أرقها طول الأمد في متاهات العنوسة، كلما سلكت سبيل بحث عادت من حيث لا تستطيع إطلاق زغرودة فرح: تخطت سبعة أمواج على شاطئ سبعة أبحر كما أشارت عليها النساء اتقاء نحس ضبابي الشكوك، وعبرت على متن القوارب نهرا عريض الضفتين كي تلوذ ببركة "لالة عايشة البحرية"، وتمسحت بجذع نخلة ناءت جنباتها بحمل مرميات العوانس والعاقرات،دون أن يطرق بابها طارق أو يلتفت اليها عابر زواج...
نصحها فقيه المسجد أن تُعرض عن تُرهات النساء، وتلزم دعاءً صاغه خصيصا على المقاس، فباتت تردد صباح مساء: " اللهم أنزل علي من السماء عريسا".
تغلغل في ذهنها المهووس بالزواج معنى الدعاء الحسي، فصارت تمشي في الشوارع وعيناها إلى السماء، تراقب نوافذ المنازل والعمارات، علها ترمق إشارة سعد منتظر...
هوى عليها ذات صباح كئيب، رجل خر من الطابق الثالث للعمارة، كان ينوي الانتحار. فكان جسمها الممتلئ سببا في إنقاذه من موت محقق، بينما سقطت المسكينة مغشيا عليها من قوة الارتطام.
استفاق الرجل، وجلل عليه إحساسه بالذنب تجاهها كل رغبة في الانتحار، فبات يزورها كل صباح ومساء بالمستشفى. استفاقت من غيبوبتها بعد أسبوع، فقدم لها سيلا من الاعتذارات والدموع، وأنار غرفتها بالورود والشموع، فأخذت الصداقة تنسج بينهما خيوطها بسرعة العنكبوت البانية...
تذكرت الدعاء فجأة، فصاحت في وجه صاحبها قائلة: لعمري أنت استجابة من الله لدعائي!
لقد كنت أدعو ربي أن ينزل علي عريسا من السماء، لكنني لم أتصور مطلقا أن يكون نزولك بهذه القسوة يارجل...
ضحك العريس الموعود ثم قام للتو، في محاولة للتكفير عن ذنبه، وأحضر شاهدين عدلين، مفاجأة للعروس، لتحرير عقد الزواج.
ما إن رأت المسكينة الشاهدين يدخلان القاعة، حتى عاودتها غيبوبة فرح واندهاش، فقضيا شهر العسل في العناية المركزة...