قصيدة افتراق للأديب الشاعر حمودي عبد محسن تمثل قطعة أدبية تحمل في طياتها عمقًا شعريًا مدهشًا. تستكشف هذه القصيدة مشاعر قوية تتعلق بانفصال الحبيبين، حيث يصعب على القلب تحمل تلك الفجوة بين السماء والأرض. يبدع الشاعر في استخدام الصور الشعرية المتنوعة لنقل هذا الانفصال والتناقض العميق بين مفاهيم متناقضة مثل النور والظلام، والسلام والحروب، والحياة والموت. في هذا المقال، سنقوم بتحليل نقدي لبعض العناصر المميزة في هذه القصيدة، لفهم عمق معانيها وتأثيرها الشعري. في هذه القصيدة، نجد صورًا شعرية تعبيرية وقوية ترسم لنا مشهد انفصال الحبيبين بأسلوب مذهل. الصورة الأولى تصف انقسام الشاعر وحبيبته بشكل ملموس، حيث يصعد الشاعر نحو السماء على أجنحة عنقاء، بينما تنزل حبيبته إلى الأرض في ليلة ظلماء بمساعدة أجنحة شيطان. هذا التناقض يعكس حالة الأمل والتفاؤل التي يعيشها الشاعر مقابل تدهور وانكسار حبيبته. الصورة الثانية تجلب لنا منظرًا مائيًا مدهشًا، حيث تصف المياه وهي تُغسل العناصر المختلفة مثل الحجر والصخور والعشب الذابل وأوراق الخريف. هذا المشهد يعبر عن عملية التجديد والتطهير التي يمكن أن تحدث في الحياة والعلاقات. الصورة الثالثة تصف حبيبة الشاعر وكيف تبقى متصلة بالطبيعة والجمال من حولها. ترتسم صورة رومانسية لها وهي تنظر إلى الأعلى وتستمتع بضوء القمر، مما يعكس تفاؤلها ورغبتها في البحث عن الجمال في العالم. أما الصورة الأخيرة، فتكشف عن نهاية نهائية للعلاقة حيث يتجه الشاعر نحو السماء وحبيبته تنحدر إلى العالم السفلي، وهي تُشبه الآلهة عشتار في ليلة ظلماء، وهو رمز للمصير المأساوي الذي تلازم هذا الانفصال. تلك الصور تلقي الضوء على تفاصيل عميقة في نفوس الحبيبين وتجعل القصيدة أعمق وأقوى في تأثيرها. الشاعر يتقن استخدام التناوب بين العناصر المتناقضة في هذه القصيدة ببراعة. يبدأ النص بالتناوب بين النور والظلام، حيث يصعد الشاعر نحو السماء ويتحدث عن النور الذي "يضيء العالم"، مما يمثل الأمل والسعادة. بينما تهبط حبيبته إلى الأرض في "ليلة ظلماء"، مما يرمز إلى تدهور وانقسام العلاقة. يتناول الشاعر أيضًا التناوب بين السلام والحروب، حيث يصف السماء بأنها مليئة بالسلام والمحبة والعناق، بينما يشير إلى تحول حبيبته إلى الحروب والكره والنفاق. هذا التباين يظهر كيف يمكن للحب أن يتحول إلى صراع وتوتر. أما التناوب بين الحياة والموت، فهو واضح في النص حيث يصف الشاعر النور السماوي والأمل كرمز للحياة والتجدد، بينما يشير إلى الظلام والموت والهياكل العظمية كرمز للنهاية والفناء.

" وَإنَّ الصُّبْح لَيَمْلأ الأُفق، ثمّ لا يراه النّائم ومنْ قَدْ أَطْبَق جَفْنه"([1])
فاتحة:
جَعلتُ مُنطلقَ مناقشةِ محمد العمري في كتاب "المحاضرة والمناظرة" ميثاقَه الّذي واثقَ به القارئ بصيغٍ شتّى ترجع في المجمل إلى انتدابه نفسَه لِلتّأسيس في مجال المعرفة البلاغيّة وتحصين تلك المعرفة ومقاومة التّزييف؛ ونظرتُ في ما إذا كانت دعاواه وحججه تأخذ ببعض ما يشترطه ويجاهر به من واجب التّحرّي والضّبط. وقد لَفَتْتُ الانتباه في المقال الأوّل إلى ما فيه من إسقاطات وزيادات وآراء غير مدعّمة وأحكام متسرّعة بتتبّعي لطريقة استعماله لكلام وجيز اقتطفه من "دلائل الإعجاز"([2]). والفقرات الموالية استمرار في بيان وجوه أخرى من الانحراف. والقاعدة عندي - قبل أن أُجري القلمَ في ما سطّره ونشره- أن أورده بنصّه.

1. تقديم محمد العمري لبلاغة الجرجاني:

يَقولُ محمد العمري في الفقرة التّاليّةِ لِكلامه الّذي جعلتُه موضوعَ المقال الأوّل:

«وخلال هذه الرحلة جربَ الجرجاني وصفةَ التأويل العربي لنظرية المحاكاة حيث تم إنزالُ المحاكاة من خشبة المسرح إلى مستوى التركيب الدلالي: التشبيه والتمثيل والاستعارة، وإظهار البعد النفسي التأثيري للمحاكاة بالحديث عن التوهيم والتخييل. طبق الجرجاني هذه الوصفة بتكتم في كتاب أسرار البلاغة متوخيا حل مشكلة الطبيعة النفسية غير الصوتية للكلام. وعندما استكمل تصوره لبلاغة العدول والغرابة اكتشف أنها لا تغطي إلا قليلا من نصوص القرآن، وأن مفهومَ التخييل يلتبس بالكذب(حرج ديني)، فبدأ رحلةً أخرى مستثمرا رصيده النحوي، فأضاف مفهوم النظم إلى مفهوم العدول، وأعطانا كتاب دلائل الإعجاز. وفي هذا السياق ألفَ معاصرُه ابن سنان الخفاجي كتاب سر الفصاحة مقترحا بلاغة صوتية، وهي تغطي المنطقة التي تلافاها الجرجاني، بلاغة الموازنات الصوتية»([3])

تعدّ مجموعة جويس القصصية "أهالِي دَبْلِن" (1914) من  الأعمال العالمية المهمة، فقد ساهم جيمس جويس  في تطوير حَركةِ الحداثةِ في الأدب فِي مطلع القرن العشرين. وتتمحورُ معظم قصص "أهالي دبلن" حولَ سكّان المدينةِ العاجزينَ عن التّغيير – سَواء كانَ هذَا علَى صعيد شخصياتهم أو على صعيد مدينتهم. فالاثنانِ يرتبطانِ ببعضهمَا ارتباطاً وثيقاً – المكان والزّمان والشّخصيّة يتفاعلونَ في فضاء سرديّ متكامل يضيءُ بإشعاعاتٍ ترميزيّة مُتعددة. إذ يعبّر جويس عن إحباط وعجز الشّخصية عن طريقِ الإشارةِ إلى البيئةِ المُحيطة/المكان. ومثال ذلك وصفه لشخصية إيفلاين الّتي ((جلست عند النافذة تراقب المساء يغير على الطريق. رأسها منحني على ستائر النافذة، وفي خياشيمها عبق الكريتون المغبر. كانت مرهقة)) (جويس، 37). فالغبارُ واللّون الأسودُ والرّماديّ والبنّي كلّها تعبّر عن وهن الشّخصيّة، وهذا النّمط يتكرّر في جميعِ القصصِ الجويسيّة. نراهُ في قصّة "متأنقان" التي يبدأها بوصفِ "دبلن" وحُشود البشر فيها من بعيد، ثم تقتربُ الكامِيرا أكثرَ فأكثر من الشّخصيات الرّئيسيّة. ويتميّزُ هذا الوصف بالرّتابة المملّة المكرُورة: ((حط المساء الحار الشاحب من آب على المدينة...))، وأرسلَ ضوء المصابيحِ ((همهمة رتيبة، لا تتوقف في المساء الدافئ المغبر)) (جويس، 51). الـ ((همهمة الرتيبة)) تحاكي جملة ((عبق الكريتون المغبر)) في قصّة "إيفلاين" وكل هذه الصّفات تشيرُ إلى "الشّلل" الذي تعاني منهُ مدينة "دبلن".  

"وَلوْ قيل: هاتوا حَقِّقوا لم يُحقِّق"[1]

فاتحة:

   أُخصِّص الفقرات التالية للنَّظر في قراءة محمد العمري للبلاغة العربية القديمة في كتابه «المحاضرة والمناظرة، في تأسيس البلاغة العامة». وسأسعى ما وسعني الجهد ألّا أنساق إلى التّأويل لاعتبارات تصوّريّة ومنهاجيّة ليس هذا مقام تفصيلها. [2] والفرض الأساسي الذي أنطلق منه وأنظر إلى مسائل الخطاب في ضوئه أن سيرورة الدّليل مفتوحةٌ وغير محدودة لكنها مراقبة بقواعد يضفي"عليها التّاريخ الثّقافي نوعا من الشرعيّة"،[3]مما يعني أن الخطابات والنّصوص إنْ كانت مفتوحة وقابلة لأن تُسعف القراء والمؤولين وتتيح لهم إمكانيات تأويلية غير متناهية فإنها – مع ذلك –تُقيّدهم وتفرض على قراءاتهم أن تراعي أنساقها وسياقاتها.

تزداد قيمة إيراد هذا الاحتراز إذا علم القارئ أن المسعى في الفقر القابلة لا يتعلّق بِفَحْص قراءة تنشغل بتأويل نصٍ ذي بنية منفتحة على نحو قصدي؛ بل يتعلّق بالنّظر في قراءة بلاغيٍّ حديث هو محمد العمري للبلاغة العربية القديمة بِقَصْدِ "مناجزة النّكوص والتّزييف المتناميين في مجال البحث البلاغي".[4]المتوقّع أنْ يحفظ خطاب محمد العمري الفرق بينه وبين خطابات البلاغيين القدامى الذين يلجأ للاستعانة بآرائهم وأن يتجنّب الإسقاط ويستعمل الضبط. إلا أنّ تَتبّع كلامه يُبيِّن أنّه ينزلق من قراءة أقوالهم إلى استعمالها، ويقع في تَخْليطٍ يُلْحِقُ قَوْلَهُ بِقَوْلِ مَنْ يُناجِزه؛ وهو ما لا يُمْكِن أنْ يكونَ"لصالح الطّالب الباحث"[5] وفقا للقصد المعلن عنه في تقديمه للقسم الأول من كتابه.

1.    السياق:

   ألّفَ محمد العمري"المحاضرة والمناظرة" ليناقش دعاوى رشيد يحياوي في كتابه "التّبالغ والتّبالغية" وردودَه على النّقد الّذي وجهه إليه. يقول إنّ دراسته:«مرصودة لشيء واحد، لولاه لم تكن، وهو محاولة بيان موقع البلاغة في هذا الكتاب، والتوتّر الذي أحدثه الجوارُ الذي وضعها الباحث فيه. وذلك بعد الذي لاحظتُه من تعامل المتلقين(من أدنى السلم إلى أعلاه) مع الكتاب على أنه كتاب في البلاغة، وكتاب في الدراسات الأدبية بالتبعية، وكتاب في النقد الأدبي بالسماع ومتابعة الأتباع في «حَلْب السِّباع!». نحاول رفع هذا اللبس لأن السكوتَ عليه يُحَوِّل الكتاب عن مغزاه، من جهة، ويهدد الجهود التي بُذلت، على مدى أربعة عقود، من أجل إعادة الاعتبار للبلاغة، بتنسيقها وتدليلها في حوار بين التراث العربي الغني تنوعا وعمقا، وبين المعطيات المنهاجية التي يتيحها البحث الحديث في الموضوع. نحن نحاور مشروعَ المؤلف كمغامرة علمية مشروعة ومحبذة ولا نُقَوِّمُه، وندافع عن حمى البلاغة ولن نُسْلِمها للمُتوهمين»؛[6] وهو يضع  دراسته بين أعماله الموزّعة بين الكتابة الأكاديميّة الّتي يهيمن فيها الموضوع والمنهج والكتابة التّطبيقية الحوارية البيداغوجية الّتي تكون فيها الهيمنة للمتلقي[7] في منحى ثالث:«يدمج المنحيين السّابقين ويدعِّمهما كلا من جهته: يخوض في القضايا الابّستملوجية المؤسّسة للعلم عامّة، ولتخصّصه حصرا (أي البلاغة التي صارت إمبراطوريّة، واسترجعت صفة العلم الكلي لعلوم الإنسان واللسان)، ويخوض في المعرفة النّسقيّة الدّقيقة للبلاغة العربيّة(وهي تقتضي التّفكيك والتّركيب، وضبط المحيط).

بداية، لا بد من الإشادة بما راكمه، ولم يزل، الشاعر المغربي المجدِّد، العربي الحميدي، فهو صاحب مشروع شعري، يؤمن بثقافة المحو، أي جبّ السابق، وعيش هواجس المستقبل، بذاكرة حية، ترعى أدقّ التفاصيل، وتصون نثار الكامن، بوعي جمالي متوهِّج.
إنه شاعر البلاغة الجديدة، ما ننفكّ نستقي مثل هذا النزوع في جديده الذي يحاول جبّ كل ما هو قديم، ضمن حدود ما يمكن أن نصطلح عليه” نيوكلاسيكية النسخ”، أو بعث الكامن.
بتسليط الضوء على عتبة هذا المنجز الجديد، يتبيَّنُ حجم تغليف أسلوبية المغامرة الشعرية لدى الحميدي، ودائما على المنوال الذي يكرّس لمفاهيم بلاغية جديدة، تثري لغة الضاد، مثلما تخضّب وتخصِّب مدلولاتها.
فبوادر الاستثناء، ليس تنبت سوى في مِخيال الشخصية المتردّدة، أو الذات الشّكَّاكة القلقة، بمعزل عن الاضطراب بالطبع، أو الطّبعْ المرضي، الذي ليس هذا سياقه.
فالشّك” الشعري”، هنا، هو بمثابة النار الهادئة التي تُنْضج حمولات بلاغة التجاوز، وتتماهى مع عوالمها المغرقة في الوهم الذاتي، فينقل الذات، بالتالي من خندق العذابات والمكابدات، إلى ربيع الإبداع، المعطّل لصيرورة الزمن، والمجمِّل للعبور الحالم في كل الأمكنة.
الذات الشاعرة، من خلال هذه الأضمومة، تحصر خوفها في خريف العمر، وأشواط انقطاعه المذيَّلة بفَناء حتمي ومؤكد، وقد تمّ الاستهلالُ بما يفيدُ هذا، وفي ذلك مدعاة للتّمني، بل إنه أشبه بالتجديف الجواني، قصد خلق مخرج، أو منعطف إلى قناعة واهمة أيضا، بالتوحّد مع الموت كلغز وجودي كبير، ضاجّ بكل ما هو فلسفي وعميق.
يقول:

العنوان الأصلي للكتاب: LA DÉCISION
المؤلفة: كارين تويلKarine TUIL
اللغة: الفرنسية
الناشر: غاليمار- فرنسا
تاريخ النشر: ٢٠٢٢
عدد الصفحات: ٣٠٠
حظيت رواية "القرار" لكارين تويل، باهتمام كبير من نقاد الأدب في فرنسا، واحتلت مكانا متقدما في أغلب القوائم التي ضمَّت أفضل روايات العام المنصرم ٢٠٢٢.
تتمحور الرواية حول حياة قاضية فرنسية في محكمة الإرهاب في باريس، تدعى ألما رافيل في التاسعة والأربعين من عمرها، متزوجة ولديها ثلاثة أولاد، تدور أحداث الرواية في أشهر قليلة من عام ٢٠١٦، وهو العام الذي تلا تعرض فرنسا لهجمات إرهابية أصابت فريق صحيفة شارلي إيبدو، ومحيط ستاد دو فرانس، ومسرح الباتاكلان، وغيرها وخلَّفت عشرات القتلى ومئات الجرحى.
تعيش ألما أحداثا جسيمة على المستويين الشخصي والمهني، فعلاقتها بزوجها إيزرا هاليفي تتدهور حتى مشارف الطلاق، وضغوط العمل القاسية لا ترحم، تتصاعد عليها التهديدات من المتهمين وأقربائهم بل تتعرض لاعتداء جسدي من أحدهم.
تُسَردُ الرواية بضمير الأنا، والقارئ يرى الأحداث بعيني ألما، ما عدا محاضر التحقيق مع متهمين بالانتماء إلى جماعات إرهابية بعد عودتهم من سوريا، والتي تنتثر بين فصول الرواية.
المشهد الأول للرواية يعرض قضاة محكمة الإرهاب وهم يتابعون مشاهد القتل التي يصورها إرهابيو داعش بكاميرا معلقة على صدورهم.
تواجه ألما في حياتها الشخصية مشاكل جمة، تنحدر علاقتها مع زوجها إلى القطيعة العاطفية والجسدية، فإيزرا من عائلة يهودية شرقية، كان في البدء لا دينيا فقاطعته عائلته، ورفضت زواجه من امرأة مسيحية، كان كاتبا أدبيا ناجحا في بدء مسيرته، وحصل على جائزة غونكور ثم تراجع وسقط ضحية الإدمان على الكحول والعلاقات النسائية المتعددة.

لأكثر من عشرة قرون، وشهرزاد تغمرنا بقصصها الساحرة الواحدة بعد الاخرى مثيرة اعجابنا ودهشتنا احيانا وحتى تعاطفنا كما لو انها قريبة جدا منا، وكل هذا دون ان نعرف من يقف وراء تلك القصص ولا فصول القصة الكاملة لشهرزاد وما وراء شخصيتها الغامضة من عوالم واسرار، كما لو كان ينبغي انتظار عميد الادب العربي طه حسين ليزيل الستار عن كل ذلك ويجعلنا نستمتع بحكاياتها المليئة بالحيوية والحكم والاخبار والغرائب وهي تقصها على شهريار.
ورواية "أحلام شهرزاد" هي من أجمل أعمال هذا الأديب المصري الكبير، وهي تروي ضمنا قصة تلك المرأة الرائعة شهرزاد ومن خلالها قصص ألف ليلة وليلة، بصورة غير مسبوقة بفضل اللغة الراقية والأسلوب الشيق والمعلومات المستفيضة التي يسردها. ورواية "احلام شهرزاد"، التي لم تُترجم إلى الفرنسية مطلقًا من قبل، تكتسب في ترجمتها هذه الصادرة مؤخرا عن منشورات "اورينت" (Orients Éditions)، اهمية خاصة من خلال محاولتها ابراز الدور الحضاري لهذه الشخصية النسوية اللامعة. وفيما يقدم لنا المستشرق الفرنسي الراحل أندريه ميكيل André Miquel نصًا وداعيا رائعا كمقدمة لهذا الكتاب الجديد الذي قام بترجمته الى الفرنسية فيليب فيغرو، يضيف الرسام العراقي الكبير ضياء العزاوي جمالية خاصة عليه عبر خمسة عشر رسما وغلافا في غابة الروعة يبرز فيها صورة هذه الشخصية العالمية وعن احداث هذه الرواية المثيرة عموما.

وكتب طه حسين رواية "أحلام شهرزاد" في 1943 ونشرها لأول مرة في 1949، وتعد من أشهر مؤلفاته حتى أن البعض عدها أحد أفضل كتاباته وأهمها لغويًا، وقد لاقت منذ نشرها قبل نحو ثمانين سنة وحتى اليوم، ترحابًا واسعا في العالم العربي وخارجه. ومن الواضح ان طه حسين عمل في هذه الرواية على إعادة قراءة التراث وتقديمه في شكل روائي قصصي جديد ومبتكر وهذا نجده جليا في "أحلام شهرزاد" التي تعد بمثابة المحاولة الأولى من نوعها على الإطلاق، وقد تأثر بها عددٌ كبير فيما بعد.
وتتناول هذه الرواية قصة الملك شهريار التي تتوزع فصولها وموضوعاتها ما بين الحقيقة والخيال وبين الواقع والأحلام فيما تواصل ابنته شهرزاد، رواية الكثير من الأحداث المفعمة بالمشاعر والاثارة والشديدة التنوع في موضوعاتها والزاخرة بالتناقضات والمفارقات الى جانب المعلومات والتصورات، حيث تتقاطع فيها صور الظلم والطغيان مع صور نماذج انسانية جادة وأخرى هزلية.

 الليلُ يسألُ مَن أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنون ْ...
الريحُ تسألُ مَنْ أنا
أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان..
قصيدة "انا" هذه، التي كتبتها الشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة في عام 1948 هي، في رأينا، النص المؤسس لولادة الشعر العربي الحديث. نعرف، ان قصيدتها "الكوليرا" التي سبقتها بعام واحد، هي ما اعتاد النقاد على اعتباره ذلك النص الأول. وهو اعتبار مشروع بلا شك انما من وجهة النظر الشكلية وحسب. اذ ان هيمنة الصوت الجماعي او العام في قصيدة "الكوليرا"، تسمح بموضعة قصيدة "انا" كمحطة انتقال فعلية اولى بين نمطي الشعر العمودي والحر، وهو ترتيب يسمح به واقع ان هذه القصيدة تبدو أنضج فكريا وفنيا من التي سبقتها فضلا عن تواري الذات الجماعية فيها امام الذات الفردية للشاعر، والحال في قصيدة "الكوليرا" عبرت نازك الملائكة عن مشاعرها الحزينة وأحاسيسها التضامنية تجاه مصر حين داهمها ذلك الوباء، ومن ابياتها:
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ، الموتُ، الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ،
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ..
وفي كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ..