كان علال البوكاضو ألحن بحجته من الآخرين، وأجرأهم على التقاضي، وأكثرهم دراية بمزاجية القايد موسى الذي ولاه المعمرون إبان الحماية على قبيلة العونات وما جاورها، فحظي بجوار القائد، الذي كان يستعين به على إصدار أحكامه المجانبة للصواب كما تراه الظنون، غير قابلة للاستئناف أوالطعون...
لاتعرض القضايا التي يفصل فيها القايد موسى إلا في حضرة علال، الذي كان يتدخل في كل مرة، فتكون أحكام القائد مستوحاة من إيماءات علال وتلميحاته. لم يفهم الناس سر المكانة التي حظي بها لدى القائد، إذ لاقرابة بين الرجلين ولا تقارب، ولا فضل لعلال على القائد إلا بما يرسله لسانه من كلام محبب لدى صاحبه. كان الناس يتقاضون لدى القائد وهم يدركون أن الحاكم الحقيقي هو علال. يتضايقون لكنهم لا يجدون لهذا البلاء صدا، فباتوا يهابون سطوة علال مثلما يهابون القائد، وصاروا يطلبون وده ورضاه، فيجزلون له العطاء، ويتفننون في إبداء الاحترام والدروشة إزاءه.
واختار البعض طريق زوجته زبيدة، التي خطبت ودها النساء، تبتغين في كل مقاضاة أن تتدخل لدى زوجها كي يتدخل لدى القائد درءا لمكاره الأحكام من غرامات وسياط أو سجن. تبين للقوم أن التدخلات عن طريق زبيدة أكثر جدوى من تدخلاتهم لدى علال، فقد كان حامي السطوة في حضرة القائد، مرتعد الفرائص في حضرة زبيدة، لا يرد لها طلبا ولا يعصي لها أمرا. كانت نسوة القبيلة تغبطنها على حظها الوافر، وتداعبنها بطلب إخبارهن بمقادير الخلطة السحرية التي جعلت من علال خاتما في أصبعها الصغير...
دأب علال على أن ينفرد بالكلام وسط الجموع، يحكي عن بطولاته كذبا وافتراء، وعن رجولته وسيطرته المطلقة على أهل بيته، فيما كان القوم يسمعون صامتين غير قادرين على الرد. لقد كانوا يعتقدون أن أحكام القائد الضعيف الذي لقبوه خفية بالقايد مويسى تصغيرا وتحقيرا، تصدر عن علال البوكاضو، فما لبثوا أن تأكد لهم بالواضح المدسوس أنها تصدر عن زبيدة زوجة علال، التي كانت، كلما أخبرت بالأحكام، تستلقي على ظهرها من فرط الضحك ساخرة من الجميع، حاكمين ومحكومين قائلة: " حكام مويسى على العونات"...
فصار اللاحقون يضربون بقولتها الأمثال ساخرين من جور الأحكام وضحالة الأحلام والأفهام...