«ولا بد للترجمان أن يكون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة و المنقول إليها حتى يكون فيهما سواء وغاية. ومتى وجدناه قد تكلم بلسانين، علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما، لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذ منها(....)»
أبو عثمان الجاحظ .
مبتدأ :
نشرت مجلة «فكر ونقد» الوازنة في الساحة الثقافية العربية ملفا حول تدريس الفلسفة: «رهانات وقضايا». الملف المذكور جدير بالقراءة لأنه يتضمن نداء صريحا لاعتماد العقل، والتفكير، والحرية، والحداثة، والاختلاف، والعدالة.... أي ما يجعل الإنسان إنسانا، وما يهب وجوده معنى وقيمة. لذلك ليس غريبا أن يقول ديكارت «وكنت أبغي بعد ذلك أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة، وأن أبين أنه مادامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين والهمجيين، وأن حضارة الأمة وثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها....» وإلى هذا يضيف: «ولأن يحيا المرء دون تفلسف هو حقا كمن يظل مغمضا عينيه لا يحاول أن يفتحهما(...)»
تدافع بحرارة عن الدرس الفلسفي بوصفه درسا يساهم في بناء شخصية المتعلم بناء متينا؛ ويعمل في نفس الآن على ضمان البناء الديمقراطي في المجتمع، أو لم يقل نيتشه إن الفلسفة طب حضاري؟.
قرأنا كغيرنا المنتوج وعملنا على مقارنة «الترجمة العربية المقترحة»، بالمتن الأصلي ترتب عليها ملاحظات، فمؤاخذات، فاستنتاجات سنعلن عنها صراحة، وهذا هو مدار هذه المطارحة.
أولا: بعض قواعد لعبة العمل الترجمي:
من المقطوع به أن للعمل الترجمي ضوابط يهتدي بها الباحث وتلزمه بالإتيان بها. ليست الترجمة عملية فكرية فحسب؛ وإنما هي عملية تسعف بشكل كبير في حصول التلاقـح الحضاري، والتثاقف بين المجتمعات البشرية واللغات؛ كما أنها تؤسس للمفاهيم، والمقولات باعتبارها فعلا إبداعيا لا يقل أهمية ووزنا عن الأجناس الإبداعية الأخرى، من ثمة يقتضي الأمر شروطا أدناها ما يلي:
الإيمان بضرورة العمل الترجمي كعمل فكري تثقيفي يساهم في بناء الإنسان؛ وتنشئته بما هو محور عملية التنمية الشمولية التي تنشدها المجتمعات؛ وعلى الخصوص المجتمعات المتخلفة.
من المفروض أن من تتملكه الرغبة في القيام بعمل ترجمي معين أن يكون أهلا لذلك، وذلك بالتحرك بسلاسة بين لغتين، وعلى الأصح بين بنيتين لغويتين مختلفتين؛ أي من لغة الانطلاق إلى لغة الهدف بكامل الدقة، والإبداع، والجمالية. وبصيغة أخرى، على المترجم التمكن من مسالك اللغتين: قواعد النحو، واللغة، والصرف، والتراكيب، وأزمنة الأفعال = (تطابق الأزمنة) (...) بما في ذلك الرصيد اللغوي الوهاج، والدافق القمين بتحويل النص الأصلي إلى لغة أخرى، وجعله بالتالي مرنا، وسلسا وبديعا ومنسابا.
ضرورة ممارسة الترجمة بشكل منتظم، بحسبانها تدريبا إن لم نقل معاناة مضنية تؤرق، وتقض مضجع ممارسيها بمن فيهم المتمرسون المحنكون.
التأني، والتريث، واليقظة الإبستمولوجية من أجل فهم المتن وضبطه بشكل واضح ومتميز قبل الشروع في إعداد العمل المأمول.
التعويل على قواميس الترجمة لوحدها؛ والاتكال عليها كلية دون فهم المتن يكون ضديد من يرتمي في الرمال المتحركة. إن القاموس مقبرة للكلمات/ المفردات. وتأسيسا على هذا نجزم بأن المفردة كالكائن الحي، لن تعيش، ولن تحيا، ولن تتخذ لويناتها سوى في خضم يدعى النص؛ وفي محيط يسمى السياق، وهذا ما وضحه بدقة متناهية المعلم الفيلسوف محمد عزيز الحبابي حين أثبت بأن «المعنى لا يتولد عن حروف مقطعة، بل عن كلمة، أو على الأصح، عن كلمات نظمت على نسق خاص. ففي داخل هذا النسق، تأخذ كل كلمة كثافتها. قد تقع ولادة المعنى دفعة واحدة، كالبرق، ولكن غالبا ما يحصل المعنى بشيء من التدرج، مثل زيت أو مداد فوق الورق النشاف: ينتشر حوله بسرعة وتدريجيا، في آن واحد. فاللغة تستهدف خلق أفق يتعدى نطاق الكلمات، وب – الكلمات، ولكنه فوق – الكلمات، وأبعد- من الكلمات».
في التوارى خلف الترجمة الحرفية، وفي الاحتماء وراء ذلك جهل حقيقي بأبجديات العمل الترجمي المسؤول. فهذا أمر خطير لأنه لا يجلب الأذى فقط على جمالية اللغتين وإنما يدخل «الضيم» عليهما كما شدد على ذلك علامة البصرة أبو عثمان الجاحظ.
خادعة هي المراجعة الشخصية لمجهود فكري شخصي كيفما كان. إن المسألة، في حقل الفكر والمعرفة، تقتضي استشارة الغير ونظرته. فليس من العيب في شيء طلب النصح، والمساعدة، والمشورة وما شاكل ذلك من غيرنا. مع الغير نستفيد، وننتبه، ونقف على أخطائنا الذاتية، وثغراتنا، ونكتشف أيضا قدراتنا، وحدود معارفنا، ونتعلم أشياء أخرى قد لا نعلمها، ولن تكون في الحسبان إلا مع الاحتكاك، ولربما هذا ما جعل المعلم الثاني يشدد على أن «كل واحد من الناس مفطور على أنه محتاج، في قوامه وفي أن يبلغ أفضل كمالاته، إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها كلها هو وحده، بل يحتاج إلى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء بما يحتاج إليه. وكل واحد بهذه الحال. فلذلك لا يمكن أن يكون الإنسان ينال الكمال الذي لأجله جعلت الفطرة الطبيعية إلا باجتماعات جماعة متعاونين (...)».
إدخال علامات الترقيم في الحسبان أمر مندوب إليه بل مطلوب. وتجاهلها أو وضعها كيفما اتفق أو تشتيتها شذر مذر بين الجمل والعبارات أفعال تحدث تشويشا في المعنى؛ وتفسد المقاصد الحقيقية للنصوص المكتوبة.
وهكذا، فإن كان الترجمان غير مسنود، نظريا، ومنهجيا بتلك النقط التي سميناها قواعد اللعبة، فسيترتب على ذلك نتائج تتعلق بجودة العمل وجديته من جهة أولى؛ وبالأمانة العلمية في نقل العمل من جهة ثانية وهذا ما سنتبينه.
ثانيا : المنازلة العلمية
أعلم أيها «المترجم» أن لمنهجية الكتابة الأكاديمية ضوابط نجرؤ على القول إنها تضاهي الضوابط الشرعية المطلوبة في الإفتاء. وهي ضوابط لا يدريها إلا من عركه وأضناه البحث. من ثمة نقرر أن من شروط الكتابة: التنظيم، والترتيب، والتصنيف، وانتظام القول....الخ، وهي أمور منهجية مطلوبة ترتهن بقيمة الباحث العلمية وبتكوينه أيضا. وبتعبير أدق لا التواء فيه، إنها أوراق اعتماده في مدرج العلم، والمعرفة، وتجربة الكتابة.
واعلم أيضا بأننا حينما نستخدم ألفاظا «كالمترجم»؛ أو «صاحب الترجمة»، أو «الترجمان»، فهذا لا يعني أننا نعين شخصا بذاته وصفاته، وإنما نريد بذلك «أنا من ورق» لا غير وفق ما أكد عليه الناقد رولان بارط.
I- بنية العمل:
جاء العمل الذي قدمه صاحب «الترجمة» تحت عنوان كبير هو:«تعليمات 2 شتنبر 1925 لأنا طول دومونزي موقعا هكذا:« تقديم وترجمة : عبد الغني التازي»؛ وفي ثناياه عناوين فرعية موزعة على الشكل التالي:
تعليمات 02 شتنبر 1925.
روح التعليم الثانوي.
المنهج.
مادة التعليم.
الخلاصة.
ما هي الملاحظات التي لدينا حول بروتوكول الكتابة، أي على الشكل في بادئ الأمر؟.
الاهتمام بالشكل أمر ضروري، ولإسقاطه من الحسبان تبعات لا تحمد عقباها، مادام أن النقاد المعاصرين جعلوا من جدلية الشكل والمضمون / المحتوى وجهي العملة الواحدة.
نسجل على شكل العمل الملاحظات الآتية:
انعدام الفصل بين«التقديم» و«الترجمة».
وانعدام الفصل هذا حملنا على البحث عن المتن الأصلي.
صعوبة البحث عن المتن الأصلي، لغياب ذكر المصدر. ومعلوم أن من بين أبجديات العمل الأكاديمي الجاد إشهار المصدر، والإحالات، وإلا كان العمل عبارة عن انطباعات شخصية ذاتية لا تمت إلا العلمية بأية صلة.
حينما عثرنا على المصدر - وهذا حدث بعد لأي وجهد * - استطعنا الفصل بين ما هو «تقديم» وما هو «ترجمة»؛ ومن الإطلاع على «العمل الترجمي المقترح»، فكان هذا هو المحرك الوحيد والأوحد الذي جعلنا نعقد العزم على مناقشته، ووضعه على محك البحث شكلا ومحتوى.
II- اختلال «القول» في التقديم :
اللغة والفكر متلازمان: هذه أطروحة أساسية يجمع عليها اللسانيون المعاصرون. اللغة تعكس الفكر، والفكر بدوره يعكس اللغة. وتأسيسا على ذلك فإن كان الفكر مضطربا، ومشوشا، وغير منظم ترتب عليه بالتلازم، وبالضرورة اضطراب اللغة وتفككها. والعكس صحيح أيضا مادام أن كل فرد يفكر كما يتكلم ويتكلم كما يفكر. هذه الأطروحة تقذف بنا نحو طرح السؤال التالي: ما هي بعض الملاحظات التي لدينا حول تشغيل اللغة في التقديم؟.
من الملاحظات التي سجلناها بصدد «التقديم» ما يلي:
عدم ضبط الترقيم، والجمل الاعتراضية **، وفتح الأقواس بدون سبب مقنع ومقبول.
الركاكة والتكرار، والتكرار هنا ذو وجهين: تكرار يهم كلمات بعينها، وتكرار يتعلق بالرابط القضوي «الواو» بشكل صارخ. إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن «الترجمان» يعاني من فقر مدقع في الثروة اللغوية التي تقدره على توظيف أدوات الربط التي تزخر بها لغة الضاد الرائعة.
إسناد الضمائر وبدون معيار أو مقياس واضح، إلى جانب الأخطاء النحوية، وعدم ضبط أزمنة الأفعال.
انعدام الدقة في اختيار الألفاظ الجزلة والسديدة التي تفي بالمعنى والقصد. وللتدليل على هذا نورد ما يلي:
من الأمثلة على الركاكة، وضعف الأسلوب العربي لدى «الترجمان» يمكن لقارئ «التقديم» أن يتابع معنا العبارات التالية:
«مما لاشك فيه، أن القارئ بمجرد الاطلاع على زمن وتاريخ هذه التعليمات، وانتمائها إلى المنظومة التعليمية الفرنسية، لابد أن يتساءل» :ص 119.
«لقد كان من أهداف ونتائج هذه التحولات، جعل تدريس الفلسفة تدريسا مؤسسيا، مع إعطاء الفلسفة وتدريسها، وصفا متميزا داخل النسق التعليمي الفرنسي،وليس النظر إليها كمجرد مادة مدرسية كباقي المواد...»ص:120
« إن هذه التعليمات، تعليمات وزارية وتحمل توقيع وزير...»ص120
ومن الأمثلة الدالة على عدم ضبط الضمائر، إلى حد أننا لا نعرف على من تعود أساسا نورد ما يلي:
« إلا أن التحولات التاريخية التي عرفها تأسيس تدريس الفلسفة، (انظر القضية الحملية)لم يكن ليسير (لاحظ الضمير على من يعود هنا) دائما في حط تصاعدي إذ عرف لحظة انكماش وتقهقر...» ص:120
« لذلك يشير دومونزي، في معرض حديثه عن أهمية الفلسفة بالنسبة للتلميذ، إلى الدور الأساسي لهذا التدريس: فإنه من الأفضل أن يكونوا مسلحين[من هم يا أيها الكاتب؟!!!] بطرق التأمل، وبعض المبادئ العامة للحياة الثقافية والأخلاقية التي تقدم بهم سندا، في هذا الوجود الجديد، وتجعل منهم رجال مهنة ....[الصحيح: مهنيين]» ص: 120.
وفيما يخص التقشف في توظيف المفردات في محلها المناسب نقف على هذه الأمثلة:« يمكن الإشارة «أساسا» إلى بروز الثانويات في فرنسا في سنة 1802، ودخول التعليم الفلسفي إلى هذه الثانويات انطلاقا من سنة 1809....» ص:119.
إن كلمة «بروز» هنا في غير محلها، إذ تقال على الشيء الشاخص الواضح، وكلمة«دخول» مقصورة على الإنسان ومستثنى منها الجماد؛ لذلك حق عليك يا صاحب «التقديم» أن تكتب «إدراج»، وعوض «انطلاقا» أن تقول «بدء».
وعدم الدقة تلك تصدق أيضا على أزمنة بعض الأفعال ومن ذلك:
«لتبدأ بعد ذلك، مرحلة أساسية تتميز بتأثير كوزان وجماعته...» ص:119.
إن الزمن الذي يتم الحديث عنه زمن ولى، لذلك عوض استعمال الفعل المضارع (تتميز) كان على «المقدم» استعمال الزمن الماضي.
« من جهة، هي تعليمات – وهذا أمر جد هام- تأتي في سياق تاريخي ( لاحظ رداءة أسلوب «الكاتب»)....» ص:119
نفس الأمر يمكن ملاحظته في استعمال الزمن المضارع «تأتي» عوض استعمال الماضي؛ لأن المضارع يدل على الحال والاستقبال، بينما الماضي يدل على زمن مضى وولى.
III- المقارعة النصية:
لا يحسبن حاسب أننا نريد تقريع هاهنا. إن التقريع مفسدة للعلم؛ وهو ما لا نبغيه لمطارحتنا التي تتغيا المعرفة والمناظرة العلمية والتقويم أيضا.
نوظف لفظ المقارعة فنريد به مواجهة الحجة بالحجة، والنص بالنص، حتى يقيم النص البينة على النص والإشهاد عليه، تاركين للقارئ وللمهتم الكلمة- الفيصل من جهة؛ ولنا أحيانا حق التدخل لتوضيح ما غمض من الأمور وما أشكل من جهة أخرى، بسبب عدم احترام «الترجمة المقترحة» للضوابط التي لامسناها سابقا ولعل أهمها صعوبة، وقصور، إن لم نقل الفشل الذريع «للمترجم» في إمكانية التحرك بين لغتي العمل: الفرنسية والعربية.
(1 العناوين:
فيما يخص العنوان الأصلي، يبدو أن الأمر لا يتعلق ب « تعليمات»؛ بل بتوجيهات بيداغوجية رسمية تقترح على مدرس الفلسفة الاستضاءة بها حينما يكون بصدد مباشرة عمله. أما لفظ «تعليمات» فهو كثير التداول في حقل السلطة، والنفوذ، وكذا دواليب الدولة.
نفس الملاحظة تصدق على بعض العناوين الفرعية التي تمت ترجمتها خطئا؛ من ثمة حق علينا تصحيحها هكذا:
روح التدريس الفلسفي.
المنهج.
مادة التدريس.
الخلاصة.
(2 النص «المترجم»
كالملاحظات التي سجلناها بصدد التقديم، سجلنا أيضا مؤاخذات على «الترجمة». وإذا كان يتعذر علينا عرض كل تلك المؤاخذات؛ فإننا سنكتفي بعينة منها قصرا لا حصرا، كدليل قاطع، وساطع، ودامغ على فساد هذه «الترجمة» جملة وتفصيلا:
عدم التمكن من لغة الانطلاق.
مشكلة إسناد الضمائر.
اضطراب لغة الهدف.
اضطراب الربط بين العبارات والفقرات.
عدم التمكن من لغة الانطلاق
يعتبر نيتشه القراءة الصحيحة كالطعام، لهذا قال بأن الطعام إذا مضغ جيدا سهل هضمه، وإذا لم يمضغ بما فيه الكفاية أدى إلى عسر الهضم. وهذه المقولة تنطبق إلى أبعد الحدود على هذه «الترجمة» التي اقترحها عبد الغني التازي. لنوضح هذا:
جاء في المتن ما يلي:
« Le maître ne peut oublier qu’il a affaire à des esprits jeunes et plastiques, peu capables encore de résister à l’influence de son autorité ; disposer à se laisser séduire par des formules ambitieuses et les idées extrêmes. La jeunesse, non encore lestée par les science et l’expérience personnelle, verse volontiers dans les doctrines qui la frappent par leur nouveauté ou leur caractère tranchant…P :1 »
و «الترجمة المقترحة» تقول:
« إن الأستاذ عليه ألا يتجاهل بأنه بصدد التعامل مع عقول فتية ولينة، وغير قادرة بشكل تام(!!!) على مقاومة تأثير سلطته ولهم [من هم؟!] القابلية للانجذاب نحو الأشكال الطموحة والأفكار المتطرفة. إن الشاب غير مزود بعد بالعمل والتجربة الذاتية، وينكب إراديا على المذاهب التي تبهر بحداثتها(!!!) أو بخصائصها الحادة(!!!)» ص:121.
وأيضا جاء في المتن
« De même , si personne ne lui conteste le droit de faire transparaître ; sur toutes les questions litigieuses, ses conclusions personnelles et de les proposer aux élèves, encore faut-il qui ne leur fasse jamais ignorer l’état réel des problèmes, les principales raisons invoquées par les doctrines qu’il rejette, et les options qui s’imposent à tout hommes de notre temps p :1 »
واقترح «المترجم» هذا:
« فكما أن لا أحد ينكر على الأستاذ حقه في تبليغ خلاصاته الذاتية حول الأسئلة المتنازع فيها(!!!)، واقتراحها على التلاميذ، فكذلك لا يمكن أن يتركهم جاهلين بالطبيعة الحقيقية للمشاكل، وبالأسباب الرئيسية التي استندت عليها المذاهب التي يرفضها وبالاختيارات التي تفرض ذاتها على كل إنسان في زماننا هذا » ص: 121
ثم يقول المتن:
« Les sens même de la liberté doivent donc le prémunir contre tout dogmatisme. De leurs côtés, c’est dans la classe de philosophie que les élèves font l’apprentissage de la liberté par l’exercice de la réflexion, et l’on pourrait même dire que c’est là l’objet propre et essentiel de cet enseignement. Sans doute, il ne faut pas méconnaître la valeur intrinsèque des connaissances qu’il va leur fournir.. p :1 »
«فترجمه» صاحبنا على الشكل التالي:
« إن معنى الحرية ذاته، يجب أن يجنبنا كل دوغمائية وبالنسبة إليهم، فالتلاميذ يتعلمون داخل قسم الفلسفة، حرية الفعل والتأمل، بل يمكن القول، إن هنا يكمن الموضوع الخاص والأساسي لهذا التعليم، ومما لا شك فيه، فإنه يجب (!!!)عدم تجاهل القيمة الداخلية للمعارف التي سيقدمها لهم...» ص:121
وأيضا:
« Pour une bonne part, les jeunes gens sont donc surtout appelés à mieux comprendre, à interpréter avec plus de profondeur ce que en un sens, ils savent déjà, à en prendre une conscience plus lucide et plus large. En tout ça, c’est à ce point de vue que le professeur se placera volontiers dans la période d’initiation pp : 1-2 »
و«النص العربي» يقول :
« فالشباب مطالب بفهم جيد، وبتأويل عميق لما يعرف سابقا[لاحظ أن «المترجم» يترجم كما اتفق]، وبنوع من الوعي الأكثر [لاحظ اضطراب لغة «المترجم»] وضوحا وشمولية. وفي جميع الحالات، فإن الأستاذ عليه(!!!) أن يتموضع وفق هذه النظرة، خلال الفترة التمهيدية(!!!)» ص:122.
مشكلة إسناد الضمائر:
نشير هنا إلى أننا لا نعرف، بين ثنايا «العمل» «الترجمي» الذي قدمه عبد الغني التازي على من تعود الضمائر بمختلف أصنافها، الشيء الذي نجم عنه خلط واضطراب المعنى، أو عدم إتمامه، ولنعط أمثلة على ما نقول:
« C’est au professeur d’aider les jeunes gens à garder l’équilibre, en l’observant pour son propre compte p : 1 »
فاقترح المترجم ما يلي:
« إن على الأستاذ مساعدة الشباب للمحافظة على التوازن بمراقبتهم لما فيه مصلحتهم...» ص:121
نحن لا ندري لماذا أسند « صاحب الترجمة» ميم الجماعة إلى الشباب علما بأن الأمر هنا لا يتعلق بالشباب وإنما بالتوازن داخل الفصل!!!.
ونفس الأمر ينطبق على الضميرين « y » و « en » في العبارات التالية:
« Ce n’est nullement introduire la politique dans nos classes que d’y parler des conditions économiques de la vies moderne, des œuvres d’entraides de prophylaxie sociale (…)p :3 »
وتقول «الترجمة العربية»:
«لا يتعلق الأمر بإدخال ) = الصحيح هو إقحام ( السياسة في أقسامنا ) = إلى هو الصحيح ( بقدر ما هو حديث عن الشروط الاقتصادية للحياة المعاصرة، وعن أعمال التآزر والحماية الاجتماعية...» ص:123
إن الضمير« y »في النص الأصلي عني به المكان،وهو الأقسام، بيد أن جهل «المترجم» التام بوظيفة (y) جعله يعتبره ضميرا منفصلا) بقدر ما هو( نلتمس من «صاحب الترجمة» إعانتنا على معرفة على من يعود بالضبط.
وجاء أيضا في المتن:
« C’est pourquoi rien n’est redoutable, dans l’enseignement philosophique, que l’excès de l’abstraction. Les jeunes gens, nous l’avons indiqué s’y complaisent volontiers et s’en contentent facilement. p : 2 »
و « الترجمة» تقول
« لذلك لا شيء أكثر رعبا (!!!) في التعليم الفلسفي (!!!) من الإفراط في التجريد. إن الشباب، كما أشرنا، يرضون بكل طواعية ويقنعون بيسر» ص:122
نلاحظ هنا أن المعنى غير تام تماما فعبارة «يرضون بكل طواعية ويقنعون بيسر «مبتورة» تتضمن معنى معاكسا لمعناها الحقيقي في النص الأصلي. من ثمة فالعبارة ناقصة تحتاج إلى شيء ما يتمم مرادها ومعناها، والسبب في ذلك جهل «الترجمان» التام بعمل الضمير (y) كضمير متصل حل محل «تدريس الفلسفة» في المتن. ونفس الأمر بمكنتنا ملاحظته في الضمير « en » الذي قفز عليه «الترجمان» عبد الغني التازي قفزة هائلة من النوع الطولي ولسان حاله يقول :« كم حاجة قضيناها بتركها».
وجاء أيضا في المتن ما يلي:
« Ce pourra même être une pratique profitable de poursuivre parallèlement deux parties différentes du cours, par exemple, psychologie et morale, logique et métaphysique, etc les élèves y trouveront plus de variétés, et le professeur plus de facilités pour certains rapprochement utiles p :3 »
و«الترجمة» جاءت بهاته الصيغة:« بل قد تكون الممارسة مفيدة عند إتباع جزئين مختلفين للدرس الواحد (!!!?) بشكل متواز: مثلا السيكولوجيا والأخلاق، المنطق والميتافيزيقا...الخ فالتلاميذ سيجدون تنــوعا أكـثر [أين « يا مترجم»؟!] والأستاذ سيجد سهولة بالنسبة لبعض المقارنات المفيدة [أين كذلك يا مترجم؟!] ص:123».
فنحن هنا لا نعرف أين سيجد التلاميذ تنوعا أكثر»، ولا نعرف أين « سيجد الأستاذ سهولة » بسبب جهل المترجم التام مرة أخرى عمل الضمير « y » في المتن؛ هذا الضمير الذي حل «يا صاحب الترجمة» محل السيكولوجيا، والأخلاق، والمنطق، والميتافيزيقا... وقس على ذلك من الأخطاء التي تثغثغ بها الترجمة....التي اقترحها عبد الغني التازي.
(ج) اضطراب لغة الهدف
يتعلق الأمر في هذه النقطة بمسألة عدم تمكن «صاحب الترجمة» من لغة الضاد ذاتها التي نقل إليها النص الأصلي. «فالنص المترجم» يتضمن فقرات، وعبارات عصية على الفهم ولتأكيد هذا ندعوك أيها القارئ الفاضل لتأمل ما يلي:
«بعد ذلك، وهذا جد أساسي بالنسبة للأستاذ، فبدل مناقشة«الأطروحات» ومناظرة المدارس(!!!) سيكون الاهتمام منصبا على وضعية الأسئلة ذاتها(!!!)، و التي يجب أن تقدم، ليس كإنتاج مصطنع لتقليد خاص بعالم لفلاسفة...» ص ص: 122- 123
«....وما كنا نعتقد أننا نعرفه، وأن يكتشف الغياهب (يا سلام !!!) والمشاكل، حيث كنا نعتقد أننا في حضرة الأفكار الواضحة والوقائع البسيطة»ص:122
«إن العناية الأولى للأستاذ، يجب أن تكون موجهة نحو تجنيب التلاميذ هذه الانحرافات، بأن يعلمهم تحليل نص إشكال ما (!!!)وتحديد وحصر السؤال. إذا كان المترشح في الامتحان يبقى =) لاحظ عدم تطابق الأزمة في القضية الشرطية( وحيدا، فيجب أن نبدأ في منحه الطريقة التي هو في أمس الحاجة إليها في هذه اللحظة [أنظر الركاكة] (!!!)، وأن نوضح له كيفية تطبيقها. وعند الانجاز، سيمسك الأستاذ بيده(...)[ياسلام!!!]»ص:126.
« ويمكن أن نمنح لعروض التلاميذ مكانا: مكانا خفيا على أي(!!!) [لاحظ ضعف التعبير العربي لدى «المترجم»]...»ص:126
«ويمكن أن نمنح لعروض التلاميذ مكانا: مكانا خفيا على أي[ لاحظ مستوى التعبير العربي لدى «المترجم»] (!!!)....»ص:125
«ويمكننا التأكيد، باسم التجربة، أنه العكس، كل التلاميذ بإمكانهم بلوغ ذلك بشكل مناسب، ويكفي في البداية، أن يعمل الأستاذ على تدريب تلاميذه، وأن يحافظ دائما في ارتجاليته الأكثر جدية، على هذا الوضوح في البيان، ونبرات الكلام، مع التنويع في التنويع(يا سلام !!!) (...)»ص:125
« إن المقررات الجديدة، من جهة أخرى،)غياب ذكر من جهة( لم تعتقد(!!!) في وجوب تأسيس درس متميز لتاريخ الفلسفة. والأسباب التي كانت وراء الحذف لازالت قائمة. ليس السبب هو عدم وجود الوقت=) توفر الوقت هو الصحيح( ، الذي يطرح الآن بحدة أكثر من السابق» ص : 127
«وليس هناك ما هو أجمل من هذا )لاحظ استعمالات أسماء الإشارة بطريقة اعتباطية وعشوائية( ، ولا يمكنه أن يعطي فكرة أعلى وأوسع لهذا التعليم(!!!)، ولكن، ومن أجل أداء هذه الوظيفة، عليه أن يعرف أسلوب تكييف هذا الطموح الكبير مع الإحساس بتواضع الوسائل التي يتوفر عليها. وعليه أن يضع نفسه رهن إشارة العقول الجديدة، الواجب عليه جعلها ناضجة [تأمل عشوائية التعبير لدى«المترجم»] (!!!)، وأن يكون محبوبا ليفهمهم(!!!)، وأيضا ليخدمهم بشكل جيد...»ص:128
« إن بعد وصورة هذه المشاركة للقسم مع الأستاذ، يمكنها أن تتنوع بشكل لا نهائي، وستصبح أكثر اتساعا وشمولية، عند ما يتعلق الأمر بمشاكل نفسية أو أخلاقية، يستطيع الشباب أو يعتقدون )= لاحظ استعمال الضمائر كما اتفق( إمكانية تقديم بعض الإضاءات حولها» ص:124
«هناك بدون شك، صورة لميتافيزيقا تتجاوز سنة بكاملها(يا سلام !!!)، وربما شفاهية(يا سلام !!!) ولكنها لا تهدف إلى إحباط العقول الشابة» ص:127.
(د) اضطراب الربط بين العبارات والفقرات
إلى جانب المؤاخذات السابقة نسجل على «الترجمة» عدم احترامها لانتظام فقرات المتن الأصلية وهذا نجده في الصفحة 122؛ وبالضبط في الفقرتين الخامسة والسادسة اللتان لا تنسجمان وما هو متضمن في النص الأصلي.
على أننا نسجل أيضا أن كثيرا من الروابط الناظمة بين الجمل؛ والعبارات، والفقرات، تمت ترجمتها خطئا بسبب عدم دراية «المترجم» بمعناها سواء في السياق الذي وردت فيه في المتن؛ أو في لغة الضاد، إلى حد أن قارئ النصين بوسعه وضع الأصبع على اختلالات، ومنزلقات خطيرة تتعلق بحشر المترجم لمجموعة من الروابط المنطقية في خانة واحدة؛ حاسبا إياها حاملة لمعنى واحد، ومدلول واحد، كأن لا اختلاف بينها. ومثل هذا الأمر يبعث على دهشة أكثر وقعا على النفس من دهشة أرسطو ومن ذلك ما يلي:
تم ترجمة mais و cependant و or باعتبارها تفيد الاستدراك بحيث قابلها «المترجم» عبد الغني التازي بالناسخ الحرفي «لكن» أو «في حين»ص: 122-124. والحال أن mais تفيد التعارض و or حالية (...) بمعنى أن الفرق بين هذه الروابط ليس شبيها بالفرق بين العلة والمعلول على رأي فيلسوف قرطبة وإنما هو يا صاحب «الترجمة» كالفرق بين الكوع والبوع.
تم أيضا ترجمة روابط أخرى دون البحث عن مقابلاتها في لغة الضاد كترجمة عبارة Mais inversement بكلمة«بالمقابل» وعبارة ce n’est nullement introduire بعبارة:«لا يتعلق الأمر بإدخال...» ص:123 وعبارة toutefois, même alors qu’on en adopte ب «ومع ذلك وحتى لو أننا...» ص:124
هذا وإن الأمثلة غزيرة لا نستطيع حصرها لأن الحيز هنا لا يتسع لاستعراض كل الملاحظات التقويمية لهذا «العمل»(...).
وخـــبــر:
ترتب على «الترجمة» الحرفية وحذو النص الأصلي حذو النعل بالنعل اضطراب التماسك والمنطق الداخلي للغة الكتابة والتعبير؛ وهذا ما أوقع العمل بحذافيره في المشاكل التي بيناها، ولربما ستنهار «الترجمة» انهيارا كليا، بحيث سينفرط العقد من بين يدي «الترجمان» حينما ستتحول فقرات بعينها إلى طلاسم، وهيروغليفيات يستعصي علينا حلها، وفكها، والإمساك بمدلولاتها وهنا ندعو القارئ الفاضل ليتأمل معنا هذه الفقرة القريبة من التعبير «السوريالي»التي ربما تحتاج إلى جهاز فارز. تقول الفقرة:« إن هذا القول يبين كيف ينبغي فهم مقال المقرر الاختياري المحرر بالشكل التالي«جدول المجموع الموجز المحدد للتتابع الكرونولوجي وعلاقات المذاهب والمدارس». لا يتعلق الأمر هنا بتاتا، بعرض للأنساق، وإنما فقط بعمل التنسيق التاريخي والنظري للمذاهب والتي سيكون الدرس لحظة لخلق الفرصة للتعريف بها، ولكن بطريقة مشتتة بالضرورة.
أما بالنسبة ل «العرض التاريخي لأشكال كبير...الخ فإنه يستهدف بالضبط القيام، بالنسبة لنقطة محددة، بما لا يمكن القيام به بالنسبة لمجموع تاريخ الفكر، وتهيئ الشباب، بهذا الشكل وكلما سمح بذلك التعليم الأولي إلى ما يمكن أن يكون عليه، في هذا المجال، المنهج والفائدة من دراسة تاريخية»ص:128
وختاما نقول إن تلك الملاحظات، وغيرها غزير كثير، جعلتنا نشدد، في نهاية المطاف، وللأسف الشديد، على عدم اعتماد هذه «الترجمة» كنص علمي مشهود له بالحدود الدنيا للموضوعية، والإبداع، ليس بسبب ضعفها، ورداءتها فحسب، وإنما بسبب التشويه الذي طال النص الأصلي، والأذى الذي ألحقته به، وأيضا بسبب تطاول صاحبها على جمال وعظمة وعبقرية لغتين عظيمتين: لغة الجاحظ ولغة موليير.
إحالات وهوامش:
(1) الجاحظ(أبو عثمان): [د.ت]، كتاب الحيوان، الجزء الأول، تحقيق عبد السلام هارون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان: ص ص :76- 77.
(2)مجلة«فكر ونقد»، العدد:48 أبريل2002.
(3)ديكارت(روني):1993، مبادئ الفلسفة، ترجمة: عثمان أمين، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة ص ص: 30- 31.
(4) تعليمات02 شتنبر 1925 لأناطول دومونزي، تقديم وترجمة: عبد الغني التازي، مجلة «فكر ونقد» مرجع سابق.
(5)الحبابي(محمد عزيز):1980، تأملات في اللغو واللغة، الدار العربية للكتاب، ليبيا- تونس، ص:48.
(6)الفارابي (أبو نصر):1991، كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة، دار المشرق؛ بيروت- لبنان ص6 ص:117
(7)بارط(رولان):1985،درس السيميولوجيا، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، الدار ابيضاء: ص ص:81- 87.
(8)الخطيبي(ع.الكبير):1980، في الكتابة والتجربة، دار العودة، بيروت، الطبعة الأولى.
(9) المتن الأصلي يوجد على شبكة الانترنيت موقع
* www.ac – lyon .fr
نضع« القول» بين مزدوجتين حتى لا يختلط مع مفهوم «الخطاب » الذي له شروط وقوانين وضوابط أنظر:
(أ)فوكو(ميشال):1985، نظام الخطاب وإرادة المعرفة، ترجمة: أحمد السطاتي و عبد السلام بنعبد العالي، دار النشر المغربية الدار البيضاء، ص.ص: 10- 13.
(ب)فوكو(ميشال): 1984، نظام الخطاب، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير، بيروت، لبنان ، ص.ص:10-11.
(10) Schaff (Adam) : 1969. Langage et connaissance, Anthropos, cf , Langage et pensée, Chap4.
** لوضع جملة بين عارضتين شروط حددها النحاة، يقول بعضهم: «الجملة الاعتراضية، وهي التي تعترض بين شيئين متلازمين، لإفادة الكلام تقوية وتسديدا وتحسينا...» انظر: الغلاييني(الشيخ مصطفى): 1980 جامع الدروس العربية، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صيدا- بيروت، لبنان، الجزء الثالث ص.ص: 289- 290.
*- الدكتور ناصر السوسي
- أستاذ الفلسفة
- باحث سوسيولوجي
- المحمدية -