تتشح الطبيعة برداء شتوي، تعانق عويل رياح الجبال السامقات، تتراقص أفنان الأشجار لتصدح موسيقى الطبيعة ،تتزاوج مياه الأنهار المنحدرة من عال مع مياه المنحدر، يا له من تزاوج جلل !.
تتأهب المدفئة لاحتضان حطب غابة منسية أُويْقات الحر، تلتحف الطريق الرئيسية ندى الطلِّ المتساقط في رقصة بِلًوْرِية، ترمم العجوز بيتها القرمزي الذي صيرته طيور اللقالق مخدعا لأحلامها، مأوى لأفراخها، تضع في الفرن الخُبْزَ البَلَدي والرغيف...تتآخى الأصوات وتتناغم موسيقاها فتموج الجُنوب الجامدة، وتُطْرب الأَنْفُس الظمأى اللاهثة وراء عناقيد السعادة المفقودة.
يا له من زواج طبيعي يَنِمُّ عن توَحُّدِ الأرواح والأجساد المغادرة لأدراج زمن الوهم المقتحمة لزمن الحقيقة والتوحد، أجْمِلْ بها من لوحة عذراء نسجت خيوطها يد إلهية لا تمتد إليها يد الزمن المتلاعب الخوان !. في الغرفة تسمع أصوات الأطفال، آهاتهم، ارتعاشاتهم وهم مرعوبون من يد تعبث بأحشائهم، ترقص ألوانا من الرقصات غير البريئة، تعبث ببراءتهم فلا يستطيعون لها ردا.
ارتجاجه ثم انكسار ، وصوت الصحون يتناهى لأذانهم وكأنها سمفونية موسيقى الخلود تبشر بقرب الخلاص.
بيد أن اللحن كاذب..هي ولا تثريت سمفونية الموتى أتت لتعلن عن انتصارها،لتكرس لحن الطوى وقد اعترى الأمعاء..وخاطبها بزهو:أنا الطوى أجول وأصول لأمطركم صنوفا من الألم، فعذرا صغاري فالعزف على أوتار الصغار يستهويني.
وتتلون وجهوهم في حضرة السمفونية بلون أسود قاتم،معلنة عن قرب رحيل الأجساد النحيلة إلى حيث تعانق حلمها الأبدي...رحلتهم ولا شك ممتعة..فوداعا يقول الجسد الذي أنهكه قطار الانتظار..ومرحى به بين الخلان في جنة الخلد حيث سيرقص الجسد رقصة الخلود، وسيخلد سمفونية النصر إلى الأبد.