كلّكم يعرف أن المشهد النقدي عَرف ويَعرف شلالات من التيارات النقدية التي تدرس النص الأدبي من زوايا مختلفة، ومن خلال طرائق تداولها للنص، فاحتفتْ مناهج كثيرة بالنص وببنياته ومكوناته الداخلية والخارج-نصية، تمثلت في: سوسيولوجيا الأدب أو المنهج الاجتماعي، والمنهج النفساني، والمنهج البنيوي، والمنهج الكولدماني[1]، والسيميائيات[2]، واللسانيات البنيوية[3]، والتفكيكية[4]، والمنهج الأسطوري الأنثروبولوجي[5]، والشعرية[6]، والأسلوبية[7]، لكن الذي لا تعرفون أنني يعتصرني الأسى وتصيبني لسعةُ حزنٍ حارقة وأنا أضطرّ لسماع كلامٍ كهذا الكلام:"يجب أن نلاحظ أن النقد العربي المعاصر الذي احتفى بما يسمى التركيب أو البنية داخل اللغة، نسي ما يموج به المجتمع من تدافع غريب قاسٍ، ولم يستطع أن يقيم جسرا بين الجانبين، ولذلك بدا الاحتفال بداخل اللغة هربا من المسؤولية أو عجزا من مواجهة اللغة في نشاطها الحيوي.لقد عاملت البنيوية اللغة معاملة قاسية، ومن ثم اعتبرت الأعمال الأدبية جسماً ساكنا تقرّر أمره واكتمل قبل البدء في تلمسه.وراح البنيويون يقيمون بين هذه الوحدات علاقات أو تقابلات، وفُتنوا بالتقابل الثنائي وأوهمونا أنهم عثروا على نظام العمل الأدبي المؤلف من هذه الأزواج المفترضة.."[8].
ماجد الكعبي: سأترك العالم وحيدا بلوعتي ووجع التمكن ـ غزلان هاشمي
يظل زمن الشعر رهين تبعثر وتشتت بين الذاكراتية والآنية، حيث الاقتراب من النص يعتبر مخاطرة يلفها الجنون ،وذلك اعتبارا من التعدد الذي ينبني عليه النص العربي المعاصر، إنه ينحو نحو تشكيل هوية متداخلة إذ سيجد كل قارئ فيها انوجاده الأصيل كما يبدو له لا هو كما حاضر وماثل حقيقي،هذا ما وجدته في نص الشاعر العراقي الأستاذ ماجد الكعبي الموسوم بـ"سأترك العالم وحيدا بلوعتي" من ديوانه "كعب الغزال".فما يقوله النص؟
العنوان:"سأترك العالم وحيدا بلوعتي" يتخذ العنوان شكل جملة فعلية تهرب من صفة الانفراد،حيث تؤصل للحظة مؤجلة"سأترك" وتعد بزمن يرحل فيه النص عن انوجاده الأصيل،باحثا عن ممكناته في الزمن البعدي أو معوضا ذلك التواجد بصفة التبعثر ،حيث يتم اختلاق زمن آخر محايث "زمن الوحدة"،ومن هنا يتأسس راهن النص على بوح ذاتي صريح بالتخلي عن عالم الشعر الموجود ،ليعوضه بالحضور المنفرد المتأسس على الألم والوجع ولوعة الانفصال ،ومن هنا فالعنوان يحتفي بالهوية اللغوية المنجزة آنيا أو المتحقق اللغوي المؤجل الباحث عن صفة اكتمال لا يعثر على لحظتها .
دراسة تحليلية للخطاب الشعري العربي الحداثي : "تحقيق شروط شعرية النص الصوفي الحداثي في نص :"اقترفت دهرك" للشاعر العراقي :جلال جاف"ـ أروى الشريف
يتسابق النقاد في البحث عن أنجع طريقة لتفجير النص الشعري و استكشاف خباياه فأي محاولة في البحث و التنقيب في ضوء مقاربات عديدة اعتمدت المناهج السياقية (كالمنهج التاريخي و النفسي و الاجتماعي) ,أو المناهج النصانية (من البنيوية إلى التفكيكية) و النظر إليه في كل هذا على انه بنية من الكلام الدال,تختلف طرائق التعبير فيه من جنس إلى أخر و هو لا يقبل الانغلاق عند فريق و لا يقبل الانفتاح عند فريق أخر.
و لعل مفهوم الحداثة دفع النقاد إلى استثمار علوم الإنسان و النقد الأدبي من اجل مقاربة النص الإبداعي بمنهج يسمح بتحديد شعرية الخطاب و نقطة الفعل الشعري في كل نص إبداعي.
إذا كان الشاعر المبدع يخلق كونا تخيليا يطفح بأبعاد كونية و رؤيوية ,فعلى المتلقي الحصيف أن يكون محملا بترسانة من الأدوات الإجرائية التي تمكنه ,عن طريق التنقيب في سطح النص, من اكتشاف البؤر النورانية التي من خلالها يستطيع استكشاف و تأويل ماورائية النص.
الكتابة .. والخيال الفني.. ـ أحمد بابانا العلوي
لا ريب بأن فن الكتابة هو أصدق مجال تتجلى فيه المشاعر والأحاسيس، والمواقف...، من منطلق أن الكلمات ليست أشياء، بل دلالة على أشياء، ومن ثم فإن الكاتب يبحث في الكلمات عن أفكار، وفي الأفكار يبحث عن معاني، وفي المعاني يبحث عن رؤى، وصور، وحقائق.
فالكاتب يتعرف أكثر وأعمق، عبر الكتابة الروائية، على الإحداث الاجتماعية.
فالرواية أداة للمعرفة العميقة، والجميلة..، إنها تجعلنا أكثر إدراكا، وإحساسا بكل ما حولنا.
فالكتابة الروائية تتيح للكاتب أن يتعرف على أحوال المجتمع بصورة أعمق،و تمكنه أن يقدم للقراء المعرفة الأصدق والأدق عن حجم الصراعات الاجتماعية وأبعداها وتشكلاتها، الأمر الذي يمكن القارئ من القدرة الإدراكية والتخيلية لاستشراف أو الإيحاء بكل ما قد يحدث من أحداث، نتيجة حركة الانتقال العاصفة من عصر إلى عصر.
مقاربة بين الإقناع والبرهنة ـ سليمة محفوظي
يستدعي التّأّثير والإقناع في التّخاطب "آليّات فاعلة لتحقيقه ولذا نجد الحجاج ميزة من مميّزات هذا التّخاطب بمواقفه المتعددّة وأشكاله المتنوّعة بين الشّفويّة والكتابيّة،لذا يعدّ ركيزة النّصوص الموجهّة المتضمّنة للمقصديّة والنّقاش والنّقد والتّي منها النّصوص القرآنيّة والفلسفيّة والفقهيّة والأدبيّة ..." ()
تعود دراسة النّص الحجاجي إلى أزمنة بعيدة ابتداء من مؤلّفات أرسطو في الخطابة وانتهاء إلى أعمال كبار المفكرين ”كبير لمان " و " مايير" و ديكرو التّي أحاطت بكلّ ما يمكن أن يطرأ على هذا النّص من خلال عدّة نظريّات
والحجاج الذّي نتناوله بالدّراسة يتمثّل في معرفة ما "تشمل عليه اللّغات البشريّة عامة واللّغة العربيّة خاصة من وسائل لغويّة ومن إمكانيّات صرفيّة ومعجميّة وتركيبّة ودلاليّة يوظّفها المتكلّم لتحقيق أهدافه وغايته الحجاجيّة والاقناعيّة " ()
الحجـــاج:
أ- الحجاج لغة:تجمع المعاجم اللّغوية الأساسيّة في تعريفها للحجاج على ما جاء في لسان العرب لـ "ابن منظور" "يقال حاججّته أحاجّه حجاجّا حتىّ حاججته أي غلبّته بالحجج التّي أدليت بها [....] و الحجّة البرهان و قيل الحجّة ما دافع به الخصم وقال الأزهري الحجّة و الوجه الذّي يكون به الظّفر عند الخصومة وهو رجل محجّاج أي جدل، وحجّه يحجّه حجّا: غلبه على حجّته، وفي الحديث فحجّ أدم موسى أي غلبه بالحجّة»()
البطل أ م الشخصية ! : لماذا تخلت الرواية عن البطل لصالح الشخصية؟ ـ حبيب مونسي
قد لا يلتفت كثير من الدارسين إلى طبيعة المصطلح الذي يتعاملون معه حين المعالجة النظرية أو التطبيقية للأدب تحليلا وتفسيرا وتأويلا.. وكأنهم ألفوا المصطلحات التي يستعملونها وخبروا دلالتها ، وعلموا أنهم يريدون منها ما تحمله أصالة في كلماتها، سواء عدنا بها إلى المعجم تأثيلا، أو بحثنا في أمرها استعملا واصطلاحا. غير أن المطب الأكبر في مثل هذه الاستنامة لما نألفه من معان درجت بيننا وكأنها تامة الدلالة بيِّنة الحد، واضحة المقاصد. ومن ثم يغدو استعمالها مثار التوجس والتخوف وعدم الفهم والخلط. بل إن كثير منها حين يُقلب في وجوه استعماله يكشف عن حقائق خطيرة يجب التنبيه عليها، لكونها تتصل بمستقبل هذا الفن أو ذاك، أو هي ترسم في تلونها جملة التحولات التي اعتورته في تاريخه الخاص والعام.
إننا حين نراجع مصطلحي: "البطل" و"الشخصية" في الرواية والقصة والمسرحية والسينما، تنتابنا الدهشة حيال الاستعمال أولا، وحيال المعاني التي يراد تمريرها من خلال كل مصطلح على حدة. والناظر اليوم إلى كافة الدراسات النقدية يجد هذين المصطلحين يتبادلان المواقع من غير تحقيق ولا تدقيق. وكأن الشخصية هي البطل، وأن البطل هو الشخصية في الوقت ذاته. صحيح أن البطل شخصية من شخصيات القصة والرواية والفيلم والمسرحية.. بل قد تتسع الشخصية لتشمل الحيوان والجماد في بعض الأعمال، ولكن "البطل" "مهمة" وليس "دورا" لذلك يصح لنا الآن أن نعتبر الشخصية مصطلح يغطي "الأدوار" التي تكون في القصة والفيلم والمسرحية. سواء اتجه الدور اتجاها إيجابيا فوافق الأعراف والقيم، أو سلبيا فخالفها وانتهك حرمتها. وليس للبطل في الدور إلا أن يتجه الوجهة التي ترتضيها القيم ويحتفل بها العرف وتزكيها الأخلاق.
آفــاقُ الـتـجريبِ السرديِّ في مجموعة "فوق دارنا بومة" للقاص ادريس خالي ـ محمد بوشيخة
على شـاكلة الـبداية:
"فوق دارنا بومة" عـنوانُ مجموعةٍ قصصيةٍ للكاتب القاص ادريس خـالي، تضم بين دفّــتَـيْـهـا اثني عـشر نـصّـاً، من بين عناويـنها اخـتار الكاتبُ مـا به عنوانـاً تُــتَـداولُ في الـسوق الثقـافية وما إليه تنتسبُ.
اختيار عـنوان "فوق دارنا بومة" له الـعـديد من الدِّلالات، أساسُها مـا يوحي به من أمـريْــنِ / بُـعـديْـنِ:
- بُـعـدُ الـمـكان: إشـارة إلى الـجَـغرافـيا التي ستـشـكّـلُ تـربـةً لاستنباتِ نصوص الـمجموعة، ومعلوم أن الـمكانَ يرتبط بساكنيه وزمـانه ومـحرِّكـاته السوسيوثقافية.
- بُـعدُ الشخصية الورقية: وهي هـنا نكرة لا مـعـرفة، ولـهـا كـما للتنكير بُـعـد الـشـؤم في وجوه متقـلِّبةٍ و متعـدّدة.
"بـومـة" تـعنـي الشؤم في المِـخـيـال الثقافي الشعبي، وهذا مـا عـبّر عنه الـكـاتبُ القاصُّ نفسُـهُ على لسان أمِّـه: "كل ليل عندمـا تصدر البومة صـوتـها تـقول أمي إن شـؤمـاً سـيـقـع"(1).
رحلة الموت في ديوان " فقدان المناعة" للشاعر المغربي عبد السلام دخان ـ فاطمة الزهراء مجط
تختلف التصورات حول موضوعة الموت من مجال معرفي إلى آخر ، ومن فرد إلى فرد، و من زمن إلى زمن ، لكنها في النهاية قدرنا المحتوم. وإذا تصفحنا دواوين الشعر العربي القديمة منها والحديثة، فلا نجد ديوانا يخلو من هذه التيمة ، إما لوعي الشاعر العربي بزوال الحياة و عرضيتها أو لأنها الخلاص من حياة سوداء. فكيف ينظر الشاعر المغربي عبد السلام دخان إلى الموت ؟ وكيف وظفها في ديوانه الصادر حديثا عن مطبعة الخليج العربي بتطوان(أغسطس2011) في68 صفحة.
إن اختيار اللون الأسود للغلاف، إلى جانب اللون الأحمر، لم يكن اعتباطا بل هو انعكاس لروح الديوان و صاحبه معا، فالأحمر لون الدم ،والسواد لون الحزن ،والدم دليل الموت ،أما الحزن فنتيجة أو سبب لها. كما أن اختيار "فقدان المناعة"عنوانا للديوان له دلالته ،إذ يشير إلى حالة مرضية تصيب الإنسان عن طريق العدوى و تؤدي إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي بشكل تدريجي ليترك المصاب به عرضة للأمراض الانتهازية والأورام …و بالتالي الموت. وينقسم ديوان" فقدان المناعة" إلى مجموعتين وسم الأولى بصور مختلة هي صور جزئية لعوالم غير واضحة،وغموضها يتجلى في نكرة عناوينها ،لكننا سنطرق ونعيد الطّرْق ،وسنكشف أن نقطة بداية عالم دخان فلسفة و هي بداية مستمرة وكثيرة الإلحاح من خلال تصوره الخاص للعالم ولعناصر الطبيعة :1- الهواء:فرش من هواء،دروب الهواء.2- الماء: البحر ،المطر،النهر.3- النار:بروج نارية.4- التراب:أرض الشمال...