anfasse18037الموسيقى الشعبية  تعتلي أجواء المكان ، الكمنجة تخاطب الجسم ،يهتز ،يصارع الحقيقة ،كل أصدقائهما رمَوْا بالأعراف والتقاليد، وأطلقوا لأنفسهم العنان، ليعبروا كيف شاؤوا متناسين العالم من حولهم .
العروس ترقص متحررة كأنها في ملهى ليلي  ، بل كأنها راقصة من بنات الليل المختبئات في عتمة المكان وظلال المؤثرات  المنبعثة من أضواء  الروبوتات ، التي تملأ أرض وسماء الملاهي .
الأب ابتعد  عن المكان خجلا مما يحدث.......
الأم تصفع وجه عروس ابنها ،ثم تنهر ابنها الذي يرقص متناسيا كل شيء، حتى نفسه والمكان ، واحتدَم الصراع بين الأهل، و اشتدت أولى العواصف ولم تهدأ .
بعد لفافات "نِيبْرُو"  بالحشيش ورنين كؤوس النبيذ ، لم يكن شيء  مما خُطِّطَ لــه من الأهــل ،ولكن كل شيء صار حسب هواه وهوى أصدقائه ، الذين اختاروا لتلك الليلة جوا يناسب رغباتهم التي تاهت بين العبث والجد .

anfasse11037هأنذا أعودِ إليك أيّها البحرُ الأسود...!
 يا بحري الرهيب، وحدكَ كنتَ شاهداً على انخذالي، في ذلكَ اليومِ الغابر كأغنيةٍ شتويةٍ مخنوقةٍ، يوم قَتَلْتُ اليهوديّة العاهرة، وصرعتُ الشيطانَ الأحمر الذي كانَ يدحرج روحي في أدراكِ الجحيم، جحيمُ العشقِ الوسخِ.
أعودُ إليكَ، وقلبي خربةُ أحزانٍ؛ حطبةٌ يابسةٌ قابلة للاحتراق. في الجسمِ جرحٌ وفي الروح جرحٌ ينشرخُ أكثر كلّما تراقصت صورتها في ذاكرتي.
 أذكرها الآن، ولم يزدها بُعْدُ الأيامِ إلا ظلمةً، تَمْثُلُ أمامي هوجاء كدوامةٍ مفاجئةٍ تتصيّدُ صياداً غافلاً يمخرُ عبابَ موجٍ مبهمٍ.
تنثالُ عليَّ صورها كجلمود صخرٍ يهوي من أعالي جبالِ الريفِ المتلفعةِ بجلابيبَ بيضاء، والمتأبيّة عن الكلام؛ مكتفيّة بالصمت المثقل بالأسرار والتاريخ. آه كم هي أليمةٌ هذه الذكرياتُ الكابيّة التي لا تنغل إلا في كبدي المتشمّعِ...!!

anfasse11031عدنا إلى الدار أنا وحبيبتي بعد أن أمضينا يوم أحد ربيعي مشمس نتجول في الغابات. استلقيت على الكنبة  في الشرفة المطلة على الحديقة. تناولت جريدة أمس، واندهشت أن جميع صفحاتها بيضاء إلا من إعلان كبير يملأ صفحة بكاملها:
 (مخازن الحلم الكبرى) تعلن عن تخفيضات نادرة لسعر القمر.
وقد حدد الموعد مساء اليوم التالي أي الاثنين.
شعرت بنوع من الإثارة  معتبرا هذا الإعلان استجابة لحيرتي منذ أيام لاختيار هدية مناسبة لحبيبتي في عيد ميلادها. فقلت: هاهي السماء تدعوني أن أهديها القمر.
كتمت الأمر عن حبيبتي. وفي اليوم التالي ذهبت وحدي في الموعد المعلن في الساعة السابعة مساء. تبين أنها ليلة اكتمال القمر. فعلا وجدت آلاف الناس مجتمعين في الحديقة الكبيرة المطلة على البحيرة ينتظرون بزوغ القمر مكتملا متلألئا وسط السماء منعكسا على مياه البحيرة تحيطه النجوم مثل عريس ليلة زفافه.

anfasse04040لم أكن أوَدُّ الدخول إلى ذلك المنزل ،ولكنني وجدت نفسي مضْطرا لدخوله ،فذلك الصّياح المتَعالي ذات عشية ،حتَّم علي معرفة ما يجري لتلك المسكينة ،التي لم أعتد منها إلا على صمتها ،الذي لطالما  أرغمني على إعطاء الإعتبار لعِدة أسئلة تراودني كلما رأيتها .
كانت على ذا الحال تتلفظ بكلمات، إن خرجت على لسان امرأة ،ما كنت لأعدها ضمن نساء هذا الكون - كامرأة  يجملها ضعفها ويعلو أفق عالمها المودة والرحمة والحنو ،فهي كتلك الطبيعة التي تضُم إلى حناياها كل الكائنات التي تحيا عليها ،مشتاقة لتنَوع فصولها ،واختلاف أيامها – اللواتي أَبَنَّ عن  نضجهن ونبوغِهِن عبر الزمن  .

anfasse04038لاشك أن أعمق زلزال تحدثه الكتابة،تقويضها السهل وبجرة وحي، لكل أطروحات متون أقسام الحالة المدنية،وكذا بداهات الكائن المجتمعي المؤسساتي،القابل خيميائيا للانصهار والذوبان،وأخذه شتى صور التنميط والتحديد.ترسم الكتابة تاريخا للمرء،بين ماقبلها ومابعدها.فهل بوسعنا المجازفة، بالاستفسار التالي :أي مصير محتمل لبيولوجية العرق والجنس،قياسا لمجتمع يشتغل جل أفراده بالكتابة وعلى الكتابة،ويرفضون عن هذا التقسيم للعمل، بديلا؟يتحرر الفرد بالكتابة،وهي تطويه نحو خلود الآبدين،بحيث يهزم الآخر والقدر والسلطة والمكان،ثم يسكن ذاته وقد تمثل أقصى ممكناتها. 
كنت طفلا مدرسيا،بالمعنى المؤسساتي للكلمة،أواظب على مواعيدي،دون أن أحشر نفسي، كي أحشو جمجمتي بأشياء واهية،أهم قضية تشذ مخيلتي،الهرولة صوب حضن أمي عند نهاية كل موسم دراسي،ملوحا إلى عنان السماء،بورقة تزخرفها خربشات المدرسين،تطمئن أمي،على أنني مهيأ بما يكفي، لآفاق البحث والسعي وراء الكلأ، على امتداد هذه الصحراء المحيطة بمصيري.هكذا،ظلت المدرسة بالنسبة إلي، سكينة وملاذا، وحلما طفوليا جميلا،ثم أيضا،ما معنى أن تلامس عتبات فصول التنوير،في بلدان العالم السفلي.

" Le parfum est la forme la plus intense du souvenir "anfasse04032
Jean-Paul Guerlain

   عندما عنّتْ سُحْنتثهُ الكَالِحَةِ من وراء البوّابة الحديدية  المُوارِبة للمدرسة ، كانتْ كوْكبةُ الصّبية قد انْتَثَرَتْ في كلّ الاتجاهات .. لمْ يُعِرِ اهتمامًا لذلك المرَح الطفوليّ و النّزق الصّاجّ الذي ملأ الشارعَ ، و الأزقة المُجاورة بالصّياح و الكركرات الجذلانة ..
بَدَا مُنْدحرًا ، و كأنه سجين هرم أُطلق سراحُه قبل لحظات .
   انتصبَ ، يجُولُ بنظراته المُنْكسِرة في الدّوائر و الزوايا، و يتفرّسُ السُّحنات و الوجوه و الهامات لكائنات المساء الكئيبة.. كانت عيناهُ الذابلتان تشِيَانِ بِحُزنٍ دفين ، ينْداحُ غائرًا في المَحْجَريْن لِحُدود التّيه .. وجْهٌ مستطيل ، ذقن أمرد ، إلّا من بعض   الشُّعَيْرَات الفوْضوية ، أخاديد تَحفرُ عميقا في الجبهة و الخدّين ، و قامة نحيلة لم تُضفْ إلى شكله الكيخوطي سوى ميْسم الكارثة.
   انحدر مُتهالِكًا عبر الدّرج الاسمنتي الحادّ ، إلى أن لفظته العتبة المُهشّمة نحْو الرّصيف .. كاد أن يسقط ، كَكُلّ مرّةٍ ، عندما يسلكُ نفس الطريق ، و يفوته التحوُّط من مكْرِ العتبة اللعينة ..تناهتْ إلى مسامعهِ ضحكات شامتة لبعض المارة ، فعضّ على نواجده ناقِمًا ،مُغمغِمًا باللّعَناتِ الكظيمة..                                                                                          

anfasse04031ماذا تريد؟
 أتبحث عن بقايا النفس أم بقايا الناس؟
 الأرض لها ألوان كما السماء، والأشجار الغائرة في الانهيار والنمو والبسوق والانخفاض، تبدو كملامح الأموات النابزة من شقوق المقابر.
النهر الجميل المتدفق من النبع إلى المصب، تتخلل شفافيته طحالب متعفنة تزخر بالنتانة والتقزز، تنتابك هواجس متعفنة تلتصق بالطحالب لتنتقل إلى مساحات النفس والروح، هي الأشياء، هي الذات، هي الإنسان.
عن ماذا تبحث؟ في هذا الأفق المشدود إلى نوازع وغرائز، تبدو وتتشكل كلها في صدور البشر، في صدور الناس، المغلفة بغرائبية الغابة والوحوش، البسمة لها ثمن، والخدمة لها ثمن، أتدري، كيف تتشكل النفس بالداخل وتتقلب وكأنها على مرجل، لتتقلب صفات الغدر والخيانة والغرور والأنانية والجشع والبخل، لتطفو على السطح المغطى ببسمة تكاد تمزق حجب الحياة.

anfasse26022الرجل الذي أطفأ الشمعة يتحدث إليَّ ، السعال يأكل نصف كلامه ، يتوالى السعال ،وتتوالى الكلمات المتقطعة  الوازنة ، التي لم أعهدها في  كلامه أثناء حديثنا المتكرر معا  ، في ذات المكان الذي اعتدنا أن نملأه صخبا وضحكا متعاليا ، بتنا نملأه عبثا ، نملأه  سموا بمحاذاة سكونه ونحن نتجاذب أطراف حديث أسهب في الشجن ، وسادت كُنْهَه أسرار من حقيقة لا يمكن حجبها .
 جلس بين دخانين ،الدخان الذي  يتدفق من  سْبْسِيِّهِ وفمِه ،والدخان المتصاعد من الموقد  ،كان دخانا يملأ سماء الجهة التي يقبع فيها . هكذا صار صاحبي  . فهو آمِنٌ من دخانٍ يعتقده متنفَّسا وهو أذى ،  وحَذِرٌ من دخانٍ كان من الأذى أبعد وأنأى.ألصق الأذى بما لا يجد منه لذَّة ونشوة ، وشفَع لدُخّانه الذي يلازمه  فقال :

مفضلات الشهر من القصص القصيرة