يبدو السؤال غريبا بعد كل ما حصل من التنظير الفلسفي و الأدبي و الثقافي , لكن في واقع الأمر كل فرد منا نحن البشر في حاجة لطرح السؤال في مراحل مختلفة من حياته , كلنا في حاجة لمراجعة تصوراتنا عن المعيش و عن ما نمارسه يوميا بشكل روتيني لأننا لا نطرح السؤال حوله و كأنه بديهي أو كأن معرفتنا به من قبيل المسلم ت، وربما يعزى ذلك لكون الظاهرة "الحياة" تحتوينا لذلك تنعدم المسافة بين الموضوع و بين الذات العارفة "الإنسان" , و السؤال عن الحياة يكتسي أهمية قصوى قد لا يدركها المرء , لأن الفرد لا يقدر الأسئلة التي تشغل باله بوعي أو بدون وعي بقدر ما يقدر الأشياء الملموسة و يطرح الأسئلة حول ماهو ملموس فقط ، و يبقى السؤال بذلك مضمرا و مقلقا إلى أن يجده الواحد منا كامنا في تلافيف دماغه , يؤرقه و لا يعرف السبب بل و حتى لا يعرف حلا لأرقه إن لطرح الأسئلة التي قد لا تبدو ذات نفع مادي دورا هاما في تحقيق الراحة النفسية التي تعتبر رأسمال غير مادي هي الأخرى , و قد قال البشر كثيرا عن الحياة , قالوا عنها كل من موقعه و من مرجعياته المعرفية و الحياتية الواقعية و لو أنك تسألهم واحدا واحدا هؤلاء الذين انشغلوا بالسؤال ستدرك التباين الحاصل في إجاباتهم ما يؤكد لك أن الموضوع يستحق التركيز و أن مسألة تصورنا عن الحياة نحن البشر تكتسي أهمية قصوى باعتبارها سؤالا مؤسسا لمنظورنا الكلي للوجود و للذات أيضا التي يتضمنها الوجود أو التي تخلق الوجود وكلا الوجهين ممكنين , و لنفترض جدلا أننا سألنا هؤلاء الذين قالوا عن الحياة و نظروا لها من زوايا مختلفة فما كانت ستكون الإجابات.....
48 ـ قصة : علي عبدوس
رن هاتفي بقوة، خاطبني صوت جهوري آمر...ضاحك... يسألني عن الأولاد والحال...والدنيا...آنست من حرارة الصوت وذبذباته شخصا كنت أعرفه...وخلصت في لحظة وجيزة إلى التأكد من الوجه الذي تصورته، والصديق الذي عرفته يوما ما...ربما...
في شبه خجل وحياء من سؤال الصديق عن هويته والتأكد مما أتصور في ذهني...أحجمت عن سؤاله ...تاركا اليقين إلى حين...
بعد دردشة غير قصيرة ممزوجة ببعض المستملحات، فاجأني الصديق سائلا :
- "هل تتذكر 48؟".
- تلعثمت للسؤال المفاجئ الذي لم أستطع أن أتبين ظروفه أو أربطه بحدث من الأحداث...أو واقعة ما، وخصوصا أنني ما زلت لم أتبين هوية صديقي جيدا...
البـــيدق ـ قصة : حميد بن خيبش
لم تكن "هنية" على علم بما يجري ..
بدا الزفاف عاديا , ونزولا طيعا عند رغبة أب عاشت هنية دوما طوع بنانه . أما الأب الذي لازمه لقب "البيدق" حتى خفي عن القرية اسمه الحقيقي , فكانت تعلو محياه ابتسامات ذابلة.. يوزعها يمنة و يسرة على حضور تنضح أساريرهم بعطر الشماتة !
لم يجرؤ أحد من الأهالي أن يحتال على البيدق يوما أو يغنم منه خُطام بعير ! فالرجل رغم قصر قامته , و ضمور بنيته إلا أنه يتصدر أخبار القرية و أسمارها . فالضحايا كـُثــُر , و المقالب تُنبيك عن دهاء غير عادي .
كان اليـُتم شفيعه لدى أهل القرية ليتولى رعي قُطعانهم لقاء دراهم معدودة , لكنه سُرعان ما كشف عن مواهبه ليُصبح تاجرا للمواشي ثم مسؤولا عن تموين الثكنة العسكرية المجاورة بالزاد والأفرشة .وكعادة أثرياء الطفرة الكاذبة, سُرعان ما اجتـالته شياطين المدينة ونادته مفاتنها : هيت لك !
سافر بي كي ينطق الياسمين - ضحى عبدالرؤوف المل
سافِر بي كي ينطق الياسمين، كي يجُنّ القلب ويكسر المرايا الصامتة ويُعلن الانبهار، كي يفتح كفّيه امتداداً لنيسان، لزهر البنفسج، لشقائق النعمان، لورود كالشمس تزهو، كماء يترقرق بين شفتين، كالفُرات العذب، كرشعين الهادئ تألّقاً يثغو مع تأملاتي، لـــــيضمّخ الندى عطراً طيباً عابراً كل الجهات، كصحراء ارتعَشت فيها حبّات الرمال المُلتهبات، كلفحة
ريح تذوي ودمعها تخنقه الظلمات النيِّرات....
حبيبي...
زودتّني بنور من قلب مُحبّ ألا يا قلبي ابتهج ودندن فصول غروب يئن!.. يوشوش الدُّجى ويسمو بين الأفلاك وحَرف سجَد من حُبّ أضنى الفؤاد، ومَحا الكرى بالتنهّدات واتكأ عـــلى زهر الأقحوان، وسماء تبكي لدموع أسرجناها، فأغوت الثغر ولوّنت بالحُمرة الشفتين، ويراع تعرَّى بين الأنامل من شغف، فكتب شعراً ونثراً في رسائل من جُمان...
كلمات من وحي شهادات التعذيب – نص : عبد الواحد الحمداني
{ إن كل كلمات الكون غير قادرة على تحرير سجين واحد }
على هذه الأرض الممتدة إلى ما لانهاية، كانت الصرخات والآهات القادمة من أعماق الدهاليز والمنبعثة من عمق السراديب المظلمة تمزق أحشاء هذا الكون . و العالم بأكمله يغرق في طوفان من الصمت اللانهائي… وكان الإنسان كتلة من التحدي و الإرادة
و كان الجلادون يستلقون على ظهورهم من الضحك في "حفلات" التعذيب، وكان الضحايا تحت الكرابيج يتلوون من الألم.. الأجساد تلتهب تحت السياط، أما الإرادة فكانت تتصلب و تتقوى.. تتصلب و تتقوى إلى أن تصير قوة لا تقهر.
خرز للشتائم – قصة : حميد بن خيبش
تمنى " العوفير" لو لم تلده أمه , على الأقل بجوار ثكنة عسكرية ! , فحظه التعس ساقه إلى التجنيد , ولم يُفلح في خلق فرصة شغل بقريته المنهكة . ظن أن مثابرته و تحصيله لميزة "متفوق" في دراسته ستُمكنه من كسر القاعدة , لكن روحه هي التي انكسرت , وتوزعت شظاياها على التلال الرابضة بمحاذاة الثكنة !
وقع في دفتر قبل أن يستلم أغراضه المكونة من مُلاءة , وبذلة عسكرية , وطِست بدا كأنه من مخلفات قذيفة !
- إنه إناء للطعام ..لكن إن داهمتك نوبة إسهال بإمكانه أن يفي بالغرض !
حدج الضابط بنظرة تتبين مقصوده , ثم قابل المزحة ببسمة جافة قبل أن يُلقي الأغراض في الشاحنة .
إضـراب – قصة : حميد بن خيبش
كانت أعينهم البريئة مشوبة باستفهام غريب ..لأول مرة تطرق هذه المفردة أسماعهم .. تحاشى النظر إليهم وهو يصر على الوقوف بمحاذاة الباب غير آبه باصطفافهم المتعب في انتظار الدخول ..
- يا صغاري أنا أخوض إضرابا لذا سنؤجل حصة اليوم إلى أجل لاحق ..
تبادلوا نظرات الاستغراب ثم سرت همهمات طفولية تفكك العبارة لتحدد المبهم منها ! .. تماسك كي يخفي حرجه وتوتره ..ليتهم ينصرفون .. في الخلف صبيان يتدافعون ليُسندوا أكتافهم على الحائط .. حدجهم بنظرة قاسية , وقبل أن ينبس بكلمة تذكر أنه مُضرب !
- تعبنا يا أستاذ..هل بإمكاننا الانصراف ؟
مـأتـم سـيـار – قصة : محمد الفشتالي
لفظ فورانه تماما. الفوران النهائي تم على يدين معروقتين. الهامد الآن أسلم ذروة فوراته، وبخاره تقطر عمودا نديا فوق صناديق متراكبة في المستودع. كانت ذات اليدين المعروقتين قد وصلت لغرفة التجميد تشع بقوة غامضة. بعد أن أفسح لها عساس الجثمان، اختفى، ولم يعد. لم أدرك ما القدر الذي طوح بي قريبا منها. تجعداتها اتسعت، و على الأصح مططتها لتفرج عن ابتسامة باردة، بل هي ميتة؛ بها أبلغت فحوى ما أرادت، ثم مصمصت شفتيها. هممت بالمبادرة، لكن ما لبثت أن تواريت إلى الخلف سادرا، وهرقات ماء تتوالى في تقطع . لم أعرف على وجه التدقيق إن انطلق العمل تدليكا، أم تشريحا في برنامج نشاطها السريري الذي ترعاه بمفردها...
- ما بك؟ لم أنت ساكت هكذا؟!.