anfasse08051لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟
         حقا أنا لا اعلم عن من ماذا أتحدث، لكنها الحيرة التي تداهم النفس أحيانا، دون معنى ودون سبب، تأتي هكذا لتضع العقل والنفس أمام تساؤلات غامضة مثيرة، مجهولة معلومة، تؤلم الذات، تستنهض الوجع، ترج الصدر، حتى يبدو وكأنها تود أن تجعل ضلوع الصدر تختلف وتتداخل، تشعر بانفجار يهز الهدوء ويمحق السكينة.
         تحاول أن تفرج عن نفسك قليلا، تخرج نحو الهواء المحمل بصفير الرياح وقسوة البرد النابع من الجليد والثلج، تمسك بك آلام الرقبة، ويأتي الغاز من حيث لا تعلم ليستقر في جبهتك، تقترب من الانفجار، تشعر بالرعب والهلع، تكتسحك كآبة مركزة.

anfasse01052... ثم جلست في المكان المتفق عليه، المطل على الشاطئ هناك، كانت كل الأشياء هادئة جدا بطعم الخلود الأبدي، ومعها ألفيتني ساهما، متأملا بدون عنوان، على العموم كانت هذه ولازالت عادتي عندما أجدني واقعا في فخ الصفحة البيضاء، حيث تنعدم اللغة أو بالأحرى تصبح عاجزة على ترجمة ما بدواخلي، ومنه فقد قررت أن أسافر وبدون وعي مني عبر تلك الأصوات البعيدة الممتزجة بهدير الأمواج الخفيف، كان المنظر بمثابة حافز على تنويم مغناطيسي طويل الأمد، لكنه كان أيضا فرصة لطرح تلك الأسئلة التي كنت قد نسيتها أو بالأحرى تناسيتها منذ عشرين سنة، صحيح أن هناك فصولا طويلة كان لها ما كان في هذا الفراق الذي حدث بدون سابق إنذار، لكن كان لا بد لإرادة الإنسان أيضا أن تلعب دورها لإصلاح ما أفسده الزمن، وهو الأمر الذي لم يتحقق أبدا، كأننا كنا على استعداد لهذا الذي حصل، منتظرين فقط ساعة تحققه...

anfasse01051القدر لا يعبث إلا بالجميلات !!!
صدفةً التقيْنا ، صدفةً افترقنا ، و ما بين الصدفة والصدفة ارتسمتْ حياتنا لوحةً باهتة من الفرص الضائعة ، رسَمها القدر الساخر فأمسينا نبحث عن ذكريات أفَلتْ قاتمةً مثل غيوم الخريف ، كاذبةً مثل أحمر الشفاه !!!!!!!
صدفة 1:
في بداية السنة الدراسية لم يكن لمدرّسة الرياضيات حلّ لتهدئة صفّنا المشاغب إلا بأن تضع كل شاب بجانب فتاة ، نظرا لكرهنا المزمن للرياضيات ، و في اليوم الذي وضعتْ  فيه الأستاذة كل طالب وطالبة في طاولتهما المحدَّدة ، و نتيجة لنزول المطر بغزارة في الليلة الماضية ، تأخرتْ الحافلة التي تُقلّني من قريتي إلى المدرسة الثانوية ،و حين دخلتُ متأخِّرا وجدتُ المدرّسة تخاطب إحدى زميلاتي الواقفة  و قد كانت الأخيرة و الوحيدة التي لم تجد لها رفيقا ، نظرتْ إليّ الأستاذة بامتعاض و هي تتأمل هيئتي عند الباب ، كنتُ أضع كتبي تحت إبطي و ألبس بنطال جينز شمّرتُه قليلا إلى فوق مُجاريًا موضة الشباب في تلك الأيام  ووضعتُ قميصا يكشف بشكل فاضح عن شُعيرات صدري ، ونعلاً من العظم القاسي قد تلوّث بالأوحال ، يُطلق صوتا مدوّيًا على أرضية الصف مع كل خطوة أخطوها ، هتفتْ المدرِّسة و هي تشير إليّ في سعادة:
-هذا زميلك....!!هذا يناسبك ....إنه على قياسك !!!

anfasse25042لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟
         حقا أنا لا اعلم عن من ماذا أتحدث، لكنها الحيرة التي تداهم النفس أحيانا، دون معنى ودون سبب، تأتي هكذا لتضع العقل والنفس أمام تساؤلات غامضة مثيرة، مجهولة معلومة، تؤلم الذات، تستنهض الوجع، ترج الصدر، حتى يبدو وكأنها تود أن تجعل ضلوع الصدر تختلف وتتداخل، تشعر بانفجار يهز الهدوء ويمحق السكينة.

         تحاول أن تفرج عن نفسك قليلا، تخرج نحو الهواء المحمل بصفير الرياح وقسوة البرد النابع من الجليد والثلج، تمسك بك آلام الرقبة، ويأتي الغاز من حيث لا تعلم ليستقر في جبهتك، تقترب من الانفجار، تشعر بالرعب والهلع، تكتسحك كآبة مركزة.

anfasse15045على مرمى حجر ، لمحتُها ،تحدَّثْتُ في داخلي ،لا أعرف عنها شيئا ،لكنني خلتها هناك في سمائي صامتة كئيبة ، لا تعرف لها وجهة ، غير الإستقرار في أحضان مخيلتي ،التي ترتع في سوادها ،وتنتظر الخلاص ،من ذاكرة وسعتها واحتضنت كل أنحاء حياتها . كنت أمعن النظر في عبارة أنيقة عن المرأة ،وعندما مرت عابرة ذلك الجسر القريب ، لوّنْت تلك العبارة ،وكنت أنتظر أن تفي بمعناها ،فمحوت أثر الحزن عن هذه الصورة الحيّة ، التي تعبر الجسر .
مياه الوادي لا يسمع لها خرير ، القصب الذي يلامس ضباب المكان ، يجعل من صوت الريح أغنية لعاشق حزين ،رأيتها تجري وهي تلبس رداء أسودا ،كنت أناديها بما حملته تلك الأنيقة التي لونتُها ،فتعمدت أن أختار من الألوان غيْر السواد ،غير ما يميز العتْمة ،غير ما يرسم للكائنات عبوسها،شقاءها ، نهايتها.......
شدني الموقف أن أعرف المكنون المخبوء وراء سواد ردائها ،و عروج روحها في سراديب  الأحزان ،و وميض الأمنيات التي لا تتحقق ، فتتَبّعت خطواتها ....

anfasse15043جو الدراسة الجامعية أسعدها. لم تتوقع أن تجد نفسها في مثل هذا الجو من العلاقات الدراسية. الآن بدأت تشعر أنها انتقلت حقا من جيل لا يملك حق القرار لنفسه إلى جيل مسئول عن نفسه. ما حملته من تنبيهات أمها وجدتها عن خطر الاحتكاك مع الشباب، يبدو لها الآن، وبعد اقل من شهر على بدء الدراسة، مقطعا من مسرحية كوميدية، أو من عالم لم يعد له وجود إلا في مخيلات جداتنا. في البداية شعرت بالخوف وبعض الرهبة. شعرت بضعفها، عقلها الواعي أعطاها القوة النفسية لتهزم مخاوفها وتضع حدا لحالة الضعف التي اعترتها في الأيام الأولى. الجو الجامعي المليء بحركة الحياة والحوار التعليمي بين الطلاب، والنقاش السياسي وحول قضايا المجتمع والعادات، أخرجها من العالم ألبيتي الضيق المحصور بين واجبات محددة سلفا، إلى عالم واسع الآفاق حدوده السماء.

anfasse15042انطلقا بحثا عن رضيعها، الذي ضاع منهما قبل يومين، إثر اتصال وردهما من أحد موظفي محطة القطار.
لدى وصولهما إلى المحطة وجدا رضيعا موضوعا فوق مكتب مدير المحطة؛ طلب منها الاقتراب و التعرف على الرضيع.
لم تستطع الأم أن تكفكف دموعها، و الزوج يضع رأسه بين راحته، و مظاهر الحزن تعم بيت العائلة. لم يصد الجدّ إهمال ابنه و زوجته، صرخ بوجهيهما:
أنتما لا تستحقان أن تكونا أبوين ! إنكما عار على الأبوة.
لكن يا أبي ! ماذا عسانا نفعل !؟
كان بإمكانكما، على الأقل، ألا تنجبا في هذه المرحلة.. حتى تستقر أحوالكما.
حاولت الجدة، تهدئة زوجها، الثائرة أعصابه؛ فهو لا يمكن ان ينكر سعادته بمجيء هذا الحفيد، كي يرث اسمه من بعده.

anfasse02041حين اشتعل المكان ،  وبدا ذلك اللهب من بعيد ، لم يكن للقيم والأعراف ،ولا التقاليد والعادات وجود في ذات المكان والزمان ، تعالت الكلمات الصادحة، تضرب مناحي الأزل البعيدة  المشبعة بثقل السماوات المحير ، ذلك النور الذي بدا شعاعه غريبا  عما تعوده كل الناس .
داست الكلمات التي دوى صداها كل شيء ، كل عظيم ، كل سامٍ .
لم يكن كل ما تحدثتُ عنه بالنسبة لهم شيئا يذكر ، فالبداية عندنا ليست كما هي عندهم ، وعالمي ليس كعالمهم .
البحث سار في كل الإتجاهات ،الأشلاء يصعب جمعها و تصنيفها ، ويعجز المختصون عن معرفة أولئك الذين تطايرت أجزاء كثيرة  من أجسامهم بعيدا ، كما تتطاير شرارات النار الملتهبة الحارقة .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة