في الأدب الدنماركي، يُظهر الانتقال من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين اتجاهاً واضحاً هو التحول من الجمالية المنغلقة والمؤكدة دينياً إلى الواقعية اليومية الجديدة.

اجتمع الشعراء والكتاب الرمزيون في تسعينيات القرن التاسع عشر، في وقت قريب من تغيير "تارنيت" Taarnet 1893-1894 مع الشاعر "يوهانس يورجنسن" Johannes Jørgensen 1866-1956، ودافعوا عن شعر يرى الحياة في مجملها الصوفي وليس فقط في الأدب مجرد المظهر. لقد كان الواقع دائماً رمزاً لشيء آخر وأكثر مما يبدو. هذه النغمة الميتافيزيقية حيث تُرى الحياة في طبقة مزدوجة، هي ما تم التخلص منه في العقود الأولى من القرن الجديد، وكان حامل لواء الشعرية اليومية الجديدة هو يوهانس آخر، وهو "يوهانس ف. جنسن"  1873-1950 Johannes V. Jensen الذي نشر قصائده في عام 1906، والتي لا يمكن المبالغة في تقدير أهميتها بالنسبة للأدب الدنماركي بشكل عام والحداثة بشكل خاص.

باستخدام شكل النثر المستوحى من الشاعر الأمريكي "والت ويتمان" Walt Whitman 1819-1892، بشرت القصائد عام 1906 بثورة في الشكل، حيث كان الإلقاء وبناء الجملة أقرب إلى الكلام اليومي من الأشكال الإيقاعية المقفّاة بإحكام التي اعتاد المرء عليها حتى ذلك الوقت. ولكن لم يقتصر الأمر على الجانب الشكلي فقط، فقد تخلص يوهانس ف. جنسن من الرمزية، وحقق أيضاً نغمة جديدة إلى حد كبير، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال القصيدة الختامية في المجموعة بعنوان "كل يوم". هنا، من بين أمور أخرى، يمكنك قراءة السطور التالية:

 "دعونا ندخل في الحياة اليومية دون خوف / نحن الذين ليس لدينا ما نكسبه/ دعونا نجعلها لعبة لاذعة / اجتماع صلاة صعب / للملونين من سكان المدينة المشهورين.

مرحلة الاختراق الشعبي

في نفس الوقت الذي حدث فيه تغيير النظام السياسي في الدنمرك عام 1901، حدث انقطاع في الرسم وتأسست مجموعة  Fynboerneللفنانين التشكيليين الذين تأثروا بالرسام "كريستيان زهرتمان" Kristian Zahrtmann.

1ـــ الممر الوضيء إلى محتوى النص
للمرة الثالثة تطل علينا المبدعة والروائية المغربية مليكة رتنان برواية من الحجم الكبير بعنوان ( مايا صدى الجبال )، وقد كان لي شرف الاطلاع على بعض أعمالها السابقة في الرواية، تحت عنوان (لبؤة حاحا) بقراءة متواضعة، في حين لم يسعفني الحظ ، لأُشرع نافذتي على الرواية الثانية ( محاسني والقبة)، التي ستبقى دينا معلقا على ذمتي حتى أؤديه.. فمالكة رتنان تشتغل تحت الظل، لا تحب البهرجة، ولا التسابق على الأضواء، ولا لقب أديبة؛ تراها في المحافل الأدبية تتربع على كرسيها في زاوية بهدوء تام، ورصانة ملفتة، تتابع بنظراتها الثاقبة فقرات التظاهرة الثقافية؛ سألتها ذات مرة ماهي الأوقات التي يأتيك فيها جموح الكتابة؟؟؟، فردت بكلمة واحدة مع ابتسامة أنيقة: في الليل، فأدركت أنها تعانق الظلام في صمت، وتشق جيوب جبته على كنوزها في عزلة تامة.. والرواية التي بين يدي هي المنجز الثالث من إبداع روائيتنا المغربية مليكة رتنان، شاءت أن تضع لها عنوانا مميزا ((ماياصدى الجبال)).. تمتد الرواية على 480 صفحة، صدرت في طبعتها الأولى عن مطابع النجاح الجديدة، ((شركة النشر والتوزيع المدارس)) سنة 2023..استهلتها بإهداء جميل إلى الأسرة، وبصفة خاصة الوالدين والأخ..
2ــ عناصر العتبة النصية والذوق الفني في الانتقاء
إذا تصفحنا الكتاب من حيث عتبته النصية، نجد أن الأديبة المغربية مليكة رتنان، لم تضع الأشياء عبثا أو على عواهنها، وإنما اختارت كل عنصر بعناية فائقة، من حيث لون الغلاف، والعنوان، واللوحة، حيث رفل الكتاب في حلة مبهرة، تجذب مهجة القارئ من أول نظرة ..
ـــ الغلاف إطار ورقي يضم المحتوى
لقد اختارت المبدعة اللون الأبيض، ونحن نعرف ما للون الأبيض من مزايا متعددة، تختلف دلالاتها ومعانيها، فهو رمز للراحة النفسية، لذا يُختار لباساً للعروس، ويعد تعبيرا عن النظافة، فيرتديه الأساتذة وزراتٍ بيضاءَ في المدارس، والأطباء في المستشفيات، وتُطلى به جدران المرافق الصحية، ويستعمل كأفرشة وأغطية للمرضى في المصحات، نظرا لما يخلقه من اطمئنان في النفوس، وأمل جديد في الاستشفاء.. ويستخدم اللون الأبيض في الأماكن الضيقة، لإعطائها امتدادات جديدة توحي بالاتساع.. وهناك من يفضل اللون الأبيض على سائر الألوان الأخرى، فيستعمله في أفرشته وطلاء بيته ولباسه باعتباره عنوانَ السلام والهدوء، والبراءة وصفاء النفس، والمرونة والليونة في التعامل مع الآخرين بلطف؛ كما يُعتبر اللون الأبيض لوناً روحانياً، يبعث في النفوس الانسجام والطمأنينة وفقاً لمعتقدات الدين الإسلامي، لذا كان الكفن باللون الأبيض، ويوضح لنا ذلك بعمق، توجه المسلمون إلى المسجد أيام الجمعة والأعياد بألبسة تقليدية بيضاء.. ومن وجهة أخرى نلاحظ أن البشرة البيضاء، تعطي نضارة جمالية للعيون السوداء، والشعر الأسود ...

قبل الخوض في موضوع المجموعة القصصية "قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم " للشاعرة والقاصة خديجة برعو لا بد من التعريف بها.
الكاتبة و الشاعرة الغنائية برعو خديجة هي إطار بوزارة الثقافة المغربية خريجة المعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث بالرباط حاصلة على دبلوم الماستر من جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال والآن طالبة باحثة بسلك الدكتوراة بجامعة محمد الخامس بالرباط.
الكاتبة لها عدة مؤلفات آخرها مسرحية "سر الجزيرة " للأطفال و مجموعتها القصصية الأولى " قل لهم ان يتمسكوا بأحلامهم" و في مجال الشعر الغنائي غنى لها كبار المطربين المغاربة أمثال الفنانة كريمة الصقلي و الفنان مراد البوريقي و الفنان جمال نعمان.
تنتظم هذه المجموعة القصصية التي سنتناولها بالدراسة في أربع وستين صفحة وتتضمن عشرَ قصص قصيرة هي على التوالي:
قل لهم أن يتمسكوا بأحلامهم
فــــــــــــــزاعة
إنك أنا و أنا أنت
أنـــــا الثلج
عقول عمياء
طباع إنسانية
تمترس
شيء ما سلب مني
سحر الأرقام
الضمائر الحية

خلِّص النفس من قلقها وضيقها كأنّك تدخُلْ حضرةً صوفية وأنت تفتحُ باب السؤال، كُتب على الباب بخطٍّ يمزج بين المغربي والكوفي، في لوحات فنية جذّابة من سوداء لونِ خطوطها يشعُّ  نورها بهاء وجمالا، "لا حزن لي الآن"[1].. أو كأنك تقف أمام نفسك عاريا تفتح كتاب الاعتراف، ليواجهك السؤال، لأن بداية الحضرة سؤال.
السؤال تطهيرٌ، وكشفٌ لما سكت عنه الكلام، وغاب عن منطوق الحروف في غياهب النفس. السؤال في الحضرة الشعرية، مفتتح القصيد ومنتهى.
" ياوثبتي خارج ذاتي.. أصحوٌ أنت أم صدع؟ أم كشفٌ أو سؤال؟ أم تراك ذكرى من حياة أخرى؟" (ص5)

حضرةُ طُهرٍ تُخلّص النّفْس من لا اطمئنانها، بالسؤال واللوم والوقوف أمام نفسها، لتخرج من قلقها، تفتّت يقينياتها وتدفعها للصراخ في وجه الحياة، وتكتب وَصِيّتها لاآتٍ توقفها أمام نفسها لتُعيد السؤال، وتفتح للْبَوْح مقامات للطُّهر والنقاء.

أمام الحضرة الشعرية البهية، وفي محراب "لا حزن لي الآن"، تأسرُ لُبّك الكلمات/اللوحات الخطية الجميلة التي بَرَعَ في تزويقها وإعطاء حروفها من تمدد وتدوير واستقامة، حتى أصبحت كل جملة من النص الشعري لوحة تموج حياة وجمالا وسحرا، أنامل تحسن السير على فضاء هلامي شفاف، كأنها تُسبِّح وهي تعبُر إلى الماوراء، لتُلبس الحرف جمالا ورونقا وبهاء، أو في جذبة صوفية تتلاشى في حضرتها المقامات والعلامات. خطّ مغربي بلمسة كوفية/ كأنه دعوة إلى ولوج الحضرة العطرة لمواجهة نفس تموج بها الأخطاء والنكبات، وتصَدّع حصونها المواجع، تصارعها تنشد المطلق والكشف، كلمات تسبح فاتنة تلامس البياض كأنها حلم هو فاتحة الكلام ومنتهاه منثوراً حِكَماً ووشْما أسود على البياض، تملأه زخرفة وفتحا لشهية القراءة والغوص في النفس التي تبحث عن اطمئنانها وكبريائها.

 تكمن أقدم الشهادات المكتوبة عن الأدب الدنمركي في القصص العظيمة عن الخلق، وعن الآلهة والبشر، عن راجناروك الذي يُعتبر حدثًا مهمًا في الأساطير الإسكندنافية، وكان موضوعًا للخطاب العلمي والنظرية في تاريخ الدراسات الجرمانية. وكذلك عن الكوارث، والأرض الجديدة والسماء الجديدة.

من الصور الموجودة على المجوهرات المعدنية، والنقوش الذهبية، نعلم أن الأساطير الإسكندنافية قد تم تطويرها بمرحلة ما قبل الكتابة. وتمت كتابتها لأول مرة في آيسلندا بين 1190 و1210.

هذه الحكايات الأسطورية هي أصل الثقافة الدنماركية/ الشمالية. إنه عالم مرئي يعود فيه الأدب إلى ما قبل عصر الرومانسية، ومنذ ذلك الحين يُعاد سرده وتفسيره مرارًا وتكراراً في ثقافة المدارس الدنمركية المتوسطة والثانوية.  كانت حكايات الجان والعمالقة على مدار أكثر من مئة عام جزءًا من بصمة ثقافية شعبية واسعة. على الرغم من أن الأساطير كانت مادة دينية، إلا أنه يجب أيضًا اعتبارها أقدم دائرة سرد لعوالم تصويرية دنماركية واسكندنافية تشكل هوية الشعوب.

أقدم دليل مكتوب

تشبه النقوش الرونية كتابًا مفتوحًا في المشهد الدنماركي. لا تزال إمكانية الوصول إلى العديد من الأحجار الرونية الكبيرة التي يتجاوز عمرها ألف عام متاحًا مجانًا للعموم.

ربما لا تحتوي على أدب حقيقي بالمعنى الضيق، لكن النقوش الرونية هي أقدم دليل مكتوب في الدنمرك. تتضمن في بعض الأحيان قوافي الحروف وبعض الإيقاعات، وعادة ما تكون مجرد إعلانات عن رئيس محارب ميت، أو وسيد روني، ولكن يمكن أن تحتوي أيضًا على تعويذات وسحر، بالإضافة إلى أسماء أشخاص وأسماء الآلهة ورموزها.

I. الكتابة وتَمَوُّجَات المعنى:
لن تغدو الكتابة فِعْلاً ألِقاً ومتوهِّجاً إلا إذا انْوَسَمَتْ بخصوبة في التفكير، وتميزت باستراتيجيتها في تَطَارُح القضايا، وجِدَّة منظوراتها في طَرْقِها ومُناولتها. نفهم من هذا الكلام أن الكتابة نمط تفكيك، وموقف فكري قُصُودُه النَّبش في اللاَّمَقول، وتقليبه في كل أوجهه هَدَفاً إلى تقديمه أمام القارئ انفعالاً للنظر.(الخطيبي: النقد..ص. 189)
ذلك أن الكتابة، فضلا عن كونها نشاطا مفتوحا داخل قبيلة الكلمات، هي التزام مع الذات، وميثاق بين صاحب النص وقارئه. ميثاق لا يكون المتلقي بمقتضاه منفعلا، منصاعا لمحمول النص (ح.بركات: ص: 153) وإنما متفاعلا معه إلى أبعد الحدود عبر اختراقه بالاستفهامات الحَيَوِيَّة المُحَرِّكة لأوتاره الدَّفينة الحَاِجِبة للمعضلات الكبرى التي يَمُورُ بها المجتمع (الخطيبي: المغرب.. ص: 122)
ولعل هذا، فيما أُقَدِّر، هوالرهان الذي تنتظم حوله حَرَكِيَة الكتابة الأدبية عند الأستاذة " انتصار حدية"، وتحديدا عملها الروائي المنشور تحت عنوان « الغريبة».

II. « الغريبة »: من العنوان إلى النص
«الغريبة» هو ما اقترحه الأستاذ «أحمد جوهري» تعريبا للنص الأصلي ‘L'Inconnue’
يتضمن نص «الغريبة» 190 صفحة مُوَزَّعة على 28 فصلا تَتَصدَّرها ديباجة نقدية هي من إنجاز الترجمان نفسه فضلا عن الخاتمة.
نَنْبَرِي بدءا للعنوان من خلال القاموس فنقرأ: من الجذر العربي:غ . ر. ب. اشتق الغريب / الغريبة: الرجل والمرأة البعيد« ة» عن الأهل. والغريب / الغريبة البعيد عن الفهم والوضوح، والغامض واللامألوف. وهو أيضا من ليس من القوم، ومن لايمُتُّ إلى الحارة، والأسرة، والبلد بأية صلة. إنه المجهول وغير الجَلِيٍّ.( القاموس المحيط +المنجد) وهو الخَفِي كذلك واللَّامُحَدَّد الذي يُطْمِرُ أسراراً يَستلزم الأمر سبْرُ أغوارِها، والحَفر في بَوَاطِنِها (قاموس روبير الفرنسي.)

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، المسلمة والعربية في منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي. وهي جريئة لأنها اهتمت بالذات بعذرية الفتاة التي تعد إحدى أهم طابوهات مجتمعات الشرقيين والمسلمين. ولهذا ليس من الغريب أن تجلب إهتمام المفكرين والنقاد حيث كتب عنها الاستاذ إبراهيم البليهي مؤكداً على أهميتها وتأثرها بكتّابٍ أوروبيين وعرب عقلانيين مثل شكسبير ونجيب محفوظ والعروي وبن جلون وآخرين، ويرى أن “نهاية سرّي الخطير” تتميز “بمعالجة عقلانية باهرة لقضية ثقافية وإجتماعية شديدة التعقيد”. ص 5. كذلك كتب عنها الدكتور خليل إبراهيم حسونة والكاتب أحمد محمود القاسم ويوسف عز الدين والأديب والشاعر عبد الكريم الكيلاني و د. عبد العلي جبار و د. يوسف الكايدي. وأحاول هنا تسليط الضوء على بعض جوانب هذا العمل الجاد من خلال قراءتي الشخصية لها. يقوم معمار هذه الرواية على صيغة سردية قديمة: لقاء- فراق ومعاناة – لقاء ونهاية سعيدة من خلال ستة عشر فصلاً، يبدأ بالأول بعنوان “أشهد أنك عذراء” مثير ومقلق ويوحي بمضمون معقد، وينتهي بالأخير “وعادت شهرزاد إلى فاس” عنوان رحب يشير إلى نهاية سعيدة بعد أقل بقليل من خمسمائة صفحة. تعتمد هذه الرواية على موضوعة مهمة للغاية إذ إن البطلة المراهقه غاليه تتعرض لشيء بسيط جداً لو كانت تعيش في بيئة عائلية ومجتمعية متفتحة، لكنه هنا حدثٌ “لا يرفع رأسها” وتخشى منه: قطرة دم تنزف منها على ملابسها الداخلية. تُخبر غاليه اختَها غير الشقيقة “العنود” بالأمر، التي تقول لها بعد أن "بتسمت إبتسامة خبيثة…لنذهب بسرعة إلى الحمام لكي أغسل بقعة الدم من سروالك ولا تقولي لأحد عن هذا السر الخطير. قالت غالية وجسمها يرتعش: سر خطير؟ ماذا تقصدين؟ هل أنا مريضة؟ هل عندما يخرج الدم من الفتاة يعتبر عيباً؟ وسراً خطيراً هل، هل، توقف الكلام في حلقها وانفجرت تبكي، وإذا بأختها تمسك بيدها بقوة تجرها إلى الحمّام غسلت سروالها وقالت لها بلهجة المعلم إن اخبرت امك ستضربك لأن الدم عندما يخرج من البنت يعتبر عيباً كبيراً إحفظي هذا السر بيني وبينك كأن شيئاً لم يكن”. ص 14.

ننساق وراء الوظائف وتكوينها، ومنها الوظائف السياقية التي تؤدي إلى وظائف حركية لتكوين استقراء النصّ؛ وهو ضمن حركة الخلق من خلال الأدوات الفنّية وحركة الأفعال، ومنها حركة أفعال الكلام المعتمدة في النصّ المنفرد؛ ومنها أيضاً الأفعال الانتقالية والتموضعية، أي أنّها الأفعال التي تنسجم مع الحدث الشعري وليست تلك التي تخبرنا عنه، حيث إنّ النصّ يعتبر ذلك حدثاً منفصلاً عن الأحداث العامة التي تمرّ بنا، فاليومي غير الخيالي، والواقعي غير التصوّري، وفي الوقت نفسه أنّ النصّ الشعري وانسجامه مع الحدث، يعتبر النصّ الخلاق، حيث يتداخل من خلاله الخيالي والواقعي والتصوّري، أي أنّه سيعيش حالة فكرية وتفكّرية مع الشاعر.
يتعلّق النصّ الشعري بجديده وليس بموروثه أو تكرار ما أبدعه الآخرون، لذلك لكلّ نصّ جديد، ذات جديدة، ومتعلّقات غير مطروقة، فليس هناك انسجام نصّي يخرج من النصّية إلى النصّ، بدون تأثيرات انسجامية، فالحدث الشعري يعيش مع الشاعر وإن كان لقطة لحظوية، فهذه اللقطة أو اللحظة ستكبر عندما يغذّيها الشاعر بما يلائم حركة الدال في النصّ المنظور.
طالما أنّنا في الوسط الوظيفي والمتعلقات النصّية من خلال وظائف النصّ التكوينية وانسجاماتها، إذن نحن في منطقة المقاربات التداولية والتي يبدو من خلالها الصراع بين الـ " أنا " والآخر، وكذلك بين الأشياء، فليست جميع الأشياء منسجمة مع بعضها، فبعضها يتعلّق بفعل تنافري، وبعضها بفعل تناقضي، وبعضها ينحاز إلى الفعل المختلف، وهو الدالّة المختلفة التي نسعى إلى توضيحها من خلال نصوص الشاعرة السورية رماح بوبو.
يعتبر النظام التداولي ذا تنظيم داخلي للنصّ، ولكن في الوقت نفسه نلاحظ تشعّباته وعدم استقراره في نقطة معيّنة، فإذا أخذنا القول اللغوي للنصّ الشعري، نجده ضمن المتعلقات النصّية، فالنصّ لغة قبل كلّ شيء، لغة ليست بدائية وليست مطروقة بشكلها اليومي، بقدر ما تسعفنا هذه اللغة في التناقضات والاختلافات النصّية، وتشكل المشهد النصّي المنظور، وذلك بين سياق التواصل وسياق التفاعل؛ ويكون للنصّ الشعري خصوصيته الجمالية ضمن المنظور الاستطيقي، حيث تعتبر الجمالية العنصر الفعل مع كلّ نصّ نموذجي يمنحنا الرمزية من جهة أو ماوراء الواقع من جهة أخرى.