
من الفراغ يبدأ المرء أو من الحطام الذي يتركه الإنسان أثناء أفوله، يبدأ فيه فعل ما يتأمل معنى هذا الأفول ويستثمر الفسحة التي يتركها له الفراغ لكي يستأنف مجددا حركته نحو ذاته ونحو المجال الذي انبثق منه. لكنه لا يعلم بالضبط من الذي يبدأ فيه فعل التأمل لاسيما وأنه يشعر في داخله بالفزع ويحس بالفراغ بعد طول النظر ومراكمة العمل، فكيف لأنا لا يمتلك إنيته أن يتأمل الفراغ سواء كان في داخله أو في المحيط الخارجي المحيط به؟ كيف له أن يزعم امتلاكه لذاته أثناء تأمله وركضه نحو ذاته؟ و كيف وهذا الفعل الذي ينفلت منه يند عنه ليس فقط قبل أن يبدأ الكتابة وإنما حتى أثناء فعل الكتابة نفسه؟
لا يعلم هذا الآدمي الوجهة التي عليه أن يقصدها ولا الموضوع الذي ينبغي أن يتأمله طالما أنه يسبح في الفراغ وتحاصره المرايا المحدبة والأرواح الثقيلة وطالما أنه محاط بالعدم والصحراء. من هذا المنطلق كان يخشى دائما البداية ويتحاشى منطق الوصية ولغة الوعظ والإرشاد لأنه كان يجهل من الذي سيبدأ فيه أثناء فعل البداية عينها أو كان يتحاشى أن يقوم في داخله آمر مهما كان مصدره من الأرض أو من السماء، فرد أو جماعة يحاول أن يفرض عليه فعل التأمل وحركة الابتداء ويجبره على التوجه قسرا نحو مبتغى مغاير للقبلة التي اتخذها قصيا.
انه يعلم فقط أن كائن يحيا ويتكلم وينتج لاسيما وأن اللغة تجعله ممثلا بارعا للتعبير والجسد يمكنه من البروز في العالم والعمل يقوي لديه رغبة الاستحواذ والتملك.