع، وتحتوي على 227 صفحة مقسمة على 33 لوحة، حيث تبدأ الرواية بترتيلة الوداع قبل أن يشرع السرد في إفراز إمكاناته، وممكناته السحرية، والشعرية، والغرائبية. ومن ثمة تنطلق الكتابة في التحرّر من سلطة الحكي والتخريف ليتم بذلك تفجير المعاني والدلالات، في غابة من السرد المكثف، الممزوج بالفلسفة، والشعر، والأدب. فالرواية هنا هي مادة متعددة الأصوات، كثيرة المناخات والعوالم، وهي عجينة سردية ولفت فيها الكاتبة كل إمكاناتها السحرية والشعرية، مقرة من خلال ذلك أن كل فرد بإمكانه كتابة سرديته وسيرته وقصته وأن أهميته تنبع من تلك القصص التي تشكل جسده.

لم يكن السرد في رواية "صياد الغروب" مجرد تقنية ذات وظيفة إخبارية وقصصية، فهو لا يأتي فقط لإخبارنا بالحكاية والقصة بقدر ما دفعته الكاتبة أم الزين بن شيخة إلى تجاوز الممكن فيه من أجل الإطلالة على مدرات الرعب، التي لا يوجد فيها غير العوالم والمناخات المتعددة وهي تتحرك بين مسطحات متنوعة اختلط فيها الفلسفي بالشعري والخيالي بالواقعي. تنزل علينا رواية "صياد الغروب" بوصفها مشروعا أدبيا يميز جسده ذاك التحول المستمر في طريقة سرد الخطاب، ففي كل مرة تباغتنا الكاتبة لتطل علينا من مكان وفضاء وموقع ما، فهي تترحل بنا بين الأمكنة والأفضية متتبعة شخصياتها وحكاياتهم، فتأخذنا تارة إلى رواية "طوفان من الحلوى في معبد الجماجم" وذلك باستحضارها لشخصية "كوشمار" و"خازوق" قبل أن تعود بنا لجسد رواية "صياد الغروب".

تتجول بنا أم الزين بن شيخة في جو من الفنتازيا الحرّة التي يكون فيها الخيال هو تعبير بشكل ما عن الواقع، فنحن لسنا في عوالم واقعية بشخصياتها وأمكنتها وأحداثها، بقدر ما نحن إزاء مناخات ميتافيزيقية لا ترتبط بالواقع إلا عبر حكايات الشخصيات في الرواية، فالأشباح "هناك" لها قصتها "هنا" وقرينة ذلك وجود شخصية "فرح" بوصفها شبحا يلتقي شخصية أيوب كل يوم عند الشاطئ عندما يهم بالتقاط صور الغروب. معنى ذلك أن الكاتبة أرادت من خلال رواية "صياد الغروب" أن تخبرنا أنه بإمكاننا أن نتخيل ما لا يمكن تخيله، وما لا يمكن تجسيده أو كتابته، وأن الخيال هو سلاحنا الأوحد ضد قسوة الواقع ومأساته. فالرواية هي لحظة من لحظات انعتاق الخيال إلي حدوده القصوى. فالسرد يبدأ من حيث يبدأ الخيال في مباشرة تشكيل الصور، فالرواية تستدعي كل الأشياء الخارقة والماورائية من أجل تحريك لعبة السرد.

في البدء كــان هنــاكَ المعنى، لكنّـــه، وبسببِ طغيانِ الأيدلون[1]، طفق يَغور في سرابِ اللحظةِ الراكضةِ صوبَ حَتفها. فكيفَ السبيلُ لاستعادته من قبضةِ هذا السّرابِ الشبحيّ؟   

لا تبتغي هذه الورقة أن تكون امتداحًا أو تقريظًا لـنصوص سرديّـــة قَضى الكاتبُ "محمد سَعيد أولاد الصغير" زمنًا طويلاً في تحبيرها. لا تبتغي، أيضًا، تقـــري ظـروف اختمارها وسياقات تخــلُّقها. ولا تبتغي، بعدَ هذا وذاك، ردَّ هذه النّصوص إلى النواةِ الدلاليّة الأولــى[2] وأنماط التّسريد التي خضعت لها؛ فنحن لا نريدُ أنْ نكونَ كالبوذيّ الذي يرى مَظاهر الوجودِ كلّها في فولةٍ صغيرةٍ [3]. كلّ ما تتغياهُ، إذًا، هو الإشارةُ، بتكثيفٍ دالٍ، إلى بعضِ الـمَداخلِ القرائية التي قد تكونُ مَساربَ صوبَ احتمالاتٍ دلالــيّةٍ ممكنةٍ.

إنّ النّص السّرديّ، استتباعًا، لا ينطوي على معنى ناجزٍ، كامنٍ، ومنتهٍ، بل إنه نصٌ مشرعٌ على مفاجآت صاعقةٍ إنْ هو وَجَدَ قارئًا خليقًا بـقراءته. إنّ لا وعيّ النّص أكبرُ من وعي الكاتب وسُلطته. فكلُّ العوالـم الــمُمكنة[4] التي يخلقها السّرد تُبنَى من خلال اللّغة وبواسطتها. واللّغة –كما يوكّد ذلك السميائيون والهرمسيون- حوضٌ رمزيّ زلقٌ وزئبقيٌّ، وفضاءٌ منذورٌ للاعوجاج والالتواءِ والتشتّت. يستدعي هذا اللاوعيّ، المعبّر عن نفسه اعوجاجًا والتواءً وتشتّتًا، قراءةً صغريّةً تفصيليّةً بالمفهوم البارثيّ للكلمةِ؛ أي قراءة تتتبّع سُبُلَ انصراف المعنى ومسالكَ تَدْلالِهِ: تقفّي سيرورات هروبِ المعنى من حدّ إلى حدّ ومن علامةٍ إلى أخرى في حركةٍ دائبةٍ، مترابطةٍ، ومستمرةٍ...

تَضَعُنَا المجموعةُ "حافية القدر" حُيال عوالــمَ رمزيةٍ تحتفي بالهامشِ والمنسيِّ ومَا اعتادتِ العينُ الإنسانيّةُ المعاصرةُ- التي فقدت رَهافة الـنّظر وعُمقه بفعلِ هيمنة وسائط التواصل الجماهيريّ وقنوات التلويث البصريّ- رؤيته مألوفًا وعاديًا وبسيطًا.

يمكن، بهذا المعنى، القول إنّ هذه الــمجموعة القصصية تعتمدُ السردَ وسيلةً لــتدثير مناطقَ إنسانيّة، أضحت، بفعل العوامل المذكورة أعلاه، عَاريةً، مُنتهكةً، ومُهملةً. يتراءى رهانُ التدثير السّرديّ، انطلاقًا من مُنظورنا القرائيّ، في جعلَ الغيابِ منطلقًا رئيسًا لبناءِ المعنى، ونسُوق صورَ هذا الغيابِ، ترتيبًا وتفصيلاً وتـــأوُّلاً، في ما يلي:

"وكذلك العلوم كلّها يوضع منها في مبادئ أمرها شيء يَسيرٌ، ثم يزداد بالتّدريج إلى أن يستكمل آخرا"[1]

فاتحة:

   تتبّعت في المقالات الثلاثة السّابقة ما قاله العمري عن مرحلة البلاغة العامّة في «المحاضرة والمناظرة» دون أن أخوض في التّقسيم الّذي قدّمه وبنى عليه. وقد كان ذلك مراعاة لحقّه في اختيار زاوية التّناول ومنهجه وإجراءاته وأجهزته من أجل تقديم تصوّره للمسائل التي يضعها موضع المباحثة. لذلك قدّمتُ تتبُّع أقواله الشّارحة التي يُفْتَرض أن يُبَرِّر أَثناءَها ذلك التَّقسيم. وقد تبيّن أنّ فيها تَخْليطاً لا يوصل إلى بناء تصوّر وجود بلاغة عامة عند السّلف بصفات وسمات ستُختزل من قِبَلِ الخَلَف بعدهم. لذلك، قدّرت أنّ الانتقال من تتبّع الفقرات التي خصّصها لـ"بلاغة الانتشار" إلى تتبّع الفقرات الّتي أدارها حول ما سَمّاه "بلاغة الانحسار" يسمح بالوقوف عند تقسيمه وتسمياته، خاصة أنّ أساليب المواربَة ظهرت في عناوين الفصول والفقرات نفسها. ومن أجل ذلك أقدِّم، كالعادة، كلامه بنصِّه قبلَ مناقشته.

1.    تقسيمات وتسميات محمد العمري:

    يقول محمد العمري:

  «تَنْتمي البلاغتان إلى زمنين، بل أنموذجين مختلفين: نُسِبَ الأوّل للمتقدم زمنا ومكانة، للمؤسس الفعلي للبلاغة العربية، عبد القاهر الجرجاني، ونُسب الثاني تلقائيا للقزويني صاحب تلخيص المفتاح للسكاكي الذي يعتبر، بدوره، قارئا ملخصا للجرجاني.

زمن الجرجاني هو الزمن الذي تفاعلت فيه مذاهب ونزعات بلاغية: شعرية وخطابية، تخييلية وتصديقية، أما «زمن» القزويني فهو الزمن الذي تناسلت فيه شروح وتلخيصات وحواش لشعب واحد من شِعاب البلاغة، وفرع واحد من فروعها. والمقصود بالزمن هنا الأنموذج، paradigme. زمن الجرجاني هو زمن الانتشار، في حين أن زمن القزويني هو زمن الانحسار، بمعنى الانكماش)»[2]

حظيت الرواية الأولى لفرات العاني بتقدير نقدي جيد في فرنسا، فقد حصلت على جوائز فيمينا، أميريغو فيسبوثي، وسنغور لهذا العام ٢٠٢٣م، ووصلت إلى المرحلة النهائية لجائزة غونكور للرواية الأولى.

يستحضرُ فيها فرات العاني جذوره العراقية، وأزمة الهوية، ويستهلُها باقتباس من جورج ساند "النسيان هو الكفن الحقيقي للموتى".

تطرحُ الروايةُ قضية التأرجح بين الحنين، والبحث عن الذات، آلام الماضي وأحلامه المتعثرة، ومواجهة الحاضر وخيباته.

هي قصة أب وابن، بل هي قصة واحدة تتداخل فيها طفولتهما، وشبابهما، واللحظة الراهنة المشبعة بالنسيان والضياع.

فرات، اسم الكاتب والراوي، والنهر الذي عاش الأبُ في خضم مياهه مواجهته الاولى مع الموت  تحت جسر الفلوجة الأخضر.

تتوقف ذاكرة الأب "رامي أحمد" يوم رحل عن العراق قبل أكثر من خمسة وأربعين عاما، وتحتدُّ ذكريات الطفولة عن الأم "مهجة" والأب شبه الصامت، الأمكنة، والروائح، والطعام من السمك المسقوف، والشاي بالهيل، التشريب، ومَن السماء، قشطة القيمر، والكليجة، والبطيخ المبرد في أعماق الفرات.

هي رحلة في ماضي العراق عبر مغامرات الأب السياسية، من انقلاب تموز ١٩٥٨م الذي قاده عبد الكريم قاسم على الملك مرورا بالصراعات السياسية الدموية بين الشيوعيين بتنويعاتهم والقوميين، والتأرجح بين القومية العربية والصراع الأممي، حتى بداية سبعينيات القرن الماضي بعد انفراد البعث بالسلطة، وبزوغ نجم صدام حسين.

1ــــ توطئة قبل ملامسة المحتوى
أديب متعدد الشخصيات جمع بين ما هو فني وأدبي بشعب مختلفة، فملأ جعبته بالكثير والمختلف، وشخصية من هذا النوع، لا يمكن أن تُوَفّق بين هذه المجالات المتعددة كلها، إلا إذا كانت مسلحة بعتاد فني وأدبي، لملمته من الموروث الثقافي، أو من معانقتها للواقع، أومن تجارب الآخرين؛ أو شخصية تمتاز بالصلابة والتحدي، بإمكانها أن تخترق الصخر، لتخلق ممرا يفضي إلى المرفأ المضيء.. وعلى الرغم من امتدادات شاعرنا نور الدين حنيف أبو شامة الثقافية اللامحدودة، فهو يتملص من لقب شاعر بصيغة التواضع، والاشتغال تحت الظل، مشيحا وجهه عن البهرجة والظهور، مع رفض تام تسليط الأضواء عليه..
أُهرّب الكلام إلى فنّ الخاطرة
حتى لا أُوصَمَ بالشِّعر
فشاعرنا يمحو منجزه من لائحة الشعر، ليقحمه في خانة الخاطرة، ليس ضعفا منه، ولا عدم ثقته في قدراته الشعرية، ولا لأنه لا يتوفر على عناصر شعرية، وإنما صبغة تواضعية كبيرة منه تحلى بها بفخر عظيم، ومن جهة أخرى فشاعرنا لم يرض بما قدمه، بل يسعى بكل ما في وسعه إلى الوصول للقصيدة المكتملة، التي تحتسب شعرا ؛ تَعلّق صارخ بمشجب الطموح ليصل إلى الأوج، إلى الذي يحقق مطمح القراء، ويلبي ميولهم وإن كانت الأذواق تختلف.. وأنا أمام الإشهاد، أقسم له أن ما بين أيدينا شعرا، وشعرا مرموقا، وشاعرنا متمكن باحترافية كبرى من توظيف عناصر شعرية، وبصياغة مدهشة لا ينازعها فيها أحد، وسوف نتوغل معا بين مطاويه لنرى حقيقة ذلك ...
2ـــ العتبة النصية للولوج إلى المحتوى
أطل علينا شاعرنا نورالدين حنيف أبوشامة، بمخطوط شعري، شاء له كعنوان ( سرْ وقمر لك ).. يضم أكثر من 20 قصيدة، تستوطن 104 صفحة، وكل قصيدة خصص لها قمرا، في سلسلة عددية حسب عدد القصائد، بدءا من واحد وعشرين إلى خمسة وعشرين...
ـــ العنوان/ عتبة قرائية تساعد على تلقي النصوص
دعونا نلقي نظرة خاطفة على العنوان : يتكون العنوان من خمس كلمات وحروف، ليشكل جملة تامة قائمة بذاتها، يتم إعرابها كالتالي :
سرْ : فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
وقمر : الواو واو الحال /قمر مبتدأ
لك :جار ومجرور ( وشبه الجملة خبر المبتدأ ( قمر )
والجملة الاسمية المكونة من ( قمر لك ) في محل نصب حال..

المقدمة:
   في زمن الرواية تستمر الأقصوصة حضورا وفعلا، وفي زمن الجنس الإمبريالي، يستمر أحفاد الدوعاجي والأخوين تيمور وعبد الرحمان مجيد الربيعي...في الكتابة الأقصوصية منوّعين معدّلين لكنهم ظلوا أوفياء للأقصوصة عمارة فنية والانتساب، غالبا، إلى الكتابة الواقعية بما تعنيه الواقعية من متن حكائي وطريقة في الكتابة. ولقد تميزت الأقصوصة التّونسية منذ جماعة تحت السّور بالمحافظة على هذه المنازع الواقعية في الكتابة مع بعض الاستثناءات القليلة والعناية بالصّياغة السّردية. وهي منازع يلتقي فيها الجمالي بالدّلالي والوجودي بالإيديولوجي وتلك ماهية النص ووظيفته. وفي هذا السّياق تتنزل مجموعة "فتنة البدايات" للتونسي عبد الرزاق السومري التي حككها صاحبها جماليا وجعلها شاهدا على ما تكون به الأقصوصة سردا وموقفا. ورأينا التركيز على الشّخصية مدخلا إلى سرديات هذه الأقاصيص.

الشّخصية والتأصيل السّردي:

   الأقصوصة جنس أدبي سردي وجيز عمدته الحدث ومداره الزّمان "جنس سردي وجيز يتميز بتقلص عدد الشخصيات والأحداث وضمور سعة المكان وامتداد الزمان"(2) ونرى في هذا التعريف بصمات أرسطو وهو يحدد مفهوم الحبكة وعلاقة التراجيديا بها. يركز أرسطو على الحدث والزمن ليصوغ منهما الحبكة وما يسميه محاكاة فعل كامل "لقد عرفنا التراجيديا بأنها محاكاة لفعل تام في ذاته وكامل...والكامل هو ما لديه بداية ووسط ونهاية"(3). ويمكن أن نشير إلى أنّ مجهودات بول ريكور لدراسة العلاقة بالزمن(4) تشكل قطيعة جمالية ووجودية مع غالبية الإرث الأرسطي...وبحكم هذا التّعريف للأقصوصة نستخلص أنّها تنتمي إلى الأشكال الوجيزة. وهو ما يفرض عليها التقيّد بالتّكثيف والاختصار خاصة في مستوى الشّخصيات والمكان. ويدرك النّاظر أنّ نصوص هذه المجموعة قد صيغت جماليا وفق الضّوابط والمعايير الأجناسية وهو ما يعني التزام المؤلف بميثاق قرائي. ولكنّ هذا الالتزام كان خدعة وحيلة من الكاتب لأنّه تقيّد بقلة الشّخصيات وبالطّابع الواقعي لكنّه حوّل مركزية الفعل السّردي من الحدث إلى الشّخصية. وبهذا الفعل لا يخالف الكاتب التّعريفات المختصة، بل يتمرد كذلك على النزعة التي سادت في سبعينات القرن العشرين نزعة عملت على تهميش الشّخصية وجعلها وظيفة لسانية أو سردية تأثرا بالصّنافة التي ذهب إليها فلاديمير بروب عن نظرية الفواعل. يجعل السّومري الشّخصية الموسومة بالواقعية في غالبية النّصوص، والدة سردية ويوظف كل العناصر السّردية الأخرى الزمان، المكان، الحدث لخدمة الشخصية. وهو منزع في الكتابة نطالعه منذ الأقصوصة الفاتحة " سكاروف". تستعيد الشّخصية مكانتها ودورها وتتمدّد لتكون ظاهر النص (العنوان) وباطنه (البطل). تنشأ حركة السّرد في الأقصوصة الأولى على شخصية واحدة هي شخصية الطّبيب "سكاروف" شخصية نراها مهيمنة على المكان الذي يحضر باعتباره مدًى للشخصية وامتدادا لها. مدى يتوسع حسب حركة الشّخصية ويضيق وفق نفسية البطل. نطالع البلدة والعيادة والخمارات والشوارع لكنها تتجلى أمامنا سمة من سمات الشخصية ورسما من رسوم البورتريه. فالبلدة النائمة بين الجبال هي مجال ممارسة الشّخصية مهنتها "كل من في البلدة يعرف الطّبيب الرّوماني سكاروف" (ص5) ومن يعرف الطّبيب سكاروف سيعرف بالضرورة رومانيا تلك البلاد المنتمية إلى أوربا الشرقية والمعروفة بتخريج الأطباء. ويفقد البيت خصائصه الهندسية والمادية ليغدو سجلا بعادات الشخصية وطبائعها" في كل ليلة سبت لا يخرج سكاروف وككل نهاية أسبوع يقضي الوقت في البيت " (ص6).

" ..يعترف سقراط ، مثل السفسطائي، بتعدد الإجابات، لذلك اعتبر مشابهًا له. ومع ذلك، فإن هناك فرقا أساسيا يميز بينهما: يتظاهر السفسطائي بالإجابة، بالسعي للاقتدار على الدفاع عن أي واحدة كيفما كانت، في حين لا يحتفظ سقراط بأيٍّ منها بالضبط لأن من الممكن أن يُدافَع عنها جميعا"[1]

فاتحة:

  يستمرّ محمد العمري في الفقرة التّالية التي أقترحها للمناقشة في هذه المقالة في  الاستدلال على سعة بلاغة عبد القاهر الجرجاني؛ فيأتي مرّة أخرى بما لا حجّة له فيه من كلام لا يُسعفه على تحصيل ما يرتجيه، ولا يفي بأدنى ما يعلنه هو نفسه في مقدمة كتابه وفي تضاعيفه من واجب تَحرّي صدقَ المعلومة وضبطِ العبارة. لنورد كلامه قبل أن ننظر فيه في ضوء منطلقاته وشعاراته.

1.    إثباتُ البلاغة العامة في التّراث العربي بطريق المواربة:

  «الجرجاني كان يفاوض من داخل نسقه الفلسفي، ثم اللساني، علمين كبيرين: الجاحظ والقاضي عبد الجبار: ناكفهما، وخاصمهما، ثم أخذ منهما. أخذ من الجاحظ حل لغز اللفظ بعد عناء: أخذ منه اللفظ بمعنى التصوير، وأخذ من القاضي عبد الجبار معنى النظم وإشكالاته، ولا عبرة بالاختلافات الأخرى بينهما. ومن هذا الحوار العالي )مع الجاحظ، والقاضي عبد الجبار، ومع الفارابي قبلهما (خرجت بلاغة الجرجاني بجناحين: اللفظ، بمعنى التصوير، والنظم، بمعنى ملاءمة التراكيب للمقاصد. لقد حاورهم ثم صنع نسقا لا يخطر على بال أحد منهم، لأنه جاء من منطقة لا يجاريانه  فيها، وهي منطقة النحو بمعناه الموسع، كما هو في الخصائص، وهذا رافد آخر من روافده. بهذه التقاطعات صار الجرجاني صاحب زمن بلاغة الانتشار. فحتى تقليله من شأن الموازنات الصوتية أدى إلى التركيز عليها وخصها بمؤلف مستقل من قبل منافسه المدهبي، ابن سنان كما سبق. الجرجاني واقع في منطقة التقاطع أدناه: