أنفاسفصل من كتاب (*)
علاقتي بوالدتي هي علاقة صداقة حتى أنني لا أناديها بـ : أمي او يا أمي او ما شابه وإنما أناديها باسمها.
حينما أنهيتُ الإمتحانات النهائية للصفّ الخامس الإعدادي وخرجتُ من المدرسة , هرعتُ الى أمي , قلتُ لها : إنتهتْ المحنة أخيراً !
هاتي بعضَ النقود ...
كنتُ قبل هذا عرفتُ البيرة العراقية المثلَّجة المنعشة وأعرف أن بغداد ضاجة بالحانات , بالبارات ففكَّرتُ بإحدى حانات أبي نؤاس لكونها تطل على دجلة ...
نزلتُ من الباص وسرتُ متلهِّفاً ,
مشيتُ أولاً وسط طريقٍ معشبٍ حيث كان الجسر ورائي :
أجتازُ حقولاً مشمسةً
ورياحاً تنبضُ كالسيلْ
وتحلِّقُ فوقي سبعةُ غربانٍ
او سبعُ دقائقَ من زمن الليلْ !

أنفاسأفاق من النوم،فرك عينيه،أحس بثقل رأسه على جسده، تثاءب،لفحته رائحة النبيذ الرخيص التي لا تزال قابعة في الغرفة،حاول ان يتبين عقارب الساعة بجواره،لم ير شيئا،ظلام كثيف يكتنف ارجاء الغرفة،غير ان خيطا رقيقا من الضوء ينبعث من كوة صغيرة بالباب اشعره ان النهار قد انتصف ،اتكأ على حافة السرير محاولا الوقوف لكنه احس بدوار وبالم مباغث في رأسه، كاد يسقط لولا اتكاؤه على الجدار،فكر : "خمرة البارحة لا تزال تفعل فعلها"سار بخطوات متثاقلة نحو الباب ،فتحه فغمر ضوء الشمس كل ارجاء الغرفة،همهم "يوم جديد وبؤس جديد"  انحنى امام حنفية الماء فتح  الصنبور فاندلق الماء البارد بين يديه، احس برعشة تسري في كل جسده حين شرع في غسل وجهه،جذب فوطة ذات لون باهت كانت معلقة ،جفف وجهه ، رفع بصره نحو مرآة ذات اطار صدئ كانت متصلبة على الجدار،حذق في وجهه مليا،فعكست المرآة وجها شاحبا كسته التجاعيد ،وعينين غائرتين واسنانا سكنتها السوسة وسودتها السجائر الرخيصة،لاحظ شعيرات بيضاء في شاربه، قطب جبينه،وهمهم مخاطبا نفسه" شخت يا عباس،اوشكت نهايتك وانت بعد لم تحقق اي شيء في هذه الحياة ،الى متى ستظل هذه الحياة تقسو عليك" .

أنفاسعندما صعد إلى الحافلة كانت كل جنباتها غاصة بالركاب  ..  العمال والمستخدمون والموظفون الصغار يعودون الآن إلى بيوتهم بعد يوم مرهق من العمل  ..  أصبحت وجوههم مألوفة في الحافلة بفعل توالي الأيام ومرور الزمن  ..  لذلك سرعان ما يلحظون الوجوه الغريبة عنهم  ..  ثمة ركاب لا يظهرون إلا في مثل هذا اليوم من كل شهر فقط  ..  إنه آخر يوم من أيام الشهر  ..  وفيه يتقاضى هؤلاء العاملون رواتبهم  ..  فتأتي تلك الوجوه الغريبة لتجوس أياديها خلال الجيوب ، وتعيث فيها نشلا ونهبا في غفلة من أصحابها الذين يكون التعب قد بلغ بهم مبلغه ، فينشغلون بتعداد محطات الوقوف التي اجتازتها الحافلة ، حتى لا يضطروا إلى قطع مسافة طويلة على أقدامهم ، تجعلهم تحت رحمة العصابات التي تتربص بالمارة بين الأزقة والدروب  ..  هو يعرف أن هذه الوجوه يتم تغييرها من شهر لآخر لأسباب تكتيكية وأمنية يعلمها رؤساء هذه العصابات  ..  يعرف كذلك أن هذه العصابات تشتري حق احتكار هذا الاتجاه الذي يؤمه عدد كبير من العمال والمستخدمين والموظفين الصغار بحكم تواجد معظم المصانع والإدارات في هذه المنط قة  ..  فلا يحق لأفراد عصابات أخرى الدخول على نفس الخط  .. وقد عاين مرارا حفلات "تأديب" أقامها أفراد تلك العصابات لمن سولت لهم أنفسهم خرق تلك الأعراف  .. 

أنفاستجمّع النّاس في الزّقاق٠
غصّ الزقاق وتجشّأ ٠توقّفت الحركة في الشوارع والأزقّة المجاورة. أغلقت الدّكاكين والمحلاّت أبوابها٠ بعضها ظلّ مفتوحا نصف فتحة ، لكنّ أصحابها غادروها مهرولين . أخمدت آلات التّسجيل التي كانت تزعق منذ حين .جاء الناس من كلّ صوب ، بعضهم أتى راجلا وبعضهم اكترى عربة ببغل وبعضهم استأجر شاحنة .أبو اللّطف رجل شهم ،وجميع من في المدينة يحبهّ، وله أياد على الأرامل والأيتام وأبناء السبيل ،وأقلّ الوفاء ،أن يحضر الناس جنازته ويشيّعوه إلى قبره مهلّلين مكبّرين داعين له بواسع الرّحمة والأجر الوفير.تسارعت بعض النّسوة منفوشات الشّعر، وبعضهن متّشحات بالمحارم الدّاكنة٠ ولطمت امرأة سمينة وجهها وصوّتت أخرى ماطّة شفتيها، لكن ّالدمع لم يطاوعها فاكتفت بالاستغفار.تدافع الرّجال حاملين السّلال وأكياس الخبز، والأطفال تعثّروا في الأرجل وهم يزعقون  في فرق.تجمهر الناس وهم يتطلّعون إلى الباب المفتوح على مصراعيه منتظرين خروج النعش، غير عابئين بلذع البرد والمطر الذي بدأ ينهمر بعد أن كان ينثّ بطريقة مكتومة .

أنفاسلاح لها رجل في البعيد.
رجل كزوجها فابتسمت للاحتمال.
رجل كحبيب قلبها فخفق قلبها بقوة.
لوحت بيدها اليمنى لزوجها منتظرة إياه في مكانها.
وجرت، في خيالها، إلى حبيبها كطفلة تمكن منها الهياج فعَدَتْ حافية القدمين غير عابئة بالأشواك المنثورة على الأرض وشظايا الزجاج المكسور.
صافحها زوجها واحتفظ بيدها بين يديه.
عانقها حبيبها وغاب وجهه تحت شعرها المخبل.

أنفاسافزعها منظر المرأة الضخمة التى تتشح بالسواد وتتجول فى انحاء البيت
لفت انتباهها صراخ امها العالى من حجرتها .. حتى ان علبة الوانها سقطت منها ولم تشعر
غابت المرأة لحظات فى مكان تعرفه جيدا .. فهى تهدأ عندما تدخل هذا المكان وهى جائعة
خرجت وبيدها اناء تغلى فيه الماء وتتصاعد الأبخرة لتغطى سقف البيت المتساقط دهانه القديم
**
دخلت المرأة على حجرة امها التى لم تتوقف عن الصراخ .. خافت على امها
ظنت انها طريقة جديدة للقتل .. القت برسوماتها على الأرض وحاولت ان تتدخل
لكنها تراجعت عندما نطقت تلك المرأة بصوتها الغليظ كصوت ابيها .. روحى العبى

أنفاسدخلتُ المدينةَ أوَّلَ مرَّةٍ عندما كنتُ فتىً يافعاً غريراً، وعالَمي يقتصر على فضاء قريتنا الإنسانيّ البسيط: بيوت طينيّة قليلة متواضعة، تحيط بها حقول شاسعة خضراء، وتُظلّها سماء صافية الزرقة معظم أيام السنة، وتتغلغل أشعة الشمس الذهبيّة في كلِّ مكان: في المزارع والأزقَّة والمنازل والقلوب، تحمل معها الدفء والحنان، وتُشعِل الألوان زاهية في المراعي والحقول وا لبساتين، وتبعث البريق في العيون. وفي الليل غالباً ما ننام على سطوح المنازل أو في باحاتها المشرعة على السماء، فتبدو النجوم لنا كبيرة قريبة في متناول اليد. وعدد أهالي القرية لا يتعدّى العشرات ويعرف بعضهم بعضاً، وتربط بينهم أواصر القرابة والصداقة والعمل، ويوحِّد مصيرَهم الحرثُ والسقي والحصاد وأحوالُ الزرع والمحصول. البسمة على الشفاه والطيبة في الأفئدة.

أنفاسالطريق، نعبره مرغمين . والمسافة الفاصلة بين المدرسة والفيلاج ،تبعد بأميال كثيرة.مسافة كنّا نقدرها بخمسة فراسخ أو ما يزيد.. بعد ما نقطع نصفه . نكون قد أشرفنا على ربوع . تتسع إلى أمداد بعيدة ، نطأ ترابها ، بعد عبور النهر مباشرة ،تتناثر على شساعتها مساكن تنتشر عن اليمين وعن الشمال .
نقطع الطريق صعودا ،بين أشجار سامق علوها ، الى عنان السماء . من الأرز والصفصاف والزيتون .
كان الطريق ممتعا . تفترش مساحة الارتفاع ، الذي كنا نصعده لاهثين ، من مجرى النهر إلى قمة الهضبة . تاركين النهر يتبع مجراه نحو الخنادق . خنادق وشمها في التواءاته،الصبيب المندفع بقوة ،أيام الشتاء الممطرة والعاصفة.
كم كانت لحظة جميلة ، أحببتها كثيراً ،أن أظل أطل على النهر ، وأنا أصعد الربوة لاهثا ، بين الفينة والأخرى. أتملى بجداول الماء  التي تنساب  صافية ، محاذية ، لجنبات الربوع الممتدة على طوله الملتوي ..

مفضلات الشهر من القصص القصيرة