غادرت عالمي الضيق على عجل؛ لأستمتع بطهر الفجر ونسيم الصباح...
قادتني الجاذبية بين أوصال المدينة النائمة دون هدف معين...
حتى "مدينة العرفان"...
توكأت على جدار المدخل الواسع المزين بتعريف ضخم " للمدينة الفاضلة"...
بدأت الحافلات تصل متتابعة، وتقذف بعشرات الطلاب إلى الشارع، وهم يتزاحمون مسرعين لمغادرتها في اتجاهات شتى...
انكسر إدراكي؛ ولم أعد أميز بين الإناث والذكور الشباب؛حاملين "عِلْمهم" في محافظهم المتدلية على خَوَاصِرِهم، متجهين نحو المستقبل أمامهم...
بعيدا...
في مدرجات المعاهد والكليات الكثيرة ....
" المتعددة التخصصات"...
الكفّ السفلى ـ قصة : بسمة الشوالي
تهالكت الأقدام رديئة الوزن تهضّ صمت الرّخام الحزين. والمعزّون، على أوْجعٍ من الفاجعة، يتبعثرون وقوفا جهما في انتظار أن يخرج صاحب الدّار، كان أُدخل غرفة أخليت من أثاثها الوثير يغتسل من بهجة الحياة ويلبس بياض الرّحيل المتداول.
كان ممشى الحديقة المنزليّة ممرّا طويلا مسقوفا بشبك الشّجر وأفياح الزّهور، يفرشه الخريف أوراقا صفراء تهسهس تحت الأقدام، وتتهشّم من جفاف وذبول موقِّعة هَمْل مدامع الحزانى والحزينات.
خبط عبد الكريم الأرض بقدميه. كان يسند عماه إلى كتفها بيد، ويمسك بالأخرى مِقْبَضًا مُعقّفا لقضيب معدنيّ صدئ يلزم سيره أنّى حلّ. يخربش به الأرض يمنة ويسرة فيقرأ مهاوي الطّريق التي يسلك، أو يلوّح به الفضاءَ الكفيف فيزجر مشاغبيه من المارّة.
مشت رفيقة إلى جانبه عُودا أخفج ناحلا، يكسره ثقل الحِمْل عند أعلى العجيزة، وتغمره فضفضة فستان طويل تهدّلت حواشيه السّفلى خِرقا متّسخة. كانت تجرّ نفسها مثقلٌ ظهرُها بما تحتقب، وتقبض بيديها على طرف كيس الخَيْش البنيّ يمتلئ حتّى بطنه صدقات منتبهة لسيره الأهوج أن يعثر فيزلق ويقع.
مراسل *السيد الضابط ـ قصة : مسلم السرداح
كما القطارات التي كتب لها طريق واحد لاتتعدى مساره ، كذلك يمضي العمر محملا برغباته المقهورة التي تموت اذ لاتلتقي ومحطات رسمها لها صاحبها ، وكذلك يسير كل شيء الا الانهار .
توهان في كل شيء يتحرك مثل ايد لم يكتمل قطعها وعيون ظلت وهي تراقب الحركات المحفورة للخوف .
تسير ساعات الياس صفيقة لادم فيها لتعيد حماقات الندم فيها قاتلا لاامل في رخائه .
هكذا تبدا القصة مثل سرطان يستفز العقل مع اناس ، تعلموا من سادتهم ، كيف ينتهك الإنسان وهو في عبودية الإنسان .
يُسحب الوطن من حياته الهادئة المتلوية مثل افعى ساكنة تسير في صحرائها مطمئنة ان لاشيء يؤذيها في الغد لانها لم تؤذي احدا ، ليخرج لها فجاة من يقتلها . لقد كتب عليها انها افعى وكفى ، سحبا قسريا كما يسحب الملائكة الارواح لغاية معلنة وهي التردي في سوح الوطن ، فإذا به يجد نفسه مهزوما في ساحة ارض اخرى . الوطن لا يستعبد أحدا ولكن الإنسان هو من يستعبد الإنسان . يسترقّون البشر أولا ويعذبوهم حتى إذا ما وجدوا نفوسا متراخية ، حولوها من خدمة الوطن لعبوديتهم هم .
اسْمَحِيّ لِيَ أَنْ أُحِبُّكِ ؟ - نص : عايدّة الْرَبيعي
فِيْ مَشْهَدٍ ضَرَير وَحُمْرَة تُشْبِهُ الْكَرَزِ خَلْفَ قِنَاعِ الْرَّفْضِ، تَصْحُو ثَمةَ أَشْيَاء عَلَيْنَا أَن نَبكِيها وَلَا نُبَادر إلى الْبَوْح بِهَا.
تَوَسَّدت يَدَيهَا فَوْق الْمِنْضَدَة فِي غُرْفَة تَبْدُو بِلَا أَبْوَاب وَلا نَوَافِذ صَمَّاء إِلَا مِن حَفِيْف الْأَوْرَاق
كَانَت قُبَالَتَه تَلُوْذ بِصَمْت مُسْتَغْرقَة فِي الْتَّأَمُّل وَكَأَن شَيْئا حَبِيْسَا فِي دَاخِلِهَا
كَيْفَ يَجُوْزُ لَهَا أَنْ تَقُوْلَ
وَأَنْ قَالَتْ،
كَيْفَ؟
تَرَددَ وَهُوَ الْغَارِقِ فِيْ كُنْهِهِ، بَعْدَ أَنْ ضَجَّ بِنَشِيدٍ مِثْلَ الْقَصِيْدَةِ، بِصَمْتٍ تَأَجَّجَ خَلَفْ رَغْبَتُهُ وَهُو يَرَاهَا بِكُل كَيَانِه،
كُوْنِيْ لِيَ، لِيَ وَحَسْبُ
الناقد ـ قصة : مسلم السرداح
لكي تتم الشهرة العالية للاديب المبتدىء , في نشرنصوصه , ولكي يختصر طريق صعوده الى قمة مجده , فقد اتفق معه الناقد الشهير , الذي لايكتب عن احد ما الا بصفقة .
طلب الناقد من الاديب المبتديء المسكين ان يتفق هو الآخر مع مجموعة مناسبة من الادباء المبتدئين امثاله , لكي يصبح مبلغا له قيمة . وقال انه سيقوم بتخفيض المبلغ الذي سياخذه من الكاتب لقاء العمولة طبعا . مبررا ذلك بقوله انه انما سيتعب كثيرا في البحث بين كواليس النقد لينتقي الكلمات , والعبارات , التي تليق بالاديب , ليجعل منه نجما .
كانت للاديب المبتدىء قصة طويلة مع الناقد الشهير , تتلخص بالتالي :
كانت للناقد صلة قرابة مع الاديب الهاوي . ولانه مبتدىء لم يحترف الكتابة فقد كان بحاجة الى من ياخذ بيده في الدروب الشائكة للادب .
راح الناقد الشهير يستخدم اسلوب الاستهانة والاحباط مع قريبه المبتدىء الشاب , حتى كاد مشروعه الادبي ان يفشل .
لطيفة - قصة : علي عبدوس
تحت ظلال وارفة، انغمستُ بكل كياني مستمتعا برائعة:
"A l’est d’Eden"...
أصبتُ بإشعاعات إيحائية نافذة، مفاجئة، تفجرتْ بعد سكون...
جذبني من وراء سياج التين والزيتون، وحديقة عدن، ظل امرأة تتهادى ببطء نحو الساقية الجارية....
غادرتُ موقعي...من"عدن" وتبعتُ المرأة...
لفحتْها نظرتي المغناطيسية من بعيد...
شرعتْ تمسح المحيط بعينيها...باحثة عن شيء ما...
خلف الجـدران – قصة : جاسم الحمود
- 1 -
على نغماتِ كلامه تفّتحتْ أنوثتي ، صرت أقف أمام المرآة كثيراً ، أتأمل جسدي ، أتحسس طياته ، أستكشف مفازاته ، أسير في صحرائه ، فتلهبني حرارته و سرابه ، أبحث عن واحةٍ أو نخلة ، أستلقي تحت ظلها ، وأغفو بانتظار أن توقظني لمساته ، لمساتٌ بحرارة جسد يحترق ، لمساتُ أصابعَ كالصواعق لجسدٍ كله قنابل موقوتة .
هاهو يطلّ من نافذته ، تخترق أنفاسه الزجاج ، تلسع وجهي بحرارتها و جرأتها ، تجتاحني نظراته , مثل خيول برية تستبيح سهولي ، وقع حوافرها يوقد في صدري ألف بركان وبركان ، يبتسم ، فتنسكب أنهارٌ من الزيت ، تزيد نيراني اشتعالاً ، فأحترق بلذةٍ وخدر .
ابتسامته تحاصرني ، تتسلق أسواري ، تدكّ أبواب الرهبة ، و تحطم الصفيح الصدئ ، تتسلقني ابتسامته ، فتنطفئ مقاومتي ، و تستسلم شفتاي ، وترسمان ابتسامة وردية . يلوح بيده ، فينتفض قلبي ، وتلوح يدي ، يغلق نافذته . أبقى وحيدةً ، أغمض عيني ، تكتسي السماء بلونٍ وردي ، أحلق عالياً ، هل هو الحب ؟ .
سؤال يكبر ، يتضخّم ، يمتد بين الروح و الجسد ، بين القلب و العقل ، هذا الذي يكسو الأشياء ثوب البهجة و الحضور الناصع ، الذي يجعل لوناً و مذاقاً لكل شيء ، و يجعل كل مذاق ألذّ و أشهى ، وكل لون أزهى و أجمل ، هذا الذي يبعث الحياة في الدنيا ، ينمّي البرعم ، و يفتّح الزهر ، و يدني الثمر ، و يُكبّر الحلم ، هل هو الحب ؟.
كلوديــا بائعة التفّاحْ الأفريقي – قصة : د. عبدالرحمن شاكر الجبوري
كلوديـا ...بائعة التّفّاحْ، دَّكْنَاء كحبة بُن، كانت كالرابعة والعشرين شَّتاءًا...أيُّهذا الجمال؟ حُزْن في عينّاها البّلّيلة، كأنكسار الغروب بخموره المُعَتقة. حُزْنها جحيم سحيق، صفيق،...حُزْن يسير بمَسّاء خَلفَ أطراف عميقة السَّماءُ، كُلّ شيء في يديها يُسكب في طيوب. يَطالَه رفات السفر، في حليّكَة، وَالسير الذهول، يتمادى بنان شّحذ في الجسّد الرَّاقص تيهه.
كلوديـا ...كانت كالفراشة تطير بأنبهار، تتلظَّى وتنشُّ الفرح المَّيتُ والتليفُ، تثريّ مسخ عملاق منْ الزوال وَالطَّويَّهْ، تُسرج وَتًسرح فرْط الدلّال، تًطلَّ عَلينا من قلادات البلايـا، تمسُّ، تًلوي، تًفتح المزاليج الحزْينة بالعَيْن بلكزة قويّة، تًذَرْذَرْ مُخْمَل اللَّحْن.
أيُّتها العطرُالمُرَفَّه، وَرَخاءَ الوهجُ، وَأُغْنيَّةَ الحُسّن العَفّيفّ، كلوديـا مَليكَة مُثْقَلة النشّيد المُدلَّل...، بَابَ الْمَدينّة كَقصيدة تنشّي رَخاوة الْتميّع بالْمَيل وَالْشَّهوة وَالْهوى، الخَمْرَةُ تتحلَّب منْها العاطفة، تعلَّم ذاك الْقَلْبَ يَشيل الْبَحْرَ إلَى القادمون، الخوافيّ، وَبَخَرُ الْخمرة أشْيعُ من لَّمْس الْقُبلّة، قَطْفاً، في شرهة متحفزة أبدًا للوثوب....،كلوديـا مُنسرحة كَصفحة النّهْرَ تتقفى أحُزْانها الَّتي لا تُمهي، كأنَّما إنسراح يَمطلَ فيها منَ الرموز خليقة منْ الأستعارات وَالتشّابيه لحُزْنها الأَيْهَم.