من أين كنتُ سأدري بما أتى، في البدءِ لم يكنْ يظهرُ في العلن، كان فقط يهمسُ، وأسمعُه طنينا، افعل، خذ، هات، كان آمري ومرشدي، وكنتُ الطائعَ المتلقي، كان برفقتي أين حللتُ، يسكنني، ولا يغادرُ، أستمعُ إلى لهاثِه، فأحتارُ، أأنا هو، أم أنا أنا، كيف أفرّقُ ما بين أنفاسي وأنفاسه، يبكي، فأبكي، يضحكُ، فأضحكُ، ويصرخُ؛ ليسبقني، كان لي نبيَّ النبوءات، فيلسوف حكايتي منذ البدءِ إلى المنتهى، يفكّكُ، ويركّبُ، يبشّرُ، وينذرُ، واحترتُ، أأمقتُه، أم أحبّه، على بسطة الخضار كان يحركُ سبابته، فأمدّ سبابتي، أنتقى ما انتقاه.
في الشارعِ كان يغتاظُ؛ فأغتاظُ، يبتسمُ؛ فأبتسم، وفي البيتِ يشربُ إذا ما عطشتُ، وإذا ما فرِغَتْ معدتي؛ يأكلُ، أمَّا أنا؛ فارتعشُ، إذا ما ارتعش، وإذا ما مدّ الخطى؛ صرتُ ظلّه .. كلُّ هذا قبل أن يعلِنَ عن نفسِه، وفي ليلةٍ ينكشف، يمسي حقيقةً، ويخطو هيكلا، لحظتها صحتُ، فقال: نعم .. أنا لا غيري.. ثمَّ احتضنني، ليهدئَني، فاقشعر بدني، وقرأتُ بعضا مما أحفظُ، صاح: لست جنيّا يا رجل، في البيتِ على وقع خطوي مشى، وحين لاحظتْ أمّ العيال حيرتي، أشار بسبابته إلى شفتيه أن أسكت، فسكتُ، وأطعتُ أنا، يلبَسُ، فألبسُ، يتعرى، فأتعرى، وفي الفراش يلاحقني، ليتوسطنا ... وأنا في محاولاتي لم أزلْ، أعودَ واحدا لبرهةٍ، ثمَّ أنفصل، يرمقني، وأرمقه، فأرجُّ رأسي محاولا التيقنَ، من الأصلُ فينا يا ترى، ومن الصدى!