زخات مطرية أعادت الفرحة للوجوه الحزينة، فقط رواد مقهى باليما يتحسرون على ماضيها القريب، كالعادة أمر مهرولا بمحاذاتها حتى لا تداهمني الذكريات، ولا يهم إن كانت محزنة أو مفرحة، فالذكرى كالجرح لا يندمل، لأتقي البلل أدلف لأول باب يصادفني -وإن كانت الأبواب في وطني مجرد نوافذ مشروخة-، لأبحث عن الدفء الإنساني المغيب في هذه المدينة التي ترمم عظامها الملكية . المفاجأة كانت صادمة وجميلة، فنان تشكيلي يعرض أعماله وحتى وإن كانت مجرد نسخ لأعمال مشهورة، لكن الإصرار على العرض خارج دائرة المستحوذين على دور العرض الرسمية لأشباه المبدعين، هو حب مفتقد ورؤية جميلة للارتقاء بالذوق العام، مبدع الظل حتما هو موسيقي مادام يترنم صحبة موسيقى وأغاني الزمن الجميل الصادحة من علبة الموسيقى، كأن الزمن متوقف داخل هذا الفضاء البهي. ملتحي طبعا بلحية غير مشذبة يتصفح وريقات باهتة، يشطب على بعض الأسطر، يهمس، يبتسم، يبلل ريقه بجرعة صهباء تعيد له الصفاء والسكينة، لاه عن سيمفونية الضجيج التي تحاصره بحمق جميل، ربما منفلت من لغو الملتقيات والبيوت والجوائز الوهمية.
صمت يتحدث فجأة ـ قصة : محسن العافي
المكان الذي يحمل في جنباته ذكريات،تغيب واجهته التي أسرت العقل والقلب ذات يوم. ينمحي كل شيء على مهل ، كما الأشياء الجميلة، التي تنقضي أيامها سريعا. أسرى المكان لم يكونوا آلهة من حجر، لم يكونوا أغصانا من أشجار مورقة.
شيء ما، يوقظ الذاكرة ،ويقض المضاجع، في أماكن شتى.
يسأله مار من الباب الخلفي :
أين أجد الإسكافي ؟
في الجهة المقابلة ل... .
أيكون ماهرا ؟
بين أمي و السلحفاة ـ قصة : أيمن العقرباوي
عدت من السوق اليوم بحبل و ثلاثة مغلفات و شطيرة و زجاجة نبيذ
علقت الحبل .. و تناولت طعامي و أنا اتأمل الحبل يتأرجح ببطء
كتبت الرسالة الأولى لأمي أعزيها بنفسي تاركا بعض النقود لتتمكن من دفع بعض الإيجار المتراكم عليها
الرسالة الثانية لزوجتي التي على الأرجح تعتني بالأزهار في الحديقة حاليا
الرسالة الثالثة لأخي اشتمه فيها
عند منتهى الشارع الطويل ـ قصة : محسن العافي
قطرة دمع جاثمة على خد،تنظر إلى مستقبل غامض،يوم ربيعي يبسط بعضا من أيقوناته العالقة بصدى الطبيعة، في عالم آيل إلى الخسران ،وأنا أفكر فيك .
وسط صمت يعبث بكل ما حواليه من كائنات، لا شك أنها كانت ضياء في زمن حكى عنه الكثيرون .
قطرة دمع أخرى سبقت أيامها بقليل،رسمت لوحة بألوان الخريف اعتباطا على تجاعيد ا لفضاء. حين رحلت على وقع أغنية حزينة ،أذهلت العالم، ففضحهم بوحُهم بما يختفي خلف ستار المسرح الكبير .
يوم بامتداد السنوات الضوئية ، يأبى الرحيل تاركا ليلا يحكي تفاصيله، وتفاصيل شمسه التي تومض حين تنجلي سحابة ،وتختفي خلف أخرى ،دون أن تعلن ذلك .
صدى حقيقة غائبة ـ قصة : محسن العافي
أيقظ قريحته ليل هادئ،سكن فيه،تحدث إلى كائناته الليلية المختلفة عنا ،جمع بعض كلماته المتدفقة،تابع تصاعد الأنفاس من دفاتر الأيام الماضية ،لم يشأ أن يوقظ الذاكرة الحية في باقي مناحي الحياة،وعلى مقربة من هطل متعاظم،ناشد الغروب والشروق،وهما مجتمعين إلى ضفة نهر على غير عادتهما اجتماع حياة بلون آخر .
الأسئلة التي يلقيها النائم كرها،تقف عند المنحدر،و عند بقايا أوراق ممزقة من جرائد ملوثة، ترسم العهد الجديد .
وهو يتحسس الزمن،تنحبس كلمات شاردة ،عند معبر تلك الممنوعات والمنعطفات،ثم تهيم في أرجاء المجسم الزمكاني .
لم يكن من الكائنات الليلية ،إلا نعاس وتثاؤب،كلمات مرسلة بصوت خافت، تنادي الشروق ،وأخرى تنادي الغروب،وتسائِل الكواكب والنجوم،التي تختفي مكرهة ،وتذكر لبقايا الأحداث حكايات عاث أبطالها فسادا ،في مكان ما وعالم ما .
الصحاري القادمة ـ نص : محمد الفاهم
سأحارب هذه الليلة
الذبذبة السوداء الغامضة بأظافري
والكل مدعو للصراخ وسط المدينة
على الصحاري القادمة
الطقس المتقلب اليوم يجعل ذهني يتأرجح بين النور والظلام، كما السماء المترنحة بين الإشراق و زخات الأمطار المفاجئة التي لا أعرف من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. روح الإنسان تتفاعل مع ضوء السماء ومع نور الطبيعة. حينما تعتم الشمس تعتم روحي كذلك. وحينما يكون هنالك إقمار في الليل، يحدث إقمار آخر داخلي.
هكذا هو الأمر إذن النظام هو حركة الفوضى، والفوضى هي مآل النظام. كل الأشياء تجري نحو الأمام وكأنها تبحث عن انتظامات ممكنة، أو انهيارات محتومة.
فرصة تضيع ـ قصة : رشيد تجان
كانت الريح شديدة ذلك المساء، والأشجار تتساقط أغصانها الغضة. أذيع على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أن إعصارا يتكون على مسافة قريبة من المدينة، والطقس ينبئ بأمطار طوفانية ستصيب المنطقة برمتها، لذلك على جميع السكان اتخاذ الحيطة والحذر مما هو آت، وقد يكون كارثيا. تحدثنا عن الأمر بأصوات خافتة، وفي مجموعات صغيرة جدا في المعامل والمدارس والأسواق والمصحات وحتى المقابر...، تكلمنا بحذر شديد كأننا نخاف من تقلب الجو أن يسمعنا وينتقم منا.
على الساعة السابعة مساء، وبعد عودتنا إلى منازلنا من المعامل والمدارس وحتى من المقاهي، بدأت الأمطار تتساقط على شكل رذاذ ما لبث أن تحول إلى أمطار شديدة كأنها الوابل. في بداية الأمر اعتبرنا المسألة سحابة صيف عابرة، غير أنها كانت أكبر مما تصورنا. تحركت الهواتف الذكية ترسل صورا لمناطق من المدينة غمرتها المياه واجتاحها الفيضان. تهدمت منازل حسب الأخبار الصادرة عن القناة التلفزية المحلية، عائلات تشردت وأخرى فقدت ما تملك.
إنذار حريق ـ قصة : ماهر طلبه
رنين الهاتف أيقظَه، حرَّكَ سماعة أذنِه لالتقاط صوتها البعيد، كانت تحدِّثه مِن منطقة بعيدة في قلبِه، أنصَت صامتًا بعد أن تحكّمتْ في لسانه، فلم يعُد يستطيع النطق أمام حبال كلماتها التي كبَّلَته والتي يبدو أنها قد أعدّتها وجهّزتها لِتُتم بها جريمتها التي تَحدث الآن.. هذا لا يمنع مِن أن عقله كان يعمل بمنتهى السرعة لينقِذ نفسه مِن ورطته تلك وحصارِه هذا، لذلك فقدْ أسرع في محاولة يَائسة لمنع إتمام الجريمة بإغلاق باب قلبه الداخلى – لمنع خروجها- بمفتاح حبِّه، ثم شَد الباب الحديدي الخارجي – لقلبها- والذي كان قد اشتراه ودَفع تكاليف تركيبه في مكانه بعد ملاحظته أن بعض العيون تتلصص عليها وتحاول التسلل إليه في الفترات الطويلة التي كان يضطر بسبب كلماتها الحارقة الحادة إلى الابتعاد عنه تارِكَه لها وحدَها..