لا تجتمع في تفكيره أفكار غيره،سلوك ربما يحاذي الغريزة ،أو يلامس غاياتها ،لم أكن أجرؤ على اقتحام صمته ،لأنني كنت أعي جيدا أنه لن يجيبني ،أو قد يفاجئني بما لا أنتويه .
لم أكن أتصور أن في هذا العالم من لازال يفكر هكذا منفردا بعالمه،لا تؤطره جمعية حقوق الحيوانات،ولا جمعية مختصة في التنمية البشرية ،ولم يمس حركاته أو يغير منها جار و لا قريب .
بخطواته المتثاقلة ،عرفت سر هواه ،وتأملته كمن يتأمل صورة فيلسوف ينتظر من يصدقه،من يقتنع بنظرياته،وبحوثه الغريبة .
قلت :قد تجد من يجعل لها تفسيرا فيما بعد ،أما الآن ،فمنهم من يقول :
هذا الشخص لا يجد ما يفعله ،هرِم ،شاخ ، فوهن العظم منه ،وبدأت التخاريف تملأ حياته،وما تلك الأشياء التي يفعلها ،إلا مظاهر مما يفعله المشيب .
بنكهة التقاليد التي لا تتغير ،التي لا تغادر عالم الأشخاص،يتمسك بارتداء ذلك الجلباب الشتوي .
أغنية العيد- قصة : أحمد العكيدي
أرخت الشمس أشعتها على الشاطئ فاجتاحت جسده المتورم موجة من الدفء شعر بها تدغدغ جفنيه فاستفاق على مضض من غيبوبته. تجول ببصره في الأفق لعله يهتدي إلى هوية المكان والزمان، بحث في الأشياء المبعثرة هنا وهناك عن ذاكرته وماضيه، حاضره ومستقبله، فخدلته اللحظة.
بعينين متعبتين رمق، من بعيد، ثوب قميص أحمر يداعبه الريح جيئة وذهابا، تارة يدسه تحت الرمل وتارة أخرى يقذفه في السماء. زحف نحوه كالرضيع، يرسم أثار قدميه ويديه فوق الرمل، التقطه ثم ضمه إلى صدره للحظات واستنشق رائحته بعمق فاشتعلت في دواخله آهات وآهات. تأمله وتفحص طرفه المفقود فتسللت من إحدى عينيه دمعة في سكون واختلطت بحبات الرمل. تأبطه ثم استند إلى قطعة خشب لفظها البحر وبدأ يبحث عن حياة بين الأجساد المنتفخة والمبعثرة كأوراق الخريف حول القارب المحطم.
تَراءى له، من بعيد، جسم صغير خيل له من بؤسه أنه يتحرك، أسرع نحوه ولم تسعفه الخطوات فتعثر وسقط فوق جسد امرأة مغمور وجهها في الرمل. أدار رأسها بحركة سريعة فتطاير الماء من فمها في كل اتجاه. تصلب في مكانه للحظات بدون حراك كتمثال حجري قبل أن يدرك أنها جارته التي قُتل زوجها وجميع أبنائها في قصف جوي، كانت هي الوحيدة التي سلمت منه لتلقى حتفها في هذا المكان بدون هوية ولا عنوان.
قاصرات الطرف ـ نص : مريم بن بخثة
مازلت أذكر أني كنت أمشي ، حافية الحروف، يضيق صدري، تنتفخ أوردتي
و المعنى في زقاق الليل يغيب. ملثمة هي جروحي تتبرج كل غسق تشعل شموع الانتظار، الانتصار، تتعالى بصمتها ترسم امرأة تطرز أحلامها البكر على منديل الفرح، تعد بأصابعها أرقاما ، تغيب في بياض الحرير، تطل ابتسامة خجولة تبوح بكل ما لم تقله.
هكذا غردت بلابل العمر و حلقت تقطف ثمارا تبدو في غير نضوجها.
و تطل امرأة أخرى ملثمة بصروف الدهر، تحرك ذراعيها في الهواء.مرة تبدو هادئة و مرة تثور كبركان كان راكدا ثم استفاق. يجيء المساء، تلتف النسوة حول حناء الفرح تزغرد إحداهن لميلاد حياة.و يذرف البدر أولى زخاته ، رقص و غناء و فرح و حزن يتعانقن لحظتها في صورة سريالية تغيب فيها الوجوه و يحضر الفرح و الحزن.
أقبل الفجر متهاديا كسكير طوح به نبيذ الحانة الرخيص ، يعانق بياضها و يغيب وسط الحشود.
أنا بدون معنى (الزمن/الحب) ـ نص : عزالدين الحجاجي
الماضي في جلد المستقبل بدون أمل ، جالس الى جانب ذلك الحائط المتقادم رمادي وبني اللون، رغم كل السنين التي انهالت عليه لا زال محتفظا بجماليته، وعنفوانه وأصالته التي تذكرني بحقبة من تقاليد مغرب امتزجت فيه كل الأعراق عربي أمازيغي و وندالي روماني... بكل حمولتها وجماليتها، إنها الحضارة الصبيانية إنها جنون الإله الصبياني.
لحظة عشق جنوني باتت تتكرر في مخيلتي كموج هادر، موج بدون جزر بدون مد، يرقص متجاوزا قوانين الطبيعة، انه يثور عليها وعلى كل الكهنوت، حينها يفيض قلبي بالهواجس الأسطورية، أصبحت زيوس العظيم ، أصبحت الإلهة الحبيبة أثينا أصبحت مريم العذراء، أنني أصبحت أسطورة لم تحكها الكتب المجنونة الكاذبة أصبحت فكرة جديدة بعيدة عن ان تكون فانية، إنها خالدة إنها فكرة الحب والتاريخ يظل يرويها موضوعة في أقصوصة متناغمة عذراء، إنها ذكرى العشاق الذين لم يحترموا التقاليد لم يحترموا السر العظيم للقبيلة، ثاروا ناضلوا من اجل فكرة، من اجل حق، من اجل شعور جميل ينبع من بين اللحم والروح من بين عظام سقيمة، من داخل جسم أشعت صغير ذابل، لكن مع ذلك يحب أو ليست هذه أسطورة تتفوق على كل الأساطير؟
سمفونية لا تستهويها الحفر ـ قصة : محسن العافي
أزيز كصوت قطار، يعزف وسط صمت ليلي رسائل محملة، يختزلها عنفوان ليل شتوي .
السماء العالية ،تختزل مداها نجوم متلالئة في ليل شتوي، معتق بقطرات الماء العالقة ،التي يعتليها التثاؤب .
بضع كلمات شاردة تحوم حول المكان، ترسم معالمه الكئيبة،غير قادرة على البوح بما يسبح فيه .
ليالي الصمت المثقلة بالسهاد ، عابثة بالجمال ،تأخذ لها صورا حية مع سكون الليل ،المار من منحدرات تخمد الأصوات المتعالية ،لا شيء يسطع في تلك السماء ،غير النجوم التي نظر إليها، محاولا أن يتذكر،ما قال معلمه ذات يوم عن أسماء الكوكبات في الفلك :
كوكبة الدّب الأصغر ،كوكبة الدّب الأكبر ،كوكبة التنين ،كوكبة الدجاجة ....
لا أظن أنه سمى إحدى النجوم المتجمعة ،بأسماء الحيوانات والطيور، كهاته الأسماء التي تذكرت .
سلطة الحب على أرض الكآبة ـ قصة : عبد العالي أوجاع
جاءتها برقية من عاشقها عزيز الملعون بكذبة الأمل، فتحتها متلهفة وحبها له يحرك أناملها لتمزق فوهة الظرف...، وأخيرا جاء ما تمنته منذ أول لقاء لها به.
-"عفاف حبك زكاة عَشَاء أنتظرها لتجمعني بك على مائدةٍ وجها لوجه لأتمعن وأرتوي بنظراتي من جمالك المدفون بداخلي في عمق أعماق ذاتي، حبك يلحقني كاللعنة"
ارتعش جسدها وابتسمت وحنين الشوق يدفعها، لتكتب له في برقية عاجلة، حمراء تفوح منها رائحة الورد، عاجلة جدا..
-"متى؟ وأين يا نبض الفؤاد؟؟"
واضعة له بين عارضتين -أحبك عزيزي على الدوام-...
وبعد يومين وصل الظرف إلى بيته، اخترقت رائحتها الوردية قلبه دونما استئذان، وضع الجريدة على الكرسي وقام ذاهبا ليقرأ ما قالته له، أنهد الظرف الوردي وفتحه...، ابتسم ضاحكا وانفتح قلبه لحبها الذي اكتساه...، عاد لكرسيه حمل الجريدة ورشف القهوة ببطء ثم قال:
-"أنت مكان ما بداخلي لكني أجهله، أحس بأنك تقيمين في عمق أعماق ذاتي لايستطيع أحد الوصول إليك، مكانك فيَ محصن أهرب إليه كلما شنت الحياة حربها علي ولفّتني بالضياع المضاجع"
وصية ـ نص : فوزية العلوي
نحن بنات آوى
الأصيلات من السلالة
العاويات كما الريح على الاكام المسننة
والشاخصات إلى القمر المحمر من الخوف
والوالدات في مطلع كل ثلج
اللاعقات دم الخلاص حتى لا يدنسه العابرون
نحن العريقات العتيقات المنبجسات من عمق الكهوف والوديان والغابات الندية الكثة
والعاتبات على المطر إذ يعبر دون أن ينث ربانا
أعلنا :
خرائط صامتة ـ قصة : محسن العافي
كعادته كان منبهرا بكل مختلف،ولو كان يحمل في سجلاته ما تحمله المستنقعات مما لا تأنس له النفس .
نظر الى الخلف ،رأى شبح اسمه بعيدا هناك .
حاول أن يسطر بقلمه بضع كلمات ،تبوح بما خفي حينا، وبما أعلن حينا آخر .
كان ما استجد مثيرا باختلافه ،بعناده ، يقرر ولو كان للحقيقة منحى آخر في علم العلماء .
بدا الاختلاف والخلاف بسيطا، ثم زادت الجرأة بطشها بذلك العالم ،انشغل بالتفاهات من الأمور، وكثرت الحركات العابثة ،استراق سمع ،استراق نظر ،حب استطلاع يرمي بالأفكار و التهيؤات إلى حيث المتاهات ،التي يحتار فيها المرء، وتغيب عنه الحواجز والموانع ،ولا يبقى إلا أن يفعل القدر فعلته الدنيئة، في أن يجمع ويفرق، بلا منطق و لا شريعة .
كان يحاول أن يعرف ما يفعل ذلك السيد في مكتب الخرائط المنسية ،فراح يختلق قصة لذهابه إلى هناك .
بين الماضي والحاضر ،ماض ينصت إليه ،وحاضر جعله يتناهى في الصغر ويؤول إلى العبث .