الادراك واللغة
(من الممكن الاستغناء عن اللغة للوصول الى الانطولوجيا) مقولة سفسطائية
خطأ هذا التعبير الفلسفي السفسطائي يكمن في محاولة استبدال وسيلة اللغة الادراكية التجريدية ب(الادراك ) المباشر الحسي الانطولوجي والاستبطاني المجرد من اللغة وهو محال أن نجد ادراكا مجردا عن لغته فالادراك هو تفكير حسي لغوي وليس مجرد أحساسات لا تمتلك صوريتها اللغوية التجريدية... وهذا الاتجاه الفلسفي بمقدار ما يحمله من أدانة واضحة الا أن فلاسفة الوضعية المنطقية التجريبية حلقتي فينا الوضعية المنطقية واكسفورد التحليلية اللغوية أخذا كليهما بهذا الاحتمال.
ويحمل هذا التعويل الخاطيء مقدما على أن أدراك الاشياء في وجودها الانطولوجي حسيا داخليا يعني أن تلك الادراكات الحسية هي لغة تعبير تواصلي لا تعتمد وسيلية اللغة في أدراكها الاشياء، وهو خطأ لا يمكن تمريره فالإدراك الحسي هو لغة ايضا لا تختلف عن أصل أية لغة تواصل صوتية أو مكتوبة كان تعلمها الشخص الذي يحمل ادراكه، الادراك لغة تصورية تجريدية لا تخرج على أبجدية اللغة التواصلية العادية. بعبارة توضيحية أكثر الادراك ليس بمقدرته اختراع لغة ادراك خاصة به تختلف في بنيتها التركيبية نحويا وبلاغيا وقواعد هي غير نمط وشكل لغة التعبير العادية التي يتحدث بها مجتمع معين أو أمة معينة.. والادراك الخارجي الانطولوجي غالبا ما يكون لغة صورية استبطانية صامتة.

1
البُنيةُ الفلسفية للعلاقات الاجتماعية تُمثِّل مَنظومةً إنسانِيَّةً للخَلاص الوجودي ، وخُطَّةً معرفيةً للإنقاذ الشامل . وهذا يدلُّ على الترابط بين الفِكر الإنساني وكَينونةِ المُجتمع الحاضنة لسلوكِ الأفراد المنطقي ، وتاريخِ الجماعة الواعي . والترابطُ بين الفِكر والكَينونة انعكاسٌ طبيعي للسِّياق الحياتي الذي تنشأ فيه الرموزُ اللغوية والأسئلةُ المصيرية ، ونتيجةٌ حتمية للتأثيرات الشعورية على النُّظُم الثقافية في حياة الأفراد ، الذين يُشكِّلون رؤيتهم المعرفية للذات والموضوع اعتمادًا على زاوية الرؤية للعَالَم بِكُلِّ تحوُّلاته وتناقضاته ومصالحه المُتضاربة . وزاويةُ الرؤية لا تُحَدِّد التَّصَوُّرَ الذهني للأحداث والاتجاهَ المعرفي للوقائع فَحَسْب ، بَل أيضًا تُحدِّد طبيعةَ المُحيط الاجتماعي ، والانقسام الحاصل في أنويته الداخلية ، والتَّشَظِّي الموجود في الحياة اليوميَّة ، وكيفية تَوليد أنساق العقلانية الناقدة ، مِن أجل تأويلِ الظواهر اللغوية ، وتحليلِ النُّظُم الثقافية ، وتفسيرِ مصادر المعرفة ، وَفَحْصِ آلِيَّات التَّفكير ، باعتبار أنَّ النظام الفكري لا يُمكن الحُكْم عليه خارج السِّياق الاجتماعي . والهدفُ من هذا الحراك الاجتماعي هو تحويل الأفكار إلى أفعال ، والأفعال إلى معرفة ، والمعرفة إلى سُلطة ، والسُّلطة إلى مشروع لتحرير الوَعْي مِن الخَوف، ولَيس تَسليط الخَوف على الوَعْي للهيمنة عليه . وهذا مِن شأنه كشف عمليات إنتاج المعنى في اللغة ، وإظهار الأدوات الإبداعية في المُجتمع ، وإزالة الأقنعة عن الكلمات .

من المعلوم أن الفلسفة عرفت في القرن العشرين ظهور العديد من المدارس وميلاد النظريات التالية:
- يبدأ القرن بنشر كتاب سيغموند فرويد (1856-1939) بعنوان "تأويل الأحلام" (1900) والذي فيه فرضية الفكر اللاواعي، أي "اللاوعي". من خلال التحليل النفسي يمكن للفرد الوصول إلى هذا اللاوعي، وتفسير عدد من الظواهر مثل الأحلام، والخطأ، والأفعال الفاشلة. لكن ماذا يكشف هذا البحث؟ في الأساس يكشف عن الدوافع الجنسية للسلوك البشري ("الرغبة"). من خلال فهم هذه الدوافع، التي أصبحت فاقدة للوعي، يكون لدى المرء فرصة لعلاج العصاب. سيحظى فرويد بالعديد من التلاميذ، وكذلك المعارضين مثل أدلر وايريك فروم أو حتى كارل يونغ ، حيث يتحدى الأخير أهمية النشاط الجنسي ويفضل ربط محتوى اللاوعي بالنماذج الرمزية الأصلية" الكونية.

- حاول برجسن (1849-1941) بتجاهله التحليل النفسي، وهو أيضًا عدو كبير للفلسفة المثالية الهيجلية، في ("مقال عن المعطيات الفورية للوعي" ، "الفكر والمتحرك") إعادة تأهيل ظاهرتين وفقًا له تم التقليل من شأنها: الديمومة (النفسية) والحدس كطريقة للمعرفة. أما فلاديمير يانكيليفيتش (توفي عام 1985)، فهوم فيلسوف مختلف في كتابه " لست أدري ماذا " ، وهو أحد المتابعين برجسن وآلان (1868-1951) وهو ديكارتي يمجد الطابع غير المسبوق للفكر والإرادة و الأخلاق.

هيجل والجدل

يصنف دارسو فلسفة هيجل انها قامت على ثلاثة  ركائز هي المنطق, والطبيعة , والروح, معتبرا الطبيعة هي (تخارج) العقل بالمكان, والروح أو التاريخ هو تخارج العقل في الزمان.

السؤال لماذا استخدم هيجل لفظة (تخارج) بدلا من لفظة (جدل)؟ تخارج العقل مع الطبيعة هو تخارج (معرفي) وليس تضادا جدليا, فعلى قدر اعطاء العقل موجودات الطبيعة من ادراك معرفي, تقابله الطبيعة بتبادل متخارج يعمل على تطوير العقل معرفيا ايضا. التخارج المعرفي لا يقوم على مجانسة نوعية بين العقل والطبيعة بدلا من جدل غير حاصل على صعيد علاقة العقل بالطبيعة كبنية ادراكية شاملة او كموضوعات وجودية منفصلة بصفات وماهيات مختلفة. التخارج الجدلي بين العقل في ادراك تجريد التعبير اللغوي هو من نوع وعي قصدي معرفي. اما ان العقل يدرك علاقته بالاشياء جدليا فهذا يلزم العقل بتفكيره التجريدي الدخول في جدلية تجمع الفكر بالمادة المدركة في تضاد يجمع نقيضين في مجانسة نوعية واحدة لانتاج مركب ثالث. لا اعتقد جدل الفكر مع الواقع يقوم على تضاد يجمع نقيضين متجانسين, بل يدخلان بعلاقة تخارج معرفية كما سبق وذكرنا.

هيجل علاقة الجدل بين المنطق والعقل

يصنف بعض الفلاسفة وجوب تربية الفرد وتنشئته في اعتماد منهج التفكير الادراكي الجدلي للعقل, وهو مايعزز لدى الفرد والمجتمع تنمية الوعي بالحرية المسؤولة , وتنمية ارادة الاندماج مع الدولة. ويعزز ايضا ضرورة تنمية الوعي الديني والفلسفي.

تربية العقل تربية جدلية منهجية في التفكير وفهم العالم والحياة ليست مسالة سهلة من حيث تباين واختلاف طبيعة الجدل بين الوعي القصدي الانفرادي كسلوك وبين الجدل كفلسفة عقلية لا يمكن تلقينها للفرد تربويا. كما لا يمكننا اعتبار اكتساب التفكير الجدلي يمنح صاحبه ادراك الواقع جدليا. من حيث جدل الواقع يحكمه قانون طبيعي منعزل عن تحقيق رغائب الانسان أو امكانية التداخل معه. وسنتناول الجدل في مفهومه الفلسفي الذي هو الاخر يرتبط بالسلوك النفسي للفرد اكثر من كونه فلسفة فهم الحياة. كون الجدل هو وعي ادراكي في فهم الحياة وفق منهج جدلي خاص بفرد لا يمكننا تلقينه تربويا للمجموع. صحيح العقل اعدل قسمة مشتركة بين الناس في التفكير كما يصفه ديكارت لكن خاصية الجدل ليست خاصية عقلية مشتركة تجمع طبيعة تكوين غالبية عقول الناس.

حسب فلسفة هيجل يقول (العقل بطبيعته جدليا) بمعنى ان الجدل خصيصة بيولوجية فطرية طبيعية لا يكتسبها الفرد ولا يتعلمها. من حيث جدل العقل هو الذي يخلق جدل الواقع والموجودات بالطبيعة ولا يكتسبه منها. وفي هذا تضاد جوهري مع مقولة ماركس ان جدل الواقع هو الذي يضفي جدله على تفكير العقل وليس العكس الذي يقول به هيجل.

جوهر فلسفة هيجل هو(المنطق  موضوعه العقل) يلاحظ هنا كيف قلب هيجل اولوية المنطق على ثانوية العقل في وقت المنطق هو ماهية ناتجة عن تفكير العقل ولا وصاية لها عليه.. العقل لا يكون موضوعا للمنطق الذي هو ناتج تفكير العقل. ويضيف هيجل ان (المنطق هو علم العقل الموضوعي وعلم العقل الذاتي). من التبرير المسوغ ان يكون المنطق هو علم العقل الموضوعي, اما ان يكون المنطق علم العقل الذاتي عندها يصبح المنطق سلوكا قصديا يقوم على مرجعية علم النفس السلوكي وليس على ادراك العقل لموجودات العالم الخارجي.

فالعقل غير ممكن ان يكون موضوعا لنفسه بل ان يكون العقل ادراكا ذاتيا هو في توكيد ادراك الذات له.عندما يتشبث هيجل وباصرار عنيد على مثالية التفكير في تغليبه المنطق موضوعه العقل, رغم تباين الاسبقية في التقديم والتاخير بين اولوية العقل على المنطق مع اولوية المنطق على العقل.

نعود لمركزية فهم هيجل لجدلية العقل الذي يعتبرها خاصية طبيعية في ادراكه النسق الجدلي الذي يوجده تفكير العقل الجدلي في الطبيعة والاشياء القائم على طبيعة العقل الجدلية التي هي تضفي على مواضيعه الادراكية النسق الجدلي.

بمعنى جدلية العقل تسبق جدلية مواضيعه التي تنقاد له. بتوضيح اكثر يفترض هيجل انعدام الجدل في الواقع او حضوره هو الذي يحدده تفكير العقل ذو الخاصية الجدلية الطبيعية التي تملي على مدركاته الواقعية نوع من النسق الجدلي القائم على الحركة الدائمية والتطور.

معادلة اسبقية جدل العقل على جدل الواقع لدى هيجل تنعكس لدى ماركس ان جدلية الواقع الذي تحكمه الحركة الاصطراعية الذاتية المتضادة هي التي تملي على العقل جدليته الفكرية. كلاهما لا يمتلكان تقديم اثبات ادعاءاته. كيف يثبت هيجل ان طبيعة العقل جدلية وليست ليبرالية في فهم الحياة؟ وكيف يثبت ماركس خارج منهج الاستقراء التنبؤي ان الجدل قانون طبيعي يحكم المادة والطبيعة خارج ارادة الانسان التداخل معه؟ الجدل من حيث هو طبيعة عقلية والجدل من حيث هو قانون يحكم المادة والتاريخ بمعزل عن تداخل ارادة الانسان به كلاهما مبني على تصورات افتراضية لا يمكن التحقق الاثباتي منها.

الحقيقة والمنطق

يستعير فلاسفة المنطق عبارة هيجل " الحقيقة هي الكل" بمعنى فهم الحقيقة لا يكون صائبا الا اذا كان ضمن نسق تام من الترابط الحقائقي الذي لا يتقبل التجزئة على حساب تفكيك الهيكل النسقي الكلي الذي يضيع في فك ترابط أجزائه وفصلها عن بعضها البعض.

ويفرق فيلسوف المنطق "بوزانكت" أن الحقيقة لا يفهم معناها ولا تكون صائبة الا ضمن نسق منتظم يحتويها. والحقيقة لا يمكن الاستدلال عليها إلا اذا كانت ضمن نسق كلي ترابطي داخليا يجمعها بغيرها في بنية كلية واحدة.

والحقيقة المنطقية هي ليست الحقيقة في المفهوم الفلسفي الذي يقوم على نسبيتها وحمولة الخطأ والصواب معا بداخلها, وحتمية إندثارها حينما تكون (درجة) في سلم مفهوم البحث الدائب عن مطلق الحقيقة الوهمي الزائف الذي لا يمكن بلوغ أزليته. ترافقها حتمية تطورها النسبي على الدوام عندما تكون حقيقة (نوعية) لا تندثر ولا تموت بل تستحدث نفسها بإستمرار.

منطق الحقيقة النسقي هو غيره مفهوم معنى الحقيقة الفلسفية, فالمنطق لا يعتبر إكتساب الحقيقة المجردة مصداقيتها كما هي في المفهوم الدارج في تطابق الفكر مع الواقع في معرفة حقيقة المادة, بمعنى آخر تطابق تعبير اللغة مع الموجود الشيئي تطابقا تاما يعطيه حقيقته المادية الصادقة.

وتأكيد هذا المنحى لدى فيلسوف منطقي مثل " بوزانكت" الذي لا ينكر وجود الوقائع الانطولوجية الشيئية منفردة مستقلة في العالم الخارجي تعبر عن نفسها في إدراكها الحسي لكنه لا يعتبرها حقائق معرفية. الحقيقة في الشيء المنفرد المادة التي تدرك حسّيا في تطابق وجودها الخارجي مع معنى الفكر المعبّر عنها, والتي لا يحتويها نسق ترابطي من الحقائق داخليا وتكون حقيقة منفردة لوحدها. الحقيقة التي لا تشكل إنتظاما نسقيا متداخلا بغيرها لا معنى لها. لذا تكون الحقيقة التي تدركها الحواس زائفة كونها تعبر عن موجود خارجي منفصل عنها.

 يعتبر فلاسفة المنطق ما أشرنا له في تعبيرنا الدارج الذي يعتبره كلا من برادلي وبوزانكت هو في مطابقة الدال مع المدلول مطابقة تامة لا تحتمل غير التاويل الوحيد المتعيّن بحقيقة الشيء. لذا مطابقة أفكارنا مع وقائع موجودية بعينها لا يمنحها حقيقتها الصادقة حسب المناطقة. كذلك حقيقة الشيء المادي المتعيّن هو ليس منطق حقيقة المفهوم الفلسفي. منطق الحقيقة الذي لا يأخذ بمبدأ الترابط في التطابق خارجيا في معناه مطابقة الفكر لما هو واقع عياني في الوجود وهو مايخص المادة كموجودات متناثرة في عالمنا الخارجي, أي هنا تلعب الحواس دورا مهما مركزيا في خلق التطابق الخارجي بين الفكر والاشياء خارجيا الذي نطلق عليه حقيقة ذلك الشيء. أما إدراك الحقيقة كمفهوم تجريدي إنما يكون في ترابطها الداخلي ضمن نسق كلي موحد.

والطعن بمبدأ الترابط الخارجي بين الفكر والمادة في تحقق تطابق المعنى الذي يخص المتعيّن الانطولوجي المادي منطقيا وليس منطق الترابط الداخلي النسقي الذي تختص به الحقيقة كمفهوم تجريدي يعتمده منطق الفلسفة يقوم على أربع ركائزحسب إجتهادنا هي  :

  • الحواس في جوهرها الحقيقي هي تضليل العقل في معرفة حقائق الوجود النسقي.
  • عدم تطابق حقائق الاشياء في نظام نسقي داخلي يجعل منها اجتزاءات فاقدة لجوهر تحققها المنطقي وليس تحققها الحسّي الانفرادي.فمدركات الحواس للاشياء خارجيا زائفة منحلة زائلة قياسا لمدركات الفكرالثابتة بما يخص علاقته التطابقية مع النسق الداخلي للحقيقة.
  • تطابق حقائق الاشياء خارجيا لا يكافيء ترابطها الحقيقي المنطقي داخليا عندما يحتويها نسق كلي يعطيها حقيقة معناها ولا يؤخذ بترابطها الخارجي التقليدي في مطابقة الادراك عن الشيء في وجوده الانطولوجي..
  • لا مجال لنكران دور العقل في التعبير عن حقائق الظواهر والاشياء في إرتباطها الداخلي مع بعضها البعض كنسق والخارجي في مطابقة معنى الفكر اللغوي مع الشيء على السواء. وكل ما لا يدركه العقل لا يمكن معرفة حقيقته الزائفة ولا الصادقة معا. وسيلتا إدراك العقل للعالم الخارجي هما الحواس والدماغ والمخيلة فقط.

رغم مثالية المناطقة في معرفة الحقيقة إلا أن التفسير المنطقي للحقيقة مستمد من التفكير العقلي الذي لا يقوم على انطولوجيا موجودات الواقع بل في دراسة النظام المنطقي الداخلي الذي يحتوي الحقيقة نسقا ادراكيا تصوريا تجريديا. بهذا يكون تحليل المنطق في إنكاره علاقات الترابط الخارجية بين الوقائع وإدراكها الفكري المطابق لوجودها لا يمنح حقائق الاشياء في ترابطها بمنظومة النسق الكلي داخليا مصداقية وأرجحية على صدقية معرفة الحقيقة. فمعرفة حقيقة المادة حسّيا عقليا لا يعني معرفة حقيقيتها الجوهرية ,كذلك معرفة الحقيقة المجردة في إنتظامها النسقي المترابط داخليا لا يمنح مفهوم الحقيقة المجرد مصداقيته اليقينية. معنى دلالة الحقيقة في الوجودين المادي والمثالي لا يدرك العقل أصالتها من زيفها تماما..

منطق الحكم

يقر برادلي ومعه مناطقة المثالية معرفة الحقيقة لا تكون بإدراكها التصوري, فالتصورلا مكان له في التفكير الفعلي إلا بوصفه جزءا من (حكم) يشترط معرفة الحقيقة أن تكون نسقية مترابطة غير مجزأة الى قطوعات تنهي الهيكلية الكلية الانتظامية للترابط الحقائقي. فقد إعتبر بوزانكت حكم الادراك الحسي الخارجي المألوف تداوله يعد تعبيرا جزئيا عن الواقع في غير حقيقته. أما الحكم المنطقي والكلام لبوزنكارت فهو في تأكيد كلية الواقع في صورة شمولية عامة.

تعقيب:

  • الادراك التصوري الحسّي التجريدي لاشياء العالم من حولنا هو الطريقة الوحيدة التي يتوفر عليها العقل. ولا يتوفر العقل على إدراك الحقيقة المجردة حتى لو كانت – إفتراضا – هي حلقة في منظومة نسق داخلي لا يدركه العقل مباشرة لا بالحس ولا بالحدس.
  • الادراك التصوري ليس جزءا من (حكم) مثالي يعبرمن فوق الواقع, فالادراك مرحلة بدئية اولى في سلم المعرفة الحقيقية تبدأ بالحواس وتنتهي بالعقل. سواء أكان المدرك ماديا حسيا أو موضوعا متخيلا تجريديا من تداعيات تفكير الذاكرة. منظومة العقل الادراكية التي تبدأ بالحواس وتنتهي بالدماغ هي نسق منتظم بدونه لا يتحقق للعقل أي نوع من الادراك.
  • الحكم على الكليّات ليس حكم حقيقة صائبة تماما بل حكم إحتمال.
  • الحكم على حقائق العالم الخارجي في كليته يلغي الخصوصية الانفرادية لكل حقيقة جزئية, فمثلما يكون الاهتمام بجزء من النسق الكلي هو إنحلال لوحدته المتكاملة كذلك الحكم الشمولي هو تضييع خصوصيات الاجزاء الحقيقية.
  • الحكم على الواقع يأتي من أسبقية وجوده المادي على كل تفكير, والواقع هو ما يحدد نوع الحكم وليس نوع الحكم يخلق حقائق الواقع.
  • في لغة المناطقة الذي ينكرالاستدلال الكلي بدلالة الجزء, فهذا لا يبيح أن يكون الحكم المنطقي الكلي هو في إهمال خصوصيات أجزائه ضمن النسق الذي لا يعير فيه الحكم حقائق الاجزاء أدنى إهتمام في تشكيل النسق الكلي العام.

برادلي ومطلق المثالية

يطرح برادلي في كتابه (المظهر والحقيقة) عدة مفاهيم نجدها متناقضة في بعض منها:

  • يعرف برادلي المظهر – ويعني به الصفات الخارجية – ليس هو الظاهري, سواء فهمنا هذا الظاهري على أنه معطى في الوعي أو أنه مقابل الشيء في ذاته, والمظهر ليس مجالا معينا للوجود أو الفكر يتميز عن أي مجال آخر.1

أود في تعقيب بسيط قبل الانتقال الى فقرة أخرى لبرادلي, أن ظواهر الاشياء ليست معطى في الوعي, بل هي معطى إدراك حسّي قبلي يتبلور لاحقا بالفكر الى وعي عقلي مجرد. إدراك الشيء لا يكافيء معنى الوعي به. الصفات الخارجية للاشياء هي ادراك حسي قبل كل شيء. وطبعا صفات الشيء أو الظاهر منه لا يشابه كما ولا يمثل الشيء بذاته. معلوم الشيء بذاته هو الماهية أو الجوهر الذي لا تدركه الحواس ولا يدركه العقل, فكيف يكون الجوهر أو الماهية معطى للوعي يكافيء وعي الصفات الخارجية لذلك الشيء.؟ ثم ومن المرجح الذي اؤيده أنا أن يكون جوهر الشيء تتقاذفه فرضيتان : الاولى لا يمكن الجزم القاطع أن الاشياء وكائنات الطبيعة الحيّة تمتلك جوهرا هو غير صفاتها الخارجية باستثناء الانسان الذي يمتلك كينونة موجودية تسبق ماهيته الجوهرية. الثانية توجد دلائل يقينية ثابتة أن الحيوان والنبات والجماد جميعها لا تمتلك ماهيات هي غير صفاتها الظاهرية الخارجية التي يدركها العقل الانساني.

  • في فقرة لاحقة أخرى يناقض برادلي علاقة ظواهر الاشياء بحقيقتها قوله : المظهر هو الحقيقة المطلقة للشيء, ولا يوجد ما يعقبها, والحقيقة التي يتوزعها تقسيم العالم الى جزئي وكلي, يجعلنا ندرك حقيقة ما هو جزئي في تعميمها على ما هو كلي.. وبذلك لا يكون هناك فرق يذكر بين حقيقة نسبية واخرى مطلقة. 2

لا امتلك تعليقا إدحاضيا لما ذكره برادلي من خلط جرى توضيحه سابقا من قبلي في هذه المقالة أكثر مما ينبغي تكرار مناقشته وتوضيحه, فقط اتساءل كيف يكون المظهر(الصفات الخارجية) هو الحقيقة المطلقة للشيء الذي لا يوجد ما يعقبه.؟ ومن قال أن جزئية حقيقة شيء كافية لجعل كليته حقيقة مطلقة بدلالة مطلق الجزء الوهمي؟ المظهر هو صفات الشيء المدركة خارجيا وهي في تغيير مستمر فكيف لا يعقبها حقيقة مطلقة أخرى غيرها؟ مطلق الحقيقة وهم ركض وراءه عشرات الفلاسفة ولم يستطيعوا حتى ولو تعريفه وليس بلوغه.

أختم برأي ورد على لسان هيجل (الحقيقة هي الكل) بمعنى الحقيقة الكلية هي نسق متكامل من الصعب معرفته بدلالة معرفة الجزء. عبارة هيجل تكررت استعارتي لها مرتين في مفتتح هذه المقالة وفي نهايتها لأهميتها..

علي محمد اليوسف /الموصل

الهوامش :1. امل مبروك /الفلسفة الحديثة/ ص54

2. نفسه ص 255

 

تصدير: اللغة تجريد التعبير اللفظي عن المعنى الادراكي في مرجعية بيولوجيا العقل. فهل اللغة استعداد فطري موروث ؟ ام هي نزوع انساني غريزي مكتسب بالتجربة الحياتية ومؤثرات البيئة والمحيط وقبلهما العائلة لغرض ادامة التواصل الدائم بين  النوع الواحد البشرالذين يربطهم العيش المشترك؟

اللغة البيولوجيا والفطرة

نرى الامر واقعا انثروبولوجيا طبيعيا حينما نعتبر فهمنا اللغة البشرية على انها (موضوع بيولوجي), رغم خاصية اللغة التجريدية الغالبة على البيولوجيا. على الاقل بما تذهب له النظريات العلمية في دراسة وظائف مكونات الدماغ. وليس مباحث الفلسفة على السواء التي ترى موضوع اللغة بالتفسير البيولوجي مصدره الرؤية الذاتية لاختراع تصنيع كل فرد لغته الخاصة به كسلوك مجتمعي في محكومية اشتراطات عديدة منها فطرية واخرى بيئية مكتسبة في تكوين ما يطلق عليه عالم اللغات جومسكي (النحو الكلي) الذي يجمع قواعد اكثر من لغة واحدة.

اجرى المفكر صادق جلال العظم حوارا افتراضيا بكتابه (دراسات في الفلسفة الغربية المعاصرة) بين كيركجورد رائد الوجودية الحديثة ووايتهيد فيلسوف الرياضيات واحد اقطاب الوضعية التجريبية المنطقية الانجليزية ومما جاء في ثنايا الحوار انه: ورد على لسان كيركجورد " ان جوهر الوجود الفعلي هو الصيرورة، وان الفكر المجرد يبتعد عن حقيقة الوقائع العينية كلما توغل في التجريد " 1.

في مداخلة توضيحنا العبارة :

  • حين ينسب لكيركجورد قوله جوهر الوجود الفعلي هو الصيرورة فهو لا يميز تمييزا واضحا بين الكينونة والجوهر. ويكرر كيرجكورد نفس منطق الصوفية التي قال بها اسبينوزا في مذهب وحدة الوجود ان الجوهر سابق على الوجود وبدلالة ثبات الجوهر ندرك الوجود. والجوهر برايه ثابت في حين الكينونة الوجودية هي صيرورة من التغيير المستمر. بهذا المعنى ادخلنا كيركجورد في احتدام متقاطع مع مسالتين الاولى انه بدلالة ثبات الجوهر واسبقيته على الكينونة نفهم الوجود انه صيرورة من التغيرات المستمرة. وهذا لا يمنع من ادراك الصيرورة للوجود انها تعبير تجريدي وبغير هذه الآلية لا يمكن رصد صيرورة الوجود في ثبات الجوهر.

تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.
وُلِد جورج فلهلم فريدريك هيغل في شتوتغارت الألمانية عام 1770. كان نموذجاً لامعاً لأبناء الطبقات الوسطى الطموحين للترقي المادي والعملي. وفي سيرورة حياته كان رئيس تحرير صحيفة، ثم مدير مدرسة قبل أن يصبح أستاذاً أكاديمياً في حقل الفلسفة. ولقد كان شخصاً حروناً لا يمكن ترويضه وجعله تحت السيطرة أبداً. وعندما أصبح كبيراً في السن كان يحب الذهاب إلى الأوبرا. وكان مولعاً جداً بالشمبانيا الفرنسية. ومن الناحية السلوكية، فلقد كان مغامراً في حياته الداخلية غير المعلنة، ولكن في حياته الاجتماعية الظاهرية كان وقوراً وتقليدياً، وكان فخوراً بذلك التكوين المختلط لشخصيته. لقد صعد هيغل إلى قمة الشجرة الأكاديمية في عصره ووصل إلى أعلى المناصب فيها حينما عين كرئيس لجامعة برلين في العام 1830 (عندما كان عمره 60 عاماً)، ليتوفى فقط في السنة التالية في العام 1831.

لقد كان لهيغل تأثير مهول على الفلسفة والفلاسفة من بعده. وكان يكتب بشكل ثرٍّ. ولكنه كان مربكاً ومعقداً عندما ينبغي أن يكون واضحاً ومباشراً. لقد جعل الأمر يبدو كما لو أن السمة المتلازمة مع قراءة الفكر الفلسفي العميق هي أنه لا يمكن للمرء أن يفهم تماماً ما يقرأه كحد أدنى. وهذا قد جعل الفلسفة أوهن بكثير وأقل تأثيراً في العالم مما ينبغي أن تكون. ودفع العالم ثمناً باهظاً آخر لمشكلات هيغل في توصيل أفكاره واستعصاء فهمه. لقد جعل الأمر أكثر صعوبة لسماع الأشياء القيّمة التي ينبغي أن يقاربها الفلاسفة ويبسطونها جاعلينها في متناول الإنسان الاعتيادي. ولكن هناك عدد من نقاط المحورية في فلسفة هيغل يمكن سرد بعض منها فيما يلي:

ملاحظة بدئية: المقال يعالج العنونة(علاقة المكان بالفراغ) وفق منهج فلسفي ميتافيزيقي وليس وفق قوانين  فيزيائية ونظرية علمية كوزمولوجية. ولا علاقة تربط بين الفراغ المكاني والعدم الوجودي.

تمهيد:
ما علاقة المكان بالخلاء (الفراغ) وايهما يدرك بدلالة الاخر.؟ هل يدرك المكان بدلالة الفراغ ام يدرك الفراغ بدلالة المكان؟ ام لا فرق بين الاثنين في تبادل الدلالة المشتركة بينهما. وما هو الفرق بين الفراغ المكاني الافتراضي والعدم الوجودي الافتراضي ايضا؟ وهل الفراغ المكاني يكافيء(يرادف) معنى العدم الوجودي؟ الفراغ يدرك بدلالة الاحتواء المكاني المادي والعدم يدرك بملازمة افنائه للحياة في كل كائن حي. لذا لا رابطة بين الفرغ المكاني والعدم الوجودي.
كما لا ندرك  الفراغ المكاني المحدود الا بدلالة المتعين المادي الذي يشغله داخليا.. ولا ندرك العدم الا بدلالة خاصية موت وفناء الكائنات الحيّة. عليه يكون الفرق بين الفراغ الذي يعرف بخاصيته العلائقية الارتباطية بالمكان. ونعرف العدم بعلاقته الارتباطية الافنائية للموجودات والكائنات الحية منها وجود الانسان الذي يطاله العدم الافنائي له بالموت.

تمهيد:

من المعروف ان كانط عمد في كتابه الذائع الصيت (نقد العقل المحض) إلى إثبات امكانية الادراك العقلي المنطقي المحض لاشكال موجودات العالم الخارجي الذي يحتوينا بمعزل عن محتوى تلك الاشياء المادية.

بالتعبير المباشر المختصر، امكانية العقل ادراك شكل الشيء كفراغ مكاني مجردا عن محتواه المادي حسب كانط. كما حاول اثبات ادراك الفراغ المكاني بدلالة الحدس المنطقي الميتافيزيقي وليس بدلالة الحس أن المادة محتوى الفراغ المكاني.

ونسب كانط لجهده الفلسفي بالكتاب انه انهى والى الابد كل نظريات الميتافيزيقا بالتفكير. فالى أي حد نجح كانط في تحقيق مسعاه في تحليله ونقده العقل مجردا ماديا كعقل محض من زاوية تناوله التفكير بالمنهج المنطقي؟ كتاب كانط (نقد العقل المحض) يقال انه استغرق الفيلسوف بتاليفه عشرين سنة !!. وانا هنا اناقش بعض القضايا بضوء كتاب المفكر صادق جلال العظم عنه (دراسات في الفلسفة الغربية المعاصرة ) في عرضه آراء كانط في كتابه المشار له. والشيء الملاحظ ان المفكر  الماركسي جلال العظم لم يقم بنقد الميتافيزيقا التي احتواها كتاب كانط بل اكتفى بعرضها مع تعليقات نقدية توضيحية في بعض الاحيان. يلازمه حرصه الشديد عرض افكار كانط كما هي لا كما يرها في منهجه النقدي المادي.

يفكّر نيتشه بقوله :" نحن الخيّرون ...السعداء"(1) ، في شيئين: في وضعية الأقوياء بشكل صريح ، وفي ماهية الحياة، بشكل ضمني ولكنه أساسي. ندرك وضعية الأقوياء لا نظريّا، انطلاقا من وضعية الضعفاء. يَجتاز هذا التقابل بين الضعفاء والأقوياء مؤلف نيتشه أمام دهشة وربما انزعاج الشارح.
لكي نوضّح هذا التقابل بين الأقوياء والضعفاء، سنطرح أربعة أسئلة :
1) من هم الأقوياء، فيم تتمثّل قوّة الأقوياء؟
2) من هم الضعفاء، فيم يتمثّل الضعف؟- لكن بما أن نيتشه يؤكّد أنّ الضعفاء يتغلّبون لا محالة على الأقوياء، وأنّه على الأقوياء أن يدافعوا عن أنفسهم ضدّ الضعفاء ، تعلّق الأمر بأن نفهم أيضا :
3) ما الذي يخوّل للضعفاء التفوّق على الأقوياء ، فيم تتمثّل قوّة الضعفاء؟ و، بشكل متلازم :
4) كيف يقهر الضعفاء الأقوياء ، ما الذي يخلق ضعف الأقوياء؟

مقدمة
أصبح التعريف الحديث للمجتمع المدني باعتباره شبكة كثيفة من المجموعات والجمعيات والشبكات والروابط التي تقف بين الفرد والدولة الحديثة، مكونًا مألوفًا للخطوط الرئيسية للتنظير الليبرالي والديمقراطي المعاصر. بالإضافة إلى خصائصه الوصفية، يحمل مصطلح المجتمع المدني سلسلة من التطلعات والمضامين الأخلاقية والسياسية. بالنسبة لبعض مناصريه، فإن تحقيق مجتمع مدني مستقل هو شرط مسبق ضروري لديمقراطية صحية، وغيابها أو تراجعها النسبي غالبًا ما يُستشهد به كسبب ونتيجة لأمراض اجتماعية سياسية مختلفة معاصرة. لقد نوقش مفهوم المجتمع المدني على نطاق واسع. كإطار تحليلي لتفسير العالم الاجتماعي، فإن فكرة أن المجتمع المدني يجب أن يُفهم، بحكم التعريف، على أنه منفصل عن عمليات الدولة والمؤسسات العامة الرسمية ومعارض لها، لها عيوب مختلفة، ليس أقلها إنها تمنع تقدير العلاقات المعقدة بين الدولة والمجتمع. وبالمثل، من الصعب الدفاع عن فكرة أن الحياة الجماعية المتنوعة للغاية للمجتمعات الرأسمالية الغربية تعزز القيم الاجتماعية التي يمكن فصلها عن السوق وربما تعارضها. عادة ما تتأثر أشكال التوليف والارتباط التي تميز المجتمعات المدنية في الغرب وتتشكل من خلال الأفكار والتقاليد والقيم التي يتم الحصول عليها أيضًا في المجال الاقتصادي.