أنفاسالعسل المرّ:
  دخل سباق تكسير  القيود، سبح ضد  تيار الجوع ، القهر والعبودية، ركض مع القلم ، تسلق الصعاب بالكلمة، ليحصد ميدالية كرامة الإنسان، التف حوله " موتى بلا قبور"، وبات بطل الخلاص..!
  جـــــلس يلهث  على الكرسي الوثير ليستريح.. ذاق حلاوة العسل، والتحف باللون الأخضر.
  اغلـــــــق   نافذة السمع، أغمض عين الحقيقة، باع  كابوس الفقر، اشترى أقلامًا ملونة، وربط  حباله الصوتية..!!
بطالــــــــــــــــــة:
   اطــــــــلبْ العلم ولو في الصين. باب العزاء
أعلق الشهادة العاشرة، سيرتي الذاتية. أزين جدار غرفة آيلة للسقوط..
أبتسم وصوت زوجتي في المطبخ، تحمل السلاح الأبيض تحوم، تناور
 تعارك لتصطاد قطعة لحم و حيدة ورغيف خبز جاف.

أنفاس.. نفضت هواجسي، الملونة، وارتقيت سلم "عيادة "، طبيب "العائلة"، الذي مازالت ملامحه: غائرة في سراديب الذاكرة: بسمته المهندم؛ لعله لم تغيره، السنين المنصرمة..
أخرجت من حافظة نقودي: ورقة المائة جنيه. ناولتها إلى "الممرض":- مستعجل.. من فضلك.
رفع رأسه، ورمى قلمه الجاف، على المكتب.. حدجني، بعينيه الناريتي اللحظ:
ـ كما ترى.. العيادة "كمبليت".. كل المرضى مستعجل..
هززت رأسي، بحركة آلية..
وألقيت بنفسي، فوق أقرب كرسي.. يداي يغسلهما العرق؛ في لحظات الانتظار، والقلق.. لا أحب العيادات والمستشفيات.. الدوار، يلف برأسي، والطنين بأذني، يزداد..
 حالتي، أصبحت تصطك لها خلاياي.. حاولت أن أضعها في بؤرة اللاشعور، لكنها أبت، لم يعد النوم، يداعب جفوني.. حدقت إلى عقارب ساعتي – العتيقة – لم يمر سوى ساعتين فقط.. سؤال طفا في عقلي – فجأة – هل ما صرت عليه.. حقيقة، أم كابوس كالح؟! جاءني، صوت "الممرض"، الأجش:

أنفاسالعالم ينتظر والجنرال ممدد على سريره في غيبوبة تامة ،زيه العسكري المعطر بدخان الحروب ، معلق امامه بجميع نياشينه واوسمته ... الكل ينتظر...، سيطير الملوك والرؤساء والزعماء ورجال الدين والوزراء والعلماء والنجوم فور اعلان الخبر ليؤدوا واجب التعزية..
وسالت جدي المحارب القديم : ما الحكاية ؟فقال : انه يعذب عذابا لاتتحمله الجبال..
قلت : كيف؟كيف يا جدي؟
اجلسني الى جانبه وقال لي :حكى لي جدي عن ابيه عن جده عن جد جده عن...عن احد الاولياء الصالحين ان القاتل عندما ياتيه الموت ، لاتخرج روحه الا اذا تذكر اخر قتلاه .. ويبدو يا بني ان الجنرال لايتذكر اهو شيخ ام امراة ام طفل ام جنين ...

أنفاسنبرات خفيفة على باب المدير.تدخل فتاة تلفها مسحات من الجمال الهادئ.تتقدم بكل بطء و خجل.تسلم على مدير المؤسسة:
- صباح الخير.
- صباح الخير يا آنسة.رد عليها بابتسامة عريضة.
تابعت كلامها دون أن تنتبه إليه:
- أنا أستاذة اللغة العربية التي عينت بمؤسستكم و..قاطعها قائلا:
- أهلا و سهلا.لقد كان موعدك بالأمس.
. - أعرف. إنها فقط إجراءات السكن المتعبة وما تتطلبه من وقت.
أومأ برأسه بالإيجاب مع الاحتفاظ بابتسامته العريضة.تفحص بعض الأوراق كانت أمامه دون تركيز و قال:
- ستعجبك مؤسستنا ،لقد تعبت كثيرا لأجعل منها  المؤسسة الأولى في الإقليم ...و تركته يسترسل في المدح و التنويه"بمؤسسته".. فسمحت لنفسها بملاحظة كل ما يحتويه  المكتب من كؤوس رياضية و خرائط مختلفة و بيانات و ملفات.و صور ..  . ...كأنه لا حظ فضولها،فباغتها بصوته الخشن نوعا ما و قال لها:

أنفاسمن الغرفة تفوح رائحة القيء والدماء المتخثرة . ألقي بالكيس على أرضيتها الرطبة . وبمجرد ما لامس الكيس الأرضية  لسع البرد أطراف "منصور" وكان للبرد قساوة الإبر .
تدحرج الكيس هنا  !.. وهناك !. وتحرك جسد "منصور" داخله  في محاولة لجلب الدفء . لكنه سكن أخيرا,   سمع وقع أحذية تدلف إلى الغرفة ، تمر بجانبه ثم تحوم حوله وتبتعد وسمع قرقعة المفاتيح وأصوات أبواب توصد وفجأة حل سكون عميق بفضاء الغرفة .
إضطرب داخل الكيس فحاول فك رباط يديه المقيدتين إلى الخلف ، لكن دون جدوى .كان القيد يعض على رسغيه بإحكام ويؤلمهما . إذا كان " منصور"  لم يفلح في  تخليص يديه من الوثاق فإنه قد أفلح  شيئاً ما في تحرير العصابة التي كانت تلتف حول عينيه .  ومن خلال الكيس رأى ضوءاً  يتسرب من كوة تتوسط  باب الغرفة كان الباب مواجهاً  له . عادت صلصلة المفاتيح داخل الأقفال ففتحت أبواب إلا أن باب الغرفة العطنة  لبث موصداً لا يرين  وخلفه سمع إرتطام أشياء صلبة بالأرض و مر وقت قبل أن يلاحظ أن الكوة التي تتوسط الباب قد بدات تختفي شيئاً فشيئاً تاركة الظلام يتوغل تدريجياً إلى الداخل .

أنفاسيهمهم بكلمات أساسها ساقط ....لكن .....في قرارة نفسه  فقط.
- أسمعك تقول شيئا ما !!
- لا ، فقط اغني ...
يغني ˤ مادا تراه سيغني وهو يكاد يهضم أغاني سعيد المغربي كلها ، .....أغاني لا تكاد تنطق إلا بما يذكي نار الالتزام باللاشيء في عالم يخلقه لنفسه ، حيث لا زالت نبرات أدب الواقع تحرث بقوة في نفسه التي لم تستوعب بعد كل شيء .....طبعا لا يسعه إلا أن يغني ، ودواخله تعج بالخوف من هدا الكائن الذي لن يكون إلا " المعلم "
- وقاد خدمتك يا هاد بنادم....!!
 لك الحق في اختزال كياني كله في مجرد أنني لا شيء ......يحلم ....لا بد له أن يصبر اذن.... طبعا كبرياؤه يمنعه من معاودة عناق زاوية درب ما ، وتأبطه علبة السجائر ....لن يبيعها  مرة أخرى ، سيعمل الآن ، على الأقل ،  سيستر كيانه في خندق مغلق ...لن يراه أحد يهان
- جيب الفأس ......جيب البالة .....جيب خنشة ديال السيمة .....جيب .....و جيب .....

أنفاسولم تجد حاشية الملك بدا من التفكير جديا في تنفيذ وصيته بممارسة كل طقوس توديع الميت من الغسل إلى الدفن، أوحى حاجب القصر لخليفة الفقيد، بأن هيبة المملكة في الميزان، وهو يسر لنفسه عبارة على المحك.
أعلن في آخر خطبة ألقاها بنفسه قبيل وفاته، عن رغبته في الحشر بين قبور العامة في ضاحية المدينة، لم تكن لهجته مما تعودنا عليه، بل لعل الكلمة هذه المرة كانت من تأليفه على غير عادته فيما يلقيه أمام الشعب بمناسبة وبغير مناسبة، في لغة متهلهلة بنبرة حزينة تكتنف صوته المتقطع، وبينما كان الترقب بلهفة حادة لسماع ما سيعلنه من قرارات حاسمة بعد الذي صار في مملكته البئيسة، فاجأ الجميع كعادته بالقفز على الأحداث، ليحدثهم عن دنو أجله، وما قرر اتخاذه من مبادرات يصحح بها أخطاءه حتى لا يعترف بما كان يحتاج إليه من تكفير عنها قبل فوات الأوان، لم يذكر شعبه الوفي بالمحجة البيضاء التي تركهم عليها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولم يكرر على مسامعهم وصف البلد بالجنة التي يتربص بها الحساد، باختصار شديد، يا بني، كان الملك غريب الأطوار، يتلعثم في جمع حروفه المبعثرة، باهت الوجه ذابل الجفون.

أنفاساليوم هو الثامن من مارس..بأية حال عدت يا عيد ؟
وجدت نفسي أضحك وأنا أقف في المطبخ مشعثة الشعر والشعور كعادتي
لا أدري من أين تفجرت هذه الرغبة في الضحك لدي وقد أقلعت عن ممارسته منذ سنين
هل هي المرارة تتزين داخلي فترتدي ثوب الضحك لتقيم حفلة في مسرح نفسي الخرب؟
المفروض على الأقل أن أرتاح قليلا هذا اليوم من رائحة الملفات ورطوبة المكتب ورياء الزملاء.
تتكلمين عن الراحة؟ قهقهت نفسي داخلي بصوت كالفرقعة.
خجلت وأنا أرى زوجي وحماتي الجالسين في الصالون يشرئبان نحو المطبخ يستطلعان..
تصنعت الانهماك في تغيير قارورة الغاز الفارغة بواحدة جديدة..
سمعت حماتي تهمس لابنها الذي هو على بركة الله زوجي..كان همسها مرتفعا..لعلها أرادت أن تشعرني بمساندتها.
- قم يا رجل وساعدها ألا ترى أنها تئن تحت ثقل القارورة.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة