الثورة في تونس غيرت فقط نظام الحكم ولم تغير الإنسان بعد، ولذلك مازلت محنة المهتم بالشأن الثقافي التونسي متواصلة بعد الثورة. مازالت ثورتنا لم تطح بعقلية وثقافة سلطوية منتشرة في المجتمع بقدر ماأسقطت نظام سياسي معين. ومن هذا المنظور يمكن القول بأن النتائج الثقافية للثورة التونسية لا يمكن رؤيتها بوضوح إلا إذا ركزنا أنظارنا فقط على الحراك السياسي في مرحلة الثورة وما بعدها، وهو حراك تمثله بشكل أساسي الديناميكيات الحزبية والعقليات الدستورية. أما إنجازات الثورة في ثقافة المجتمع فهي غير ملموسة، لأنه حسب اعتقادي أن الأحزاب الفاعلة في الساحة خاصة حزب النهضة الإسلامي الحاكم الذي عقدت عليه آمالها الشريحة الكبرى من المجتمع وتنتظر منه الكثير، لم يبذل جهدا في هذا المجال، ولم يراهن على الثقافة ولا يبالي بالعاملين فيها، ليس تنكرا لها، إنما تراخيا خوفا من أن يشوهها ذاك السواد الأعظم والظاهر اليوم من مثقفي تونس الذين تمعشوا بحرية قذرة في ظل نظام بن علي، وورثوا عنه عدم القدرة على التعايش مع اختلاف الرأي وإن ادعوا القطع معه، وهي كذلك لم تستطع ضم المثقفين الموجودين خارج حدود الوطن إلى صفها ليخطف منهم الساسة وحدهم زمام تلك المكانة، ولم تستخدم سلاح المثقفين لدعم مواقفها السياسية، والدليل على ذلك أن منابرها في الخارج لم تشهد صدى ولا حبرا للنخبة المثقفة، وبالتالي غدت أغراض السياسة ثابتة ومبادئ الثقافة متقلبة.. على غير العادة.
نعوم تشومسكي: إنسان في زمن انتكست فيه الإنسانية ـ عبدالصمد العاطي الله
قد يتيه المرء في تعريف هذه المعلمة الفكرية التي تركت و لا زالت تترك العديد من الإجتهادات و النظريات التي طورت إلى حد بعيد اللغويات النظرية و الفلسفة بكل فروعها, و هذا شيء عاد بالنسبة للإنسان صنف حسب فهرس مراجع الفنون و الإنسانيات كمرجع أكثر من أي شخص حي و كثامن شخص على الإطلاق.
حيث أن نعوم تشومسكي المزداد سنة 1928، لم يقتصر إنتاجه الفكري على اللسانيات و الفلسفة التحليلية كنظرية النحو التوليدي و مراجعة السلوك الفعلي لسكينر و تصنيف اللغات الشكلية (...) فقط، بل تجاوزه إلى إسهام عميق و متجذر كناشط سياسي حدد لنفسه مكانا داخل الثورة الفكرية ضد الإستغلال الأمريكي للشعوب و المعارضة الشديدة للسلطوية بكل أنواعها.
البلاغة والإيديولوجي : نظر بحثي في العلاقة الملتبسة بين المعرفة البلاغية والمطالب الإيديولوجية ـ مصطفى الغرافي
لعلنا نتفق جميعا على أنه لا توجد معرفة بريئة، فالحياد النصي وهم إيديولوجي والبراءة الفكرية ضرب من المستحيل، ما دام كل خطاب معرفي يهدف -بالضرورة- إلى تمرير حمولة إيديولوجية. إن الإيديولوجيا ثاوية في الخطابات جميعها، وليس ثمة خطاب – من وجهة النظر هاته- يمكن أن يعرى تماما من الإيديولوجيا. في ضوء هذا الفهم سنحاول في هذا البحث إجلاء العلاقة الملتبسة بين المعرفة البلاغية والمطالب الإيديولوجية.
في تلازم البلاغي والإيديولوجي:
إن المتتبع لنظرية الأدب وتاريخ الأفكار يستطيع أن يستخلص أن ارتباط البلاغة بالخطابات الإيديولوجية عامة، يمكن أن يرتد إلى السوفسطائيين الذين اشتهر عنهم استخدام "العتاد البلاغي" من أجل استغواء المخاطبين واستقطابهم[1]. وهذا التلازم بين البلاغي والإيديولوجي ليس منفكا عن الرغبة في السيطرة وبسط النفوذ، ذلك أن هاجس السلطة أي سلطة إنما يتمثل في تحصيل "الشرعية"، التي تضمن لسلطانها الاستقرار والاستمرار هو مطلب عزيز ليس يسلم للسلطة إلا بكثير من القوة والعنف، ثم ما تلبث السلطة أن تدرك –بتوجيه من حدسها الطبيعي وتجربتها الواقعية- أن السلطة لا تستطيع الاستمرار إذا اقتصرت على القوة والعنف لانتزاع الاعتراف بشرعيتها، فتتوجه –من ثم- إلى البحث عن أساس مكين يسند استقرارها ويضمن استمرارها. وليس من سبيل إلى ذلك إلا بتقبل الذوات السياسية تلقائيا للسلطة ومصادقتهم عليها على سبيل الرضا والموافقة، وليس على سبيل القهر والإرغام. وهو ما تفطن إليه جاك روسو – أبرز المنظرين لـ"النظرية التعاقدية" بين الحاكمين والمحكومين، فقد قرر في كتابه "العقد الاجتماعي" أن "الأقوى لا يبقى أبدا على جانب كاف من القوة ليكون دائما هو السيد إن لم يحول قوته إلى حق والطاعة إلى واجب"[2].
الحرب الطائفية جمر تحت الرماد : رواية "بيروت حب وحرب" لأكرم خلف عراق ـ موسى إبراهيم أبو رياش
الحرب الطائفية حرب مجنونة عمياء، فكل إنسان مشروع قتيل، فالرصاصة التي تنطلق لا تتأكد من هوية الضحية قبل أن ترديه قتيلاً.
تناولت رواية "بيروت حب وحرب" الحرب الأهلية اللبنانية التي اشتعلت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وما زالت تداعياتها وآثارها تنخر لبنان، وتهدد بانفجار جديد بين لحظة وأخرى.
موضوع الرواية ليس جديداً، ولكن الجديد أن يكتبها أردني لم يعش في لبنان، ولم يشهد تلك الحرب اللعينة، كما لو أنه أحد ضحاياها. ولا عجب فهذه الرواية هي نتاج معاناة عربي يتوجع من أجل لبنان، وينزف جرحه بغزارة كلما ألمَّ بلبنان خطب، فالجرح العربي واحد، وخاصة إذا كان يتعلق ببلد كان يوماً قبلة كل العرب، ومنارة للحرية والحب والسلام، فجرح لبنان يتسع على المدى من المحيط إلى الخليج. ويشير أكرم عراق إلى أنَّ 14 شباط 2005 اليوم الأسود الذي اغتيل فيه رفيق الحريري، والمشاهد المأساوية التي رافقت اللحظات الأولى للانفجار، هي الشرارة التي أشعلت لهيب الكتابة من أجل لبنان وشعب لبنان.
خصوصية الكتابة عند الرافعي – تحليل نموذج ـ البوعيادي محمد
كثيرا ما يُنظر إلى فعل الكتابة عند مصطفى صادق الرافعي من منظور إيديولوجي يختزل الجمال وأناقة الأسلوب في الفكرة، أو العكس حيث تغيب الفكرة أمام غلبة بلاغة القول ورونقه، وذلك يعود إلى سبب كون الكاتب يمزج في أفق الفعل الكتابي بين صلابة الأسلوب وانسيابه وبين عمق الفكرة التي تمتح من مرجعيات ومشارب متعددة، أبرزها الديني و الفلسفي والأدبي، مع غلبة بيِّنة للنفس الإيماني الديني في الصور و الأحكام والآراء...
غير أن هذه الغلبة ما يجب أن تمنع كل شرائح القراء باختلاف مستوياتهم وباختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والوجدانية والعقدية من التلذذ والاستمتاع بمستوى راق من النسج، تظهر فيه اللغة العربية في مظهر اللغة الماتعة الراقصة، إننا حين نواجه نصوص الرافعي يكون الأفضل لنا ( لأجل قراءة ألذ) أن نتخلى عن تلك الخطاطات الذهنية المُسبقة التي تصنف الكُتّاب (والكاتبات) ضمن خانات ضيقة، إما باعتبار الانتماء الديني أو السياسي أو الفكري الفلسفي...إلخ.
حول الفن وعصبيات قراءته.. 1 ـ فاتن نور
السؤال عن الفن، عن قراءته وفهمه، تذوقه والتفاعل معه؛ يحيلنا الى السؤال عن الجمال، وعلم الجمال "الاستطيقا"، الذي ظهر بمعنى "فلسفة الجمال" لفهم الظواهر والخبرات الجمالية وتفسيرها، في القرن الثامن عشر؛ في مؤلف الفيلسوف الألماني بومجارتين "تأملات فلسفية في ماهية الشعر".
وقد خاض الفلاسفة والمفكرون، الأدباء والفنانون، القدامى والمحدثون؛ في ماهية الجمال وسؤاله الملح "ما الجمال". هل هو موجود موضوعيا لذاته فيما ندركه من موجودات، أم هو صورة عقلية كصورة الخير والشر. والشق الأخير هو ما ذهب إليه افلاطون وثلة من الفلاسفة. فيما ذهب الفيثاغوريين الى التماثل والنظام في فهمهم للجمال، وذهب سقراط الى ربط الجمال بالأخلاق والعدالة والخير والمنفعة. وفي عصر النهضة رأى كانط الجمال أو النشاط الجمالي بشكل آخر، فهو اللعب الحر للخيال العبقري من وجهة نظره.
اشتغال اللغة وبؤس النموذج الأنثوي في: "علاقة غير شرعية"* و "أنوثة مدنسة"** ـ المصطفى السهلي
سعدت كثيرا بالدعوة الكريمة التي تلقيتها من صديقي وأخي الفاضل الأستاذ محمد كروم، للمشاركة في أشغال ملتقى تارودانت الوطني للقصة القصيرة... وكيف لا أسعد وأنا مدين لهذه المدينة بأفضال كثيرة علي؟.. أجلها أنني تعلمت بين أسوارها وفي العرصات المجاورة لها كيف أخطو خطواتي الأولى الخجولة والمحتشمة وأنا أتهجى أبجديات الكتابة الأدبية والهم الإبداعي.. المدينة التي انطلقت منها أول مناظرة وطنية للثقافة في 1986، لتنخرط في صمت، ولكن بإصرار وتحد كبيرين، وبعزيمة لا يفلها إلا الحديد من قبل رجالات أمسكوا بأيديهم جمرة الإبداع، وساروا على خطا الأجداد في هذه الحاضرة التي يشهد لها التاريخ بالمجد والمكانة الرفيعة بين حواضر المغرب..
النص الحربـائـي :قراءة موازية ل«قصة حب دكالية» لسعيد عاهد- د. ناصر السوسي
الكتابة بالنسبة لسعيد عاهد ضرورة وجودية بمعنيين: فهي ضرورة لتوليد المعنى من جهة، وضرورة لنزع طابع الغرابة عن عالم مدهش يبدو مثل«خشبة مسرح في حاجة إلى توضيب جديد»(ص:3) من جهة ثانية. وبحسبان الكتابة بهاتين الأهميتين القصويتين؛ فإنها بالنتيجة استراتيجية للاحتماء من ضوضاء العالم وجلبته، وكذا من الدناءات الحقيرة التي تتربص بنا، وتتحين فرصة الدبيب إلينا متقصدة تعكير صفو إنسانيتنا؛ أو مبتغية الاعتداء على آدميتنا. وكيف لا وسعيد عاهد شاعر مرهف الإحساس، مسكون بالفن والإبداع حتى النخاع؛ لئلا تقتله رداءة الرعاع؟
ما أكثر من يتحدث بين ظهرانينا عن الحاضرة التي يقطنها! لكن بالمقابل ما أقل من يتساءل عن المدينة التي تقيم فيه ب «صباحاتها» وفضاءاتها اللامتناهية، وأساطيرها الضاربة في عمق التاريخ، بهندستها، ودروبها وأزقتها، وقاطنيها، وبآثارها، ورياح شطآنها القادمة من الأفق القصي... بكل ما فيها، وبكل ما ينبض فيها...مازاغان«المعدن ذاك وهب طفولتنا القدرة على السباحة بكل اللغات في كل اللغات»(ص:6).