"في الوقت الذي يضمن فيه الماضي فقط المستقبل، يحدث أن يفهم بعض القادة أن هذا الضمان غير مؤكد تمامًا."
كتاب كلاب الحراسة لبول نيزان الذي ظهر سنة 1932هو كتيب قاس ضد طبقة الفلاسفة الأكاديميين في الجمهورية الثالثة. هدفها الرئيسي هو الفلسفة المجردة والرسمية، التي تقف كشاشة أمام الشباب، ترفض فتح أعينهم على العالم وتتخذ ذريعة البحث الباطل عن الحقيقة. يستنكر بول نيزان بشدة تواطؤ النخب المثقفة مع السلطة السياسية والاقتصادية القائمة، فضلاً عن مجموعة القيم التي يدافع عنها هؤلاء "الرقيب" في أعمالهم من أجل الإبقاء في السلطة على الطبقة المهيمنة التي هم فيها. الأعضاء المتميزون، المدعومين من الجهاز المؤسسي والعقائدي المرتبط بالدولة (جامعة، مطبعة، شرطة، إلخ). مؤلف كتاب "عدن العربية" ينفي ادعاءاتهم بالعمل في خدمة الإنسانية ويذكرهم بأن أفكارهم واستدلالاتهم، مهما كانت سامية، ليست سوى نتاج طبقتهم ووقتهم. " كتاب كلاب الحراسة " اللامع، اللاذع، الواضح والعاطفي، يشكل شهادة لا غنى عنها على الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية للقرن العشرين، ولم تفقد دعوتها الحيوية للتمرد ضد النظام القائم أيًا من نضارتها. بالنسبة لبول نيزان المراقبون هم أيديولوجيون. في كتابه كلاب الحراسة، يشير إلى التأثير الاجتماعي للفكر المجرد والشكلي للفلاسفة الأكاديميين للجمهورية الثالثة. يتهمهم بتعمية الشباب عن العلاقات الطبقية التي تظهر في واقع ملموس. الحراس لديهم مفهوم طوباوي للفلسفة. وينتقدهم بول نيزان لنشرهم "أسطورة رجال الدين" التي يعتبر الفكر بموجبها النشاط الأكثر قيمة لأنه يخدم البشر. ومع ذلك، إذا اعترف هواة الأفكار ضمنيًا بهذه الأسطورة، فلا شيء في الواقع يقيد الفلسفة للعمل حقًا مع البشر. تحافظ أسطورة رجل الدين أيضًا على وهم تجريد الفكر الأصيل. يعتقد الفلاسفة أن هناك عالمًا غير قابل للتغيير من الأفكار حيث ترتبط نظرياتهم ببعضها البعض. يستنكر مؤرخو الفلسفة الذين يشكلون الجزء الأكبر من فلاسفة هذا الوقت بول نيزان ، ويؤكدون أن الأفكار تخضع لقوانين استثناء لحكم خاص من الوجود. يبدو الفكر بالنسبة لهم نشاطًا نقيًا حقًا تمارسه كائنات ليس لها مكان ولا زمان ولا تتحد بجسد، بواسطة كائنات ليس لها إحداثيات. باختصار، يقول هؤلاء المفكرون أن الفلسفة على مدار تاريخها كانت تتمثل في دفع وسحب القطع المتحركة على رقعة الأفكار ". لكن وحدة الفلسفة وهم بسبب المشاركة في نفس الأسلوب الفكري. في الأساس، هناك العديد من الفلسفات بقدر وجود الفلاسفة. وبذلك يستبعد بول نزان فكرة المهمة العامة للفلسفة.

في كتاب :"الإيديولوجيا الألمانية" الذي ألفه كارل
ماركس بالاشتراك مع صديق عمره فريديريك إنجلز، نجد انهما يعرّفان الإيديولوجيا بأنها مجموعة من التمثيلات الزائفة التي ينتجها المهيمنون من أجل إضفاء الشرعية على استغلالهم للمهيمن عليهم، مثل الإنسانوية البرجوازية لدى اليبراليين، الذين ينادون بالمساواة في الحقوق بين المواطنين حتى يتم بشكل أفضل إخفاء واقع عدم المساواة بين الرأسماليين والعمال.
منذ وقت مبكر:، تعلمنا أن العلم الماركسي، المعروف بالمادية التاريخية، هو الذي يكشف عن الادعاءات الزائفة للأيديولوجيا. بالنسبة لماركس، يسلط هذا العلم الضوء بشكل خاص على البعد غير المتكافئ جوهريا للعلاقات الحقيقية بين الناس، المرتبطة بملكية خيرات الإنتاج. ونظرا لكون مراحل العملية التاريخية التي هي أصل هذا الموقف وقائع وليست أفكارا، فمن الممكن فقط بناء علم اجتماعي حقيقي يبدأ من الناس في نشاطهم الحقيقي، وليس من التمثيل الذي لديهم. إن إزالة الغموض عن الإيديولوجيا مبني على "أطروحة ضد فيورباخ" الشهيرة لماركس: "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم”. وبالتالي، فإن المادية التاريخية تعني حذرا منهجيا تجاه جميع التصورات النظرية التي يصنعها الإنسان عن نفسه. التمثيلات التي يقدمها الأفراد لأنفسهم هي، كما يكتب ماركس، أفكار إما عن علاقاتهم بالطبيعة، أو عن علاقاتهم المتبادلة في ما بينهم أو عن طبيعتهم الخاصة. فمن الواضح، في جميع هذه الحالات، أن هذه "التمثيلات هي التعبير الواعي - الحقيقي أو الخيالي - عن علاقاتهم وأنشطتهم الحقيقية وإنتاجهم وتجارتهم و(تنظيمهم) سلوكهم السياسي والاجتماعي".
بالنسبة لماركس دائما، كل التمثيلات السياسية والقانونية والأخلاقية والدينية والفنية، إلخ.. ليست سوى إيديولوجيا. وهو يمدد أحيانا القائمة عرضا، ينتقد هذه التخصصات لبقائها نظرية لإخفاء حقيقة أنه ليس لها تاريخ: "الأخلاق والدين والميتافيزيقا وكل الباقي من الإيديولوجيا (...) ليس لها تاريخ " ( الإيديولوجيا الألمانية).

بحكم قربه في كثير من النواحي من افكار الكتاب الذين مشوا في أثر توكفيل، يبدو أن رتشارد رورتي (1931-2007) ذهب إلى أبعد من ذلك. إنه لا يرى في العلمنة مجرد حركة تجري، بل إنه يرى فيها انحيازا يجب تأكيده على أنه ليبرالي بشكل مناسب. من هذا المنطلق، ربما يواجه فكر رورتي بعض الصعوبة في أخذه هنا، "لدى الفرنسيين" على حقيقته؛ وغالبا ما يتم تشويهه بسبب تقديمه بتفصيل. ونتيجة لذلك، فإننا نفتقد ما يشكل جذريته، ألا وهي الوحدة المنهجية للجهاز النظري المطبق. لأن توصيف فكر رورتي يرجع إلى الجهد المستمر الذي يبذله لبلورة الرابط بين فلسفة المعرفة والفلسفة السياسية.
من خلال شرح التعبيرات المختلفة للفكر "المرآوي"، يدعونا رورتي إلى لائحة اتهام دون انتداب فكر المحدثين. في هذا المقال، سنركز على بيان بعض السمات البارزة لهذا التساؤل حول الأساس الذي بُنيت عليه رؤية التعليم المدرسي في فرنسا. وبشكل أكثر تحديدا، سوف نحلل ما سيترتب عليه القضاء على أي عنصر خارجي ومتعال يمكن أن يبرر المعرفة ويشكل مجتمع المواطنين في نفس الوقت. لأنه، إذا أخذنا فكر رورتي على محمل الجد، فإن الأساس الذي نبني عليه عملنا التربوي هو الذي يهتز. ولكن في ظل هذه الظروف أيضا، فإن جذرية النقد تدعونا إلى التساؤل عن البراغماتية باعتبارها نتيجة حتمية للعلمنة الديمقراطية.
رتشارد رورتي، بخلاف جون ديوي، الذي يدعي أنه أحد خلفائه، لم يكتب شيئا عن التربية؛ ذلك أن السؤال التربوي لم يكن ضمن اهتماماته الصريحة. ومع ذلك، لا يمكن أن يترك فلاسفة التربية غير مبالين.

 1
     منهجُ التحليلِ الاجتماعي لَيْسَ أداةً للسيطرة على الإنسان، وإنَّما هو آلِيَّة فكرية لتحرير الإنسان مِن سَطْوَةِ الأحلام المَقموعة ، والصِّراعاتِ الشُّعورية المَكبوتة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى الحِفَاظِ على حَيَوِيَّةِ الروابط الوجودية بين الإنسانِ والبيئةِ المُحيطةِ به ، وتفعيلِ العلاقات المصيرية بين العقلِ الجَمْعِي والوَعْي القَصْدِي ، بِوَصْفِهَا قواعدَ رافعةً للبناء الاجتماعي ، وأنساقًا ثقافية تَحْمِي المُجتمعَ مِن الاغترابِ عن طبيعته الإنسانية ، وهُويته الحضارية ، وسُلطته المعرفية . ولا يُمكِن للإنسانِ أن يَبْنِيَ أبعادَ شخصيته على قواعد البناء الاجتماعي ، إلا إذا عَقَدَ مُصالحةً بَين حُرِّيته الإبداعية وسُلطةِ المُجتمع المعرفية ، وَصَنَعَ تاريخًا شخصيًّا لأحلامِه وشُعورِه ووَعْيِه ، يَحفظ التوازنَ بين المعاييرِ الأخلاقية والأنساقِ الثقافية ، لِكَيْلا يَحْدُثَ تآكُلٌ في شخصية الفرد الإنسانية ، أو انحسارٌ في مصادر المعرفة التي تَتَحَكَّم بالترابطِ المادي بين مُكَوِّنَات الطبيعة ، والتواصلِ الرُّوحي بين عناصر التاريخ .

نزل الفيلسوفُ مُحمَّد مُـوهُـوب* ضيفاً على إذاعة مراكش ضمن برنامج "فنّ وسياسة" الذي يُقدّمه الإذاعيّ حسن بنمنصور، وذلك يوم السبت الماضي على الساعة الثانية عشر نهاراً.
نبتهلُ، نحن بدورنا، فرصة هذه الخرجة الإعلامية لمحمّد مُـوهُــوب، فنحاول التفكير معه في هذا الذي فكّر فيه ونُسلّط الضوء على بعض ما أوقَف عليه ضمن حديثه في البرنامج. يُمكن وضعُ هذه الخرجة في إطار خرجات مُوهُوب الإعلامية المتعدّدة والمُختلفة، عبر مختلف القنوات والإذاعات، من أجل محاولة إخراج الدرس "الفسلفي الصارم" من أسوار الجامعة، وعرضه على محكّ أسئلة الناس وهمومهم. وهو ما كان وراء تأسيسه بمراكش، رفقة آخرين، لما سُمي بـ "ليلة الفلاسفة" (La Nuit des Philosophes).

في بداية البرنامج، وهو يُقلِّبُ أوراق عمرٍ ولَّت، يتذكّر محمّد مُوهُـوب ويُذكِّر بسنوات تدريسه لمادة "الفلسفة السياسية"، ليوقفنا، من خلال هذا التذكير، على التصوّر الذي يصدُر عنه في طرقه لسؤال الفلسفة في علاقتها بالسياسة؛ مفاد هذا التصوّر أن الفسلفة مذ بدأت وهي سياسة/ سياسية. منذُ بداياتها، إذن، والفلسفةُ غير منفصلة عن السياسة، عن الأوضاع السياسية، عن الشأن العام، عن التزاماتنا ومسؤولياتنا تُجاه هذا الشأن، ما نحنُ مدينون به له.

هكذا ظهرت فلسفةُ أفلاطـون، يُذكّرنا مُـوهُـوب، كبديلٍ عن واقعٍ متردّي في القرن الرابع قبل الميلاد، واقع لا يفتأ يُسائل مسؤولية المُجتمع تُجاهه؛ فبعد الحُكم الاستبدادي الذي كان يطبع سياسة أثينا في تلك الفترة، تمت الاستعاضة عنه بما سُمي بـ "حكومة الثلاثين"، والتي كان من بين مّمَثِّليها والقائمين عليها بعض أفراد عائلة أفلاطون، الشيء الذي جعل هذا الأخير يعرف السياسة عن قرب، وهو ما توقفنا عليه "رسالته السابعة"، فقد جعله كل شيءٍ يحيط به، منذُ شبابه، مُتطلِّعاً إلى الإلقاء بنفسه في أحضان السياسة. بيد أن كلا هذين الحُكمين، الاستبدادي والديموقراطي، لم يكشفا إلا عن تردّيهما، فكلاهما تكالبا، بتعبير مُوهُوب، على أفضل رجلٍ عرفه أفلاطون، الرجل المثال، وهو سقراط، تكالبا على  توريطه في قضايا سياسية فاسدة  ذهب ضحيةً لها. وهو ما أوقَف أفلاطون على أن هذا المناخ السياسي يَلزَمه "تقليبُ الأرض" ككل، وليس فقط إضافة اختيارٍ سياسي وسط الاختيارات المتاحة أو الإمكانيات المُمكنة داخل أفق الوضع السياسي القائم. هكذا، بعبارة موهوب، اجترح أفلاطون الفلسفة.

كانت لدى نيتشه خبرة قليلة في مجال العشق والغرام. يقال إنه لم يكن لديه أي شيء سوى علاقات صداقة مع أي امرأة. ومع ذلك، فقد كتب، مثل أي فيلسوف متميز، عن الحب وعن النساء.
في أحد الأيام، في سورينتو، عهد إلى مالفينا دي ميسينبرج بكراسة تحوي مخطوطا عليه شذرات عن النساء، ظهرت منذ ذلك الحين في الجزء الأول من كتابه " إنساني، مفرط في إنسانيته". أخذت منه مالفيدا الكراسة لتقرأ ما دون فيها ثم أعادتها إلى نيتشه راسمة ابتسامة على محياها. سألها عن دواعي ابتسامتها. أجابت الآنسة دي ميسينبورغ: "لا تنشر هذا". ظهرت على وجهه علامات الاستياء. ضم الكراسة إلى مخطوطة جاهزة وبعث بالكل إلى الناشر.
كانت نصيحة مالفيدا في محلها. تشكل أقوال نيتشه عن المرأة الجزء الأقل إثارة للاهتمام من مجمل كتابه. سوف نتحدث هنا فقط عن الفصل الذي يخصهن، في "إنساني، مفرط في إنسيانته". هناك أفكار أخرى حول المرأة والحب يمكن استكشافها لاحقا، في كتاب "ما وراء الخير والشر".
يبدأ الفصل السابع من "إنساني، مفرط في إنسانيته"، والمعنون ب"المرأة والطفل"، بفكرة صحيحة وجديدة: "المرأة المثالية هي أكثر انواع الإنسانية رفعة من الرجل المثالي: إنها أيضا شيء نادر. يقدم التاريخ الطبيعي للحيوانات طريقة لجعل هذا القضية مقبولة". ما يلفت الانتباه بشكل خاص في هذه الفكرة هو الجملة الأخيرة، حيث يوجد حدس رائع للحقيقة العلمية. في معظم أنواع الحيوانات،، كما أوضح ريمي دي غورمون في كتابه الحامل لعنوان "فيزياء الحب"، الأنثى هي النوع المتفوق. بين الحشرات على وجه الخصوص، ومن بين أكثرها ذكاءً، تؤدي الأنثى وحدها تقريبا جميع الوظائف الاجتماعية التي يتقاسمها الذكر والأنثى في الجنس البشري وكذا عند الطيور. الأنثى هي على حد سواء بانية العش، و الراعية التي تدافع عنه ضد الأعداء، والصيادة التي توفر الفريسة لنسلها؛ هي كل شيء. يكاد الذكر ان يكون لا شيء: يظهر للحظة، يؤدي وظيفته الطبيعية، ثم يختفي.

تمهيد
عندما نقيم الأشخاص والأفعال والأشياء والمواقف بشكل إيجابي، فإننا نعزو قيمة لهم. بعبارات عامة، نسميها جيدة. وبالتالي، فإن البحث في القيمة يوازي بشكل وثيق التحقيق في الخير. يتمحور البحث الفلسفي في القيمة حول ثلاث اهتمامات ذات صلة: أولاً، تحديد ما نقوم به عندما نعزو قيمة للكيانات التي يتم تقييمها؛ ثانياً، قول ما إذا كانت القيمة ذاتية أم موضوعية؛ وثالثًا، تحديد الأشياء (مثل المتعة أو المساواة) ذات القيمة أو الخير. من الواضح أن هذه المخاوف مترابطة. القيمة لا تعادل القيمة الأخلاقية. الأعمال الفنية لها قيمة، لكن ليس لها قيمة أخلاقية. أو مرة أخرى، قد يكون الاسترخاء مفيدًا للشخص، لكن لا يوجد شيء جيد أخلاقيًا في المشي. تهتم نظرية القيمة بطبيعة الخير بشكل عام، والتي يعتبر الخير الأخلاقي نوعًا واحدًا منها. تشمل الأنواع الأخرى من القيم القيمة الجمالية والقيمة الاحترازية. تعتبر نظرية القيمة ذات أهمية مركزية للأخلاق والاقتصاد والفلسفة السياسية.
معنى أحكام القيمة
ماذا نفعل عندما نعزو قيمة لشخص ما، أو فعل، أو حالة ما؟ على سبيل المثال، ماذا نفعل عندما نقول إن الشخص جيد، أو أن الحرية قيمة؟ تتضمن الإجابة على هذه الأسئلة شرح معنى الأحكام التقييمية. ماذا تعني، على سبيل المثال، كلمة "جيد"؟

طالما أن الموقف السلبي الذي تبناه فريديريك من سقراط صار معروفا لنا من خلال الدراسة الرائعة التي أنجزها الباحث ألكسندر نيهيماس والتي قام كاتب هذه السطور بنقلها إلى العربية في جزءين (*)، فقد بقي موقفه من أفلاطون غير واضح بما فيه الكفاية. لكن بعد بحث قصير بمساعدة شيخنا غوغل، وجدنا ما يفي بالغرض في هذا الموضوع عند كاتب آخر هو كريستوف هورن.
باتباع وجهة نظر مبسطة إلى حد ما، نرى أن نيتشه كره أفلاطون ورفضه أساسا كما جذريا. هذا أمر شائع يتقاسمه العديد من قراء كتابات نيتشه، مثلا :"ولادة المأساة" (1872) أو " جنيالوجيا الأخلاق" (1887).
لكن بالنظر عن كثب، يجب أن نميز، من ناحية، بين الأسباب الرئيسية لرفض نيتشه لأفلاطون، من ناحية أخرى، وعدد معين من وجهات النظر التي من خلالها قدره أفلاطون بل وأشاد به. وإذا انتقد بشدة الكثير من أخلاقيات أفلاطون، فقد اتسم موقفه تجاه فكره السياسي بودية أكثر. من المهم إبراز الخلفيات الفلسفية، بما في ذلك تلك الخاصة بالفقيه اللغوي الكلاسيكي الشاب نيتشه خلال فترة بازل، كما نجد في ملاحظاته الدراسية وفي بعض مقاطعه التي حررها كولي ومونتيناري على وجه الخصوص، لدينا ما يقرب من 190 صفحة من المواد عن أفلاطون التي استخدمها نيتشه لدروسه في الجامعة. على حد علمنا، لا توجد حتى الآن دراسة منهجية لهذه النصوص.
وطالما أن وجهة نظر نيتشه عن أفلاطون موضوع مثير للجدل بين المعلقين، سنكتفي بالتذكير بالاعتراضات الستة الأكثر أهمية التي سجلها نيتشه على الفيلسوف اليوناني.

إيمانويل كانط فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). ولد في كونيبغسبرغ ضمن وسط اجتماعي متواضع، عاش حياته كلها في مسقط رأسه المنتمي لمملكة بروسيا.
كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانط آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
اشتهر بشكل أساسي بكتابه "نقد العقل الخالص"، ولكن أيضا بتفكيره في الأخلاق، في علم الجمال وفي السياسة. كان هو الرابع في عائلة مكونة من أحد عشر طفلاً، ولد وتوفي في كونيغسبرغ، ولم يغادر مسقط رأسه أبدا. عاش وفقا لاستعمال زمن ثابت. كمدرس في جامعة كونيغسبيرغ، كان من أوائل الفلاسفة الذين شغلوا كرسيا جامعيا.
ولد كانط عام 1724 في مدينة في وسط اجتماعي متواضع. امتهن والده السراجة، ما يعني أنه كان يشتغل على الجلود.
درس في ثانوية فريديريسيانوم، ثم التحق بجامعة كونيغسبرغ في سن السادسة عشرة. أراد دراسة علم اللاهوت، لكنه تلقى أيضا دروسا في الرياضيات والفلسفة، اللتين عرفتاه على فكر لايبنيز.
اكتشف فكر نيوتن، وأخذ يهتم بالفيزياء وعلم الفلك.
عند بلوغه السادسة والعشرين، كان عليه أن يتوقف عن دراسته، بعد وفاة والده، لكسب لقمة العيش. كمدرس، أعطى دروسا للعائلات الثرية. دامت هذه المرحلة من حياته تسع سنوات، وخلالها حرر أطروحته الأولى: "أفكار حول التقييم الحقيقي للقوى الحية".

              عرفت فلسفة العصر الوسيط هيمنة كبيرة لإشكالية التوفيق بين الفلسفة من جهة والدين من جهة أخرى، ومن ثم كانت معالجة الفلاسفة في هاته المرحلة لأسئلة مرتبطة بذات الإشكال، مادام الفيلسوف يلتقط الإشكالات التي تعبر عن روح العصر الذي يعيش فيه. وبما أن المرحلة القروسطية الإسلامية والمسيحية قد تميزت بهذا التوتر بين الديني والفلسفي، فإن الفلاسفة الذين عاشوا خلال هاته الفترة، قد قدموا إنتاجات أشكلوا من خلالها هذا التوتر من خلال أزواج مفهومية تعكس طبيعة هذا الصراع: العقل/ النقل، الحكمة /الشريعة، الدين/ الفلسفة، الاتباع/ الإبداع، الرواية/ الدراية...لقد كانت كل الأسئلة التي شغلت اهتمام فلاسفة العصر الوسيط منتظمة ضمن إشكالية كبرى، وهي إقحام الفكر العقلاني المستلهم من الفكر اليوناني داخل حضارة يهيمن عليها الجانب الديني. من هنا يعتبر إيميل برييه أن الفلسفة الوسطوية هي تجربة فكرية واسعة لتقديم حل لمشكل للعلاقات القائمة بين العقل والإيمان.1 أي بين الحقيقة التي تستمد صلاحيتها من النص الديني المقدس وتلك التي تستمدها من الاستدلال العقلي المستمد بدوره من الفلسفة اليونانية. ولعل أبرز سؤال في هذا السياق هو سؤال البحث عن الله ومحاولة إثباته من خلال حجاج عقلي.

         ويعتبر الغزالي/ ابن رشد ممن ترجموا هذا التوتر في المجال التداولي الإسلامي، في محاولة تناولهما علاقة الشرع بالفلسفة والمنطق: هل صحيح أن المنطق بما هو مدخل للفلسفة يودي بصاحبه للكفر؟ هل حقا كل من تمنطق قد تزندق؟  وهل يبيح الشرع الاشتغال بالفلسفة؟ وهي إشكالية جهل فيها الفلاسفة الفقهاء وكفر فيها الفقهاء الفلاسفة يقول المقري في كتابه " نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" وهو يؤرخ لهذه المرحلة :" إن كل من عثر عليه يشتغل بالفلسفة والتنجيم إلا ورمي بالزندقة وربما طولب في دمه"2وفي هذه المرحلة طرحت مسألة التأويل بين دعاة الإبداع وتقديم العقل على النقل، من منطلق أن منطق الوحي يساير منطق التاريخ ويحايثه، وبين دعاة النص والاتباع ممن يعتبرون منطق الوحي يتعالى على التاريخ يقول محمد عابد الجابري متحدثا عن طبيعة الإشكالات التي حكمت الفلسفة الإسلامية لقد دشن الكندي عملية"تعريب"الفلسفة وتبيئتها (...)ويأتي الفارابي (...)لينادي بخطاب العقل(...) الذي لا يرى في الاختلاف بين الدين والفلسفة سوى اختلاف في طريقة التعبير(...)أما ابن سينا (...)فقد كرس بفلسفته اتجاها(...) كان له أثر(...) في ارتداد الفكر العربي الإسلامي من عقلانيته المتفتحة، التي حمل لواءها المعتزلة والكندي، وبلغت أوجها مع الفارابي، إلى "لاعقلانية"(...)لم يعمل الغزالي(...)إلا على نشرها وتعميمها في مختلف الأوساط(...) لنول وجهنا شطر المغرب العربي (...)، حيث سنجد الفلسفة العربية الإسلامية(...)تستعيد دورها الطلائعي مع بداية "الثورة الثقافية" التي دشنها "ابن تومرت"، وواصلها خلفاؤه من بعده (...)"ابن باجة "(...)،و"ابن طفيل"(...)ذلك مقال جديد أسس عليه "ابن رشد خطابه الفلسفي الأصيل."3

ولد فريدريك نيتشه في عام 1844 في قرية هادئة في الجزء الشرقي من ألمانيا، حيث كان أجداده - على مدى أجيال – قساوسة الأبرشية المحلية. لقد اجتهد على نحو جيد بشكل استثنائي في المدرسة والجامعة؛ وتفوق في دراسة العلوم اليونانية القديمة، والتي كانت موضوعاً مرموقاً للغاية في ذلك الوقت، لدرجة أنه أصبح أستاذاً بجامعة بازل عندما كان لا يزال في منتصف العشرينات من عمره.
لكن مسيرته المهنية الرسمية لم تنجح. لقد سئم من زملائه الأكاديميين، وتخلى عن وظيفته في التعليم الجامعي، وانتقل إلى سويسرا وإيطاليا حيث كان يعيش بتواضع وغالبا بمفرده. تم رفضه من قبل سلسلة من النساء، مما تسبب له بالكثير من الحزن والأسى الذي وصفه بقوله "انعدام الثقة لدي هائل". لم ينسجم حتى مع أفراد عائلته المقربين، وهو ما تجلى بقوله: "أنا لا أحب والدتي ومن المؤلم حتى بالنسبة لي أن أسمع صوت أختي". وفي نسق عزلته، أطلق شارباً كبيراً وكان يمشي لمسافات طويلة على الأقدام في كل موطن أقام فيه كل يوم. لسنوات عديدة، كان من الصعب للغاية أن تباع كتبه على الإطلاق. وعندما كان عمره 44 عاماً، انهارت صحته العقلية تماماً. لم يتعافَ أبداً بعد تلك الانتكاسة الصحية، وتوفي بعدها بأحد عشر عاماً في شهر أغسطس من العام 1990.
اعتقد نيتشه أن المهمة الأساسية للفلسفة هي تعليمنا كيف "أن نصبح على ما نحن عليه". بمعنى آخر، كيف نكتشف ونكون أوفياء لأعلى إمكاناتنا الكامنة.
تحقيقاً لهذه الغاية الفلسفية، طور أربعة خطوط فكرية مفيدة: