سابرٌ في غور الوحل، متلفعٌ برداء حمل، يرتجفُ في ليلةٍ تتجلى بقذاراتِ الأشباه، والرعدُ ينذر بتشريفات الوصول.
في جوفِ المعنى لمحةٌ منطلقةٌ من رذاذِ ماءٍ آسنٍ كيومٍ نحس ...... عانى من خضم الأهوال المتلاحقة عليه، شاهدَ بعينيهِ ما لم تره الخلائق، استرسل بخياله باحثا عن صورة مشابهة، دون القتل، والاغتصاب .. تحامل على نفسه يحاول أن يحلل شيئا من مظهر الأشياء المتقاذفة عليه، يقنع نفسه بأنه في حلم ٍعابر، شاهد جماداتٍ تشبه البشر، حاول أن يحادثها ولكنها كانت تبتسم له.. لم يفهم في الوهلة الأولى سرها ... سينتظر للوهلة الأخيرة ...
خيالات كاتب مبتديء ـ قصة : إبراهيم البوزنداكي
لما رأيت المسابقة على شاشة الكمبيوتر لم أتحمس إطلاقا لها، ذلك أنني عهدت الفشل فيها و صارت المشاركة فيها نظير عدم المشاركة. لكن مثل هذه المسابقة لا يجب أن تضيع مني لأنها تتعلق باختيار محرر شاب لجريدة محلية جديدة. كان الأمر أشبه بروتين مألوف لدي، لذلك عندما أخذت نسخة من إحدى المقالات القليلة التي كتبتها واتجهت إلى العنوان تخيلت بضعة أشخاص يعدون على رؤوس الأصابع و خصوصا أن الأمر لا يعدو أن يكون شكليا، لأن جل المسابقات يكون الفائز فيها معروفا قبل موعدها. كانت دهشتي عارمة عندما وجدت أكثر من خمسة وعشرين شخصا ينتظرون أدوارهم، بعضهم جالس و البعض الآخر واقف لعدم كفاية المقاعد.
كدت أعود أدراجي لولا أن ريح المسابقة شدتني إلى الجو. في أحد الكراسي جلست فتاة نصف متحجبة ، تضع على ركبتيها حقيبتها الخاصة و ملفا خمنت أنه يضم المقالات التي كتبتها. بجوارها وقفت شامخا أنصت لأفكار غبية تضيق أفقي.
الرجـل البومة ـ قصة : ميمون حــرش
ما أكثر المفسدين، والمرجـفين في بلدته !..
أوغروا صدره ضد بلدته، فتركها غير آسف ، ويوم غادرها ذات شتاء أقسم أن ينضاف للائحة "خرج ولم يعد"؛ ضرب في أرض الناس، تطوح في بلدانهم مشردا،طريدا.. بات جائعا،التحف العراء.. واشتغل حمالا، ينوء تحت ثقل كل من يطلب خدماته، كان كبغل يلبي دون أن يحتج.. سمع ممن حمل أثقالهم كلاما جارحا، ونابيا، وكان كل مرة يُـسرّي وقاحتهم بتحسس جيوبه وهو يسمع ما لا يرضيه، تلك طريقته في الحفاظ على أعصابه باردة؛ كان يقول :" لا بأس.. تركت أهلي من أجل المال، فلا مندوحة لي عن الصبر إذا ً"..
اليوم يعود من سفرته وفي نفسه بعض من أمل من أن يجد دنيا الأمكنة التي تركها قد تغيرت وسكنها الأمل ، وأن ساكنيها قد تلطفت نفوسهم..
سَفَر ـ نص : عمر الأزمي
أحبَّها فجأة !!
كانت شقراء.. وكان هو سيد البوحِ والشِّعر...
التقيا صدفةً ذات مطارٍ ...
رأى في عينيها شوق المحطات.. وحنينَ الموانئ..
أحبها...
****
أحبته فجأة !!
كان سيد السيجارات التي لا تنطفئ.. وكانت هي اشتعالَ النار بالنارِ... ندى برعمٍ لا يشيخُ ولا ينكفِئ...
التقيا ذات رحيلٍ مُرّ... رأت فيه الوطن ...
هستيريا رحيمة.. ـ نص : مينة قسيري
الحادية عشرة صباحا، ما تزال آثار النوم الثقيل بادية علي وجهها، إِنَّه يوم الجمعة.. بالنسبة لها عطلة من الجري وراء "الأمل" بحثا عن منصب شغل يُعيد لها هدوءَ نفسها وسكينتها.
مركز الشرطة.. قالتها دون غيرها من الكلمات، مُستجيبا غير مُستفسر تحَرَّك سائق سيارة الأجرة نحو الوجهة مُسرِعا وكأنه يجتهد في تخميناته. مُتكِئة هي خلفه مغمضة عيونها، وآثار التَّعب والسهر الذي تُدْمِنه قد عبثت بملامحها، شاردة وراء مُحتوى المكالمة التي أيقظتها من النوم وطلبت منها الحضور للاستفسار حول موضوع ما!!!!؟ غير مُدركة ولا منتبهة للسائق وهو يسترق النظر إليها من خلال المرآة أمامه. ولم يتوقف فضوله عند هذه الحدود بل اخترق الصمت الذي تعمَّدته هي وقال: "مهنتكم صعبة جدا.." انتبهت لترى إلى من يتحدث فلا يوجد سواها معه، واستطرد في حديثه "كانَ الله فِي عَوْنِكُمْ" وقبل أن تستفسر أضاف: الشرطي يتعب كثيرا ولا عطلة له مطلوب دائما للحضور..، حرَّكَت رأسها بالإيجاب، وحاولت أن تنتزع ابتسامة من صدرها لكنها اسْتَعْصت.
جميلة والرخام ـ نص : حسن لشهب
حين اختطفه الموت أدركت مقدار ما خلفه غيابه في حياتها من فراغ ... فقد انقطعت علاقتها بمن حولها حين اختارته بدل ما أرادوا .... تذكرت جنازته .... القبر الذي ابتلع جثته كان بحجم ما تشعر به من ضياع، وفراغ ...
ترددت قليلا قبل أن تلامس أصابعها جرس الباب ... يبدو المسكن فاخرا ... هنا يقطن أناس لا يقلقون بخصوص أواخر الشهر، ولا يفرغون عجزهم بضرب الزوجة والأبناء ... كانت تشعر بالرهبة في السابق كلما مرت قرب مثل هذه البنايات ...
راودها شعور بالقلق ... فهي لا تعرف وجه الشخص الذي خاطبته في التليفون.
كم ينبض القلب بذكراه، وبقدر ما بقيت العين تحتضنه من ملامحه ... أيقنت الآن أن أجمل الفضاءات هي تلك التي لا زالت تحتل مساحات من الذهن والعين...
وتجيش النفس بعبير الذاكرة...
زمنٌ ميّتْ ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
لَمْ يدقْ جرسُ مُنبه الساعة المنضدية التي بدتْ ككائنٍ نائمٍ فوقَ المنضدة الصغيرة المربعة بجانب السرير لذلك ظننتُ أنني سأتخَلّفُ عن موعد مرور سيارة الموظفين وحينَ دققتُ في الأمرَ وجدتُ أنَّ عقاربَ ساعة المنبه قد لفظتْ أنفاسَها الأخيرةَ عند الرابعة والنصف وعندما أزحتُ جانبا من ستائر النافذة المطلة على الجزء الخلفي من حديقة المنزل لمْ أستطعْ تبيُّنَ حدود الأشياء التي تقبعُ هناك وكانت الظلمةُ شديدة فكرتُ أن بطاريةَ الساعة المنضدية قد نضبتْ وكان عليّ إبدالها قبل ذلك نظرتُ إلى ساعة الحائط المعلقة فوقَ جهاز التلفاز تماما فوجدتُها قد توقفتْ هي الأخرى وكانتْ عقاربُها تشيرُ إلى الثالثة والنصف ،رحتُ أبحثُ عن ساعتي اليدوية فلم أعثرْ عليها إلا بعدَ جهدٍ وكانتْ متوقفة على الواحدة وخمس دقائق ويالحظّي التعيس حينما نظرتُ إلى ساعة الهاتف النقال فوجدتُها قد مُحيتْ من شاشته وحلت محلها خطوط لا معنى لها .
قبلة في يوم صعب ـ قصة : حسن لشهب
استيقظ تحت تأثير الألم يجتاح رأسه كالمعتاد ... تحرك مغمض العينين، وبحذر شديد جلس على حافة السرير، ووضع قرصي الأسبرين الفوار في كوب ماء ... دلق محتوى الكوب في جوفه، وأغمض عينيه في انتظار زوال الألم.
حركة جسد عار بجانبه ... تذكر تلك التي تشكل وجودها في ذهنه ككائن بحجم وحدته
استدارت نحوه باسمه، استجاب لها واحتضن رأسه بتأفف ... طلب منها ارتداء ملابسها لأنه ينوي الخروج.
حشر جسده في ملابسه، السروال، القميص ... أرادت معانقته فدفعها برفق ... لاح فوق وجهها عبوس، فلامس خدها بظهر سبابته ورسم على شفتيه ابتسامة.
سبقته إلى الحمام لإصلاح هندامها وهمت بالخروج، ثم عادت أدراجها متسائلة:
-هل نلتقي السبت القادم؟