anfassa01076جلس في ركن قصي في المقهى لكي لا تدركه عيون العواذل الذين يتناسلون هذه الأيام مثل إناث القطط، فتح كتابا كان يتأبطه وغرس بصره بين دفتيه، وكان لا يحيد ببصره عن هذا الكتاب إلا ليشعل سيجارة من بقايا أخرى أو ليرتشف من فنجان القهوة رشفة ذات طنين مثل صرير باب قديم، كان يدون في مذكرته جملتين جناهما بعناية الريفيات من الكتاب حين لمح في الطاولة التي تقابله أنثى ترتدي معطفا شتويا أحمرا وتوشح جيدها الطويل بشال يتناغم مع أسود حذائها ذي الكعب العالي، وكانت رواية " انا كارنينا" لتولستوي تنام على ظهر مائدتها بغنج الأميرات، فرك عينيه اللتين غزا السواد أرصفتهما، واسترق النظر إليها لكي يتيقن من أن هذه الأنثى ليست شخصية من رواية نسي عنوانها.

anfassa01075إهداء إلى صديقي الأديب المهدي نقوس
مدخل :
أراك تحمل شارة الحلم بين يديك
وليدا يحبو
يرنو نحو الشمس
يغسلك بماء الروح
تتوضأ على أفراح حبلى
و نصر قريب ...

تجاوزت الأيام حتفها و أسقطت حكما عاشته حوريات القصر ، وحدها شهرزاد سقت الروح و أينعت تحت ظلال السيف روح الحكايات و الأمنيات ، الليل يعدو مسرعا نحو شهريار و هي جاهدة تصنع حدث اليوم ، لتلفه مرة أخرى بإغراء قصصها فيطول السهر و يختفي السياف  .
شهرزاد يمتد بها حنينها إلى الانعتاق و شهريار يتمنى على الليل أن يُقدم بعباءة مطرزة بفرح جديد و عشق جديد.ما عاد فكره مشغولا بالقَصاص لكل من لم يغرد لها نومه، فلون الحكي عندها كملمس حرير ناعم يذيب كل شيء ،ها هي و الليل يباغتها لم تصنع عالما لسيدها ، تتراءى لها المقصلة قريبة من رقبتها التي كان يتفحصها بين اللحظة و الأخرى. و تأبى الحكاية أن تلف أصابعها حول أعناق أبطال جدد تمردوا أخيرا و رفضوا أن تمارس عليهم شهرزاد غوايتها اليومية.

anfassa01072الغصن الأول:
 ومشى بخطى مشكوكة نحو المجهول ... مجهوله هو ... كان الوحيد الذي لا يدري إلى أين يتجه ...  أما جيرانه ومعارفه وأصدقاؤه وأعداؤه فكانوا كلهم يعلمون إلى أين يوصل ذاك الطريق الذي سار عليه... ظل يمشي ... وظلت عيونهم ترقب من بعيد نقطة وصوله ... كانوا كلهم يعرفون بالضبط أين توجد.
وذات عياء توقف ... نظر يمينا وشمالا فظهر له أن يقف تحت ظل شجرة كانت هناك على حافة الطريق... وقف كثيرا... انتظر الجميع أن يستمر في سيره إلى حيث يعلمون.
بقي واقفا ... واقفا ....أقلق وقوفه الكثيرين ....أحدهم دفعته جرأته إلى التقدم نحوه .... فبدا له غارقا في تفكير عميق كمن يقرأ في صلاته .... انتظره أن يركع لكن الرجل ظل واقفا. حط يده على كتفه فهوى على الأرض كشجرة تهالك جدعها ... تناثرت من رأسه جوزات كثيرة . بعضهم التقط مليئاتها وبعضهم فارغاتها . للناس فيما يلتقطون مذاهب.

anfassa01071سألني: قصيرٌ كشربة شهدٍ .. ثقيلٌ، مديدٌ بلا منتهى؟
فأسرعتُ: العمرُ.
فقال: أصبتَ وفزتَ، فلك أن تتمنى.
قلتُ: طِرْ بي، وحلّقْ.
فانحنى فاردا جناحينِ، وأصعدني؛ حتى صار سهما مُشعاً.
قلت: أين؟
ورأيته مع كلّ خَفقةِ طَرفٍ؛ يحطُّ على أجراسِ مُدنٍ؛ خمنتُها عواصمَ أوروبا، وقد شخصتُها، رغم جهلي المسبقِ.

anfasse24062كشف سر ألوان الدنيا السبعة ،ثبت مجدافيه في الماء ، عادت السكينة لتخيم على  المركب ، تمدّد فوق الغدير الخالي لما عاد إلى البرّ ثانية ، كانت كائنات الأمكنة ترتشف لها من الندى البليل ، حتى  خال المساء بجمال امرأة اختلط على محياها الحزن بالجمـال ، نفَسا متجددا كانت ،بل كزرقة السماوات وقت الضحى ،أو كسمفونية هائمة في الزمن الزئبقي، تتراقص الأجسام وتتماوج برقة ورشاقة على موسيقـاها .
يكلم نفسه في صمت :
يا أنا :
أظن أن الرحلة تبدأ الآن من آخر نقطة ،على عكس  ما اعتاده كل الناس  ،يرمي بك ذلك الصحن الطائر في أنأى الأمكنة ،لتعود إلى نقطة البداية ، وفي عودتك ستدرك الفوز طبعا ،هي فعلا رحلة عبر زمن خرافي .
 الليل يجعل من هذه اللحظات  تجربة جديدة ومخيفة، ممتعة أحيانا ،قاسية هي رغما عن أنف كل متجبر  .

anfasse24061خططت زوجتي  "كلارا"  لرحلة تخييم بمناسبة عيد ميلاد الثلاثين، لقد كانت تعرف أني أحب التخييم، لكنها لم تتحمس للفكرة، مع أنها أحبتها إلا أنها لم تتشوق للتطبيق الفعلي لها. تحب زوجتي  "كلارا"  أن تدلل في المنزل بمختلف وسائل الراحة المتاحة، ولا شك أن قضاء أسبوع في خيمة، بعيدا عن كل هذه الوسائل هو آخر شيء تريده؛ لا تلفاز ولا هاتف خلوي ولا حاسوب، فقط الطبيعة النقية. لقد أحببتها لأنها فعلت كل ذلك من أجلي. 
كان صباحا خريفيا مشمسا  في الغرب الأوسط،، نسمة برد خفيفة في الهواء ، إنه فعلا طقس مناسب لارتداء سترة  أو قميصا خفيفين.
لقد كنت أترنح بسبب بقايا آثار الليلة التي قضيتها في الشرب مع أصدقائي من الندامى، لهذا تركتني كلارا  أنام بالداخل. كانت الأمور ضبابية بالنسبة لي ، لا بد أني ثملت جدا وأن الليلة التي قضيتها كانت ليلة ليلاء .

anfasse17066خطا خطواته الأولى خارج المقهى التي اعتاد التردد عليها، مند مدة،  ولا يبرح كراسييها حتى حلول الظلام وأحيانا حتى بزوغ الفجر. زَرَّرَ معطفه الداكن ووضع فوق رأسه قبعة صوفية سوداء من صنع أمه، ثم أطرق عائدا إلى حيث لا يدري.
أخرج من جيب قميصه القطني أخر سيجارة متبقية لديه، تفحصها ببطء وأدفأها بلطف بين يديه، ثم أشعلها بعود ثقاب خشبي وبدأ يستنشق دخانها بنهم وهو يردد بصوت هادئ إحدى أغاني أم كلثوم: "..هل رأى الحب سكارى...".  ثم بدا له في أخر لحظة، وهو يهم بفتح باب منزله، أن يتفقد أحد أصدقائه في الحي الجامعي القريب من محل سكناه.
سيارة ركنت في زاوية مظلمة بالقرب من مدخل الحي الجامعي تتقدم نحوها بحذر فتاة في ريعان شبابها، وردة ناطقة بالحياة، تفوح منها رائحة عطر رخيص، تلتحف رداء يحجب وجهها، يختلط سواد لونه بدجة الليل، تضع نظارة ملونة تخفي بها عينيها. لم يكترث كثيرا بما رأى، ربما تطبع مع المشهد أو هي ثقافة غير التي جبل عليها بدأت تنخر عقله وروحه ببطء من حيت لا يعي وجعلته يقبل الأشياء كما أصبحت عليه.

anfasse17062قال بهمس:
- أريد أن أُنجب منك طفلة.
خفق قلبي وغشاني الخجل، وقبل أن أرد استطرد:
- ولكني لا أحب الزواج ولا القيود.
مادت الأرض تحت قدميَّ، ولم أجد ما أقوله.
فكرت أن أصفعه على وجهه وأمضي، ولكني لم أفعل، وفضَّلت الذهاب بصمت. لماذا لم أفعل؟ هل لأنني كنتُ أرمي شباكي عليه بحثًا عن عريس؟
هذا ما نصحتني به أمي بعد أن تجاوزت الثلاثين، ولكن الشبك خرج بلا أسماك.
الجمعة الماضي كان فرح صُغرى فتيات العائلة، سمعت دعواتٍ صادقةً لي، وهناك نظرات شماتة لا أجهلها، قالت أم العروس بانتشاء:

مفضلات الشهر من القصص القصيرة