سيرا على مقولة ان القارئ يشارك في خلق الأثر الأدبي التي شاعت بين أقلام الأدباء والنقاد الذين عرفهم هذا القارئ أو لم يصادف آثارهم ، يجد هذا الأخير نفسه محاصرا بين جمالية النص و موت المؤلف، أي يبن ما قد ينبهر تحث تأثيره من كلمات و نصوص هزت تاريخ الجنس البشري و بين الخنوع لسلطة القلم بممارسة الكتابة …لم يشأ أي كاتب قط أن يكتب ما كتبه لولا ما حدث معه أو ما قرأه على الأرجح، فعبق الكلمات وتوليد الأفكار كان حالة من تراكمات ذهنية لمجتمع احتكت فيه أنامل القلم مع صفحات الوجود. الشيء الذي يجعل من وجود الكاتب منوط بحضور القارئ (والقراءة). مما يرتهن فيه بالمقابل مولد القارئ ( حسب بارت)، بالأساس على حساب المؤلف. لكن كيف الحديث عن الكاتب أو المؤلف دون الحديث أولا عن القارئ الذي قد يصير إلى درجة الكاتب فيما بعد ؟ هل يمكن فصل الكاتب عن النص ؟ أو الاكتفاء بالقارئ الذي لا يربطه بالكاتب سوى النص؟“أن اقرأ، أن اقرأ الآخر، معناه أن أعيد تحديد ذاتي”. عبارة ختم بها المؤلفان الفرنسيان “ايمانويل فريس” و “برنار موراليس” كتابهما المشترك (قضايا أدبية عامة). أعادت هذه العبارة بنود التنقل بين ثنايا المدرج و المخفي و المعلن في نظرية الأدب ومدى اتصالها بالقارئ والكاتب والنص على حد سواء. ولـَمن الجميل أن تجعل منا عبارة ” تحديد ذاتي” دعوة إلى تجديد معالم العلاقة مع القراءة على ضوء ما ذُكر عن قضية القراءة، بمجمل ما صِيغت عليه بالأساس من نظرية النص مرورًا من الأثر الأدبي واتصاله بالمعرفة إلى قراءة الأخر و دور القارئ فيها.
بعد التعرف على سلطة القارئ في ممارسة شرعيته بإثبات وجود النص أو نفيه، كانت الضرورة ملحة إلى سبر غور عملية القراءة داخل حقل العلوم الإنسانية والدراسات البحثة، فلم تفت (تيما بيرج) الفرصة بعد اهتمامات دريدا المتوانية حول استراتجية القراءة حتى أكدت في “سيكولوجيات القراءة ” أن النظرية الأدبية لما بعد الحداثة قد أصبحت أكثر من أي وقت سابق إشكالية قراءة بالدرجة الأولى، فمن جملة ما ذكرته المسألة المميزة بأن ما ” نريد أن نعرف قبل أي شيء آخر، كيف نقرأ، هل باستطاعتنا إقامة نموذج للقراءة يوجهنا إلى كيف يمكن أن تتم القراءة ؟ وكيف تغيرنا قراءتنا ؟ وفي نهاية المطاف ، فان الأسئلة حول القراءة تؤدي إلى أسئلة حول الذات وعلاقتها بالعالم الذي نواجهه “.جعلت مقاربة (بيرج) وكل الدراسات الإجتماعية إلى اعتبار القراءة ” أكثر الأفعال الأدبية تعددا في الشكل” (كلود باسرون). مما يجعلنا في حاجة إلى ممارسة هذا الفعل كيفما كانت أشكاله وخلفياته، لنرقص (إذا صح التعبير) مع الآخر على نغمات الماضي والحاضر والتغني بالمستقبل…فكل قراءة كما صورها (ديكارت): ” تشبه الحديث مع الناس الشرفاء من أبناء القرون الخوالي الذين كتبوها “، مع الحذر من تخييم ظل الكيشوتية على قراءاتنا . لا نقصد بعرض المقاربات النقدية إلا دعوة للإطلالة على ما تحتويه القراءة من متعة قبل أن تكون لها سلطة. فلا معنى لذواتنا دون أن نقرأ لمن يعترف بأننا روح في قراءاته، فهي دعوة لتحديد إحـداثيـات القراءة والقارئ على حد سواء.