قال الثلج ضجِرا..
ـ سئمت لوني الأبيض..
رد الليل ناصحا..
ـ لن تجد لونا آخر يليق بك..
للبياض سيرة.. وللسواد سيرة.. وبينهما كل الحياة.. سر الحياة..
للضوء والعتمة سيرة وأسرار..
وللأخرى وجوه تتقلب..
ضحكات صفراء..عيون من الغضب حمراء.. ووجوه تتخذ لكل يوم لونا.. نفاق..
كما الجوكندة.. نلبس الغموض والهدوء المصطنع ألوانا.. ونرسم على وجوهنا وملامحنا وحركاتنا ألوانا شتى.. لا معنى لها.. ألوان تصدر عن ذوات تصطبغ بكل لون.. لكل يوم.. لكل حالة..
قال الوجه..
ـ سئمت هذا الوجه الذي أحمله مذ وعيتُ..
رد القناع..
ـ اصنع كما أصنعُ أنا.. والبس لكل يوم قناع.. واسترح..
رد الوجه مندهشا..
ـ إذن أنافق ؟ !
هي الألوان.. حالات ومواقف بأمزجة تتغير.. لا تستقر على حال..
كُتب على البياض أن يظل أبيض لأنه الصفاء والضياء.. وكتب على السواد أن يظل أسود لأنه سر الأسرار..
سواد على بياضٍ كتابة.. وشم أو كحل..
"ضربُ الأسود في الأبيض" زواج.. لقاء وحب..
البياض بداية.. حين نفتتح الخطو صفحة بيضاء..
السواد فتنة حين يزيد العيون جمالا..
السواد قهوة صباحية دافئة لذيذة توقظ فينا أحاسيس لمواجهة يوم طويل متعِب..
تشِفُّ الألوان في زحمة الحياة نفاقا.. خداعا.. كذبا.. وتستمر فينا الحياة.. أبيض وأسود..
نلبس الأبيض أفراحا.. وتقوى.. وموتا.. كما نلبس السواد حدادا.. وزهدا وفتنة.. ليمتزج البياض بالسواد ليُصبحا واحدا.. للفرح كما للحزن.. للتقوى والزهد كما للفتنة.. للحياة كما للموت..
وماذا نُخبِّئ تحت الأوان ؟
خيباتنا.. أفراحنا.. غيابنا.. نفاقنا ونحن ندرع الحياة، نُحيل الألوان جُبّة نُخبّئ تحتها أكثر من سؤال.. أكثر من علامة.. أكثر من رمز..
لكن الأبيض انتشاء بالضوء حد الوضوح والطُّهر..
والسواد انتشاء بالغموض حد الفتنة..
الأسود لا يعرف الكذب.. حداد أو فتنة..
والبياض على امتداد المدى ينغرس في عمق الأشياء..
أليس للنهار عيون تكتحل بالسواد ؟
وما الأصل إلا سواد أو بياض..
لليل أسرار خاصة.. سحر خاص.. طقوس خاصة.. قداسة خاصة..
اللذة والهموم والاعتقالات والدسائس والأعراس تقع في جنح الظلام.. ليلا..
وللنهار أسرار خاصة.. سحر خاص.. طُهر خاص..
لا يمحو فعل الليل وكلامه إلا النهار.. ولا يمحو فعل النهار وكلامه إلا الليل في غير تضاد أو تعارض أو اختلاط كأنهما واحد.. بل هما واحد، إذ لا يمكن للون آخر أن يتجاوز الحد.. فيمحو فعل أو كلام الليل أو النهار..
ويبقى الأبيض والأسود سيدين.. والألوان الأخرى خُدَّام..