تسللتْ وئيدة الخطى تسبقها رائحة الحناء بالقرنفل البلدي.قبل التحاقي بالفراش مازحتها متسائلا عن كيفية تخلصها من سنة مسح الرأس لإتمام الوضوء، تركتها تغمس ضفيرتها الفاحمة في بلل أخضر.
تسمعت صدى نقر رؤوس بنانها فوق بساط يفصل بيني وبين النافذة الوحيدة في الغرفة، أحكمت إطباق الصدر على العجز، فتوقف صفير الريح على وقع زخات مطر متقطع بين رعدة ورعدة، أحسست بدنوها من فراشي، تؤخر رجلا و تقدم أخرى كأنها تطمئن على استواء غطاء ضقت به ذرعا رغم الجو البارد، رفعت من وتيرة افتعالي شخيرا يتماوج بين ثنايا صمت الشتاء، كنت أعرف أنه علامة في ذاكرتها على غرقي في نوم ثقيل، توقف الخطو، ثم تراجعت منسحبة في حذر نحو الباب، تجر خلفها ما تبقى من حس لوجودها في خيالي.
لعلها ثاني ليلة أبيتها في بيت بنيتي" سلمى"، بعد فراق خمس سنوات ، ظـللت أتحجج لديها ببعـد المسافة بين " الحسيمة" و" الرباط"، و ظلت توهمني بتصديق خطابي رغم يقين علمها بأن تفاهة زوجها أصلُ هذا التباعد الكريه، كم يحزنني شعورها بذنب قبولها الزواج منه رغم حدة موقف أمها، كنت الشريك في الانتصار عليها، هل رحلت عنا بعد عام فقط تحمل غصتها؟ !
يحدثني عن فتوحاته في معارك حزبية قديمة، متبجحا ببطولات الفارس الذي قهر لوحده جيش المعارضين لخطة الحزب في تطبيع العلاقة مع المخزن بعد أربعين عاما من القطيعة، فأتعلل بالتعب من جراء زيارة مقابر الملوك في العاصمة، لأجد الطريق سالكا نحو فراش مهمل في غرفة حفيدي.
حين جاء يخطبها ذات مساء ربيعي وهي في سن الثلاثين، ، عارضتْ أمها بشراسة، ليس لأنه كان ابن "عزوز الحلاق"، ولكن لأنه كان مدمنا على معاقرة الخمرة و ملاحقة العوانس من النساء، شجعني على الوقوف في صفه، ما بدا منه من تقدير لمواقف " سلمى" في خضم معارك المعطلين ضد التهميش والمحسوبية، ذكرتها بأسطوانة التخوف من انحرافات البنت البائر، بعدما نسيت نفسها في خضم الاعتصامات بشارع البرلمان، أصبيت في أول اصطدام مع الشرطة بكل أطيافها، فعجز الطب عن استدراك فقدانها السمع بأذنها اليمنى. ليتني دريت أنني ألقي ب"سلمى" في حضن ولد "عزوز الحلاق"، كما يلقى الجمر في الماء، بدأ ممرضا في مستوصف القرية المجاورة، تعلم بسرعة لعبة التسلق في سلم النقابة التابعة لحزبه، فنجح في الدخول إلى غرفة المستشارين، صار صورة مصغرة مشوهة لخصوم حاربتهم في الدين والسياسة، لكن "سلمى" ظلت الطفلة في عيني، أهدهدها بين ذراعي، فأقرأ في عيون إخوتها غيرة ساخرة مما حسبوه تقديمها عليهم في مناسبات شتى، كانت بيضة الديك في سلة سبع ذكور.
لا أذكر كيف تحملت وجوده الجاثم على صدري ليلتي الأولى، شعرت ببرودة استقباله، بل قرأت في عينيه شماتة قاتلة، وددت لو تنشق الأرض لابتلاع كرامتي المهانة بين يديه، يستفزني بالسؤال عن الأحوال في الريف بعد الزلزال، فأتحاشى التعليق كي لا ينزلق لساني نحو مؤاخذة المخزن على فضائحه، يستغرق في تجميل اللوحة بألوان الخطب التلفزية، وبين الفينة والأخرى، يستدرك بما يذكرني بسقوط الجدار ونهاية الحلم الشيوعي، ظل حديثه عن الوردي في الواقع الذي يصفه بالجديد، أمنية وددت أن أرى بعضها يتحقق في حلمي و أنا أحاول أن أنام قليلا، بعيد انسحاب "سلمى" تاركة خلفها أزيز عاصفة تخترق صمت الغرفة.