ph_3_201003أمسك فرشاة الشَّعر!.. نظر الى وجهه في المرآة، لكنه سرعان ما وضع قُبّعته الصوفية على رأسه وخرج يطوف بحثاً عنها...
كان زفير الصباح البارد، كموسيقى تخرج من فم عصفور مُتعب يستميل الحياة اليه بفنّه المعهود.. والريح الصباحية تُعانق وجه النجمات التي بدأت تختفي، لتصبح غير مرئية، فيبقى طيفها نوراً، والغيوم تتراقص مُتهادية في سماء تمسح نُعاسها عن عيون شمس تغتسل بينها، بينما الزهر يُرخي أكمامه، فيتلوّن القرنفل، ويتنفس الورد في وجه الصباح، ويتشابه الياسمين ليستحيل عطراً عابراً الأكوان، فيلامس الأفئدة في كل حين...
في هذا الصباح مشى والحيوية!.. فيض يتدفق في جسده النحيل، وأصوات الخُطى تتعالى كأنّها حوافر خيول تدقّ الأرض سعياً. تساءل في نفسه! هل سأجدها كما رأيتها أول مرّة.. تتألق بهاء كأنها تحمل ألوان الفراشات التي تختصر الفصول كلّها؟!...

peinture_abstraite_6يسمونها الحمامة البيضاء. أناقة و سحر طبيعي. يليق بها اللون الأزرق. هي بيضاء من رأسها حتى أخمض قدميها. مبالغة؟ أكيد. إذن  الأبيض هو قلبها. يسع الدنيا كلها. عشقها مغامرون، سياسيون، أدباء و رحالة. معشوقة هي منذ غابر الأزمان. من أجلها سالت دماء و في حبها سال مداد كثير.
أنا الذي أعشقها حدّ التلاشي فيها! صرخ بول بولز و هو يرفع كأسه عاليا و يدندن لحنا أندلسيا.
أنا المجروح بها و فيها. همس محمد شكري و هو يراقص كأس النبيذ  قبل أن يرفعه إلى شفتيه.
صعودا و نزولا كنا نلعب الغميضة مع البحر في الدروب الضيقة  الملتوية لهذه المعشوقة.  عروس الشمال . أبيض، أزرق. حمامة بيضاء تحلق بزهو راقي في  أديم الفضاء. يلفها البحر بحنان من كل الجهات.
أين سنتعشى؟ تساءلنا ضاحكين. كنا منتشين حتى قبل أن نشم رائحة النبيذ.

abstraitدقت الطّبول بإيقاعات أزليّة وحشيّة وضربت النّواقيس بصدى لا يتردّد إلاّ في مخيّلة الشّاعر القوّال .كنت واقفا أواجه الرّيح والغبارُ قد ملأ فجوات الزّمان حين استدار .اجتمع الشّعراء وجاؤوا من كلّ فجّ عميق .جاؤوا على كلّ ضامر وكلّ سيّارة وجاؤوا راجلين …وقفت أنتظر بيتا يقيني حاجة الحضارة .
في مقدّمة الكوكبة المتّجهة إلى الحجّ كان وضّاح يتصنّع التّوبة يركبها إلى غاية ويواري بها حاجة استبدّت في القديم بآدم .قال وضّاح وهو ينزل من اليمن مغرّبا تارة وتارة أخرى يشرّق .قال ذاك الفتى الشّقيّ الذي كلّما ذُكر اسمُ نارسيسَ وحادثة سقوطه في البركة أغمي عليه ولا يستفيق من غيبوبته إلاّ إذا سبلت عليه حاجّة ٌخصلاتٍ من شَعْرها ,قال وضّاح :”إنّي نويت الحجّ .ولا يستقيم فرض بلا نيّة …إنّى حاجّ فأعينوني على جمع سبع حصيّات ألقيها في استدارة الزّمان إذا أدبر”.

1362462453قبل الطفوّ
قبل عبوري الشارعَ كان يشغلني التفكيرُ و الألمُ من سلوكِ جاري المرتدّ إلى  غرائزَه الأولى التي اندثرتْ في النوع الإنساني منذُ عصورٍ موغلةٍ في القِدمِ، لكنّ جاري لا يريد أن يفهمَ ذلك مصراً على إنه مستوعَب ٌ  جيد ٌ  لحيوان ٍ ما ، ينثر قذارته كخنزيرٍ بري  وعند هذه اللحظةِ و أنا أفكرُ بجاري صَدَمتْني سيارةٌ مسرعةٌ فشعرتُ للحظةٍ أنني طائرٌ وفي لحظةٍ أعقبتهَا شعرتُ أنني  أتحيّز مكاناً فوق جسدي أراقبهُ بسكون .
الطفوّ

anfasseلأن الطقس حار لا يطاق ولأن الملل والفراغ يعتريان كل الأشياء من حولي فقد استلقيت على شاطئ رماله عبق أيام أعيشها كما هي دون خيال ولا تفكير في أمور غير متوقعة الحدوث لكنها في كل الأحوال تثلج الصدر وتملأ الفراغ.نصيبي إلى الآن عقدان ونصف والقادم حتما سيأتي  فلم التفكير فيه ما دام العمر ينبض حياة..؟؟
نصيبي كما قلت عقدين ونصف كما هو مدون في تأشيرة الحياة، وكرسي وكوب أسود . أمامي تتدلى عناقيد أحزان أقطف مرارتها، أحضنها، فالحياة بلا أحزان كذب وبهتان، قلت: لو لم نختلف لأنجبنا قبيلة. قالت: هي ذي لعبة الحياة وهي الأقوى..ثم اختفت كما تختفي الأساطير وظللت وحدي أنفث خيبتي في جمر اللفافات في المقهى الصاخبة حتى شعرت أنني لم أعد متعلقا بالكون وكل توافهه. رفعت رأسي وكان الشارع غاصا بالبشر. بالذات تأكدت : لم يخطئني ولم أخطئه فهو يشبهني أو يشبه أبي ، جلس قبالتي . في البداية لم أعره اهتماما . ظننته خيالا حمله طنين الصمت الذي يشد رأسي بعد اللفافة الثالثة . تحملت صمته مثلما تحمل هو صمتي . ثم انفجرت كل أسئلة الغيب فتداعيت لها بلا مقاومة :

AMOUجار سلطان الهوى، فهوى فؤادي في كأس الحياة المُعذّب، فانعِ ذاتكَ التي بيني وبيني..
الصمتُ يُزيدكَ حُسناً في كلمات تتهادى، تحمل عبقاً من قلق راحل يرسمُ بالندى على شفاهي، فيا عجباً من وجدِ عاشقٍ أزهرَ في ذاتي...
إلى متى أهواك؟!.. أأسطورة أنت؟.. أم حقيقة أحياها؟.. أم جُنّت الحياة بتهاليل صباها!..
حبيبي...
كتبتُ حرفاً ذا رؤيا تحتجب عنّا، لنكون في الأمداء كواكب تُسافر بين دموع الشمس، وبين كلمات فِعلها رغبة، ومَفعولها في الروح كمال في سطور بين أقلام أمسكتها يُمناي، وكتبت من وحْي عَشتار وأليسار ما هو في قلبي...
ألم أنسكِبْ بين يديك حَرفاً؟!.. فتجاهلتَ لحظة حُبّ كفكَفت دمعاً اختبأ تحت أجفاني!.. مرّت بي مرّ عطر دثّرني!.. لثم فؤادي!.. وأنتَ كالطيف يمضي سريعاً، كحبيب ما إن أراه حتى أغمض عيني..
حبيبي...

mariagemarصكت خالتي وجهها بحدة ،وصاحت بصوت جاف خرج من بين أسنانها:
ـ بنت الحرام!! 
خالتي وأمي منزويتان في غرفة "بالدويرية" بعيدا عن أنظار المدعوات،الأولى مطرقة  ودموعها على خديها بينما رفعت الثانية من صوت جهاز التلفازمخافة أن يسمع كلامهما.ظهر على الشاشة مذيع نشرة منتصف الليل وقد ارتسمت على وجهه المستطيل ابتسامة لامعنى لها:
ـ مازالت قوة التحالف تدك بغداد بأنواع مختلفة من القنابل والصواريخ تأتيها من كل الجهات...
رفعت العريفة العجوزصوتها الأجش ،وعيناها الضيقتان على الباب محاذرة أن يتسرب شيء من كلامها إلى الخارج:
ـ الرجل حاول كثيرا... لكنه لم يجد شيئا!!

chaiseتعودت كلما سنحت الفرصة لزيارة تاونات احتساء قهوتي الصباحية بإحدى المقاهي المعروفة وسط المدينة الصغيرة , والسفر بمخيلتي نحو الكائنات البشرية والأشياء الأخرى التي تؤثث المكان المحيط لعلي أجد ما يلفت الانتباه , ويكسر بالتالي الخط المستقيم لنمط عيش معتاد . ظننت أن هذا الصباح لن يكون سوى كغيره مما ألفت وتعودت, لكن ظني وتوقعي لم يصب , فما استرعى انتباهي وجعل هذا المقطع من اليوم استثنائيا بعض الشيء هي تلك الموسيقى المنبعثة من مكبرات صوت منظمة في الساحة العمومية أمام مقر البلدية . رحت أتساءل مع نفسي عن سبب القذف بكل هذه الأناشيد الوطنية على مسامع المارة والجالسين , وبما أنني أنتمي إلى تلك الفئة التي تحسن القراءة, فلم أجهد  نفسي بالتفكير كثيرا, جل ما فعلته أني رفعت عيني وقرأت على اللافتة المعلقة هناك أن الحزب المغربي الليبرالي سينظم مهرجانا خطابيا تحت شعار *عيوننا على التغيير * .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة