صدر للشاعر المغربي فتح الله بوعزة ديوان شعري بعنوان :" قاب كأسين من ريحه " [1] يتألف من سبع و عشرين قصيدة ، و مصاحبا بلوحتين أو ثلاث للفنان التشكيلي عبد العزيز عباسي . و تكشف القراءة المتأنية لهذا الديوان تمركزه إلى نواة دلالية تقترن بالريح، كما يمكن لقراءات أخرى أن تقطف من حقل هذا الديوان ثمارا دلالية أشكالا و ألوانا. فكيف تنتظم الريح بعض قصائد الديوان ؟
1 – الريح في العتبات :
إذا كانت دراسات النقد القديم لم تحفل بالعتبات ، فإن القراءة الحديثة تؤسس مشروع تحليلها و تأويلها انطلاقا من العتبات ، أي من مختلف العناصر الموازية للنص مثل العنوان و لوحة الغلاف و غيرهما ... حيث تجدر هذه العلامات آثارا دلالية أو بصمات للمعنى، و هي في كليتها جزء من الكون الدلالي للنص[2]
أ – العنوان:
يعد العنوان عنصرا موازيا للنص ، له أهميته في سيرورة القراءة و تأويل النص[3] ، من خلال بنيته المعجمية و التركيبية ثم الدلالية ، وذلك ما يضمن استقلاله النسبي عن النص ، لكنه في العمق ينشد إلى النص من خلال تسميته و تعيينه و خلق آفاق توقع عند القارئ .
يتناص عنوان الديوان :" قاب كأسين من ريحه " مع الآية الكريمة :( قاب قوسين أو أدنى ...) و قاب قوسين أي قدر قوسين أو طولهما ، و القاب ما بين المقبض و السية ، و القاب هنا القدر[4] . و الكأس مؤنثة و هي الزجاجة ما دام فيها شراب أو خمر، و إذا لم يكن فيها فهي قدح. و الريح نسيم الهواء . يقال كان لفلان ريح أي نصرة و قوة و بأس، و الريح الأثر، و يجد الباحث في معجم الريح حضورا غنيا لها في الشعر و القرآن و الحديث و الأمثال... لقد جعل العنوان الكأس أداة لقياس البعد الحاجز بين الذات و ما تصبو إليه . و لما كانت الكأس صغيرة من حيث الحجم و فاتنة من حيث الشكل و المظهر و نمطية من حيث الوظيفة و مفيدة من حيث المحتوى ( ماء، عسل، لبن، حليب، خمر ، دواء ، عطر ... أو قاتلة ( سم ) فالبعيد يظهر و يختفي، يغيب و يحضر، إنه يراوح مكانه كالطيف بفعل الريح التي تصل و تفصل ، تفك و تعقد ، تدني وتبعد ...
نفسي عزيزة لكنها تنصاع للتحليل النفسي ـ أ.د. عبد الجليل غزالة
المرأة والرحى في الزجل الليبي
تعدُّ العلاقةُ وشيجة وأزلية بين المرأة الليبية البدوية والرحى ، إذ تترجمها عدة أزجال تقوم على الحوارات الداخلية ، وتعدد الأصوات ، وتنوع الظواهر النفسية .
تُديرُ المرأةُ اليدَ الخشبية للرحى أثناء الطحن وهي تناجيها بأشعار شعبية شجيَّة ، فتمتزج نغمات الاثنتين بصوت طحن الحبوب . تتأسس هذه الأزجال الليبية على دوافع كبيرة تنتج (( وظائف نفسية )) مهيمنة :
1 _ شكوى المرأة همومها وعناءها للرحى .
2 _ سرد قصة فراق حبيبها .
3 _ تغنيها بحب البلاد والأولاد .
4 _ تذكرها لرسوم مقاطن الأهل والأحباب .
تُقاومُ المرأةُ الليبية البدوية نوائب الدهر وعناء الطحن المستمر بواسطة هذه الرحى وأثر الوحدة النفسية ، حيث تنشد :
اللهْ يْعِينهُمْ لولاف ... أخطروا عاوْنُونِي ع الرّْحَى ...
يا سعدي ناوياك إن كان يا رحى مارس عمر
ديما عليك نميد مليت يـا رحى يا نا اللِّي.
أشَّاظى من يْدي عظم وعلاجه على سيد الرحى.
سفيت لاورا لكمام بْغيض وين ما جيت للرحى.
قراءة في ديوان "كية لحروف" للزجال يوسف الطاهري ـ الجلالي عشي
مقدمة:
تنطلق قراءتي لديوان "كية لحروف" للزجال يوسف الطاهري، من المنطلقات النظرية التالية:
- "أن أدبية اللغة الأدبية تتأكد بقدر اتساع المسافة بين الدال والمدلول"، (المرايا المحدبة، ص: 302)، بمعنى أنها تقوم على إٍرجاء وتأجيل الدلالة على نحو لا نهائي، أو بمعنى آخر لا وجود لمعنى محدد للنص، "فهناك دائما لعب للدوال واندياح للمعنى ...إلى غير نهاية وبلا حدود. ومن ثم تنتفي قابليته للتفسير النهائي" (نفسه ص: 334)
- "أن كل قراءة هي إساءة قراءة – بتعبير الناقد الأمريكي "فنسنت ليتش" – بمعنى " لا وجود لقراءة موثوقة أو معتمدة أو نهائية" فاصلة، أو بمعنى آخر كل قراءة هي عملية مؤقتة لها تاريخها الخاص ومحكومة به، لذلك فكل قراءة هي "قراءة صحيحة إلى أن تفكك القراءة نفسها، أو تجيء قراءة أخرى تفككها لتصبح إساءة قراءة" (نفسه ص: 314)
- "النص (الأدبي) –بتعبير الناقد المصري عز الدين إسماعيل – يوجد بقارئه الذي يحل محل الكاتب في كل قراءة ويتعدد بتعدد قراءه." بمعنى أن النص الأدبي يصبح بمثابة "مفترق طرق" (بتعبير رولان بارت) حيث تتقاطع اللغة على نحو متجدد ومستمر مع ذلك المخزون اللانهائي من المقتطفات والتكرار والأصداء والإشارات. وهكذا يجوز القول إن النص الأدبي يُكتَب وينكتب في الوقت ذاته عبر المؤلف نفسه. عندئذ يصير النص بالضرورة مهرجانا أو كرنافالا بتعبير باختين يختلط فيه كل شيء: الثقافة العليا والثقافة الدنيا، الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية. أي يصبح النص بينصا. يكون القارئ والحالة هذه حرا في دخول النص من أي اتجاه، دون أن يكترث بالضرورة بقصد المؤلف ومراده الذي يصبح عندئذ مجرد ضيف على نصه.
جائزة نوبل للمؤلف الموسيقي بوب ديلان : هل هي نهاية الأديب أم توسيع دائرة الأدب؟ ـ د.زهير الخويلدي
" يجب ، إذن ، السعي إلى التحرر من هذه اللغة. لا السعي إليه، فهذا مستحيل من دون أن ننسى تاريخنا. وإنما الحلم بذلك"1[1]
أثار منح المؤلف الأمريكي بوب ديلان جائزة نوبل للآداب لسنة 2016 الكثير من التعليقات والردود من طرف عدد من الكتاب تراوحت بين الاستغراب والانتقاد من جهة وبين الترحيب والثناء من جهة أخرى.
يمكن منذ الوهلة الأولى الإقرار بنهاية الكتاب وخسوف شمس الكتابة في عصر الصورة ومجتمع المشهد وتراجع القدرة التأثيرية للكتاب في ذهنية القراء وهجران الناس مدارج المطالعة والابتعاد عن زيارة الصفحات وفتح الأوراق وخسارة الآداب والعلوم الانسانية والشعر والفلسفة لمعركتهم من أجل الوجود.
في المقابل تزايد دور الصورة والأغنية والفن وصار المطرب هو الذي يتصدر المسرح الاجتماعي وافتكت الموسيقي المكانة من الكاتب وتم تعويض الأدب بالفيلم والسهرة الاحتفالية ولقاء الفنان المباشر بالجمهور وكسب رواد الفن مابعد الحديث معركتهم من أجل اثبات ذواتهم وانتزعوا القيادة الانشائية.
ربما يكون تتويج بوب ديلان يتنزل في هذا الإطار الذي خرج فيه الإبداع الجمالي من باراديغم احترام الذوق الرفيع واستقبل ا جديدا يرضي الرأي العام ويتفق مع الانفعالات والعواطف ويلوح إلى أهمية التقليعات الفنية المعاصرة ودورها التحريضي وقدرتها على الاستقطاب والتعبئة والاستدراج والاستمالة.
لكن تبعات هذا الرأي خطيرة وتداعيات القول بذلك مزلزلة ومن ذلك زوال الامتياز الذي حاز عليه النص والمقال والرواية والقصة والكتاب
خصلات من شَعر "مَيْ" ـ حميد بن خيبش
ماري إلياس زيادة(1941-1886)،أو "مي زيادة "،أو الذات القلقة و الحائرة بين مسميات عديدة تبعا للأحوال و الظروف.وقبل ذلك قلب موزع بين بلدان شتى،ينتسب إليها دون أن يستشعر معنى الوطن،وينافح عنه كما يفعل كل كتاب العالم !
مي زيادة في طليعة الأديبات العربيات اللواتي مهرن حضورهن المبكر في الساحة الأدبية، وحررن فعل الكتابة من قبضة القلم الذكوري الذي اختار دوما الكتابة عنهن أو إليهن،دون التفكير في منحهن حق تلطيخ ثيابهن بالحبر وألوان الصباغة ! وهي في الآن ذاته تعبير عن النبوغ المبكر والإصرار على تحقيق الندية في عالم الكتابة،وتصفح نفس المرأة فيما تصف به ذاتها وليس فيما يرويه عنها الكاتبون كما أوردت في إحدى مقالاتها. ورغم أن عددا من الكتاب انبروا لتوثيق أعمالها،ودراسة إنتاجها الأدبي و الفكري بغية تكريمها على نحو لائق،إلا أن التعاطف مع "مي" خاصة بعد محنتها الشهيرة حين اتهمت بالجنون،وتم الحجر عليها ووضعها في مستشفى للأمراض العقلية، أضفى على هذه الكتابات سمة المرافعة و بيان الإدانة للظروف و الأحوال، وثلة الأدباء الذين فتنهم حضورها الآسر وتحررها على غير ما ألفوه في عادات الشرق،فغاب التقييم الأدبي و الاشتغال النقدي على ما خطته أناملها في مجالات أدبية متنوعة من قصة وخاطرة وشعر و مقالة ورسائل وترجمات وغيرها،ليحل محله الثناء على حضورها الآسر ورقتها،وكونها ظاهرة ثقافية بامتياز في ذلك العصر .
مظاهر السرد في الزَّجَل الليبي المعاصر : علي المزلوط أنموذجا ـ أ . د . عبد الجليل غزالة
فرضيات العمل :
ما هي أهمُّ مظاهر السِّرْدِ في الزَّجَل الليبي المعاصر ؟ كيف يبني الشاعر الشعبي الليبي المعاصر علي المزلوط الطَّالبي طرائق تعبيره بمختلف علاقاتها ووظائفها المشكلة لنسق القريض الذي يحرك عمله الموسوم ب ( قطرات المطر ) ؟ ما البنى السردية التركيبية ( syntactic ) والمجازية المكونة لنصوصه ؟
مظاهر السرد في الزجل الليبي المعاصر :
يُمثلُ السَّرْدُ ( narration) في الشعر الشعبي ( 1 ) الليبي المعاصر شكلا تعبيريا عريقا ، يحقق نوعا من التواصل والتفاعل بين أفراد المجتمع المحلي .
يسيطر على هذا المصطلح الطابع الشفهي الذي يستند إلى مظهرين محوريين :
1 _ الحكاية الشفهية .
2 _ الطقوس الدينية الإسلامية والعادات الاجتماعية والاحتفالات الموسمية المحلية والتَّناص( intertextuality ) ( 2 ) التراثي المختلف .
يَقومُ بعضُ الشعراء الشعبيين الليبيين المعاصرين بسرد حواراتهم عن طريق ضمير المتكلم ( أنا ) أو أنهم يوظِّفون شخصيات أخرى للتعبير عن آليات التشكيل الشعري ، مما يجعلهم يبتعدون عن الغنائية (lyric ) الخالصة ، و يسردون المواقف ( situations ) باستخدام أدوات وعلامات لسانية خطابية خاصة.
يُجسِّدُ توظيفُ عناصر السرد في الزجل الليبي المعاصر مدى تطور هذا الجنس الأدبي ، ورؤى الشعراء ، وعلاقاتهم بالتراث المتنوع .
يضمُّ نظامٌ السرد الذي يتحكم في الشعر الشعبي الليبي المعاصر عدة أنواع :
تحليق شعري على أنغام القصبة : تأمل قصيدتين في ديوان "رياح النور" للزجال أحمد اليعقوبي ـ محمد أعزيز
في كتابه الاسم العربي الجريح، يشير المرحوم عبد الكبير الخطيبي إلى حكاية الطائر الناطق، حكاية تربطها بعض الوشائج بالديوان الزجلي "رياح النور" لصاحبه الزجال أحمد اليعقوبي، فالطائر في الحكاية عبر فعل الحكي يكشف سرّا ظلّ مغيبا لردح من الزمن. كذلك الشأن بالنسبة لهذا الديوان فمنذ القراءة الأولى يتبدّى للقارئ أن الشاعر من خلال قوله الزجلي يكشف في كثير من المواضع عن بواعث تحليق طيره الزجلي الأخّاد:
يقول الشاعر :
جاء عزّ طياري مْزِّينه م ڭْرين للحري سرّي كالكنز المدفون
إن بواعث التحليق في سماء الكتابة الزجلية عند الشاعر منطلقة بإيمانه القوي بنظمه المعوَّل عليه من أجل أن يرفرف عاليا مستجليا مكامن الجمال، ففعل الكتابة عند أحمد اليعقوبي أساسه القناعة الراسخة بما هي تعبير جمالي يحرك وجدان الشاعر و محيطه. يقول الشاعر
نوض اطلع آ نظمي راني معوّل عليك الاّ يْديرك طيري جنحان ويَزْها بك
النسق الخطابي الكلي : نحو مكونات بلاغية جديدة ـ أ.د. عبد الجليل غزالة
تمهيد :
تَتَوَزَّعُ الكتب والبحوث والأطاريح والإنجازات الخطابية ( البلاغية ) rhetorical العربية المعاصرة بين الغث والسمين ، إذ ْنجدها تسلك ثلاثة اتجاهات متمايزة تظهر من خلال :
1 _ مقاربات متباينة للتراث الخطابي الإغريقي والعربي القديمين يتم التركيز من خلالها على بعض الموضوعات ، والمنهجيات ، والمفاهيم ، والأعلام ، والمتون corpus المؤثرة .
2 _ محاولات تجديد النسق المعرفي عن طريق المزاوجة في الوصف والتحليل بين الجانب الشعري ( التخييلي ) والجانب التداوليpragmatic ( الحجاجي ) argumentativeأو الفصل بينهما ، كما يتم أحيانا في هذا المستوى استغلال بعض التطبيقات والعينات المتخصصة وغير المتخصصة . تستند بعض هذه المحاولات إلى طرائق استشرافية أو توفيقية وتكاملية ، وأحيانا ترقيعية ومتهافتة.
3 _ مساعي حثيثة لنقل التراث الخطابي الغربي الحديث ، والاهتمام ببعض الموضوعات الحجاجية ( التداولية ) ، والمفاهيم ، والمدارس والتيارات الخاصة ، والأعمال المتباينة لأعلام مؤثرين كبيرلمان Chaim Perelman وتيتيكاه ، وكريستيان بلونتين ، وهنريش بليت Hen rich Plitt ، وكورتيس Curtiss، وتولمين ، وريبول ، وموشلار ، وتودوروف Todorov، وبارث Barth ، وجيرار جينيت Gerard genet ، وكونتر conter، ودوكهورن dekhorne ، ولوسبيرغ luc burgh ، وشانيي ، وآنسكومبرAnscombre ، وديكرو Ducro وغيرهم .
تَتَعَدَّدُ وتتداخل تعاريف البلاغة ( الخطاب ) discourse، وأقسامها ومكوناتها ، وأنواعها ، وطرائق ( توسيعها ، تعميمها ، كليتها ، رحابتها ....) ، وتطبيقاتها عند أرباب الاتجاهات الثلاثة السالفة ، حيث تنتشر وتتكرر سماتها أو تتماثل بشكل مثير ومستنزف بين ثنايا عدة بحوث ، وكتب ، وأعمال تطبيقية ، ورسائل جامعية ، ومجلات ، وندوات ومؤتمرات ، ومختبرات متخصصة ، فتتعدد معها وجوه (( الغزو الخطابي )) بين ظُهْرانَيْنَا من خلال تكرار بعض قضايا البلاغة (( الجديدة / الحجاجية )) ، ولسانيات النص ، والأسلوبية ، والتداوليات .