النيران المشتعلة تحدَّثت إلَيَّ ، النيران تسألني وتستفزني ،تستعجلني الإجابة عن شيء ما كان خاصًّا بي .
ارتفعت حرارة المكان الذي أتواجد به ، ألسنة اللهب تزحف نحوي تارة ،و تارة أخرى تلزم مكانها ،تسترق هواء المكان،تستنزفه ، آه!! ذلك الشبح القابع وسط الحريق كشر عن أنيابه ، ينفخ على النار فتزداد اشتعالا ،اللهب كأنه كائن مُترنِّحٌ يمِيل جهة اليمين وجهة اليسار ،"ههه "،إنه يرقص رقصة إفريقية ،الرِّياح تشتَد ،المكان خَالٍ على عُروشه إلا منِّي ،والأنوار تلوح باهتة من تلك الأبنية البعيدة ،الشبح يخرج ملتهبا من موقد النار متجها نحوها ،أو ربما يتجه نحوي .شيء ما بداخلي يدفعني للهرَب ، يدعُوني للفزع ، يدعوني للبكاء.
خمدت نار الموقد ، بينما الشبح يسير بخطوات سريعة وأعضاؤه ملتهبة ، ظنِّي يُرَاودُني عن نفسي لأقول : ربما هو نيزك يسير محاذيا للأرض حينا، ويلامسها حينا آخر، ولا يستقر في مكان، لا يَا أَنَا ! إنه ليس نَيْزَكا بل شيئا آخر .
لم يتحدث العِلم عن نيزك كهذا،ولا عن حركته الغريبة،ولا عن رقصته الإفريقية .
آه !!حطَبُ المَوْقِد غير مشتعل ، الشبح له قامة منتصبة رسمت لها النار وجها مخيفا، وأعضاء غريبة ،نظَرْتُ إلى قدَمَيه ،كانتا كشُعْلتَين ملتهبتين .
قلت : الشبح ليس له ظل !
هل يكون جنِّيا ؟
هل يكون للنار ظل ؟
غابت عني الإجابات، وغابت عني علوم الدنيا وأنا في ذلك المكان ،فاجأني رجل يحمل قنينة نبيذ وَ "سْبْسِيّا" طويلا مكونا من ثلاثة أجزاء وهو ينظر إلي،ثم قال :
لقد تعوَّدْت أن أرى مثل ما أَعْتقِدُك رأَيتَه أو تَخَيَّلْتَهُ ،لكن ما هو أهمّ عندي الآن ، أن تعيَّ جيّدا ،أنّه قبل أن تصبح مُدْمنا، ستَرى ما لم تَرَهُ في حياتك قَط ، ستَحِنُّ إلى ماضيك دون أن تستطيع العودة إليه مثلي، و....... .
صَمَتَ قليلا وأنا أنتظر أن يُنهِي كلامَه ،ثم اسْتَطْرد كلامه قائلا :
- لا فائدة من ........ أنت على الطريق إلى الإدْمان ،ثم أطفأ الشمعة المضيئة بسَبَّابتِه وإبْهَامِه ،وطلب مني أن أخلد للنوم .