مِهَادٌ إِشْكَالِيٌّ:
يعتبر أوليفيي روبول (1925-1992)، من فلاسفة التربية الفرنسيين المعاصرين، والذي سيعمل على نقد البِيدَاغُوجِيَتَيْنِ التَّلْقِينِيَّةُ والوَظِيفِيَّةِ، هذه الأخيرة الجنيسة بمقاربة التدريس بواسطة الأهداف، كما أنه ينتقد بشدة جميع أنماط الخطاب البيداغوجي التي كانت سائدة، أقصد هنا الخطاب الرافض، والمجدد، والوظيفي، والرسمي، وذلك من خلال موقعه كَمُحَلِّلَ خطاب بيداغوجي، حيث يستعمل المنهج الفلسفي التحليلي في حقل التربية والتعليم، وكل هذا كان بغرض مجاوزة الخطب التربوية التي كانت سائدة، واقتراح خطاب تربوي حديث، قائم على الحرية، لهذا سينادي بالتعليم الحقيقي، بدل التعليم الذي كان سائدا آنذاك في فرنسا والذي يستند على المقاربتين التلقينية والوظيفية، أي تلك التي ترتكز على مقاربة التدريس بواسطة الأهداف. وهذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
نمر الآن لطرح مجموعة من الأسئلة المنظمة الموجهة للتحليل والمناقشة النقدية والتي تعبر عن إشكالات فلسفية كبرى عرضها أوليفيي روبول أثناء نقده التحليلي للخطابات البيداغوجية، وهي كالآتي:
- ماذا يقصد روبول بالتربية ؟
- ماهي النقود التي وجهها أوليفيي روبول للأنماط التعليمية ؟
- ما الذي يقترحه روبول كتعليم حقيقي بديل عن التعليم السائد ؟
- ما هي السلطة التي وجب فرضها على المتعلم إذا كان التعليم يفرض سلطة ؟
عندما نتحدث عن التربية والتعليم لدى أوليفيي روبول، أول ما يجب علينا معرفته عنه، أنه يقدم تعريفات خاصة به للتربية، ذلك أن لكل فيلسوف تعريفه الخاص، واستعمالاته الخاصة به للمفاهيم، حيث لا نجد فيلسوفا عبر تاريخ الفلسفة اعتمد على تعريف من سبقوه خاصة عندما يرغب في التأسيس أو المساهمة في تشييد وبناء حقل فلسفي معين، والحقل الذي قصده روبول بهدف التشييد والبناء والنقد والهدم وإعادة المراجعة هو حقل التربية، فيقدم تعريفا خاصا به لها بقوله :
"ينبغي أن نفهم من التربية التكوين الشامل للإنسان، والذي لا يعتبر التكوين المختص والتعليم ذاته سوى أجزاء منه. فالتربية هي مجموع السيرورات والأساليب التي تسمح للطفل البشري بالوصول إلى حالة الثقافة، الثقافة بإعتبارها ما يميز الإنسان عن الحيوان" [1]، تجذر الإشارة هنا إلى أن هذا التعريف هو آخر تعريف توقفت عنده فلسفة التربية، وهو تعريف شهير جدا، يعتمد عليه حتى في الحقول المعرفية الأخرى، حيث أنه يجعل من التربية سيرورة إنسانية غرضها نقل الإنسان من الطبيعة إلى الثقافة، وما يميز هذا التعريف أيضًا هو جعله من التربية دو شأن إنساني، وهذا يؤكد قول كانط بأن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يجب تربيته، حيث لا يمكننا أن نعلم الحيوان اللغات والعلوم والأخلاق والقيم، فالإنسان هو من يجوز تربيته وفقط، ذلك أنه "يمكن بدون شك تعليم الحصان في السرك [مثلاً]، بأن إثنان زائد إثنان تساوي خمسة، لكن لا يمكن أبدا تعليمها لإنسان" [2]، كما أن روبول يؤكد كثيرا على مسألة الثقافة الإنسانية الكونية، أي المشتركة بين جميع البشر، من هنا تتضح نزعته الإنسانية، حيث أن تعليم المرء ثقافة إنسانية مشتركة بين جميع أنواع البشر تحميه من السقوط في المذهبة.