كان الجوع قد برّح بي، حين عاينت على الحصباء آثار دماء.." لعلّها طريدة قد أفلتت من قانص" هكذا حدّثت نفسي.. حين أمعنت في تتبع آثار الدّماء، انتهيت إلى غار، ما إن توغلت فيه، حتى صعقني دوّي فزلزلة.. حين أستعدت وعيي، أبصرت مدخل الغار و قد سدّ دوني.. حين تمالكت نفسي، أستويت قائما ... كنت كلّما تقدّم بي المسير في الغار، تكاثرت الدّماء من حولي، حتى تحوّلت إلى نهر يجري من تحتي.. ظللت أخوض في الدّماء و بي من الرّعب و الهلع ما الله به عليم، حتى أدركت بوّابة خشبيّة متآكلة، كتب عليها، و بخطّ رديء: " سجنان".. حين دفعت البوّابة، ألفيت نفسي أمام بنايتين كئيبتين كتب على إحداهما " سجن1"، و على الأخرى" سجن 2"، و بين البنايتين، ممرّ إجباريّ ممتدّ ينتهي بستارة سوداء مسدلة.. كان الممرّ ضيّقا لا يكاد يتّسع لشخص، لأجل ذلك عبرته بشقّ الأنفس.. ما ان أدركت السّتارة ثم رفعتها، حتى طالعتني بيداء مترامية الأطراف، كثيرة الحصباء، ملتهبة الحرارة لا أثر فيها لحياة.. بعد مسير دقائق يائسة، هبّت عاصفة رمليّة، فعمدت الى قميصى فاتخذته لثاما ثم لجأت إلى ظلّ صخرة و قد أيقنت بالتهكلة.. بعد سويعة أو تزيد، و حين هدأت العاصفة، و فيما كنت في موضعي ذاك، مرّ بي راكب مقنّع، ما إن استوقفته بإشارة من يدي، حتى توقف ثم أناخ راحلته، كاشفا عن وجه شديد القبح رغم بياض بشرته و زرقة عينيه و شقرة لحيته القصيرة، ما ان كشفت له عن وجهي، حتى ظهرت على محيّاه علامات الغبطة و البشر.
عينُ الدُمية ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
(( أكتب بنفس الجدية التي يلعب بها الأطفال))
خورخي لويس بورخس
كان علي أن أفعل شيئاً قبل ذلك اليوم الذي سأخبركم بما جرى فيه من أمور تبدو عادية ما كانت لتلفت انتباهي يوما لولا اطلالتي على ماحولي من وراء عين الدمية وكان ذلك بمحض الصدفة ، إذ أنني ما اعتدت أن أرى الأشياء أو أن أصفها بهذا الوصف قبل هذا اليوم ، لم أستطع استيعاب تلك الأمور ولم أفهم ما جرى لفرط بساطة الحدث فقد جرى كل شيءٍ دون توقع، كنت سائرا بقدمين أدمنتا الدرب حتى أنني لم أفكر بالنظر إلى تفاصيل الأشياء ،منشغلاً بما حولي من هلام لزج وصريرٍ مزعج ينتج عن مفاصل أخطائنا الفادحة،أعني نحن الذين تجاوزنا سنّ رشدنا، والعبث الذي يحيط بالحياة ويلوث النظرات ويربك الأرواح،ولم أتذكر يوما طفولة الحياة وجمالها الملفت كأنني من السحالي التي تبيض ولا يعنيها بيضها ، تتوهُ عنه و أحيانا تأكله هي دون أن يهمها إن كان بيضها أو بيض غيرها ، يالها من حياة تقضمني بشراهة، كنت أفكربما يحصل، بأولئك الذين يعبثون بالحياة وبي أنا الذي قبلت ذلك العبث دائما بروح أنهكها العجز و العمى، أفكاري مشوشة وموقفي من الحياة عصيب.
صمت الفراشات وبريق قلم اهتز... ـ ضحى عبدالرؤوف المل
وحده القلم الصامت بين أنامل تهتز، وحروف تتراكض كالفراش المبثوث هيبة ووقاراً، جعلني أفكر بصمت!.. وأتساءل مُربّ ام معلّم؟!.. وكل ما فيه ينساب بانسجام حديثاً وحركة وانفعالاً مدروساً لا يخلو من اتزان وحكمة تنطرح بهاء وسخاء من خلال كلماته التي تتأنّى وتترفّق بلطف وهي تخرج من بين شفاه لم تهدأ خلال عمر مثمر قطفت منه الثقافة جزءًا كبيراً، فأينعت سراجاً مستنيراً وفكراً فلسفياً جوهره العلم...
وحدها تلك اللمعة الشاردة في عينيه جعلتني أشعر بالذكريات المنطوية داخله، وذاك الغنى الروحي العميق الذي أورثه ذاك الهدوء والصبر وحسن الاستماع...
تركت القلم مغشيّاً عليه مُمدّداً على ورقتي وأمسكتُ برواية واحة الغروب لعلّني أهرب من التفكير في مسيرة حياة رجل لم أحدثه كثيراً لكنه طبع فيّ تساؤلاً زاد فضولي في معرفته أكثر وأنا مؤمنة أننا في عصر عولمة سريع التطور، فكيف استطاع ان يكون معجماً متنقلاً وهو في جهاد نفس وفكر مملوء بالحداثة...
لعبة الأرقام ـ قصة : عمر قرطاح
على جانبي الطرقة المؤدية إلى المستشفى بعض الأزهار تتمايل على وقع هواء خفيف دافئ...الليل وأعباء الليل.. وروائح الأكل والأدوية والموت...البناية لا تتغير وحتى روائحها لا تتغير، ولكن الناس الدين يرتادونها يتغيرون باستمرار الم يكن في صورهم فعلى الأقل في سلوكياتهم وأفكارهم...
وحنان، هدا الاسم المتعب، لا يمكن أن تمر صاحبته من أمامك دون أن تنظر إليها نظرة متفحصة وتفكر فيها باحترام...سرعة في الحركة وابتسامة على الوجه وكلام كثير التأدب وجمال لا يكتشفه إلا الذي له نظرة خاصة ومتفردة في الجمال...ربما صدفة أن يكون اسمها حنان وربما كان مقدرا أن يكون الحنان الذي فيها اسما واستغاثة...
كل المرضى والأصحاء ينظرون إليها تلك النظرة المتصفحة ويفكرون فيها دلك التفكير المحترم أما هي فلا ترى في نفسها شيئا مميزا عن الآخرين اللهم حزنها العميق وقلقها المزمن ولا تظن أنها جميلة دلك الجمال الذي لا يكتشف بسهولة...
لا أحد يعرفها كما هي أو كما تظن نفسها، كلهم ينظرون إليها من بعيد... ورغم نشاطها وانجذاب الناس إليها كانت تحس أنها وحيدة وأنها تعيش للناس كنوع من التضحية أو الانتحار...انقطعت للعمل وأدخلت نفسها في دوامة الناس فقط لتنسى أنها وحيدة ولا أحد ينظر إليها نظرة خاصة أو يفكر فيها بجرأة...هدا لا يهم الآن، فلا شيء يشغلها في العمل إلا العمل، إدخال المصاب أو المريض إلى غرفة الإنعاش.. تركيب علبة الأكسجين أو أنبوب الدم أو إعطاء حقنة أو تغطية وجه ميت...
يومٌ إستثنائيٌّ ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
أترجلُ من الباصِ الصغيرِ الذي يقلّني من الضواحي إلى الميدانِ وسطَ المدينةِ سائراً بتمهلٍ شديدٍ رغمَ برودةِ هذا الصباح ، المارةُ ينشطون في مسيرهم وحركاتِهم قتلاً للبردِ،وأنا أتجهُ إلى عملي متخذاً مساري على الأرصفةِ التي حفظتُ مواقعَ تكسراتها وحصاها ، أمسح بعينيَّ واجهاتِ المباني المحتشدة على الجانبين كعمالقةٍ لا تشبع من فضولها بالطلول على المارة من علٍ متصنعاً تجاهلاً يكاد يفضحه وجود أصص نباتاتٍ خُضرٍ على الشرفات التي تصادف أن تسقيها إحدى الساكنات الجميلات فأعمد لمشاغلة عينيّ بتفقد ماحولي ، كنت أفعل ذلك حينَ رأيتهما معاً متلازمين كأنهما كائنٌ واحدٌ من تلك الكائنات التي انقرضتْ ولم يبقَ لنا منها غير ذلك الوصف،كلبٌ برأس رجل كما جاء في الملاحم و الأساطير، وقد تبين الأمرُ بعد ذلك أن رجلاً يلازمُ كلبَاً أو كلباً يلازمُ رجلاً،ساعد في توحد منظورهما بعيني وربما بعيون الجميع ذلك اللون المتقارب بين شعر الكلب المائل للون الكاكي وما يلبس الرجل ولذلك كنت أكلم نفسي واضعا كفيّ الباردتين في جيب بنطالي مدركاً أن صوتي لا يصل إلى أبعد من أذنيّ قائلاً : أمرٌ غريبٌ حقاً أن يلازم الرجلُ كلبَه ، محدثاً نفسي بهذه العبارة التي كانت عادية جدا ....
اندغام ـ قصة : محمد البوعيادي
طويلا يبدو هذا الممر، قبلة تحت المطر في طريق للرجوع و سبيل للهجوع، و الليل معتكف على زمهرير الشتاء يعد أنفاسه اللاهجة، يتلو المصباح العمومي آيات الخفوت، يموت رويدا رويدا و أمهل العاشقين أمهلهم رويدا، ينزف المصباح الصدئ ضوءً، يسيل منه الضوء خيطا فخيطا ، و متأبطين شرهما و ذراعيهما يمشيان تحت مظلة الشمس الليلية، تلك الحرارة المنبثقة كالجمرات الحارقة من ثنايا الضلوع... كان الطريق خاليا إلا من ركن ركين،انزويا إليه فدسّ يديه في تفاحة حوّاء و تذوّقا معا كرز المطر الأحمر، منبجسا من زوايا الشفاه كخمر معتق شرباه عصيرا من دم و دم، نامت على كتفه حمامة بلّورية من ملكوت الرّب الأزلي...
جذور الهم،،، ـ قصة : المصطفى المغربي
بأي المحطات أضعنا مذكراتنا الصغيرة،و بدأنا زمنا بلا وهج كالخواء؟ متى انتعلنا رؤوسنا و سرنا معقوفين كالكراسي فجلسوا علينا؟
متى دق المسمار الصدئ في عقولنا فرأينا قلوبنا حديدا أسودا لا تصلح لغير الحزن؟
كيف و متى قدمنا استقالتنا و تركنا الآخرين يفكرون لنا و بنا، و انشغلنا بالكدح و النسل والحزن وانتظار موت رحيم؟
لماذا نقتل الطفل داخلنا عنوة؟
بحثت عن أجوبة في كثير من جذوري،تهت فيها منذ أن كان فقيه الحارة يقول لي و أنا الطالب الصغير عنده في الصباح: إن الله هو الذي أنزل المطر و خلق كل شيء، بينما يقول لي معلم المدرسة بعد الزوال أن المياه تتبخر و تثكاثف سحبا و تسقط مطرا، يومها تهت في المطر، ورحت أشكل سحب أحلام و عواصف أسئلة.
مقام الصَّبا ـ نص : محمد البوعيادي
و للربيع نشيده الزهري ، تفجرت أكمام الأقحوان كما يتفجر ينبوع الحلم في الأفئدة الدافئة، أنا أنا قال لها بالعين ما لم يقله باللسان، ولَكَمْ تقول العين في لغة أهل الكشف الذين حباهم الله بنور الصمت و لغة القلوبْ، سالت الكلمات الصامتة من حديث العينين منفوشة بالكبرياء كبالونات العيد الملونة، لست أرى للعشق علي سلطانا قال كل منهما ، لكن يا أحبائي القراء أنتم تعلمون ما لم يعلمه هذان الغرَّان الصغيران، في لمحة اللامعقول تخضر الحقولْ فلا أهمية لمن يصمت و لمن يقولْ، تعرفون بل و تشعرون و تدركون أيما إدراك و توقنون أيما يقين أن العواصف لا تعترف ببهرجة الكلام و أن الزلازل ترجرج أركان النفوسْ و تعلم الإنسان أقسى الدروسْ، هي نومة و حلم فيقظة ثم يقظة فحلم فنومة و تنمحي منعرجات المنطق و ترى كل ما شيدته من عقلانية و من رزانة أشبه ما يكون برقصة قرد فوق صومعة، هو الحب كان يغزو القلبين في لحظة الانجذاب القُصوى، مغناطيس الله الذي يؤلف بين القلوب و كعادته يفرق الدروب....
هي: