هكذا قُطِعَ حَبْلِي السُرِّي بعد أشهر احتجاجات قضيتها وأنا أرفس أحشاء والدتي كي تعجل بي لهذا الوجود ، وكي أُبرهن للجمع بأني ولدت على قيد الحياة كان لزاما علي أن أطلق صرختي الأولى معلنا البداية ، في دروب الدوار نهلت أولى دروس الحياة ، وهناك أسقطت أوَّلَ سِن الحمار ورميته اتجاه الشمس طالبا منها أن تبدلني إياه بسن الغزال ، فعلت ذاك دون توقف وفي النهاية حصلت على أسنان مبعثرة في كل الاتجاهات لأعلن كفري بتلك التعويذة بعد فوات الأوان ، في الدوار استنشقت أولى نسمات الكيف المدرَّح الذي كان ينفثه على وجهي شخص مْبْلي يقصدنه جل النساء حاملات أطفالهن في طابور طلبا للعلاج ، رغم كوني على علم بأن بخاخ الكيف قد قتل جل خلايا دماغي في سن الصبا إلا أني مدين له بتركي على قيد الحياة ، فليرقد جسدك يا حكيم القرية في أمان و ليرحمك الإله .
استعارات مسعود ـ قصة : عاتق نحلي
كان مسعود مولعا بالبحث في الاستعارات البعيدة المراوغة ،أو باالأحرى تحويل الحياة إلى استعارة لا ينضب لها معين. وهو يطوق قطعة اللحم المشوية بالشوكة والسكين ؛ألقى على وجهي إبنه وزوجته نظرة سريعة قبل الاستغراق في تأملاته ؛فوقع بصره على اللوحة المعلقة فوق الجدار المقابل له فوق مزهرية الخشب مباشرة.تنهد في دهشة قائلا:
ما أبسط اللوحة،ما أعمق الفكرة!
قَطْعُ الوَهْم ـ قصة : عبد الواحد الزعيم
في يوم من أيام آذار البارد جدا ذات مساء، وفي غفلة منّي انسحبتُ منّي، وكقطعة سكر سقطتُ في فنجان قهوتها، ذاب بعضي وترسب بعضي الآخر في قاعه..
نظرتُ إليّ من الطاولة المقابلة لأشهد حتفي، وبشفتين قرمزيتين رشفتْ بعضي الممزوج بنكهة قهوتها، فلامستُ أحمر شفاهها وتسللتُ لأمتزج برضابها الشّبيه بشراب معتّق... جرعتْ ما كان قد امتزج منّي بريقها حين رنّ هاتفها، وردّت، وما أن أنهت مكالمتها تلك، حتى عادت لتحمل الفنجان ثانية وترتشفَ منّي ومن قهوتها رشفة ثانية وأخيرة، ثم سكبت ما تبقى منّا على نبتة ورد جوري وانطلقت.
الرقــم 6 ـ قصة : ميمون حِــرْش
انتبهت فجأة لساعتها المعلقة على الحائط، ألفتها معطلة من "التيك تاك"، وما درت لماذا توقف عقربها عند الرقم 6 تحديداً، إنه رقم تتطير منه منذ بلغت السادسة ربيعاً، وربما خريفاً. ضربت كفاً بكف، وحرقت الأرم، شبكت كفيها، كمن يخبئ بينهما ما لا يقال، وحين حررتهما، وضعت الأيمن على قلب لا زال يخفق من هول صدمة الرقم النحس، أما الكف الثاني فحيرتها، فما درت أين تلقيها.. تجاهلتها للحظات، حملقت في الساعة جسداً أما روحها فكانت متعلقة بشيء آخر، إنه التفكير بما يخبئ لها رقم 6...حولت نظرها من جديد نحو الحائط، ودخلت في حالة بين اليقظة والنوم، كانت النار تستعر في صدرها، لهيب الأسوأ الآتي غدا حتماً سيطالها، هكذا رقم 6 معها دائماً، إنه نذير شؤم.. كانت لا تزال تحملق في الساعة حين لفتها أمر غريب، وتلك صدمة أخرى:
- ما هذا ؟
آخر قصص مدينة كلخستان ـ قصة : إحسان شرعي
في مدينة لا يذكرها أحد، ولا تلتقطها الأقمار الاصطناعية، ولا تكتشف بخرائط غوغل، جماعة بشرية ... قل مليونا، أو ثلاثين.
تعيش بين الصحو والحلم، يهيم أناسها في أرجاء المدينة دون ان يعرفوا ماذا يريدون، أو ماذا هم فاعلون، لكن لم يصيروا على هذا الحال إلا بعدما استشار حاكمهم أحد علماء الشعوذة و الطلاميس وأعرب له عن خوفه من أن يؤثر تزايد عددهم في ملاحظة الجوع المتفشي خصوصا بعد انشغاله في عقد صفقات مع شركات أجنبية لبيع محاصيل القمح والفواكه واللحوم. فأشار عليه عالم السحر بفكرة عجيبة وهي أن يستورد لهم من جزر الحشاشين حشيشا جماعيا يستمع إليه ولا يدخن. أعجب الحاكم بالفكرة، ثم جمع أعوانه وخدامه وأمرهم أن يضعوا الحشيش المستورد في مضخات تكبس المسحوق المخدر، ثم تدفعه عبر قباب عالية وفوهات كالأبواق. ما إن طلعت الشمس حتى اندفعت الكميات المخدرة على شكل أصوات ودبدبات، ومع تدفقها هناك من سمعها أنشودة، وهناك من سمعها خطبة، وهناك من إرتهب وإرتعد وجثم على وجهه يقبل التراب. أطل الحاكم من برجه فرأى الناس تتخبط ببعضها البعض جاحظة عيونها دون أن تبصر. هناك من جعله المسحوق نشيطا مشوش الافكار أكثر من عادته، بينما صار البعض عدائيا ودخل الباقي في حالة هلوسة شديدة. عندما يقترب الليل يصعد الحاكم الى المنبر يتزحزح في مقعده ويتنحنح قليلا ثم يخطب فيهم:
في سجن الصمت ـ قصة : أسامة سليم
" بعض القصص التي انتهت في حياتنا.. نرغب بإعادتها فقط لتغيير مشهد النهاية."
بحث عن الولاعة كانت السيجارة بين أصابعه تنتظر .. بحث على الطاولة على المكتبة بين الكتب في ثنايا السرير و تحته أين إختفت منذ دقائق فقط كانت الولاعة بين يديه ؟ أين وضعها ؟ لا يذكر فتح خزانة الملابس لا أثر لها أيضا ..هو لم يخرج من غرفته بعد ..استلقى على فراشه هاهي الملعونة تحت الوسادة .. أشعل سيجارته حاول أن يتذكر شيئا ما ..فكرة راودته البارحة لكن النعاس أجلها للصباح ..أية فكرة راودته البارحة ؟؟ غالبا ما تراوده أفكار تشبه الشياطين في الليل و عادة ما يطردها و ينام ..لكن فكرة البارحة مجرمة و مغرية ظلت تراوده حتى في الحلم الذي عجز عن تذكره أيضا ... يريد أن يلتقطها .. فتش في ثنايا رأسه و في زوايا عقله لكن لاشيء يذكر سوى الصداع و الفراغ .. بحث في خزائن الذاكرة فتحها خزانة خزانة لم يكن هناك سوى السراب و بعض ذكريات قديمة غطاها الغبار و صور باهتة من الماضي .. فتح أبواب الغرف في رأسه حيث الرطوبة و خيوط العناكب حتى غرفته بالمبيت رائحتها لاتطاق وقف امام المرأة و ناجي خياله و تذكر :
إني اخترتك يا وطني ـ قصة : عاتق نحلي
لما لعلعت الرصاصة معلنة بدء السباق ؛أطلق العنان لساقيه الهزيلتين ؛كي تسبحا في المضمار، وتهادى الماضي دفعة واحدة .لقد ضبط نفسه جيدا من أجل هذه اللحظة الحاسمة التي عصفت بجبال المشقة التي كان يحملها فوق كتفيه قبل ولوج الملعب .لكم حلم بهذه اللحظة ،ولكم لاقى من الأهوال لأجلها .فلم تكن الدنيا رحيمة به،ولم تهادنه ساعة من زمن؛ مذ تفتح وعيه في قرية نائمة في ظل جبال الأطلس الصغير حيث للجغرافيا أثر كبير في بلورة أحلام الناس ومصائرهم ،وبمناسبة الحديث عن الأحلام سأكذب إذا قلت إن حلم ( ربيع ) هو تحقيق مثل أعلى؛ كأن يرفع راية بلده عاليا في أفق هذا المحفل الرياضي العالمي.وسأكون صريحا معكم إلى درجة القسوة إذا قلت إن هذا المثل الذي جأر به مرارا أمام الكاميرات لم يكن إلا حصان طروادة الذي يخفي داخله بيتا يأويه من غائلة الصقيع ،وثيابا تدفئه حين يشتد البرد القارس ،ولقمة عيش تضمن بقاءه حيا .ورغم ذلك، فقد كان في أعماق أعماقه ،وهو يجري؛ لكي يقطع هذه العشرة آلاف متر التي ترامت أمامه كالأبد ؛غليان روحي يشده إلى ذكرى والديه ،وفخر سامق كأشجارالأرز بانتمائه إلى قريته الأطلسية تلك ،إلى ناسها النابتين في تربتها الطيبة، المروية بعرق جبينهم.
توت ـ قصة : عبد الرحيم شراك
فركت عيني عدة مرات لكي أتأكد من الأمر! لقد تسربت قصصي على شبكة الأنترنت قبل موعد صدورها بأسبوع ! كما تناقلتها مواقع التباعد الاجتماعي بكثافة !...غريب ؟ منذ متى و هناك مهتمون بقصصي ؟ فكرت مليا في هذا الموضوع و قررت الخروج من المنزل و الذهاب للمطبعة لأبحث عن سبب التسريبات. لم أبتعد عن منزلي كثيرا حتى أوقفني شاب في مقتبل العمر سائلا: هل أنت الكاتب توفيق أبو النجاح ؟ فأجبته باستغراب: أجل ، فأمطرني بعد ذلك بوابل من عبارات الإعجاب و المدح ، لم أصدق نفسي في تلك اللحظة. فرغم أنني أصدرت عدة كتب إلا أنني أعلم أن القليل فقط من يقرأها. و لأول مرة يحدث هذا الأمر العجيب معي.