كلما تدافقت الكتابات الشعرية مستثيرة في دفق حركي خصيب أسئلتها، يراود الشاعر توق ابتداع قصيدة القصائد، تلك القصيدة-الحلم، التي تكتمن في ثناياها كنه الشعر وحقيقته الجوهرية ، وتشد المتكثر منه إلى الواحد المتفرد المطلق، الذي لا كمال يرجى بعده، مباعدة بين المطلق والنسبي، اللازمني والزمني، اللامكاني والمكاني، "الصورة" والظل، الخفاء والتجلي، تلك القصيدة التي تقدح بأسئلتها شرارة شعرية القصائد، وتشرعها على أمدائها المتمادية التي لم ترتدها من قبل، موفرة لها ما تكون به مبنى ومعنى ذات جمالية وحداثة، تلك القصيدة التي تداني حدي ثنائية العدم والوجود، وتستوعي جدليتهما، وتومض في القصائد إيماضها الحواري، مختلقة جدلية صمت الدلالة وبوحها، التي تتنزل منزلة معادلها الرمزي الشعري.
بيد أن هذا التوق الذي قد يجنح إليه الشاعر، تنكشف سرابية حلمه ووهميته أمام تواصل القصائد الشعرية، واسترسالها الزمني، لأنه توق إلى التعالي بالشعر عن الزمن، والانصياع لمبدإ الهوية الثابتة، وتعليب الكثرة الشعرية في علبة المطلق المتفرد، بينما الشعر يذعن حتما للنسبي، ولمنطق الصيرورة الزمنية، وينشد حرية الاختلاف، وارتياد آفاق الكتابة الاحتمالية المشرعة على المغاير.
مع الباحث المغربي سعيد بوخليط ـ حاوره : حسين محمد شريف
تقديم : يقف في منتصف عقده الرابع حاملا بين يديه أكثر من اهتمام وناثرا للمعرفة أكثر من جهد يتراوح ما بين التأليف والترجمة والنقد الاجتماعي فضلا عن السياسي. سعيد بوخليط يغرد بلغتين لطالما عبر بهما عن ذاته وهو خارج عن الفرانكو - مغاربية على حد وصف جاك دريدا في كتابه أحادية الأخر اللغوية كونه ليس بأحادي اللغة. متخصص بغاستون باشلار حيث نال الدكتوراه بامتياز عال عن أطروحته الموسومة (الخطاب النقدي والأدبي عند غاستون باشلار :شعرية العناصر الأربعة) صدر له كتاب غاستون باشلار : عقلانية حالمة. وكتاب غاستون باشلار : نحو أفق للحلم. وكتاب غاستون باشلار : بين ذكاء العلم وجمالية القصيدة. وكتاب العقلانية النقدية عند كارل بوبر، (تقديم وترجمة). وكتاب غاستون باشلار:نحو نظرية في الأدب . وكتاب المتخيل والعقلانية دراسات في فلسفة غاستون باشلار :وكتاب غاستون باشلار مفاهيم النظرية الجمالية. وكتاب نوابغ سير وحوارات. ترجمة وتقديم. وكتاب قضايا وحوارات بين المنظور الأيديولوجي والمعرفي. وكتاب بين الفلسفة والأدب:دراسات وسير. وكتاب يوميات حالم مغربي. فضلا عن عشرات المقالات النقدية كتابة وترجمة في عشرات المواقع الالكترونية والصحف المغربية والعربية والعالمية.
ذاكرة أنفاس: حوار مع مصطفى نيسابوري ـ حاورته:زكية الصفريوي ـ ترجمة : سعيد بوخليط
1-س- كيف التحقتم بأنفاس ؟
ج-قبل ظهور مجلة أنفاس،كنت قبل ذلك،وخير الدين،فاعلين شعريين في مدينة الدار البيضاء،وعمرنا لم يتجاوز بعد عشرين سنة… .انصب اهتمامنا الأساسي،خلال تلك الحقبة،على كتابة الشعر،فكتبنا بيانا شعريا،سنة 1964تحت عنوان : . Poésie touteبعد ذلك،أصدرنا مجلة صغيرة في شكل كُتَيب، تضمن قصائدنا.إنها عبارة، عن أوراق منفصلة، مهيأة تقريبا بخط اليد، لدى مطبعة صغيرة،أو بالأحرى هو عامل في مطبعة،أكثر منه مطبعي بالمعنى الحقيقي للكلمة. سنة 1965،التقيت عبد اللطيف اللعبي،عن طريق شاعر فرنسي،زار المغرب،بحيث قال لي :((سأجعلك تتعرف على شخص ستحبه كثيرا)).كان اللعبي، ينشر قصائده على صفحات جريدة''ليبراسيون''،الواجهة الفرنكفونية،لحزب المعارضة الأساسي، خلال تلك الفترة أي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .فعلا التقينا،وتناقشنا كثيرا، واستحضرنا فكرة أن نخرج إلى حيز الواقع، شيئا قد يشكل أرضية ،تعبيرية للجيل الجديد.كنا نعتبر الشرايبي والصفريوي،بمثابة أخوين كبيرين لنا،لكننا بدورنا لنا نظرة أخرى للأشياء ورؤية ثانية، لمغرب مابعد الاستقلال.ولأن الأفق يتعلق بمشروع ثقافي،فقد كان طبيعيا،أن ينضم إلينا فنانون،امتلكوا بدورهم تصورا، لما يجب أن تكون عليه ثقافة حديثة في المغرب،لقد اتجه اهتمامنا إلى التشكيليين أساسا.كانت لعبد اللعبي،علاقات مع كبار الفنانين المغاربة، تواجد أغلبهم بمدينة الرباط.هكذا،قررنا إخراج المجلة برفقة مجموعة من الفنانين،كانوا أساتذة في مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء،لاسيما المليحي وبلكاهية وشبعة ثم عطا الله،لأنهم أبانوا عن خطاب مغاير لما يردده الآخرون.تضمن العدد الأول من مجلة أنفاس،قصائد عززتها إبداعات فنية على الغلاف، وكذا بين طيات الصفحات الداخلية.ساهمتٌ في العدد إلى جانب عبد اللطيف اللعبي،وبعض التشكيليين وشاعرين صديقين من الدار البيضاء،توقفا فيما بعد عن الكتابة….انعقدت الاجتماعات،بين الدار البيضاء والرباط،وفي أغلب الأوقات كنا نلتقي أصدقاءنا الفنانين في مدرسة الفنون بالدار البيضاء.طبعا، جاء العدد الأول، مخالفا للمألوف،لأننا ضمناه خطابا لم يكن تماما مستساغا،يوجه انتقادا حادا للوضع.الأهم في هذه العملية،ليس صوابنا من عدمه،ارتباطا بتلك اللحظة،بل الغضب الشديد، الذي استدعينا به الأشياء، وهذه المقدرة و القوة الداخلية والطاقة التي شكلت رافعة أساسية، لهذا البناء والكلام والنظرة المنصبة عليها. صدر العدد الأول، شهر مارس عام 1966 .
قراءة في السيميولوجيا البصرية ـ محمد غرافي
يعد هذا المقال قراءة في بعض النظريات التي انصبت منذ الستينات على مقاربة الصورة في العديد من أنواعها. فمنذ أن دخلت السيميولوجيا حيز النقد الأدبي، أصبحت الصورة مجالا خصبا للدراسات التي تدعي كلها الانتماء إلى علم الدلالة دون أن تقصي من حسابها الاستناد إلى نظريات التحليل اللسني أو النفسي أو الاجتماعي. وقد أثار هذا التداخل بين مختلف مناهج العلوم الإنسانية أسئلة عديدة في البداية قبل أن تصبح السيميولوجيا علما في حاجة ماسة إلى جميع هذه العلوم برمتها. إن بعض هذه الأسئلة هي التي تنصب عليها قراءتنا في بعض مناهج سيميولوجيا الصورة.
اللسانيات وسيميولوجيا الصورة:
لقد حظي موضوع العلاقة بين السيميولوجيا واللسانيات بجدل واسع. وبقدر ما أثارت هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة ذات القيمة المعرفية والعلمية وفسحت المجال واسعا للمزيد من تحديد كل منهما ضمن حقول العلوم الإنسانية، بقدر ما أضفت على بعض هذه البحوث أحيانا طابع المزايدات والجدالات العقيمة. وهكذا أصبح الصراع بين السيميولوجي واللساني يتمحور حول ما إذا لم تكن سيميولجيا الصورة سوى نقل حرفي مباشر لمفاهيم اللسانيات وتطبيقها على النماذج البصرية.
في مقال له بعنوان "ما بعد المماثلة، الصورة"(1) يقوم كريستيان ميتز C.Metz بالكشف عن طروحات كلا الاتجاهين وأهم الثغرات التي أدت إلى هذا التعصب الحاد، ليبلور في الأخير مجموعة من الملاحظات التي تقيم الحدود والعلائق في الآن نفسه بين سيميولوجيا الصورة واللسانيات.
حجاجية الورود المعرفي في تلقي المثل الشعبي المغربي ـ عبد الحق مبسط
ـ كيف يشتغل مبدأ الورود في سيرورة إنتاج وتلقي المثل الشعبي؟
وهل يقوم هذا المبدأ على توفر المعرفة المشتركة فقط أم أن له شروطا أخرى؟ وما طبيعة هذه الشروط؟
ـ وهل تعزى السمة الحجاجية في المثل الشعبي إلى صيغه اللغوية المنطقية أم إلى دقة انسجامه مع سياق التخاطب؟ وما دور الإيقاع في ذلك كله؟
لا يمكن للمتحدث عن الأمثال الشعبية إلا أن يجد نفسه في صلب معضلة العلاقة بين اللغة والفكر، وهي مصب مباحث جمة كالمعرفة والثقافة والحجاج والمنطق والنظم والبيان وبعض العلوم الحية كعلم الأعصاب والذكاء الاصطناعي والبرمجة وعلم الأنظمة الخبيرة وغيرها. وليس لم شعث هذه المستويات بالمطلب المتاح للباحث الفرد في مقال أو كتاب لذلك فقد استقر الاختيار المنهجي في هذه المداخلة على معالجة حجاجية الورود في المثل الشعبي المغربي في صيغة تحليلية للأنساق المحورية الثلاثة التي يحيل عليها العنوان وهي الورود والحجاج وخطاطة التلقي.
أولا: الورود في المثل الشعبي من المبدأ إلى النسق:
دور القارئ في النقد الأدبي الألماني المعاصر ـ أرنولد روث ـ ترجمة: عبد العالي مريني
قال بول فاليري Paul Valéry ذات مرة : « إن قصائدي تأخذ المعنى الذي يعطى لها».
إن هذه الجملة المشهورة تتضمن إحدى البديهيات الرئيسية لنظرية جديدة جعلت العلاقة بين النص والقارئ موضوعا لها، وعرفت باسم "Rezeptionsasthetik" التي أجيز لنفسي ترجمتها مؤقتا بـ"جمالية التلقي" Esthétique de la réception".وعلى الرغم [مما قاله] هذا السلف المشهور وغيره في اللغة الفرنسية، ومن بينهم "جان بول سارتر" Jean - Paul sartre و" أرتور نزن" Arthur Nisin، فإن هذه النظرية الجديدة -حسب علمي- تظل بعيدة عن أن تجد في فرنسا نفس الصدى الذي وجدته في ألمانيا الغربية التي ارتقت فيها جمالية التلقي إلى مستوى مدرسة إن لم نقل موضة -الموضة ذاتها التي غزت جمهورية ألمانيا الديموقراطية (RDA) منذ 1973.
ومن بين الاستثناءات التي تؤكد [هذه] القاعدة، يجب أن نذكر العمل الجيد لـ"بروست " J. Proust حول "قراءات ديدرو" "Lectures de Diderot"، إلا أن هذه الفجوة بالنسبة إلى أحد زملائي، [وهو] "فولفغانغ لينر" Wolfgang leiner، تبدو كبيرة جدا لدرجة أنه اقترح أن يقدم في هذا الموضوع مجلة جديدة باللغة الفرنسية تحت عنوان " أعمال وانتقادات" Œuvres et critiques الصادرة عن منشورات "جان ميشال بلاس" Jean -Michel Place . فمن جهة، إن هذه النظرية توجد باستمرار في وضعية مؤقتة، ومن جهة أخرى، خاصة بسبب هذه الوضعية المؤقتة، فقد أدت إلى اتخاذ العديد من المواقف. ولهذا لا يمكنني إلا إعطاء نقطة بداية لمناقشة لاحقة. وللسبب ذاته لن أذكر إلا بعض الأسماء محيلا القارئ إلى البقية في البيبلوغرافيا المختصرة المرفقة [بهذا المقال][2]. [هكذا] فبعد أن أوجز الحديث عن الوضعية السابقة للنقد الأدبي في ألمانيا، سأقوم بجولة في أفق جمالية التلقي وذلك من منظور نظري وتطبيقي، وبعدها سأذكر بعض الأصوات النقدية التي تندرج ضمن جمالية التلقي، لأنتهي إلى بعض الملاحظات المتعلقة بالمستقبل المحتمل لهذه النظرية.
نيرودا: الطفل الحزين الذي أصبح " أميرا للشعراء" ـ عبدالله الساورة
في كتاب المؤرخ ماريوأموريس ” نيرودا، أمير الشعراء” ( 619 صفحة/ نونبر 2015) يعيد رسم وجود الطفل بابلو نيرودا الذي حصل على جائزة نوبل للأداب.
نيرودا : الطفل الخجول والتعس
الطفل الخجول ذو الأجواءالتعسة والحزينة، اسمه الحقيقي ريكاردو إليسير نفتالي باوسالتو، المسمى بابلو نيرودا. شاعر ذو انتاج غزير، تطرق إلى مختلف المجالات الموضوعاتية، بشكل خصب وكل ما تعلق بحولها. تحول إلى واحد من الكتاب / المفاتيح خلال القرن 20، الذي تجاوز حضوره الأدبي ، و تحول إلى أمل اجتماعي وسياسي بالنسبة للشيلي وأمريكا اللاثنية، على الرغم من أنه ربما تجاوز شعبيته بفضل أبياته في الحب التي لم تترك لتوحيد الأزواج ، وأصبحت ملجأ ضد العاشقين في قصائده ” عشرون قصيدة حب وأغنية بائسة”( 1924). في هذا الكتاب الجديد والمليء بالكثير من الحقائق والمفاجآت، يعيد المؤرخ رسم مسار الطفل الذي ولد في 12 يوليوز 1904، وعن سبعين قصيدة التي كتبها في دفتره، والتي اجتازت نصف العالم حتى نالت في دجنبر ( 1971) وسافرت إلى ستوكهولم لنيل جائزة نوبل للأداب، اعترافا بأعمال مثل : ”إقامة في الأرض ”، ”اسبانيا في الأرض ” ، ” بكاء عام ” ، ” أيات الكابتان ” ، ” العنب والرياح ” ، ” نصب تذكاري للجزيرة السوداء ” ...
سيميوطيقا الفعل الروائي ـ رواية "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس نموذجا ـ محمد الساهل
مقدمة
إن الاشتغال اللساني على المدونة الروائية بما هو حفر لغوي في بنى النص السردي قد تسلل إلى النظرية الروائية، فالعمل الروائي في حقبة ما بعد الثورة اللسانية والكشوفات اللغوية يوصف بأنه جملة طويلة بما هي متوالية من الأفعال (actes (les، ويتمشهد الفعل الروائي داخل المتون السردية في صورة إنجاز تلفظي آنة، وفي صورة إنجاز حركي آنة أخرى، ويتضمن الفعل الروائي قوتين إنجازيتين؛ إحداهما حرفية بما هي تشكيل دلالي معلن ومقول معنوي حقيقي، والأخرى مقامية بما هي تشكيل دلالي مضمر ومقول معنوي مجازي. وما على العقل القرائي في عبوره من المعلن الروائي إلى المضمر الحكائي وانتقاله من الحقيقة السردية إلى المجاز الحكائي إلا أن يغرف من مشربيات سيميائية ومرجعيات لسانية لاستكناه ما يرشح به الصوغ الروائي من تمثلات اجتماعية ورموز حضارية ودفقات شعورية، وما ينضح به المصنوع السردي من مقول اللاَّمقول ومن مكتوب اللامكتوب لأن المنتوج الروائي في تحققه الحديث ينكتب بمعجم لغوي رمزي وإيحائي راسما علائق دلالية جديدة بين الموجودات، كما ينبني بتركيب لغوي ناقص وغير تام منزاحا عن التقليد الجملي والمعهود التركيبي. إن العقل الروائي، في اجتراحه لهذا السبيل التعبيري منتقلا بالفعل السردي من رواية ناطقة بكل شيء إلى رواية كانزة لكل شيء، يؤسس لفعل قرائي جديد سمته الإنتاجية والتوليدية، فالعقل القرائي يتحول إلى مستكشف لجغرافيا النص السردي وفاتح لعوالمه الحكائية وحفار عن كنوزه الدلالية، في حين أن المنتوج الروائي يتحول إلى أرض كانزة للأسرار الدلالية وعالم غاو ينضح ببياضات مستفزة وفجوات جذابة وتراكيب مدهشة. وما فتح المتن الروائي وكشفه إلا مغامرة قرائية تستلزم من الفاتح أن يشحذ أدواته ويدقق خطواته لأن المعنى الروائي لم يعد ملقى على هوامش النص السردي يلتقطه العامة والخاصة على السواء، بل أضحى هذا المعنى غنيمة متمنعة يتناسل في قوالب مجازية وتشكيلات استعارية وبنيات رمزية لأن العقل الروائي ينطلق في إنتاجه السردي بما هو بناء دلالي وتشكيل رمزي من مبدأ يحفظ للعقل القرائي حقه في الفهم والتأول وينتقل به من متقبل سلبي وقارئ مستهلك للمادة الروائية إلى متقبل إيجابي وقارئ يعيد إنتاج المادة الروائية في تشكيلات جديدة، وهذا المبدأ يختزل في أن الوضوح الروائي عقاب قرائي والغموض الروائي حق قرائي لما يكتنزه من لذة فنية ومتعة أدبية.