حين مات , شعر بارتياح كبير , وسعادة غامرة , فللمرة الاولى, ياخذ حقه كاملا في الموت , بعكس المرات السابقة , حين كان لايزال حيا . ذلك لانه عومل معاملة امثاله , مثل مواطن منسي , لاامل له في المكاسب التي يحصل عليها الآخرون . ولم يؤلمه للوهلة الأولى الا احساسه بان الآخرين , لم يحزنوا لموته , ولم يبك عليه احد , ولكن ذلك االشعور , لم يدم طويلا , و بحكم العادة , فقد احس ان الآخرين سعداء لان الموت رحمة لمن اتعبتهم الحياة , كما تراءى له انه سمعهم , وكذلك لانه اصبح ذا حقوق كاملة مع جميع الميتين .
فكر وهو في طريقه الى القبر , ان بامكانه الهروب , لو اراد , لان لااحد مكلف بحراسته , بل ولااحد يعنيه امره , ويمكنه ان يدفع غطاء تابوته ليهرب الى البعيد , ولكنه احس بالاستسلام الى الحالة النفسية السعيدة التي كان يشعر بها , فعاد مرة اخرى الى الاسترخاء , وهي الحالة التي لاتزال تسري في جسده , وكانها جرعة من مخدر قوي . ولكنه عاد الى قلقه السابق حين تذكر انه , وبعد قليل سوف يصل الى القبر ليودَع فيه الى الابد . وراح يصارع نفسه , بين ان يصرخ , لياتي احد ما لنجدته , وبين ان يركن نفسه الى الحالة السعيدة التي هو فيها . فوطن نفسه على الحل الاخير , ذلك لانه اراد ان لايضيع حالة التساوي التي منحت له , مساواة كاملة في الموت مع الآخرين .
من وحــي التغييـــر - قصص قصيرة : محاسن الحمصي
الغائــــــــــب
سقطت الملعقة من يده، كسّرت صمتا انسكب على المائدة، قام معتذرا، خرج إلى الشرفة ليحلق بشروده وييمّم وجهه شطر ضفاف الحنين..!
بحسِّ رفيقة العمر أدركتُ أن حلّ خيط العقدة متعلق بين أصابعي، كلمة الفصل مربوطة بلساني ،والخلاص من - الوجوم - الذي حلّ منذ بداية العام ضيفا ثقيلا، دون سابق دعوة أحال دفء البيت صقيعا سيذوب بقراري..!
بقلب راجف، أمسكت كف تمثال، جسدا بلا روح :
سأختصر وأخفف من معاناة انشطار قلبك إلى نصفين.. تقاسمنا معا لقمة الحياة في الغربة، ونعمنا بعافية اقتران عربي وأجنبية، تشاركنا، تبادلنا المعرفة، ذبتُ في عالم لغة الضاد، عقيدتك، ترابط العائلة، واندمجت أنتَ في مجتمع الحقوق والقانون والديمقراطية، شكّلنا ثنائيا كان قدوة، واليوم قلبك تمرّد ويخشى البوح حرصا على مشاعري ..
اذهب. استعد حبك الأول فالواجب يناديك...
رسائل من قلبي إليك.: عروش القرنفل.... - ضحى عبدالرؤوف المل
حَــــبيبي.. علّم النوارس كيف تشدو وترسل أنينها أناشيد حياة تسمعها الكائنات، وهلمّ بنا بين عُروش القرنفل لتزدهي بنا وتزهر بالضوء المُنعش الغضّ، وابعث في دنياي لحناً قصائدياً يُــــلهمني الجنون ليحيا القلب بأشجى النغمات وقلْ حبيبتي.. أنتِ بين القلب والروح ومضة، فـــكيف لا أحضن شطآنك والروح تضمنا كزهرة ضوء تنير عتمة ليل عشناه؟!.. كبوح ناي مَـبحوح لهاثه ونغمه طيب أنفاس عطشى وصمت بوق أطلقناه..
حبيبي..
لن تراني غداً ما لم تكن لروحي منارة، فلا تعجب إن اخترقتُ سُحب الشمس لأراك، ولا إن التقيتك في موطن الأقمار، ولا إن بعثرتُ أحلامي لأرسم حولك خطوطي الحمراء، لأكون أسيرة في نقوش بابلية، في كهف قافية سومرية، في كلمات تجعلني ملكة تسكن كهوفاً طينية، في ضوء قناديل ديوجين في عبق عطرك، في شتاء يقربني منك، في نبض قلب يغنيك...
أوراق شاردة – قصة : طاهر خداش
على رفوف الذاكرة، بين الأيام البالية طيف الطفولة يغازل الأحلام و في ثنايا الذاكرة أوراق الصبا تتبعثر و يضيع الحلم بين الاوهام،على رفوف الذاكرة ألسنة اللهيب تهدد أحلام الصبا ، تتوهج الاحاسيس و يغزو الأسى عالم البراءة .على اوراق الزمن الغابر حبر العذاب يداعب التذكار و تسيل دموع بلون الدم و آهات تمزق سكون الليل الصامت
ليل طويل زال كطيف إحترق بنور الشمس و دمرته أشعة وجنتيها. لا أدري لماذا خاصم النوم جفوني هذه الليلة مع أنني كنت متعبا بعد أسبوع من العمل الشاق في هذه المؤسسة التي تكتم انفاسي و تقتل الإنسان بداخلي لتحل محله آلة صقلها الروتين و النمطية القاتلة.
أيامي فقدت حرارتها و قدسيتها و أصبحت تتعاقب كوحدات السبحة في يد عجوز، بطيئة، خاضعة لنظام في التعاقب يجهز على كل أمل في بزوغ بصيص مفاجأة أو جديد.
ربما خاصمني النوم و صاحبني السهاد هذه الليلة لأنني في حاجة إلى كل ثانية تأخدني على بوارق الذكريات أدشن و أكتشف عوالم و مواطن طوتها رفوف الذاكرة و زرعتها في كل أحجار و اغوار هذه القرية - المنفى - المنبوذة في رحم النسيان.
الــرجــل الأفــقــي – قصة : محمد الفشتالي
مقلوب يومي
مبيانك منحناه كلما علا يتناوبه الانكسار، ومرمى نظرك إلى الأفق، إنك تفترض دوما أن هناك تلتقي كل المتوازيات. يطغى على روعك أن هذا الخط هو للقاء والتلاشي في آن. المستوى غير محدود أبدا في دروب فضائك، وأنت تمر صباحا مستقيما بين نقطتين وحيدتين، في الغدو كما في الرواح. نقطتاك لا تعينان سوى مستقيم واحد بين المستقيمات بأسرها هو أنت. تتلمس أطرافك، وتتحسس أدواتك، وترنو لأفقك الطافي بالأشكال والأجسام، دون أن تأبه للكلام المشحون من حولك. تهفو، وتهفو فقط إلى أين تنشد مسلماتك. ولو أنها مرستك كثيرا؛ لازلت تحاورها: أحلم هي أم حقيقة؟ منطق أم رياضة يومية؟.
ها أنت الآن في المفترق عند نقط الانحراف. قلبك معلق، والحق لا يؤخذ، والواجب لا يتوقف. في المفترق تراوح بين الخطوط كلها، إلا أنك تكتفي بقطعتك محددة الطرفين. وشغلك الشاغل أن تبحث عن نقطة ارتكازها لتعميد توازنك كل يوم. أنت من لا ينشد غير هذا التوازن، به قطعا تستطيع أن تفكك العمل اليومي إلى عوامله الأولية، فتوحد مقاماتك، وتغير ترتيب حدودك، وتسجل مقلوبك اليومي بسطه على مقامه. هذا السالب، وهذا الموجب. من وضع هذه الثنائية أصلا؟!. لماذا شغلوا الناس منذ البدء بهذه الثنائيات؟. تسأل، وتواصل. تواصل لعبة الإشارات.... ثنائيات ثنائيات. فكيف تقبل أن أي سالبين في هذا الكون يولدان الموجب؟ !.
جفاء – قصة : حمادي بلخشين
حالما عبرت بوابة فونتانا هيسا.. تعلقت بي الشابة روبيكا موريسن :
ــ هسن، هسن.. لقد اكتشفت مسكن والدتي!
كنت أحاول التقاط أنفاسي حين استمرّت تبلّغني:
ــ انها تسكن في " تاين"..
ــ ...
ــ في الطابق الأرضيّ للعمارة المجاورة لك.
رغم معرفتي بمقرّ سكنى العجوز كاري موريسن، فقد تصنّعت الدّهشة:
ـــ حقّا!!
ــ أجل هسن
شكرا لك أيها الألم – نص : هشام بن الشاوي
إلى : سعاد.. التي تركت في قلبي جرحا ربيعيا لا يندمل،، لأن فراقك كان في مثل هذا التوقيت، كل ربيع تندلع أشواق القلب، بعد أن تركته نهبًا للضياع والتشرد، وكنت أظنك مرفأه الأخير، وسيتوب بعدك عن الهوى.
وإلى : تلك التي تحملت "خياناتي" كل هذه السنوات بحبها الأمومي الغامر...
إلى العزيزين : إبراهيم الحجري، إبراهيم الحميد.
رنّ هاتفه المحمول.
إنه رئيس تحرير الجريدة. هذه أول مرة يفعلها، بيد أن المكالمة أنقذته من ورطته...
تمّ كل شيء بسرعة، وهو عائد من مدينة أزمور، التي اعتاد التسكع فيها بحريّة، لأن لا أحد يعرفه فيها، واصطدمت عيناه بتلك البدوية. شمّ الذئب القابع في دواخله رائحة الفريسة. راح يلتهم بنظراته شموخ صدرها النافر المتصلب، وأصابعه تحترق شوقا إلى عصر فاكهته.. كانت امرأة تفتقر إلى لمسة جمال وأناقة، تفتقد ما يسرق القلب ويخطف البصر.
عند مغادرتهما حافلة أزمور، سألها : "كم الساعة؟"، وهو يدسّ هاتفه المحمول في جيبه، تبادلا بضع كلمات، وفي انتظار الحافلة رقم 3، ضمّ ساعديه عند صدره، حاجبًا نهدها الأيمن، وتسللت أصابع يمناه، ممارسة طقس قرص نهدها خلسة.. وبعد دقائق غادرا الحافلة، وطلب منها أن تسبقه، وتدخل بيتا مهجورا...
إيلـيـسّـا - نص : المصطفى السهلي
كنتُ دوما ساردَك المطيع فيما سلف.. لكنني سأخرج عن المألوف هذه المرة، وسأشق عصا الطاعة وأعلن تمردي عليك أيها الكاتب.. سأثور على سلطتك وأتولى السرد من تلقاء نفسي دون تحكم أو توجيه منك.. لن أكون ذلك الوسيط بينك وبين قارئك.. تحَمِّلني أحيانا أكثر مما أحتمل وتمرر من خلالي أفكارا ومواقف قد لا أشاطرك الرأي فيها.. وتجعلني أحيانا أخرى، رغم أنفي، أتلصص على شخوصك وأبطالك لأعرف أسرارهم وخباياهم ودواخل نفوسهم.. ستكون أنت نفسك موضوع سردي وبطل حكايتي.. وسأمارس عليك ما كنتُ أمارسه، بتوجيه منك، من تلصص على شخوصك.. لقد قررتُ أن أجرب ذلك منذ اليوم الذي تلقيتَ فيه تلك الزيارة غير المنتظرة، والتي غيرتْ مجرى حياتك.. يومها قلتُ في نفسي إنك ربما عثرتَ على موضوع مناسب لروايتك الأولى التي ما زلتَ تحلم بكتابتها.. فأنا أعلم أنك جربتَ الكتابة عن موضوعات وشخوص اعتقدتَ أنها ستثير لدى القراء انطباعا جيدا سيشجعك على مواصلة كتاباتك.. لكنك لم تكن تتجاوز الصفحات الأولى.. كنتَ تمزق الأوراق في كل مرة، ثم تضرب صفحا عن التفكير فيها.. مَن كان يظن أن هذه الطرَقات على الباب هي التي ستحمل معها الفرج الذي انتظرتَه طويلا؟؟..