ذات خريف، والشمس تفتح بوابة المغيب لجحافل الليل فوق بساط الغاب المديد، حط لقلاق على دوحة يروم بياتا؛ هرما، مهدودا كان إذ ما أن وقع واسْتَأْمن المكان حتى لوى عنقه ونام؛ في اللحظة ذاتها تعالت لقلقة فوقه، واهتزت أغصان حوله، فتنبه من غفوته ولمح بجواره فرخا من جنسه عليه قد وقع. ود أن يصرخ في وجه الزائر ويكيل له اللوم والتقريع بيد أن الدهر الذي عركه أثناه، واستحسن أكثر ردة فعله حين الصغير بصوت وقور ولباقة استعذر إليه وقال:
ـ عفوا سيدي إن أنا استبحت خلوتك، وكسرت بواكر غفوتك.. وسأكون أكثر سعيدا لو سمحت لي أن أشاركك المبيت..
روح وايل تيري الملونة – قصة: هشام ناجح
"عندما كنت طفلا، كنت أرى العالم بألوان مختلفة، فأبحث عن ظلها في ذاكرتي. لكن، سرعان ما يتغير اللون الذي ينسج روحه من ظل دمي". (هـ.ن)
لم يكن وايل تيري القادم من لندن، منسجما في أغلب الأحيان مع الخارج إلا بفعل العادات فحسب، في أغلبها عادات بيولوجية تتم عبر الفعل المسلط على المادة؛ كأن تأكل حتى لا تفطس من الجوع، أو تشرب درءا لهذا الإحساس المبهم المسمى: العطش. فهو يعيش حياته في الداخل بالألوان. عندما نتأمل كلمة "الألوان"، نقول؛ إنها سيرورة التفكير في الأحداث من جهة ألوانها لا من جهة أشكالها. إنها تبدو ملتبسة في الخارج عندما يرغب في أن ينقلها عبر اللغة مثلا، لهذا تسعفه الهمهمة فقط، حتى يسلك اللون المنبعث في حيز الحدث الرئيس، أو يأخذ وجهة داخل بنية اللون الأول، وهنا يمكن أن نشير إلى طبيعة الانسجام أو التفاوت التي تفرضها منبهات الحدث التي تحدد هذه التقاطعات.
ليلة خميس- قصة: ماهر طلبه
عكس ما هو متوقع، دخل من باب شقته، ليجد الصمت مركونا إلى جانب الحائط، نظيفا تماما – مثل كل البيت- كأنه قد خرج من علبته الآن فقط، كسره بأن رمى صوته فى الشقة باسمها، استعاد الصمت رونقه وأينع ، انتابه يأس وحيرة، وسقطت كل خيالات اليوم من رأسه.. الشموع الموقدة، التورتة المحتلة منتصف الطاولة، هى فى قميص نومها الجديد الذى اشتراه لها ومازال لم يغادر حقيبته بعد.. وضع البطيخة التى يحملها على الطاولة الفارغة واتجه إلى حجرة نومها.. طرق الباب وانتظر.. عندما لم يتلقَ ردا، فتح الباب بهدوء ونظر.. كانت الحجرة مرتبة كما يراها كل يوم لم يتغير بها شئ.. اغلقها ودار على باقى حجرات البيت.. لم يجدها.. عند حجرة نومه المفتوحة الباب دخل وتوقف بحثه.. تخلص من بنطاله وقميصه وارتدى ملابس البيت، ورقد على سريره ونام.
بوح الذاكرة: عبرات معلم مقبل على الانتحار شنقا – نص: أحمد رباص
في البداية، أسارع إلى تنبيه القارئ الكريم اني سوف أخصص هذه الحلقة لموت معلم متدرب بالانتحار شنقا. لقد وقعت هذه الواقعة في خريف 1988 الذي تزامن مع التحاقي، لأول مرة، بالمدرسة القروية التي تم تعييني بها من قبل نيابة ورزازات بعد قضاء سنة من التكوين في مركز غاندي بالدار البيضاء.
لن أشغل نفسي بالتفكير في تقديم مزيد من التفاصيل وأنا بصدد التمهيد لهذا الحكي المرتكز على الذاكرة. سوف تاتي التفاصيل تباعا وتلقائيا إذا ما أرخيت العنان لذاكرتي البعيدة المدى مع حرص شديد على الانتقاء والتشذيب وفق منهجية كتابة المذكرات التي سبق لي أن خضت فيها تجربة ناجحة ولو على شاكلة مقال عرف طريقه إلى النشر بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" خلال شهر دجنبر من سنة 1994.
قـطط تتناسلُ في اشتهاء –قصة: ذ.رشيد سكري
ـ 1 ـ
منذ متى ، وأنا كنتُ أنظر إليك ، أيُّها السردابُ المدلهّم ؟
عندما تسعفني العبارة ، كشاعر مجنون ، سأكتبُ لك أيها الغريبُ عن وطن ضاع بين كتب صفراءَ باليةٍ ، تاريخه منسي ومنذور للأساطير و الخرافة. سأرسم لك سمْـتا يتيه في برارٍ ساهمة. لا تحاول أن تتنصلَ من حكايتك، التي كنتَ ترويها لصبية تخاف رذاذ المطر .
كنتُ أنظر إلى هذا السرداب، بعين وجلة ومائية، وكلي أمل أن يمر طيفك العزيز ليس فقط على الجدار ، وإنما فوق هذا التراب الندي ، كي يترك بصمته . من علٍ ، وقد قل نٍظيره ، كانت قطط فوق الأفاريز تموء مواءا يملأ المكان هرْجا و مرْجا . فكلما أحست القطة بنشوة عابرة ، تخمش اللازورد بأظافرها ، و تثور بدوران متمسح بين الأرض وزرقة السماء ؛ كي تنام قريرة العين، وهي ممددة بطنها على القرميد الأرجواني .
تأبّـــط سَـــوْطا – قصة: سيف الدين العلوي
ليس حكيما ذلك الكائن. لو سلّمنا بجنونه، قلنا "حكيم المجانين ولو لم نسلّم قد نقول هو "مجنون الحكماء"..المسألة شائكة نسبيّا . يمرّ مخبول البلدة- أنا أتناقض حينا أقول حكيما وحينا أقول مخبولا. وهل كانت المسألة محسومة؟ ومن يستطيع حسمها دون أن يضحي مخبولا؟.لا يرى أحدا..كلّ الذين يراهم هم من بديهيات الرؤية أو ربما من حاصل الرؤيا.. يمرّ بين يديْه سوطان.. نعم سوطان لا صوتان. المسألة عنده تتعلق بالسوط لا بالصوت.. محمول دلالة كل منهم مختلف عن محمول دلالة الثاني .
انتفاضة – قصة: حسن يارتي
انتصب أمام خزانته، وهو ينظر إليها بحنين، يناجي تلك النزعة الأدبية التي أخمدها بشتى الدراسات العلمية.
اليوم، توقد نبراس الأدب في فؤاده، وانتفض على العلم بعد أن لمس كتبه، حيث استرجع عشرات الشخصيات التي نسجها، وحدد كل معالم دنياها.
تلك الكتب كانت هي كل شيء بالنسبة له. كانت خليلته ونصيرته وخديمته.
تلك الخزانة المليئة بالكتب والدفاتر، تعرف جوهره أكثر من أي كان. إنها التي أشعلت نيران التأليف في فؤاده، وصقلت مهارته على نسج الكلمات وحياكة الحروف ليُنتِج شخصيات إبداعية ترتدي جبة الحياة بين سطور رواياته. ذاك هو الإحساس الأجمل الذي اشتاقت نفسه لتجربته مجدداً.
لعنات – قصة: الحسين لحفاوي
كل مولود يولد في قريتنا تتأكد مع قدومه تفاصيل اللعنة التي سكبها علينا أحد الشيوخ الذين مروا يوما عبر بيوتنا، لم يكن مرور ذلك الشيخ عاديا و لا كان اِستثنائيا، كان مرورا بهيجا، مربكا، مخيفا، مفرحا، داوى أثناء مروره المرضى و أطعم الجوعى و أطفأ ظمأ الأجساد المتعطشة لنفحاته بتعاويذه، لكن المريب المحير أن لا أحد شفي و لا أحد شبع و لا خمدت ألسنة اللهب المتصاعدة من الأجساد المحترقة، لامست راحة يمناه كل الأجسام بلا استثناء، تحسس التفاصيل المخبأة تحت الأثواب و اختلى بالأطفال يريد تعميدهم، و رافق بعض النساء إلى أماكن كان يختارها و في مواعيد كان يضبطها حسب مزاجه أو استجابة لأوامر جنياته اللواتي لم نكن نراهن و لا نحس بوجودهن و لا نسمع هسيسهن، لكنه كان يحادثهن و يأمرهن و يطعنه.