موقعك وسط حلقة الجبال الهرمة أعطى للمشهد بلاغة الإبداع ، إيقاع يهتز له بؤبؤ العين إنبهارا ،
الجبل للجبل , تذكرني حلقتهم بطقس رقصة " أحيدوس" ألأمازيغي الدائري ، المرأة للرجل ، و الرجل للمرأة،
" للبندير " نغم به الدائرة تدور كما الشكل الدائري له ،
للبندير دائرته ،
للحيدوس دائرته ،
للشمس دائرتها ،
للأرض دائرتها ،
لجلسة الأكل دائرتها
و لتيغزى دائرتها ،
وكأني بها أميرة القرى الرقراقة الفياضة ، جيش عرمرم من الجبال يرابض على جنباتها و مداخلها الكبرى
نرحل ،
نسافر،
نغادر ،طوعا ، قسرا ، ضرورة ....
لهم فكرة الثبات على عهد الولادة ، الخلق صامدون .
لا يرحلون ،
لا يسافرون ،
لا يغادرون ،
قمة التعلق بالمكان ، دخول عميق في الوفاء ، غوص في باطن المقاومة ، انتصار للبيان الأول ، بيان التكون الأول.....
..............................2..............................
شكل الجبال يمنحك شعور الأمان والطمأنينة ، وقفة واحد منهم تكفي لجعلك تستعيد دروس الجغرافيا ،
يعاودك درس تزحزح القارات ، تتذكر حركة الأستاذ يوم يشرح خرائط العالم المشتتة بفعل التاريخ ...
ترى هل التاريخ ينتصر دائما على الجغرافيا ؟ ومن يصنع الأخر ؟
لا أعلم لماذا تطالعني ابتسامة على وجوههم كلما نظرت إليهم ؟
هل هم في حيدوس دائم ؟
حتى شيخهم العوّامي هذا، ورغم النبش و الحفر الذي أعياه ، وفيّ لطلعته البهيّة ، ولهمّته الفذّة .
يقال : " إن عوام هو من يقوم بتسخين البنادير من حين لآخر حتى يحافظ الإيقاع على ديمومته و لتستمر رعشة الفطري تنخر مناط الصمت و الموت جاعلة من الحركة الفعل الوجودي ".
كف ممدودة من هذا الجبل، كف ممدودة من ذاك الجبل، كفوف ممدودة من هؤلاء الجبال...لهذا وذاك و هؤلاء بعد إشاري في قواعد اللغة ، لهؤلاء وذاك و هذا براعة احتضان تيغزى ، أخاف أن ينسحب أحد الجبال فيسحب كفه و ينقض العهد الأول ، عهد كتبت حروفه الذهبية على صفحات وصدور الجبال ...
لكل جبل حرف يلمع منه زاهيا ،
لكل جبل توقيعه ، قبيلته ، تداعياته ، ذكرياته ،تجاعيده ، كلومه الموشومة نهار مساء .....
................................3...................................
يا القرية الناعسة قرب إشتعال حوارات حراسك السلاطين ،
كم من الوقت تتركينه لهذا الإستماع السرابي ؟
كم يلزمهم من الحرف و الكلم كي يسرقوا سمعك الممتد بامتداد مساحات الحلم فيك؟
كم من الوصايا و النداءات لتنخرط تفاصيلك الفاتنة في مجلسهم المدعّم من الشيخ العوّامي و رفيقه "إغرم أوسار" ؟
الجبال: الحراسة طاقة من الإنتساب و الإنتماء ...إنها الوفاء
تيغزى : وهل وجودي بين آلكم إنتماء ...و وفاء ؟
جبل : للوفاء إنتماء.
جبل آخر : وفاء الإنتماء وفاء .
جبل آخر : إنتماء الوفاء إنتماء .
تيغزى : عفوا ، عفوا ، ...لقد فهمت أن الحوار بين الجبال ....
……….….. …. 4 ………………….
الاقتراب من المسافة البعيدة يمنح فرصة لقاء مسافة اختزلت عن قصد أو بلا قصد في خانتي المعلوم واللامعلوم ،للمسافة عناقيد من المسافات الموزعة بالتساوي الممل ، متدلية كم عناقيد العنب عند التّشكل الأول ، ُمرّة في هذا الطور ، حلوة في آخر الطور ، تلك هي طبيعة النضج و الإختمار الكلي ..... إنها رحلة الإخراج المنتظر ...
رحلة الإكتمال و الوصول النهائي ... رغم أن النهاية بداية ...
هكذا هي الجبال ... المسافة إليها تاريخ ، و " لهيرودوت " مساحة القول و الإفصاح عن علوية وهرمية التاريخ ...
التاريخ مسافة ، أ للمسافة تاريخ ؟
حوار يفترض أرضية نقاش مفتوحة يتجاوز ماهو تاريخي ، إنه ينفتح على ، الرمز ، الأدب ، اللغة ، الإماءة ، الفكر ، الفلسفة ، التصوف ، التاريخ ، الأنتروبولوجيا ،السوسيولوجيا ، العلوم الإنسانية ....
الصعود للجبل فكرة ، وبعد فكرة الصعود تأتي فكرة المسافة ،كيف هي قمته ؟ كيف هي عروقه وأنسجته الداخلية ؟ أ للجبل ذاكرة ؟ أ للجبل رواده ، أولياؤه ؟ ترى لماذا الأولياء يرقدون في الأعالي ؟
إن رحلة الصعود هي ذاك اللقاء الصّدفوي للمسافات الأخرى ، ذاك القطف الفجائي المرغوب تحقيقه للعين و القلب ، الصعود الََقمَميّ محاولة اختراق فكرة الصعود ، نبش أركيولوجي في المسافة ....
ركوب الجبل مداعبة للسلطة في رمزيتها ،
خوض في مساحات و أبعاد و حدود وقيمة أطروحات مسألة الطبقية ،
إكتشاف للعلاقات العمودية بعيدا عن التنظير و التقعيد الموجودين بين دفّات المجلدات و الموسوعات ....
(( جرّب أن تصعد الجبل لتعرف من حولك ))
بين تيغزى و أنتم يا جبال الأطلس مسامات و عرو ق دقيقة ..
تمنحونها دماء الحياة، دماء الوجود،
تمنحونها بقاء اسمها تلبسه كل عيد، كل احتفال، كل عام، كل يوم،...
فتمنحكم رجالا، نساء، أطفالا، شبابا،
تمنحونها دفئ لقاء نفسها على عتبات و أقاصي موقعها القابع بينكم ،
فتمنحكم الضحكة ، الإبتسامة،
تيغزى ....الجبال.....،
توأم يراهن على الإنسجام والتوحد ،
توأم يتساكن، يتهادن ،لإيقاظ المنفي، الغابر،
كي يدخل حلقة التكون الأول في أبهى اكتمالاته وتشكلاته....
الكاتب: محمد خالص
نص مقتطف من مشروع كتاب بعنوان "هامش من وطني "_ حلقة التكون الأول _
يحكي الكتاب عن أمكنة في قرية" تيغزى" الواقعة بإقليم خنيفرة و المعروفة بمنجمها التاريخي " جبل عوام " .