إنه من البخل الفكري وفقدان الكياسة ان تقرأ عملا ادبيا محترما يشدك ويأسرك في عوالم مختلفة ويحررك من أصنام عدة، ان تنتهي منه ولا تخط اسطرا فذلك غبن لصاحبها، خصوصا وهي تفرض نفسها عليك فرضا وما عليك سوى أن تطلق العنان لعقلك وقلمك. كان هذا حالي عندما كدت انهي رواية الطلياني وأنا اقول في دواخلي على هذا القلم المجنون ان يتوقف الآن، انه يكتب أشياء بالنيابة بعدما فشلنا نحن على تجميعها في هكذا قالب ادبي. أستسمح الكاتب الذي اشبعته سبا في داخلي كلما اضحكني مقطع او وجدته مسليا فكريا، مثلما اسب صديقا عزيزا علي وأنا امازحه عندما يقول شيئا يعري ويفضح به عورة الواقع.
امام هذه الحالة وعلى طول الرواية وجدت ان الكاتب - ويبقى هذا مجرد تأويل – يستند إلى مرجعية وثقافة فلسفية واسعة، تجعل من الرواية عملا فلسفيا راقيا. خصوصا وأنها رواية تحتفي بالفلسفة في الشخصيات. فقد جعل زينة طالبة ثم مدرسة للفلسفة، وصورها على اساس انها تجسيد مادي لخصائص الفكر الفلسفي "ثورية، لا تسلم بشيء، النقد سبيلها، مثقفة وتشد الحاضرين في نقاشاتها...". وجعل السارد طالبا ثم مدرسا للفسفة، وعبد الناصر المناضل هواه فلسفي رغم انه طالب حقوق وصحفي بعدها، بالإضافة الى احداث اخرى تحتفي بالفكر الفلسفي في الرواية.
التناول المسرحي لمعاناة الإنتظار بين صموئيل بيكيت وأونوريه دي بلزاك ـ فتحي الحبّوبي
لعلّي لن أضيف شيئا جديدا إن ذكّرت بأنّ الروائي والمسرحي والشاعرالأيرلندي الكبير صموئيل بيكيت (Samuel Beckett)هو أحد أبرز الأدباء العالميين وأشهر الكتّاب المسرحيين الطليعىيين في القرن العشرين. فقد عاش حياة مفعمة بالمجد ونال شهرة واسعة طبَّقت الآفاقَ. ويعود الفضل في هذه الشهرة بالأساس إلى انخراطه في الكتابة ضمن ما يعرف بمسرح اللامعقول أو مسرح العبث بما هو مسرح اللاّمكان واللاّزمان وغياب الأحداث. وقد تبدّى ذلك بصورة جليّة منذ كتابته سنة 1948 لمسرحيّته الشهيرة التي نال بها جائزة نوبل للآداب وعنوانها "في انتظار غودو " (En attendant Godot) التي كانت باكورة إنتاجاته في مجال المسرح العبثي-. وهي مسرحيّة تخوض بعمق في قضيّة الإنتظار الذي قد يطول دون أن يحلّ -أو يظهر وفق الرواية الدينيّة سواء في الإسلام أو في المسيحيّة أو في اليهوديّة- من كان محلّ انتظار الآخرين. بما يجعل فعل الانتظار عموما ضربا من المعاناة الإنسانيّة الصعبة وشكلا من أشكال العذاب الذي قد لا ينتهي، رغم ما يحمله هذا الإنتظار، في بعض ردهاته، من أمل مهما كان ضئيلا. إنّ مجرّد إلمامات سريعة بالمسرحيّة المذكورة، تفيدنا بأنّها قائمة على مشهدين و5 ممثّلين أهمّهم "فلاديمير" و"ستراجون" (Vladimir et Estragon)، وهما من المشرّدين المعدمين اللذين كانا جالسين قرب شجرة تكاد تكون عارية من الأوراق على طريق ريفية بأرض جرداء. وقد مكثا على هذه الحال على مدى يومين كاملين في إنتظار شخص يدعى "غودو". ذلك أنّه كان يمثّل بالنسبة لهما كلّ الأمل في الخلاص من حالة التشرّد والفقر والحزن والحيرة واليأس والغربة والجوع ونحو ذلك من تعبيرات الشقاء والألم والتيه والضياع في هذا العالم الرحب الذي يداس فيه الضعيف تحت الأقدام دون رحمة ولا شفقة ممّن يشعرون بوهم القوّة. وهي تعبيرات تترجم بحقّ وبصدق مرارة الواقع المعيش البائس والتعيس، بعد أن تغيّر سلّم القيم السياسية والإجتماعية والدينية.
الدرس السيميولوجي عند رولان بارط ـ ليمام مراد
توطئة
يمثل مفهوم السيميولوجيا موقعا مركزيا في الأبحاث و الدراسات التي تندرج في مجالات البحث اللساني، لاسيما بعد النجاح الباهر الذي اللسانيات حققته في دراساتها للغة، إذ كان لذلك أثره البالغ في حقل الدراسات المرتبطة بالتحليل السيميولوجي. و يبدو لنا ذلك في السعي إلى تأسيس صرح سيميولوجي يستمد مفاهيمه دراسة و تحليلا من مجالات البحث اللساني؛ حيث نعاين بجلاء كون التحليل السيميولوجي يبتدأ مما انتهت إليه جهود اللسانيين في علم اللغة.
من هذا المنطلق، نجد رولان بارط يعتبر السيميولوجيا فرعا معرفيا من علم عام هو اللسانيات، و ذلك على اعتبار أن هذا الفرع الجديد ينبغي أن تكون مكوناته متجانسة مع الثنائيات الأساسية لعلم اللغة. كما أن كل مظاهر السلوك و الأشياء خاصة و الصور التي تؤثث عالم الظواهر الإنسانية عامة تعكس خطابات متعددة تبلغ رسالتها بواسطة أنظمة مختلفة، حيث اللغة واصفة الأنظمة المتباينة. و يتجلى هذا الأمر في المصطلحات و المفاهيم الموظفة من قبل الباحث بمؤلفاته، و التي اصطفاها من اللسانيات و استانس بها في تفكيكاته السيميولوجية.
تحليل قصيد " وداعا أيها الجفن الأخضر " ـ لطفي العيّادي
العنوان كما هو متفق عليه عتبة النص وبوّابته التي يمكن الولوج من خلالها إلى مفاصل المتن ومحتواه ..بل يمكن اعتباره البوصلة التي توجّه القارئ إلى النص سرديا كان أو شعريا وهو النواة المكثّفَة التي يمكن للنص أن يتمدد وينتشر من خلالها ويفتح بوابة التأويل وتلقي الدلالات والإشارات التي تسبق النص ..إشارات تستفز الفضول وتضيء الطريق أمام المتلقّي ..
إن أول ما شدني إلى هذا القصيد هو هذه التركيبة الجديدة المحفزة التي ورد عليها العنوان .."وداعا أيّها الجفن الأخضر " ..الجفن في أحسن أحواله وسلامته لايختلف إثنان في لونه الوردي الصافي .. وأما في أسوإ حالاته فيتقرح ويتحول لونه إلى الحمرة ..
ولكن هذا الجفن أخضر ..فماذا أراد شاعرنا لطفي عيادي بهذه الصورة المبتكرة ؟ هل نحن أمام لوحة فنية أرضيتها "هلال خصب" يكسوه الدمقس بسخاء وفخار أم هو يعرض علينا مشهدا سرياليا يرسم عيْنا مكتظة بدموع خضراء وكونا تبادلت فيه الكائنات وظائفها وألوانها وأصواتها؟ قد يفاجئنا النص بالمزيد.
بين التخييل والمعاني الحسية : قراءة في بعض قصائد الشاعر العراقي حسن البصام ـ علاء حمد
الشاعر العراقي حسن البصام يتخذ من الاشياء أشياء القصيدة ويملؤها سحرا ، وهو الهائم مابين حسيته الداخلية وحسيته الخارجية ، لذلك ينتمي الى قصيدته الحداثوية وهو يعلن عنها من خلال المفردات التي يعتمدها ، فعوامل تحديث النص لدى الشاعر العراقي حسن البصام هو نصر الخيال لديه ومدى حراكه ضمن الحسية التي يرتديها في ذهنيته الشاعرية . والشيء الذي يلازم الشاعر حسن البصام انتباهه للعلاقة الضرورية بين التخيل أو التخييل والمعاني الحسية ، إذ يتوقف وجود أي منهما ـ في الشعر ـ على الآخر، وبالتالي يتوقف وجود الشعر على تحققهما معاً فيه . فالعلاقة بين التخييل والحسية علاقة ديمومة والإبحار في النصّ الشعري ، ومن خلال هذه الاستمرارية يستطيع أن يخرج خارج الذهنية ليلتقط الينا الحدث الشعري وتسخيره في عنصر الخيال .. فالتخييل هو مخاطبة لعناصر حسية تقع خارج الذهن ولكنها تتمثل فيه، إن (( التخييل تابع للحس وكل ما أدركته بغير الحس فإنما يرام تخييله بما يكون دليلاً على حالة من هيئات الأحوال المطيفة به واللازمة له، حيث تكون تلك الأحوال مما يحس ويشاهد الصورة الفنية، د. جابر عصفور )).
قراءة في رواية " عزلة صاخبة داخل ألبوم " للأديب عبد الحميد الغرباوي : تدوين خاص على هامش صور الألبوم ـ عبد المطلب عبد الهادي
" ... لن يغلِق الألبوم..." (ص 114)
لتستمر الحياة صورا تمنحنا المدى والحلم وكثيرا من الصخب الذي يؤثث الفضاءات والأحداث وتحرك جماد اللقطات، وتبعث الحياة في حياة حكمت عليها اللقطة أن تقف في لحظة.. في زمن.. في لقطة.. على يد ساحر ذكي، خبر مجاهل الألبوم وأسرار صوره، يلتقط اللحظة بعين محترفة، فتوقظها وتنشطها.. وتبعث الدفء في ثناياها المحكومة بالتوقف بعدسة تثقن وقف الزمن وتجميده في رمشة.. في لحظة..
"للصورة ذاكرة تحتاج يد ساحر ليوقظها، ينشطها، يزرع فيها نسغ الحياة لتتحرك وتستدعينا إلى ماضيها، إلى زمنها لنعيش مع أبطالها، من جديد، لحظات صاخبة.."(ص 113)..
جميل ما يصنعه هذا الساحر حين يحيل الصمت صخبا.. والسكون حياة ولغة.. هو من يستطيع بعث الصخب في العزلة، والحياة في الصورة الجامدة في الزمان والمكان والحدث، بل هو من يملك مفاتيح مغاليقها وأسرارها.. وهو من يستطيع تحويل السكون إلى صخب، والعزلة إلى حياة، حيث تتضارب الأحداث وتتناوش الإيقاعات والشخوص.. ليصبح الألبوم مسرحا يعج بالحياة والأسرار..
الجوائز الأدبيّة.. بين التمدّد والتعدّد والقبول والرفض ـ فتحي الحبّوبي
لئن تأخّرت مرحلة انتقال الحضارة العربيّة الإسلاميّة من ثقافة المشافهة إلى ثقافة التدوين، فإنّ ذلك لم يمنعها قطّ من أن تكون متميّزة حدّ التفرّد ومبدعة لا تجاريها أيّ من الحضارات الأخرى في مجال الإبداع الأدبي. ولذلك فإنّها قدّمت مساهمتها الثريّة في الحضارة الإنسانية في هذا المضمار بشهادة كبار أدباء الغرب من مثل، "فون غوته"* (Von Goethe) أمير الشعراء الألمان، وأحد أكبر أدباء الإنسانية المنفتحين على الثقافة العربية الإسلامية وعلى مُنجزها الأدبي بصفة مخصوصة، و " "ألكسندر بوشكين" ** (Alexandre Pouchkine) أكبر شعراء روسيا في القرن التّاسع عشر. أمّا اليوم، فالحال غير الحال.
فقد تراجعت، لا بل تهاوت حضارتنا العربيّة على كلّ الصعد وبلغت أدنى مستوياتها. إذ، ومنذ سنوات عديدة، لم يعد يذكر للعرب إبداع ذو قيمة عالميّة في مجال الآدب والثقافة والفنون إلّا في حالات نادرة بل ونادرة جدّا. إنّه توصيف مرير للواقع العربي الرّاهن، إنّه واقع بنكهة العلقم، بل إنّه واقع مؤلم حدّ الوجع لمن له صلة قريبة بمجال الإبداع أدبا وثقافة وفنّا. اللّافت في هذا الصدد أنّ العالم الغربي رغم تفوّقه إبداعيّا اليوم، في عالم الآداب و الفنون، فإنّه يسعى مع ذلك -ومنذ بواكير القرن الماضي- إلى تحفيز المبدعين لمزيد الخلق والإبداع. فيحتفي بهم وبإبداعاتهم عبر منح مجموعة من الجوائز الأدبيّة القيّمة لمن يستحقّها من المتميّزين منهم تقديرا لأعمالهم ذات الألق الإبداعي والتفرّد الواضح في أيّ من مجالات الإبداع الادبي كالرواية والشعر بصنوفه والمسرحيّة و القصّة والأقصوصة وحتّى المقالة الصحفيّة ونحوها. لذلك تعدّدت الجوائز على امتداد المجتمعات الغربية حيث اشتهرت منها على وجه مخصوص جائزة بوليتزر (Pulitzer Prize)في الولايات المتحدة وجائزة البوكر ( (Man Booker Prize) في بريطانيا وجائزة غونكور ((Prix Goncourt في فرنسا وجائزة كومبيللو ((Prix Campiello في إيطاليا وجائزة جورج بوشنر ( Georg-Büchner-Preis) في ألمانيا وجائزة سيرفانتس Prix ( (Cervantes في إسبانيا.
الصور الشعرية والعلاقات التركيبية عند عمرو النامي في قصيدة ( يا رسول الله ) ـ د . عبد الجليل غزالة
عتبات الدراسة
ما علاقة الصور الشعرية بالرؤية ، والرؤيا في قصيدة ( يا رسول الله ) ، التي أنتجها المفكر الإسلامي الليبي عمرو النامي ؟ كيف يتم إدراج بعض الإيحاءات الإسلامية بين طيات هذا العمل ؟ ما الرابط بين الصور الشعرية ، والحالة النفسية للمبدع ، وأفكاره الوجودية ، وقضايا جيله من المنظور النفسي ؟ ما أهم مميزات البناء الفني لهذه الصور ؟ كيف يستغل الناظم أنواع التقابل ، والتكرار لبناء التشبيهات البلاغية ؟ هل يمكن رسم الحقل الدلالي لمفهوم ( الفيض ) ، ومفهوم ( الشوق ) الموظفين في هذا الإنتاج الأدبي ؟ ما أنواع الاستعارات ، التي يستعملها الشاعر ؟ ما علاقة الصور الرمزية بالانزياح ؟ ما أنواع العلاقات التركيبية ، التي تسيطر على أبيات القصيدة ؟
الصور والرؤى الشعرية في قصيدة ( يا رسول الله )
أولا ) الصور الشعرية :
يعتمد تشكيل هذه الصور في القصيدة على العلاقات التركيبية المتنوعة ، الموجودة بين البنى العميقة / المقدرة deep structures )) ، والبنى السطحية /
الظاهرة ( ( Surface Structures( 1 ) ، والدلالة ، ومرجعية هذا الإبداع الشعري ، ومقاصده . يتم إدراك الصور الشعرية بشكل كلي يساهم في تحديد جماليتها ، وطبيعتها الفنية ، وقضاياها المتنوعة ، التي يترجمها نسق الدوال ، والمدلولات المستعملة .
ترتكز الصور الشعرية عند عمرو النامي على عدة أدوات فنية متداخلة ، ومترابطة تستند إلى خبرات ذات طبيعة حسية ، ونفسية ، وخيالية تظهر بسيطة ، أو مركبة عند ارتباطها بدلالة القريض( 2 ) .