لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟
حقا أنا لا اعلم عن من ماذا أتحدث، لكنها الحيرة التي تداهم النفس أحيانا، دون معنى ودون سبب، تأتي هكذا لتضع العقل والنفس أمام تساؤلات غامضة مثيرة، مجهولة معلومة، تؤلم الذات، تستنهض الوجع، ترج الصدر، حتى يبدو وكأنها تود أن تجعل ضلوع الصدر تختلف وتتداخل، تشعر بانفجار يهز الهدوء ويمحق السكينة.
تحاول أن تفرج عن نفسك قليلا، تخرج نحو الهواء المحمل بصفير الرياح وقسوة البرد النابع من الجليد والثلج، تمسك بك آلام الرقبة، ويأتي الغاز من حيث لا تعلم ليستقر في جبهتك، تقترب من الانفجار، تشعر بالرعب والهلع، تكتسحك كآبة مركزة.
على الطريق إلى الإدمان 6 : بقايا زفَرَاتِ ملتهبة ـ نص : محسن العافي
على مرمى حجر ، لمحتُها ،تحدَّثْتُ في داخلي ،لا أعرف عنها شيئا ،لكنني خلتها هناك في سمائي صامتة كئيبة ، لا تعرف لها وجهة ، غير الإستقرار في أحضان مخيلتي ،التي ترتع في سوادها ،وتنتظر الخلاص ،من ذاكرة وسعتها واحتضنت كل أنحاء حياتها . كنت أمعن النظر في عبارة أنيقة عن المرأة ،وعندما مرت عابرة ذلك الجسر القريب ، لوّنْت تلك العبارة ،وكنت أنتظر أن تفي بمعناها ،فمحوت أثر الحزن عن هذه الصورة الحيّة ، التي تعبر الجسر .
مياه الوادي لا يسمع لها خرير ، القصب الذي يلامس ضباب المكان ، يجعل من صوت الريح أغنية لعاشق حزين ،رأيتها تجري وهي تلبس رداء أسودا ،كنت أناديها بما حملته تلك الأنيقة التي لونتُها ،فتعمدت أن أختار من الألوان غيْر السواد ،غير ما يميز العتْمة ،غير ما يرسم للكائنات عبوسها،شقاءها ، نهايتها.......
شدني الموقف أن أعرف المكنون المخبوء وراء سواد ردائها ،و عروج روحها في سراديب الأحزان ،و وميض الأمنيات التي لا تتحقق ، فتتَبّعت خطواتها ....
الــزكام ـ قصة: نبيــل عــودة
جو الدراسة الجامعية أسعدها. لم تتوقع أن تجد نفسها في مثل هذا الجو من العلاقات الدراسية. الآن بدأت تشعر أنها انتقلت حقا من جيل لا يملك حق القرار لنفسه إلى جيل مسئول عن نفسه. ما حملته من تنبيهات أمها وجدتها عن خطر الاحتكاك مع الشباب، يبدو لها الآن، وبعد اقل من شهر على بدء الدراسة، مقطعا من مسرحية كوميدية، أو من عالم لم يعد له وجود إلا في مخيلات جداتنا. في البداية شعرت بالخوف وبعض الرهبة. شعرت بضعفها، عقلها الواعي أعطاها القوة النفسية لتهزم مخاوفها وتضع حدا لحالة الضعف التي اعترتها في الأيام الأولى. الجو الجامعي المليء بحركة الحياة والحوار التعليمي بين الطلاب، والنقاش السياسي وحول قضايا المجتمع والعادات، أخرجها من العالم ألبيتي الضيق المحصور بين واجبات محددة سلفا، إلى عالم واسع الآفاق حدوده السماء.
هلوسات.. زير نساء ـ قصة : محمد أبوزرة
انطلقا بحثا عن رضيعها، الذي ضاع منهما قبل يومين، إثر اتصال وردهما من أحد موظفي محطة القطار.
لدى وصولهما إلى المحطة وجدا رضيعا موضوعا فوق مكتب مدير المحطة؛ طلب منها الاقتراب و التعرف على الرضيع.
لم تستطع الأم أن تكفكف دموعها، و الزوج يضع رأسه بين راحته، و مظاهر الحزن تعم بيت العائلة. لم يصد الجدّ إهمال ابنه و زوجته، صرخ بوجهيهما:
أنتما لا تستحقان أن تكونا أبوين ! إنكما عار على الأبوة.
لكن يا أبي ! ماذا عسانا نفعل !؟
كان بإمكانكما، على الأقل، ألا تنجبا في هذه المرحلة.. حتى تستقر أحوالكما.
حاولت الجدة، تهدئة زوجها، الثائرة أعصابه؛ فهو لا يمكن ان ينكر سعادته بمجيء هذا الحفيد، كي يرث اسمه من بعده.
على الطريق إلى الإدمان 5 : الحقيقة الغائبة ـ قصة : محسن العافي
حين اشتعل المكان ، وبدا ذلك اللهب من بعيد ، لم يكن للقيم والأعراف ،ولا التقاليد والعادات وجود في ذات المكان والزمان ، تعالت الكلمات الصادحة، تضرب مناحي الأزل البعيدة المشبعة بثقل السماوات المحير ، ذلك النور الذي بدا شعاعه غريبا عما تعوده كل الناس .
داست الكلمات التي دوى صداها كل شيء ، كل عظيم ، كل سامٍ .
لم يكن كل ما تحدثتُ عنه بالنسبة لهم شيئا يذكر ، فالبداية عندنا ليست كما هي عندهم ، وعالمي ليس كعالمهم .
البحث سار في كل الإتجاهات ،الأشلاء يصعب جمعها و تصنيفها ، ويعجز المختصون عن معرفة أولئك الذين تطايرت أجزاء كثيرة من أجسامهم بعيدا ، كما تتطاير شرارات النار الملتهبة الحارقة .
على الطريق إلى الإدمان4 : "زفاف بطعم الخمر والحشيش" ـ قصة : محسن العافي
الموسيقى الشعبية تعتلي أجواء المكان ، الكمنجة تخاطب الجسم ،يهتز ،يصارع الحقيقة ،كل أصدقائهما رمَوْا بالأعراف والتقاليد، وأطلقوا لأنفسهم العنان، ليعبروا كيف شاؤوا متناسين العالم من حولهم .
العروس ترقص متحررة كأنها في ملهى ليلي ، بل كأنها راقصة من بنات الليل المختبئات في عتمة المكان وظلال المؤثرات المنبعثة من أضواء الروبوتات ، التي تملأ أرض وسماء الملاهي .
الأب ابتعد عن المكان خجلا مما يحدث.......
الأم تصفع وجه عروس ابنها ،ثم تنهر ابنها الذي يرقص متناسيا كل شيء، حتى نفسه والمكان ، واحتدَم الصراع بين الأهل، و اشتدت أولى العواصف ولم تهدأ .
بعد لفافات "نِيبْرُو" بالحشيش ورنين كؤوس النبيذ ، لم يكن شيء مما خُطِّطَ لــه من الأهــل ،ولكن كل شيء صار حسب هواه وهوى أصدقائه ، الذين اختاروا لتلك الليلة جوا يناسب رغباتهم التي تاهت بين العبث والجد .
رَاقِصَةُ كابونِكَرو ـ قصة : عبد الرحيم دوْدي
هأنذا أعودِ إليك أيّها البحرُ الأسود...!
يا بحري الرهيب، وحدكَ كنتَ شاهداً على انخذالي، في ذلكَ اليومِ الغابر كأغنيةٍ شتويةٍ مخنوقةٍ، يوم قَتَلْتُ اليهوديّة العاهرة، وصرعتُ الشيطانَ الأحمر الذي كانَ يدحرج روحي في أدراكِ الجحيم، جحيمُ العشقِ الوسخِ.
أعودُ إليكَ، وقلبي خربةُ أحزانٍ؛ حطبةٌ يابسةٌ قابلة للاحتراق. في الجسمِ جرحٌ وفي الروح جرحٌ ينشرخُ أكثر كلّما تراقصت صورتها في ذاكرتي.
أذكرها الآن، ولم يزدها بُعْدُ الأيامِ إلا ظلمةً، تَمْثُلُ أمامي هوجاء كدوامةٍ مفاجئةٍ تتصيّدُ صياداً غافلاً يمخرُ عبابَ موجٍ مبهمٍ.
تنثالُ عليَّ صورها كجلمود صخرٍ يهوي من أعالي جبالِ الريفِ المتلفعةِ بجلابيبَ بيضاء، والمتأبيّة عن الكلام؛ مكتفيّة بالصمت المثقل بالأسرار والتاريخ. آه كم هي أليمةٌ هذه الذكرياتُ الكابيّة التي لا تنغل إلا في كبدي المتشمّعِ...!!
عندما أهديت القمر لحبيبتي ـ قصة : سليم مطر
عدنا إلى الدار أنا وحبيبتي بعد أن أمضينا يوم أحد ربيعي مشمس نتجول في الغابات. استلقيت على الكنبة في الشرفة المطلة على الحديقة. تناولت جريدة أمس، واندهشت أن جميع صفحاتها بيضاء إلا من إعلان كبير يملأ صفحة بكاملها:
(مخازن الحلم الكبرى) تعلن عن تخفيضات نادرة لسعر القمر.
وقد حدد الموعد مساء اليوم التالي أي الاثنين.
شعرت بنوع من الإثارة معتبرا هذا الإعلان استجابة لحيرتي منذ أيام لاختيار هدية مناسبة لحبيبتي في عيد ميلادها. فقلت: هاهي السماء تدعوني أن أهديها القمر.
كتمت الأمر عن حبيبتي. وفي اليوم التالي ذهبت وحدي في الموعد المعلن في الساعة السابعة مساء. تبين أنها ليلة اكتمال القمر. فعلا وجدت آلاف الناس مجتمعين في الحديقة الكبيرة المطلة على البحيرة ينتظرون بزوغ القمر مكتملا متلألئا وسط السماء منعكسا على مياه البحيرة تحيطه النجوم مثل عريس ليلة زفافه.