جان بودريار[1]
لا يكون الانسان الا بهويته ولا تتشكل الهوية الا عبر شغل جماعي يقوم به عدد من الناس،لكن هذه الهوية تظل فقيرة وتنحرف نحو التعصب والانغلاق اذا لم تنفتح وتعترف بحق الآخر في الوجود والاختلاف والتنوع لكن كما يمثل التعصب لهوية ما خطرا ينتهي بنفي الآخر وتهميش الغيرية وتحويل العلاقة بين البشر الى علاقة صراع فان الاتصال بالثقافات الأخرى قد يمثل تهديدا لهوية ثقافية حين تصير ظلا للآخر منبهرة ومشدودة لانجازاته فتقف عاجزة عن الإبداع ويتحول كيانها بلا خصوصية تشدها الى الأصل وبلا مشروع كوني تقبل به على الآخر وتندمج معه في بناء هذه الكونية.
ان هذا التوتر هو الذي يبرر طرح مشكلة العلاقة بين الخصوصية والكونية وهو كذلك الذي يجعل من العلاقة بين العالمية والعولمة ميدان استقطاب وتجاذب، فكيف السبيل الى الانخراط في الكوني؟ وما الحاجة اليه أصلا طالما أن كل فرد يحوز على خصوصية معينة؟ ولماذا مثل ظهور العولمة إحراجا كبيرا لهذا الانخراط؟ وماهو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه البشرية للتحرر من التأثيرات السلبية والانعكاسات الخطيرة للعولمة؟
يعتقد البعض أن الكوني والعالمي والعولمي معاني متشابهة ومصطلحات متجاورة مثلما يتجاور العالم والكون ومثلما تكتسح العولمة المعمورة وترتبط بالكلي ولكن الواقع يثبت أن مثل هذا التشابه خادع وأن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير وأن مثل هكذا كلام هو شعارات براقة .
إذ صحيح أننا نعيش تطلع جميع الثقافات الى الكوني ونموت من فقدان كل خصوصية وصحيح أيضا أن الكوكب يشهد انتشار عالمي لكل شيء وعلى امتداد أي شيء ولكن صحيح أيضا أن الكوني في طريقه الى التلاشي وأنه ثمة اختلاف بين الكوني والعالمي والعولمي وأن الكوني قد تعولم وأن العولمي ذي اتجاه واحد لا محيد عنه وأن الكوني يهلك في العولمة.
لقد أكد جان بودريار أن الذي يحدث اليوم في المعمورة من تحولات هو عبور من الكوني الى العالمي عن طريق العولمي، فما المقصود بذلك؟ ولماذا نبه هذا الفيلسوف على خطورة الموقف؟ هل يعني أن الكوني اختفى ولم يعد له أية أثر؟