لأنفاس نتأين البقية يا تُرى؟.. لا أرى سواك هنا!.. وحيدة أنت ستكونين بين أناملي.. لامَسَها بأصابعه التي امتدت اليها وهي صامتة تنتظر شعلة من نار كي تنطلق في الأجواء برقصة كونية لا خلل فيها إلاّ أنها صُنعت لتكون مومساً بين الشفاه..

يبدو كل شيء سهلاً، كي يبدأ ثورة جنونه التي لا تنتهي إلاّ حين ينتهي من إغوائها كي يربح الرهان ويستريح من توتر أعصابه، بفقدان رجولة لا يعي أنها رهان نفس أمّارة بالسوء، ولكنه يرافقها برغبة قوية واشتهاء، لكنه اشتهاء عابر مُتنقّل من طبيعة الانسان التي امتلكها بسلوكيات مشوّهة جعلته يطوف عكس خليقته..

على خوف وضعها أمامه تأمّلها!.. تساءل!.. لماذا تغار منها زوجتي؟.. لا أفهم غيرتها هذه، فقد أصبحت بعمر لا يقبل النصائح والجنون، ربما جنون النساء يتخطى حدود العقل..

أنفاس نتالغرفة عتمة، والعتمة خوف.
.. وحدك في ذلك الفراغ، ساكناً. متيبساً. وقلبك ينبض بقوة. تهذي دون أن تدري. تحاصرك الريح التي تعوي. تحاصرك النافذة المواربة بصوتها الرخيم. تحاول استلاب الدفء من (بطانية الوكالة) ذات الرائحة النتنة دون فائدة. "لكنها خير من كل الطعام"، هكذا تواسي نفسك ككل مرة. فقد حصلت عليها بعد شجار مع أحد المسؤولين. وقفت في طابور طويل، تزاحم الواقفين. تتخبط بهم، تتعبق روائحهم المغمسة بالظمأ، الجوع. ثم تعود أدراجك، وأنت تصرخ. تسب كل موظفي (الوكالة). تلعنهم، والريح ما تزال حكاية في جوفك.
في البعيد، يواجهك المسئول ذاته (بالبطانية)، يعطيك إياها ثم يتوارى خلف الضباب.
***
الغرفة عتمة، والعتمة خوف.
سؤال يفرض نفسه عليك بقوة: "هل تُبقيِ النافذة مفتوحة أم...؟"

انفاستبدو شيئا فشيئا ... تلوح يداها الرقيقتان لرفاق تاهوا في دروب تتشعب ... توغلوا في ضباب كثيف وغابوا ... تنادي ... تتحسس الرذاذ ... تلتمس مخرجا ... لكن لا أزيز ولو لباب، فكلها موصدة ... تستجمع شتات الضوء، تركز النظر في اتجاه الأفق ... تحاول أن تتبين ما انكتب بحروف نور تتلاحق على صفحة ضبابة ... تعالي نرتوي من ينبوع عذب، ونرقص على أنين الليالي... ابتسامتك وحدها وجه مشرق للعالم ... تعالي نتجرع الحياة حبا؛ إذ تعتصر فاكهة قلبينا في مطعم الجراح … هذه أعاصير عنيدة … افتحي بوابة معبدك… عساني أصير فيه ( … ) لأنثى أنهكتها تفاصيل المدرجات، ثم الدروب وسط مدينة محتشمة بألف عار. بجانبي أناملها الذهبية كانت تضغط على قطعة سكر، واللون البني مازال يتراقص بعد على الأبيض المكسر. كفت عن التحريك، وأوقدت النار بالقرب من الشفتين المعسلتين … تمص وتنفث الدخان صوب الواجهة الزجاجية؛ التي تكشف بؤس الشارع اليتيم … فراغ إلا من سيارات بيضاء تمر تعوي… يرقبها النادل من حين لآخر، وهو يمشي بين الطاولات يحسب، يوزع،  يجامل زبونا، لا فرق. تنظر إليه … نعله المطاطي يطل منه إبهام مشقق بظفر نصفه بلون الحناء.

dessin-abstrait-4السكونُ يهجمُ على العجوزِكهجومِ ليلٍ لا قمرله, أوجاء قبل موعده, راحت أناملُ (تيتة الحاجة) تعبثُ فى خصلاتِ شعرٍ لطفلٍ يغطُّ فى سباتٍ, انتبهتْ.. نظرتْ إلى أناملها ...إن فيها قسوة َحياةٍ, حفر العمرُأخاديدَ كالتى على وجهها, مرهونة هى فى جسدها, تحمل سنواتِ احتلالٍ على ظهرها, يلفُّ وسطها قيدٌ قماشٍ لن ينفكَّ الا إذا وقفتْ أنفاسها, فهو بمثابة إرادة من خارج نفسها, تستمد منه القوةَ وتَحملَ آلام الحياة حين ضعفها.
أه ٍ...وتنفست بعمقٍ... لامستْ يدها الأخرى حباتِ خرزٍمتدليةإلى الذى كانت تسميه خصرها, قالت: لماذا هى هكذا كبيرة؟ متورمة....منتفخة...تحمل ألواناً عدة؟ أجابتْ بهزة رأس ٍ....ربما هى متورمةٌ من صديد الحياة الساكن فى النفس ينهش فيها, وألوانها تعبرعن خيوط اللأمان, منسوجة بعذاباتِ قهروعتْ عليه, ينخر فى عظامها, وفى أنفها تجد قطعة ذهبية اللون, ربما تذكرها بذهبية تراب أرضها, أوهى نوعٌ من الانقياد للأعراف والتقاليد وحكم الرجل المتجبر, لا تفهم ماذا تعنى؟ لا يهم وراحتْ تنظر إلى الصغير, ملائكى الوجة والملامح, لم تعبثْ به بعد قسوةُ الأيام....ولا همجية القرود, ثم تساءلت: أى قدرٍ سيواجه هذا الصغير؟ وأسندتْ جانبَ السرير إلى رأسها....

abstrait-anfasse111مع دخول ليلةٍ من ليالى الشتاءسالتْ الأجواءُ برداً وقرّاً, أرادتْ السماءُ أن تعاقبَ قريتنا المسكينة وأهلها الذين يسكنون بيوتاً من الطين, فصبتْ جام غضبها مطراً واصل ليله نهاره, فكست ثوباً منقوشاً بالوحل, وكان هم الجميع موضعاً لجسده ولو واقفاً يقضى فيه سواد ليله.
قطع صوت أمى طرقاتِ المطر فى أوانى قديمة نجمعها لنقذفَ بها من طين إلى طين, وراحتْ تستجدى ولدا بارا ...أتستطع أن تسير إلى المدينة لتحضرعقد قران ابن فلان الغنى؟ إن له علينا يداً, فأشفقتُ على نفسى الذهاب وأومأتُ إليها موافقا, فبيتُ الفقير تحت المطرليس بأحسن حالٍ من الشارع.
ارتديت ُ أحسن ما عندى من ثياب رثة تفضح قلة ذات اليد لمن لا يعرفنى, لففت أكياس بلاستيك حول أقدامى حتى لا يدخل الطين من ثقوبٍ على أرجاء حذائى, ظلام الشارع يوحى بأن السماءَ أطبقتْ على الارض, فلا أمل لشعاع نورتسيرعلى هديه, أغلقتْ معظم الحوانيت أبوابها, القليل منها مفتوح نصف فتحة لمن يبتاع شمعة أو كبريتاً أو لتراً من الجاز.

amour-anfasseإستأنستْ الروح بك فَرسمت حروفها على قناديل مِن ضوء، كَي يكون الرحيل إلى
قلبك يَقظتي، ويكون الغروب إشراق مُهجة تجعلنا نحيا اللحظة دون خوف، ونبض
الروح يُرافقنا دائماً في أحاسيس من وهْجها!.. إننا نصنع من الكلمات سفناً نُبحر
فيها إلينا، كأنّها مناداة الحَياة التي تجعلنا نَبوح بالمستحيل وعلى شفاهنا ارتسم
صَمت بهي....

حَبيبي..

أنفاس نتتتساقط الثلوج فوق القمم
فتأتي الشمس وتذيبها
تبعث في النفس الشعور بالحرية
فيأتي الخريف لتذبل أوراق الأشجار ...
ويأتي الربيع ...تتفتح الأزهار، لكن لون الحرية طعمه باهت في دنيا التعساء، وجوه شاحبة، وأخرى باسمة، عيون ناعسة، وأخرى متألقة تألق البدر في ليلة قمرية..في تجويفات هذه الحياة تتسابق الكلمات والأحرف لتأخذ مكانها بين حروف أخرى في هذا العالم تنضح بالحياة ، تنسلخ أحيانا وتلبس أحيانا أخرى أثوابا..تود من خلالها النفاذ إلى العالم لتصنع مكانا لها يأويها من العبث والمتاهات ، تقذفها أمواج الحياة مسافات لتبعدها إلى مكان قصي لتطمس معالمها ..وتتبخر حينما يقترب المساء..بيد أن الحروف تتشبت بالجذور، تستعصي على الاقتلاع، تنبت تنمو تصير بذرة ترتوي بالطل الندي، تصرخ في وجه العاصفة،تكسر الحواجز وتختزل تواجدها، كينونتها في زمن تطرد فيه الحروف الضعيفة..في زمن الأقوياء: زمن لا مكان فيه للحروف الصغيرة سوى لحروف صنعت لها وزنا بحد السيف، طمست معالما، أتلفت أرواح الأجساد قبرت في  الثرى لتصير كالرماد.

 

أنفاس نتإلى روح شهداء انتفاضة يناير 1984 بالقصر الكبير 
أكتم الصوت داخلي، يتأجج صدري، أوزع تساؤلاتي،، نظراتي عبر النافذة،، اختفت الحركة، صياح الباعة وهلوساتهم، أحاديث قدماء محاربي الحرب الأهلية الاسبانية، وهم يتحذلقون حول الأدرد ، يتطاير لعابه من فمه وهو يمسك القصبة الصقيلة، من طرفها تارة، ومن وسطها تارات أخرى، يحكي يشد الأنفاس،، يحكي يشخص المواقف المناسبة  لقامته القصيرة، والصوت المبحوح الذي يعرف محطات توقفه،  يتقن فن التوقف يجول بالحدقتين الضيقتين، يتفرس الوجوه يستعطفها باسما  تنفحه فيتابع رحلته .
من موقعي أرقب الأزقة الفارغة، والمحلات المتوحدة إغلاقا ، كان للهواء طعم لم أستسغه، أقلقني الصمت، وحده صوت الهيلوكبتر المحلقة يكتم  أنفاسي،  تمسح الأزقة،،والرجال مبثوثون هنا ، وهناك ، يتملكهم الذعر،  يمسحون واجهات البيوتات ،وإطارات المحلات المغلقة، بنظراتهم البئيسة ،، قدر أحمق الخطى ساقهم وساقني،  أشفق على نفسي، أتخيلها تعود لتلك الجماجم الصغيرة ،وهي تصارع أسبوعا آخر من الانكسار الرتيب ، نفس المقعد، نفس المربع ، نفسها الوجوه المصفوفة تنتظر ..ماذا تنتظر ؟؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة