مـطـلـع
استعدادات داخل القصر تجري على قدم وساق، منذ وقت مبكر. خدم يعدون الموائد في الفناء، ويزينون حواشي الأبواب بسعف النخيل، ويضعون عليه فوانيس الإضاءة؛ فيما خادمات تهيئن ما لذ وطاب في المطبخ الكبير، ويرتبن أواني مذهبة بعد غسلها ومسحها. نافورة الماء في الباحة الكبرى؛ رذاذها المنتثر ينعش مساحات خضير نضرة. المنصة العظمى أعدت بعناية فائقة، وفرشت بزرابي ملونة. كراس وثيرة صفت في المقدمة قرب المنصة، وخلفها وضعت أخرى للخاصة، وبعهدها الكثير للعامة. غدا القصر في أبهى حلة، وكل شيء على ما يرام.
عند الغروب بدأت تصل أولى أفواج المدعوين الكبار، وشيئا فشيئا امتلأت الساحة بعامة الجمهور. لقد أتى الناس من كل حدب وصوب تمليا بفرجة لا مثيل لها. الكل أخذ مكانه ينتظر، والجوقة دلفت بآلاتها، وانكبت تسويها، وتتنصت انتظارا لإشارة الانطلاق من المايسترو. إلا أن الإذن لم يعط، لأنه لم يصل بعد. ولا يبدو أي قلق في عيون الجوقة، ولا في عيون الخاصة أو العامة. هذا انتظار حلو، وليس مرا. فهو مثل حلم يتحقق، والمنتظر تقام له الدنيا، ولا تقعد، كما يقال. الانتظار الحلو غدا يحلو أكثر على تقاسيم؛ تتناوب على العود والكمان والأرغن، والعلبة الريتمية الصاخبة أيضا. فتهتز الرؤوس نشوى، والمقطوعات تنهمر بسخاء في أرجاء القصر الكبير، و الأمير في متم السعادة؛ يوقع بيديه ورجليه، والخاصة والعامة يذوبون استمتاعا.